يحمل لقاء تكنولوجيا البلوكتشين وصناعة الألعاب وعوداً بالنمو لكلتا الصناعتين. فقد وسَّعت الابتكارات في مجال ألعاب البلوكتشين الناشئ حدود الأصول غير القابلة للاستبدال، كما تعد بتقديم المزيد من التطورات في مجالات أخرى منها قابلية التوسع.
كان اللاعبون من أوائل المتبنين للعملات المُشفرة، إذ أنهم يألفون نماذج العملات الافتراضية داخل الألعاب ويتفهمون فوائد دمج شبكات العملات المُشفرة بميدان الألعاب. ومع الازدهار المستمر لصناعة الرياضة الإلكترونية، فلن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل اقتران صعود نجمها بأنظمة عملات مُشفرة لدفع المستحقات ونماذج لامركزية.
وفي حين تُظهر احتمالية الدمج بين صناعتي الألعاب وتكنولوجيا البلوكتشين آمالاً واعدة، ما زالت هناك العديد من العقبات التي تعرقل تقدمها، ولابد من تجاوزها قبل وصولها إلى كامل شعبيتها.
المشهد الحالي
عند تحليل المشهد الحالي لمجال الألعاب المبنية على تكنولوجيا البلوكتشين، من الأسهل النظر إلى فوائد دمج المجالين مقابل العقبات الحالية والمستقبلية التي تواجه تبني هذه المقاربة.
فوائد ألعاب تكنولوجيا البلوكتشين
تُعد تكنولوجيا البلوكتشين أداة مفيدة في ترسانة اللاعبين لأسباب عديدة؛ منها توفير منصات تداول الأصول اللامركزية، وإمكانية إثبات ندرة الأغراض والمقتنيات الافتراضية، وتقديم شبكات سريعة وآمنة لدفع المستحقات، وتمكين مطوري الألعاب من التربح من ابتكاراتهم بشكل مناسب. على الناحية الأخرى، أدى البحث عن حلول لتقديم ألعاب مسلية وقابلة للاستدامة مبنية على تكنولوجيا البلوكتشين إلى ابتكارات مثيرة في قابلية تكنولوجيا البلوكتشين للتوسع وصنع الأصول.
التطبيق الأكثر شعبية لتكنولوجيا البلوكتشين في الألعاب هو الأصول غير القابلة للاستبدال. إذ يمكن لهذه الأصول في الألعاب أن تكون أي شيء، بداية من أشكال لشخصيات اللعبة إلى بطاقات افتراضية خاصة بلعبة معينة يمكن التحقق من ندرتها. ويمكن ضمان موثوقية كل غرض افتراضي على حدة باستخدام معايير العقود الذكية، كبروتوكول التوكنات القياسي ERC-721 أو التطبيق المرجعي الأحدث ERC-1155.
ومن المشكلات الشائعة في عالم الألعاب، عدم القدرة على إثبات مصدر أغراض افتراضية محددة، مما يؤدي إلى الاحتيال. لكن العقود الذكية تضمن للمستخدمين الحصول على مقتنيات أصلية، حيث أنها مقيدة بالبلوكتشين. فقد أصبح تبادل أغراض ومقتنيات خاصة باللعبة صناعة مربحة، تُقدر بحوالي 50 مليار دولار، ومن المتوقع استمرارها في التضخم السريع. وتبادل الأصول داخل اللعبة ليس فقط مربحاً لألعاب الفيديو الكلاسيكية مثل كول أوف ديوتي Call of Duty وكاونتر سترايك Counter-Strike، بل للألعاب المبنية على تكنولوجيا البلوكتشين واسعة الشعبية كلعبة كريبتو كيتيز Cryptokitties، المبنية في الواقع على البلوكتشين.
إن تسهيل تبادل الأغراض الافتراضية والمقتنيات المشفرة داخل اللعبة هدف من أهداف بعض المنصات البارزة كمنصة واكس Wax، أوبن سي OpenSea ورير بيتس Rare Bits، إذ تعمل الأسواق كمنصات تداول لامركزية للأصول غير القابلة للاستبدال، مما يعطي المستخدمين حرية التواصل بطريقة النظير للنظير، مريحة إياهم من النماذج المركزية الحالية. لدى منصات تداول الأصول اللامركزية القدرة على التطور في النهاية إلى أسواق تجارية تموج بالنشاط في صناعات متعددة، بداية من الأصول المالية إلى الأصول المادية المقيدة بسلسلة الكتل.
واحدة من أهم فوائد العملات المُشفرة لعالم الألعاب هي استخدامها كشبكات سريعة وآمنة للمدفوعات. فمنافع استخدام العملات المُشفرة جلية خاصة في الرياضة الإلكترونية، إذ تصنع توكنات أصلية خاصة باللعبة، وتتيح إجراء معاملات سلسة على منصات التداول اللامركزية. وتسمح المنصات، ومنها أوبن سي OpenSea، للمستخدمين بدفع مقابل المقتنيات المشفرة باستخدام الإثيريوم، بينما منصة واكس Wax المستخدمين من استخدام توكن الواكس (WAX) الأصلي. فيما تسمح منصات مثل إنجين Enjin لمطوري الألعاب ببناء عملات وأصول مشفرة قابلة للتداول داخل اللعبة، لتصير جزءًا من نظامها البيئي الفريد. وـخيراً، هناك يونيكوين جولد UnikoinGold، منصة المراهنات على الرياضات الإلكترونية، التي تسمح للمستخدمين باستخدام توكن اليو كي جي (UKG) الخاص بالمنصة والمشاركة في مراهنات لامركزية.
