1. هل تعاني البتكوين من أزمة في السعة؟

 

أجل. ولم يوجد حلٌ لها منذ فترة، وتزداد سوءاً مع مضيّ الوقت.

 

تعمل البتكوين بالبرمجية التي صنعها مبرمج أو جماعة من المبرمجين يُعرفون باسم ساتوشي ناكاموتو منذ 2007 حتى 2009. ومع كل التحسينات التي أجراها مطورون مساعدون منذ نشأة البتكوين، ما زال الكود الأساسي شبيهًا بما كان عليه منذ 8 سنوات، وما زال يعاني من بعض القيود.

 

المشكلة هي أنَّ المشهد الحالي للنظام البيئي للبتكوين مختلف جداً عما كان عليه وقت نشأة العملة المشفرة. وازداد عدد المشاركين من عشرات المتحمسين الشغوفين إلى ما يزيد عن 10 مليون مستخدم عادي.

 

ومن الطبيعي أن يصاحب نموَّ قاعدة المستخدمين تزايدٌ في عدد المعاملات اليومية، التي تُقدَّر الآن بمئات الآلاف. الواقع المؤسف هو أنَّ شبكة البتكوين، في حالتها الراهنة، عاجزة عن تنفيذ كل هذه المعاملات بالسرعة الكافية.

 

2. لم تعجز البتكوين عن مواكبة المعاملات؟

تكمن المشكلة في مُعامِل محدد يُدعى “حد مساحة البلوك”. الحد الحالي لا يكفي الأعداد المتزايدة من المعاملات.

 

أولاً، تعريف سريع وبسيط بكيفية عمل البتكوين لمن لا يعرفونها. كل المعاملات التي جرت في تاريخ شبكة البتكوين أو ستَجْرِي مسجَّلة في سجل عمومي وثابت اسمه “البلوكتشين”.

 

وكما يوحي اسمه، فإنَّ البلوكتشين هو سلسلة من البلوكات. وكل بلوك بدوره هو مجموعة مغلقة تشفيرياً تحتوي كل المعاملات التي جرت في الشبكة خلال آخر 10 دقائق. ويُضاف كل بلوك جديد إضافةً دائمةً في آخر البلوكتشين ليستطيع كل مستخدم أن يتيقن من إتمام كل عملية منفصلة.

 

في عام 2010، قدم ناكاموتو حداً لمساحة البلوك يساوي 1 ميغابايت، أي أنَّ البلوكات التي تزيد مساحتها عن 1 ميغابايت ترفضها الشبكة تلقائياً باعتبارها غير صالحة. كان هذا إجراءً أمنياً مُصمَّماً لمنع أي هجمة محتملة من هجمات الحرمان من الخدمة من طرف قراصنة يصنعون بلوكات بمساحات ضخمة، بل ولا نهائية أيضاً، وينشرونها في أنحاء الشبكة لأجل شَلِّ حركتها.

 

لكنَّ ذلك القرار جاء بنتيجةٍ عكسية بعيدة المدى على سعة المعاملات في الشبكة.

 

إذ تتكون كل معاملة من بياناتٍ مهمة: المرسل، والمستَقبِل، وعدد عملات البتكوين المنقولة، إلخ. وتشغل تلك البيانات مساحةً، وهي ضئيلة جداً حين نتكلم عن معاملة واحدة. لكنَّها تتراكم مع إتمام مئات المعاملات في كل دقيقة.

 

يمكن لحد المساحة الحالي البالغ 1 ميغابايت واقعياً أن يسع من 3 إلى 7 معاملات بتكوين في الثانية. المشكلة هنا هي أنَّه بالنسبة إلى الشبكة بحدودها الحالية، هذا بالفعل لا يكفي. ولا يزداد الوضع إلا سوءاً مع نمو حجم قاعدة المستخدمين.

 

3. ما هي نتائج حد مساحة البلوك غير الكافي؟

 

الزيادة في متوسط أوقات المعاملات ورسومها. في الأساس، تكتس البتكوين تدريجياً نفس عيوب الحوالات المصرفية.

 

في الأيام العادية، لا زال بإمكان شبكة البتكوين أن تعمل بصورتها الطبيعية. إلا أنَّها أحياناً تصل إلى درجة تحملها القصوى، وهنا تقع المصائب. فقد أبلغ بعض المستخدمين عن انتظارهم عدة ساعاتٍ أو حتى أيام لأجل إتمام معاملاتهم.

