لتاريخ ظهور البتكوين ونشر فكرته دلالة كبيرة، فقد نشر ساتوشي ناكاموتو ورقته البيضاء فى العام 2009 بعد أشهر قليلة من الأزمة الاقتصادية العالمية التي هددت الاقتصاد العالمي وشردت الملايين من بيوتهم ووظائفهم. ولذلك يمكننا أن نرى بيتكوين والعملات المشفرة هي رد فعل على فشل النظام الاقتصادى وعيوبه، وقد لمّح لذلك فى العديد من المناقشات التي تبعت إطلاق بتكوين مع مجتمع العملات المشفرة الصغير للغاية وقتئذ فقد قال على سبيل المثال فى احدى ردوده التاريخية على موقع مؤسسة قرين لقرين:

” اتمني أن يكون واضح للجميع أن طبيعة – انظمة الدفع التقليدي- المركزية هي ما حكم عليهم بالفشل..”

مشكلة التضخم:

يعد التضخم احدى أهم خصائص الانظمة الرأسمالية، ما كنت تستطيع شراؤه مقابل 100 دولار فى عام 1900 ينبغي عليك شراؤه الأن بقرابة 300 دولار، هذا يعني أنك إذا كنت تحتفظ بأموالك منذ عام 1900 فأنت قد خسرت بالفعل 97 دولار بلا أي سبب. وذلك لأن البنوك المركزية تقوم بطبع النقود فى كل عام فعدد الدولارات الموجودة في العالم يزيد في كل عام عن العام السابق وبالتالى فإن قيمة الدولار الواحد تقل مع الوقت.

وربما يكون فقدان النقود لقيمتها ليست هي أكبر مشاكلنا مع التضخم فى العالم العربي، بل المشكلة الاكبر هي أننا نستورد -حرفيًا- تضخم الدول المتقدمة، بسبب اننا نطبع عملتنا المحلية بناءً على ما نملكه من الدولار واليورو فنحن نستورد كم كبير من التضخم الذى يقوم به البنك المركزى الامريكى، فى الحقيقة نحن نستورد الكثير من هذا التضخم، فعلى سبيل المثال يوجد داخل الولايات المتحدة الامريكية اقل من نصف كل الكمية الموجودة من الدولار الأمريكي. وربما يكون هذا مؤشر واضح لمدى تحملنا نحن أيضًا للتضخم الذي يصنعه البنك الفيدرالى الأمريكي كل عام.

أما في بتكوين فإن التضخم غير موجود على الإطلاق، فليس هناك سلطة مركزية تقوم بصك العملة، ومحدد فى الكود البرمجي الخاص ببتكوين عدد كل ما يمكن استخراجه من البتكوين وهو 21 مليون عملة، فى الواقع إن ساتوشي ناكاموتو نفسه قد أشار في نقاشه مع أحد أعضاء منتدى بتكوين توك إلى أن البتكوين سيقوم بعكس التضخم، فعندما تسائل أحد أعضاء المنتدى عن مشكلة موت البتكوين وهي المشكلة التي تحدث إذا فقد أحد الاشخاص مفتاحه الخاص فعندها لا يوجد اي طريقة ممكنة لاستعادة البتكوين الموجود فى المحفظة أو تحويله، فكان رد ساتوشي كالتالى:

” العملات المفقودة لا تقوم بأي شئ سوى زيادة قيمة البتكوين الموجودة مع كل حاملى البتكوين بعض الشئ، تخيل الأمر على أنه تبرع للجميع”

متى سيتم استخراج كل البتكوين؟

نظام تعدين البتكوين مصمم بدقة لكي لا يتم استخراج كل البتكوين فى اطار زمني قصير، فى الحقيقة فإن الخبراء يتوقعون ان يستمر تعدين بتكوين حتى عام 2140، ولكن فى الحقيقة فإن ما تبقى لتعدينه ليس كثيرًا، فقد تم استخراج 80% من اجمالى بتكوين بالفعل. والسبب في هذه المفارقة هي ان مكافأة التعدين تنخفض للنصف كل 21 ألف بلوك، كانت مكافأة التعدين فى البداية هي ٥٠ بتكوين لكل بلوك يتم اكتشافه، انخفضت بعدها فى عام 2012 إلى 25 بتكوين فقط، وفي عام 2016 انخفضت مرة أخرى إلي 12.5 ومن المتوقع انخفاض المكافأة مرة اخرى فى عام 2021، وهكذا حتى عام 2140.

كيف سيربح المعدنّون عندما يتم استخراج كل البتكوين؟

هنالك خطأ شائع بخصوص العملات المشفرة وهو أنه لا يوجد أي رسوم للتحويل، وهو أمر غير صحيح فكل عملية تحدث على بلوكتشين يتم دفع مبلغ بسيط جدًا كعمولة التحويل، يتم تحديد هذه العمولة بناء على قانون العرض والطلب، فأنت تقوم بتحديد العمولة التي تريد دفعها وبناء على تلك العمولة سيقوم المعدنون بتسجيل تحويلك والتحقق منه، عند انتهاء كل البتكوين يحصل المعدنون على ارباحهم من العمولات التي يدفعها المستخدمون فى كل تحويل.

ما الذي سيحدث عند استخراج كل البتكوين؟

يوجد حقيقة اقتصادية واحدة يتفق عليها كل الاقتصاديون، لا يوجد أي شخص يستطيع التوقع بدقة ما الذي سيحدث فى المستقبل، فالاقتصاد مدفوع بتصرفات الأشخاص والبشر معقدون لدرجة يصعب توقعها. ولكننا يمكننا تخيل بعض السيناريوهات، بعضها جيد والآخر سيء وإليك أهم نظريتين حول الموضوع.

١- نظرية الذهب الإليكتروني

إن استخراج كل البتكوين سيعني أنه ستصبح هناك “ندرة” فى البتكوين، مما يعني أنه سيصبح مثل الذهب، أي أن سعره سيستمر فقط بالازدياد تبعًا لمبدأ الندرة، وهو نفس المبدأ الذي يستمد منه الذهب قيمته، وبالتالى ستزيد أسعار بتكوين بشكل كبير وستكون العمولات وحدها قادرة على خلق أرباح للمعدنين.

ولكن الجانب السلبي لهذه النظرية انها تعني أيضًا فقدان الأمل في أن يصبح البتكوين عملة حقيقية نستخدمها بشكل واسع فى حياتنا اليومية. فهي ستصبح حافظة للقيمة يستعملها الأثرياء للادخار فقط.

٢- نظرية السالب

تقول هذه النظرية المتشائمة بخصوص مستقبل بتكوين بأنّه مع استخراج كل البتكوين وزيادة التحويلات والمعدنين سيصبح الأمر غير مجدي لجميع المعدنين، وسيقوم المعدنون بفصل أجهزتهم واحد تلو الأخر مما سيتسبب فى ضعف شبكة بتكوين وسهولة السيطرة عليها والتحكم فيها، لذلك قد تقوم إحدى الشركات بالسيطرة على اكثر من نصف قوة التعدين الأمر الذى يعني السيطرة على بتكوين والتحكم فيها مما سيفقد العملة أهم مميزاتها وهي اللامركزية، الأمر الذي قد يخاطر باحتمالية إكمال العملة للمشوار.