ويمثل التربح من ابتكارات الألعاب مشكلة مزعجة للعديد من مُطوري الألعاب. إذ تُمكن تقنية البلوكتشين مطوري الألعاب من بناء وتوزيع منتجاتهم دون الحاجة إلى وسطاء مُكلفين، عبر توفيرها وسيلة تواصل مباشرة بين المنتج والمستهلك، مما يوفر للمُطورين سيطرة كاملة على عملية إدارة الحقوق الرقمية. ويمكن للمُطورين كسب المزيد من المال عبر تصميم توكنات وأصول فريدة خاصة باللعبة، واستلام دفعات آلية على هيئة عملات مُشفرة باستخدام العقود الذكية.
الجانب الآخر من دمج عالمي تكنولوجيا البلوكتشين والألعاب يتمثل في الابتكارات التي قدمتها التطورات في حلول ألعاب البلوكتشين لصناعة تكنولوجيا البلوكتشين الأوسع. كما ذكرنا مُسبقاً، يُعد التطبيق المرجعي ERC-1155، من تصميم إنجين Enjin، كمعيارٍ جديد للأصول غير القابلة للاستبدال خطوة مهمة في تطورها. وأنتجت إنجين أيضاً منصة تقدم حزم أدوات تطوير برمجيات تضم عقوداً ذكية للعديد من محركات الألعاب كمحرك يونيتي Unity، وأنريل Unreal وغودو Godot. وأُحرِز التقدم في القابلية للتوسع، الناتج عن البحث عن حلول قابلة للتوسع في عالم الألعاب، في صورة القنوات الجانبية لشبكة اللوم The Loom Network، وحزمة أدوات تطوير البرمجيات الخاصة بهم الصادرة مؤخراً. وهناك حلٌ آخر يقدم طبقة ثانية تزيد من قابلية التوسع على شبكة الإيثريوم Ethereum، إذ يمكن للمُطورين استخدام بلوكتشينات جانبية قائمة على بروتوكول إثبات الحصة بالانتداب (DPoS) في بناء تطبيقات قابلة للتوسع ومُستدامة.
العقبات المواجهة للألعاب المبنية على تكنولوجيا البلوكتشين
إن العقبة الجوهرية في طريق دمج تكنولوجيا البلوكتشين وصناعة الألعاب جلية للعين، وتتمثل في القابلية للتوسع. وتواجه الصناعة بشكل عام المشكلة نفسها، مما يثبط من فائدة ألعاب البلوكتشين المتاحة حالياً وقابليتها للاستدامة.
يُعد تطبيق داب رادار DappRadar أداة ممتازة لتقييم نشاط التطبيقات اللامركزية المبنية على شبكة الإيثريوم، وهو يظهر نقصاً واضحاً في أعداد مستخدمي ألعاب البلوكتشين ومنصات تداول الأصول اللامركزية. وفي حين ما تزال موجة ألعاب البلوكتشين في مراحلها الأولى، إلا أنها تظهر افتقاراً عاماً إلى قابليتها للاستدامة في الوقت الحالي. يمكن لأسعار رسوم المعاملات على شبكة الإيثريوم أن ترتفع جداً في أوقات ازدحام الشبكة، وقد صارت العديد من تطبيقات الألعاب الواعدة مغمورة بعد إطلاقها.
لدى الألعاب المركزية ومنصاتها مزايا واضحة في مواجهة الألعاب المبنية على تكنولوجيا البلوكتشين حالياً. إلا أن الحلول الهجينة المثيرة للاهتمام، كلعبة غودز أنتشايند Gods Unchained على منصة الإيثريوم، قد تقدم منظوراً داخلياً لكيفية دمج النماذج المركزية واللامركزية. تعمل لعبة غودز أنتشايند Gods Unchained على خادم مركزي مُشغل بواسطة محرك يونيتي Unity، وهو ما لا يختلف عن أغلبية الألعاب المتاحة اليوم، إلا أن بطاقات اللعبة عبارة عن أصول غير قابلة للاستبدال قائمة على بروتوكول ERC-721 على البلوكتشين، قابلة للتداول في الأسواق اللامركزية.
ومن المشكلات الناتجة عن قيود القابلية للتوسع هو ضيق نطاق الألعاب التي يمكن بناؤها على شبكة البلوكتشين. فقد أدى بطء سرعة الشبكة وضعف مستويات نشاط المطورين إلى العديد من الألعاب التي ما هي إلا تكرارات بسيطة لألعاب الجوال الشعبية أو ألعاب جمع المقتنيات. لكن هذه ليست بمشكلة طويلة الآجل، إذ تركز بعض المشاريع المبهرة كمنصة ديسينتيرلاند Decenterland الافتراضية على خلق عوالم ثلاثية الأبعاد، مما يدفع بالألعاب إلى السعي وراء أهداف أكثر طموحاً.