 

فضلاً عن أنَّ السرعة التي من المرجح أن يُنفِّذ بها كل مُعَدِّنِ بتكوين أي معاملة بعينها تعتمد اعتماداً مباشراً على حجم رسوم المُعَدِّن، التي يحددها مُرسل المعاملة. وهذا يخلق سوقاً لرسوم المعاملات: لأجل رفع سرعة إتمام حوالاتهم، على المستخدمين منافسة بعضهم البعض في وضع رسوم تتزايد باستمرار.

 

في الأيام الأولى، كانت العمولات تُقاس بمجرد أجزاء من السنت. أما اليوم، إذا شئت إرسال العملات في وقتٍ أقل، سيتعيَّن عليك أن تدفع رسوماً بقيمة عدة سنتات أو حتى دولارات.

 

وعلى مدار الأشهر الماضية، تزايدت تدريجياً أوقات المعاملات وحجم الرسوم، مما جعل البتكوين تبدو أشبه بنظيرٍ فعَّال للحوالات المصرفية. وذلك تهديدٌ وجودي للعملة المشفرة: فإذا صار لدينا بديل أكثر رواجاً وانتشاراً من البتكوين، فلم نستعملها من الأصل؟

 

4. هل هناك حل لأزمة السعة؟

هناك عدة حلول مُقتَرَحة، لم يُنفَّذ أيٌ منها حتى اليوم.

 

تُدرَس أزمة السعة منذ فترةٍ طويلة. ويُزعم أنَّ أول محاولتين جادتين لإصلاحها كانتا BIP 100 وBIP 101، وBIP هي اختصار لـBitcoin Improvement Proposal “اقتراح تحسين البتكوين”. طرحهما في 2015 المطوِّران الرئيسيان في شركة Bitcoin وهما جيف غارزيك وغافين أندرسون على التوالي.

 

هدف كلاهما إلى رفع حد مساحة البلوك وكانا حلَّين يعتمدان على الهارد فورك، أي أنَّه في حال تطبيقهما، ستصبح الإصدرات الأقدم من برمجية البتكوين غير متوافقة مع الشبكة الجديدة. وكان الفارق بينهما أنَّ BIP 100 اقترح جعل حد مساحة البلوك قابلاً للتعديل وفقاً لقرار المُعَدِّنين، أما BIP 101 انطلى على زيادةٍ مباشرةٍ على مرةٍ واحدة من 1 ميغابايت إلى 8 ميغابايت.

 

من ناحية أي الاقتراحين ينبغي تنفيذه، اندلعت مناظرات حادة في مجتمع البتكوين معظم عام 2015. لكنَّها لم تُسْفِر عن شيء. ولم يُنَفَّذ أي من BIP 100 وBIP 101 في الشبكة حتى اليوم.

 

يبدو أنَّ التاريخ يعيد نفسه، فاليوم هناك أيضاً حلَّان آخران يتنافسان على موافقة مجتمع البتكوين: Bitcoin Unlimited وSegWit. لقد أصبحت أزمة السعة غير الكافية للبتكوين الآن حرجةً أكثرَ بكثيرٍ مما كانت عليه في 2015، وما زال لا يوجد خيار واضح يميل إليه الناس في المنافسة المحتدمة المُسَيَّسة كثيراً بين الاقتراحين.

5. كيف يسعى Bitcoin Unlimited و SegWit لزيادة سعة البتكوين؟

يستهدف Bitcoin Unlimited حذف حد مساحة البلوك من الأساس، ما يُمكن المعدِّنين من التوصل إلى إجماعٍ بمفردهم. ويقدم SegWit زيادةً متوسطة في مساحة البلوك إلى ما يصل إلى 4 ميغابايت، عبر نقل بعض البيانات غير الضرورية خارج البلوك.

 

Bitcoin Unlimited هو تطور مباشر للمحاولات السابقة غير الناجحة لحل جدلية مساحة البلوك. وبالنظر إلى فشل الأفكار الساعية إلى زيادة الحد أو جعله قابلاً للتعديل بالزيادة في كسب ما يكفي من التأييد، يستهدف BU إلغاء الحد من الأساس. وبدلاً من ذلك، يُمكِّن BU المعدِّنين من صنع بلوكات بأحجام عشوائية ونشرها في أرجاء الشبكة، لتتنافس مع بعضها على حجز مكانٍ في البلوكتشين.

 

يقدم SegWit حلاً آخر. صُمِّم SegWit في البدء لحل مشكلة غير ذات صلة، وهي إشكالية طواعية المعاملات Transaction Malleability. باختصار، تطلب حل هذه الإشكالية نقل بعض البيانات غير الضرورية، أو “البيانات الشاهدة” Witness data، خارج المعاملات وإخراجها من البلوكتشين.

 

سمح هذا بزيادة مساحات البلوكات إلى ما يصل إلى 4 ميغابايت، مع أنَّ أغلب الخبراء المطلعين على عملية التطوير يقولون إنَّ الشبكة ستستقر على الأرجح عند أحجام بلوكات تبلغ نحو 2 ميغابايت بعد إطلاق SegWit.

 

وهناك طريقة أخرى يمكن أن يزيد بها SegWit سعة المعاملات، لكن بصورة غير مباشرة. ربما يؤمن حل إشكالية طواعية المعاملات شبكة البتكوين بما يكفي لتطوير حلولٍ خارج نطاق البلوكتشين فوق شبكة البتكوين، مثل شبكة Lightning. يمكن أن يقلل هذا من تكلفة معاملات البتكوين بشكلٍ كبير، ويجعلها أسرع بكثير.

 

6. لماذا لم يُنفَّذ BU حتى الآن؟

 

يواجه BU معارضةً كبيرة، وحجة المعارضين الرئيسة هي أنَّ BU سيجعل البتكوين أكثر مركزية.

 

يتوقع البعض أن يؤدي إلغاء حد مساحة البلوك الذي يقدمه Bitcoin Unlimited إلى تضخم خارج عن السيطرة في البلوكتشين. يتجاوز الحجم الحالي للبلوكتشين بأكمله 100 غيغابايت، بمعدل 3 إلى 7 معاملات في الثانية. قارن هذا بـ24 ألف معاملة في الثانية كحدٍ أقصى لمعاملات Visa، وستفهم المشكلة.

 

تشير الحسابات إلى أنَّ البلوكتشين، في حالة زيادة حد مساحة البلوك إلى النقطة الكافية لاستيعاب الجمهور العالمي، سيزيد حجمه إلى بضعة بيتابايت، إن لم يكن أكثر.

 

سيؤدي هذا إلى تزايد مركزية البتكوين، فالشركات الكبرى فقط ستقدر على تكلفة مساحة التخزين والقوة الحاسوبية والسعة النطاقية اللازمة لمعالجة هذه الكميات الضخمة من البيانات، ما سيطرد مشغلي العقد الذين يعملون على نطاقٍ ضيق خارج الشبكة. وهذا يتناقض مع فكرة البتكوين نفسها بصفته المال الذي يديره كل واحدٍ من مستخدميه.

 

7. لماذا لم يُنفَّذ SegWit؟

 

للأسباب نفسها المذكورة أعلاه، تقريباً.

 

ليس SegWit حلاً لا مركزياً مثالياً هو الآخر. يزيد SegWit بمفرده سعة البلوك إلى نحو 2 ميغابايت على المدى القصير، وما يصل إلى 4 ميغابايت في المجمل. وربما يكفي هذا لأعوامٍ أو حتى لعقود، اعتماداً على سرعة نمو الشبكة في المستقبل.

 

لكن، عاجلاً أم آجلاً، ستصل الشبكة إلى حدها الأقصى، وسيتعين زيادة السعة مرة الأخرى. تكمن قيمة SegWit طويلة المدى في حل عيب طواعية المعاملات، ما يمكن من زيادة مدخلات الشبكة عبر تفعيل حلول السلاسل الجانبية مثل شبكة Lightning، وهنا تكمن المركزية.

 

يمكن وصف شبكة Lightning باختصار بأنَّها نظام تسوية متبادلة مبني فوق البلوكتشين. أولاً، تودع عملات البتكوين الخاصة بعددٍ من المستخدمين في قناة دفع منفصلة عبر معاملة بتكوين عادية، يستغرق تأكيدها نحو 10 دقائق، أو أكثر، اعتماداً على درجة ازدحام الشبكة. بعدها تُجرى جميع عمليات الدفع داخل قناة الدفع خارج البلوكتشين، ويعالجها طرف ثالث محل ثقة، فورياً وبتكلفة ضئيلة جداً أو مجاناً.

 

وفي اللحظة التي يتفق فيها كل أعضاء قناة الدفع على التوزيع النهائي لعملات البتكوين، يمكنهم إعادة صافي الرصيد إلى البلوكتشين، ما يسمح لشبكة البتكوين بالتحقق من صحة المعاملات كلها.