ستحدد قضية القابلية للتوسع أي المنصات ستُستخدم في النهاية في بناء أغلبية الألعاب التفاعلية، وأيها ستصبح نموذجاً متمحوراً حول الأصول غير القابلة للاستبدال. وبغض النظر عن كل هذا، فإن قيود القابلية للتوسع تخنق قابلية استدامة الأغلبية العظمى من ألعاب البلوكتشين للاستدامة.
سوق الرياضة الإلكترونية المزدهر
يدير سوق الرياضة الإليكترونية الرؤوس دهشة، حيث يستمر في النمو بمعدلات تتجاوز كل التوقعات. يقع السوق تحت هيمنة جهات كبرى، منها شركة فالف للبرمجيات Valve Corporation، ورايوت غيمز Riot Games، وأكتيفيجن بليزارد المتحدة Activision Blizzard. وتبعاً لمسار صناعة الرياضة الإلكترونية الحالي، تُقدر قيمة الصناعة الكلية بأكثر من 138 مليار دولار، مع جمهور عالمي آخذ في التوسع يُقدر بأكثر من 380 مليون مستخدم.
كما يتجاوز حجم الجوائز في الرياضة الإلكترونية جوائز الرياضات الأخرى. فعلى سبيل المثال، يقترب حجم جوائز دورة ألعاب دوتا تو DOTA 2 في عام 2018من 25 مليون دولار أميركي، أكثر من ضعف محفظة دورة اتحاد لاعبي الجولف الاحترافيين بأمريكا Masters PGA Tour البالغة 11 مليون دولار. وتتضح مدى ضخامة فرص نمو سوق الرياضة الإلكترونية ودمجه مع شبكات العملات المُشفرة.
ومن بين المحاولات المبكرة لدمج تكنولوجيا البلوكتشين بالرياضة الإلكترونية التي يجري العمل عليها بالفعل مشروع يونيكوين جولد Unikoin Gold. ومن المحتمل أن تشهد التطبيقات المستقبلية تحول في بنية ساحة شركات الرياضة الإلكترونية. فشركات مثل فالف ورايوت غيمز وأكتيفيجن بليزارد المتحدة تشغل الرياضة نفسها وتلعب دور الاتحاد الحاكم وموزع المحتوى. فعلى سبيل المثال، شركة فالف للبرمجيات هي مُطورة سلسلة لعبة دوتا DOTA، حالياً في إصدارها الثاني دوتا تو DOTA 2. لذا بحكم الواقع، لا تملك فقط شركة فالف اللعبة، لكنها أيضاً تنظم دورات البطولات وتوزع المحتوى. هذا يماثل امتلاك جهة ما لرياضة كرة السلة والرابطة الوطنية لكرة السلة NBA بالإضافة إلى حقوق توزيع الوسائط المرئية.
نجاح النموذج ودفعه بنمو الصناعة لا خِلاف عليه، إلا أنه يمنع المطورين الأصغر من التنافس ضد مثل تلك المنظمات، مما يخلق حاجزاً قوياً أمام دخولهم السوق. وسيسمح إبطال مركزية نموذج تطوير الألعاب للعديد من المُطورين والشركات الأصغر بتوصيل منتجاتهم مباشرة إلى المستهلك وتقديم جيل جديد تماماً من الألعاب المبتكرة، يمكن للجميع الحصول عليه.
لا شك أن ألعاب مثل دوتا DOTA وكاونتر سترايك Counter-Strike ستظل محتفظة بشعبيتها الواسعة وسط جمهور اللاعبين، لكن شبكات البلوكتشين والعملات المُشفرة ستخلق الفرصة لموجة جديدة من الخيارات، ربما يمكنها في النهاية الاستحواذ على السوق من براثن عمالقة الرياضة الإلكترونية. وتمثل منصات إدارة وتجنيد فرق الرياضة الإلكترونية اللامركزية، مثل دريم تيم Dream Team، أمثلة مبكرة لهذه الظاهرة.
خاتمة
إن تقاطع عوالم تكنولوجيا البلوكتشين مع العملات المُشفرة والألعاب واعد للغاية. وعند وضع الارتفاع غير المسبوق في شعبية الرياضة الإلكترونية وتوفير الفرصة للمطورين لكسب المال والمشاركة في مجتمع الألعاب في الحسبان، يصبح من المؤكد مدى تأثير هذا التقاطع على خلق مشهد جديد لصناعة الألعاب.
ومع ذلك، يواجه خروج ظاهرة ألعاب البلوكتشين العديد من العقبات. فمشاكل القابلية للتوسع تكبح تطور العديد من الألعاب في هذه المرحلة، ولابد من تجاوزها قبل أن يمكن للصناعة الوصول لكامل إمكانياتها. وما إن يتم اجتياز هذه العقبة، ترقبوا عصر ألعاب البلوكتشين.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.