 

المشكلة هنا بالنسبة لكثيرٍ من أعضاء مجتمع العملات المشفرة أنَّه لا يوجد فرق حقيقي بين “نظام تسوية متبادلة يديره طرف ثالث محل ثقة” والبنوك، التي هي نقاط سلطة مركزية كان من المفترض أن يقضي عليها البتكوين.

 

8. هل ستُحل الأزمة قريباً؟

 

تتضاءل إمكانية استخدام البتكوين كل يوم، وبالنسبة لنظامٍ بيئي قيمته تتجاوز 17 مليار دولار، لا يمكن أن يستمر هذا الوضع طويلاً. ينبغي حله قريباً، بطريقةٍ أو بأخرى.

 

يتذرع جانبا معركة SegWit ضد BU بحججٍ تصف حل الجانب الآخر بأنَّه يتناقض فيما يبدو مع القيم الجوهرية للبتكوين.

 

لا يقوم الصراع على أسسٍ تقنية فقط، بل سياسية أيضاً. يزعم كل فريقٍ من الفريقين أن الآخر يحاول منع نمو البتكوين أو السيطرة عليه. وهناك نظريات متداولة تصر على أنَّ الجانب الآخر يشن حرباً معلوماتية تمولها سراً الشركات الكبرى (شركة BlockStream تمول SegWit، وشركة Roger Ver تمول BU). وبطبيعة الحال، يود كل طرف أن تؤمن بأنَّ روايته هي “الأصح”.

 

بالاطلاع على الأرقام، يبدو أنَّ الموقف كله قد وصل إلى طريقٍ مسدود. وسيتخذ القرار الأخير أغلبية من المعدِّنين على شبكة البتكوين. في هذه اللحظة لا يشير توزيع التأييد إلى وجود متصدر واضح. يبدو SegWit الخيار المفضل في السباق، لكنَّ Bitcoin Unlimited تمكن من انتزاع الصدارة عدة مرات في السابق.

 

هناك جزءٌ كبير من الشبكة، يقترب من 50 بالمئة، لم يعبر حتى اللحظة عن تأييده الصريح لأي مقترحٍ من المقترحين. ومن المحتمل أنَّ الناتج الأخير سيعتمد على انحيازهم إلى جانبٍ من الجانبين. لكنَّهم قد يستمرون في صمتهم حتى تسوية النزاع بين الحلين المتنافسين.

 

9. ماذا لو لم يتراجع أي جانبٍ من الجانبين واستمر المأزق؟

 

إن لم ينتصر أي جانب انتصاراً حاسماً على الآخر، فهناك احتمالية الوصول إلى تسوية.

 

هناك طريقٌ ثالث ليس بالمستحيل، وقد يكون الأنفع للشبكة. زيادة حد مساحة البلوك وتنفيذ SegWit لا يستبعد كلٌ منهما الآخر، وهناك اتجاهٌ متنامٍ في مجتمع العملات المشفرة إلى القبول بتسوية بين الحلين.

 

في الواقع، لقد تم بالفعل التوصل إلى اتفاق تسوية، مرة واحدة على الأقل. انعقدت مائدة مستديرة في فبراير/شباط 2016 بهونغ كونغ، حضرها ممثلون عن Bitcoin Core، صانعو SegWit، وعدد من شركات التعدين الكبرى، أغلبها تريد زيادة مساحة البلوك. وبدا أنَّ الطرفين قد توصلا إلى اتفاقٍ يقضي بالمضي قدماً في تنفيذ SegWit وتطبيق زيادة ضئيلة في حد مساحة البلوك في الوقت نفسه، ليصل إلى 2 ميغابايت.

 

لكنَّ اتفاق هونغ كونغ لم يُلتَزَم به لسوء الحظ، إذ لم يضف مطورو Bitcoin Core زيادةً في مساحة البلوك إلى النسخة الأخيرة من SegWit، ومن ثمَّ رفض المعدِّنون استعماله.

 

لكنَّ الممارسة بيَّنت إمكانية الوصول إلى اتفاق بين الجانبين المتنازعين، ووجود حلٍ قد يرضي الجميع. ما زال الأمل قائماً بأن تفسح المواجهة السياسية المجال للتعاون المشترك، وأن نرى البتكوين تصبح أقوى من أي وقتٍ مضى.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.