بعد مرور ما يقرب من عقدين على قصف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الشرق الأوسط بالقنابل، لا يزال السلام لم يُحقَق بالمنطقة. والآن مرة أخرى تدعم الولايات المتحدة قوات عسكرية، وهذه المرة بالسعودية. وفي الوقت نفسه، يُجبَر كثيرٌ من دافعي الضرائب بدولٍ متعددة على الدفع مقابل هذه الحملات المشئومة وغير الأخلاقية، دون رأي يقولونه في المسألة. ومع ذلك، توفر البتكوين (BTC) والعملات المشفرة وسائل لتخزين القيمة ونقلها بوسائل سلمية، بدلاً من التبرع لقتل الغرباء خارج البلاد.
الحرب تُموَّل بالإكراه
طبقاً لتصريحات أدلى بها مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية الأسبوع الماضي، ستكون قاعدة الأمير سلطان الجوية السعودية، التي تركتها القوات الأميركية في 2003، الآن مقراً لخمسمئة جندي أميركي إضافي على الأقل، وطائرات، وصواريخ الدفاع الجوي الأميركية. وسيتحمل دافعو الضرائب الأميركيون نسبة كبيرة من تكاليف هذه الخطوة وليس لهم الخيار في هذه المسألة.
ورغم أن الخطوة مفهوم أنها تتعلق بالاستعدادات للدفاع ضد خطر إيران المحتمل، إلا أن للبعض شكوكاً حول صحة هذه المزاعم. وتسببت تقارير الأخبار المثيرة للجدل عن من هاجم من، التي على ما تبدو تُفسر على أكثر من وجه، في تردد العمال الكادحين الذين يمولون كرهاً الآلة العسكرية الأميركية. ومع ذلك، التردد غير ذي أهمية مع تعقب البنوك وأصحاب الأعمال لعملاتهم النقدية الأميركية وفرض الضرائب عليها. إذ عليهم الدفع وإلا لن تكون العواقب محمودة.
العنف باسم السلام
إذاً ما الذي يدفع ثمنه الأشخاص في دول التحالف عندما تأتي الفاتورة الضريبية؟ تخوض أفغانستان غمار أزمة مجاعة وتشرد. وبالعراق، يستمر اليورانيوم المستنفد من أسلحة الولايات المتحدة في الفتك بالرضّع، والأطفال، وصغار البالغين بالدولة، مع تفشي وباء صامت للعيوب الخلقية عند الولادة. وسوريا واليمن ممزقتان وتُعد المستشفيات وحافلات المدارس بعضاً من الأهداف المروعة للطائرات الأميركية بدون طيار. وإذا كان هذا هو “السلام” الذي يدفع الأشخاص مقابله قدراً كبيراً من دخلهم تحت تهديد العنف، فيبدو أنه لا يجدي نفعاً. وفي الواقع، طبقاً لأحد التقارير، في 2018 عمل دافع الضرائب الأميركي المتوسط 63 يوماً فقط لتمويل الإنفاق العسكري. وإن لم يعمل الشخص لتحقيق هذه الغاية، فسيُغرَّم أو يُعتقل.
التوجه للبتكوين من أجل التغيير
هناك الكثير من مستخدمي البتكوين الذين توجهوا لها رغبة جني بعض المال، أو الوصول إلى الثراء الفاحش، ولكن هذا بالكاد هو السبب الوحيد وراء الاهتمام بالعملات المشفرة. إذ أن التوجه منذ البداية كان شديد الفلسفية. ومن المعروف أن ساتوشي ناكاموتو نفسه كتب عنواناً رئيسياً لجريدة التايمز The Times في المعاملة الأولى على بلوك التكوين يقول: “التايمز The Times في 03 يناير/كانون الثاني 2009 المستشار على مشارف برنامج الإنقاذ الثاني للبنوك”. ويمكن القول أن العملات المشفرة كانت دوماً أموالاً ثورية تهدف إلى اللا عنف، والسياسات المالية السليمة، والنظام، والسلام.
عملات نقدية ملطخة بالدماء
ولا يخفى على أحد أن الأنظمة المالية للدولة القائمة على الثقة مدعومة بالقوة. وهذا هو السبب وراء أنه حتى إذا عارض أي شخص تمويل الدمار والمذابح التي تُرتكب عن طريق الحروب، فليس أمامه الكثير من الخيارات لعدم القبول بسلام. فهناك دوماً خطر التعرض للحبس أو الاعتداء من العملاء الفيدراليين والشرطة إذا قاوم. إذ يُطلق على مقاومة وسائل التمويل غير الأخلاقية جريمة “التهرب الضريبي”.
ومع ذلك، بفضل الطبيعة اللامركزية للعملات المشفرة، بدلاً من تحويل الأموال عبر مؤسسة مركزية مثل بنك رئيسي، أصبح من الممكن الآن حمل عدداً لا نهائي تقريباً من العناوين الخاصة والمحافظ، مما يمنح المستخدمين مزيداً من التحكم في أموالهم. وبمقدور الجهات الفاعلة في السوق الاستمتاع بتحويلات فورية مقابل رسوم قليلة، بدلاً من الانتظار في الصفوف “لسحب” ما هو ملكها بالفعل من مؤسسة إقراض أو بنك تحت إشراف الدولة، التي تتعامل بالعملات القائمة على الديون والأفخاخ الائتمانية. ويمكن أيضاً تقسيم الأموال وتوزيعها على عدد لا يحصى من المواقع بسهولة. وعندما يحين وقت الدفع “الطوعي” للأسلحة المُعدة لقتل البشر الآخرين، يمكن ببساطة التزام الصمت واختيار عدم الدفع.
أبواب الاختيار مفتوحة
ومن الغريب أن رفض دفع ثمن العنف يعتبره الكثيرون جريمة. إذ تعتبر الحكومات عدم الرغبة في تمويل قصف الطائرات بدون طيار لحافلات المدارس، أو المستشفيات، أو الغرباء سلوكاً “معادياً للمجتمع”. وانقلبت المفاهيم. ولذلك، ينبغي على كل فرد يرغب في التصرف بشكل أخلاقي وإضعاف هذا النمط المختل أن يقيم المخاطر التي ينطوي عليها الأمر ويتصرف وفقاً لذلك. ولكن لا يمكن إنكار أن الأبواب الآن مفتوحة للحفاظ على قيم المرء من خدمة هذه الغايات البغيضة، إلى حد ما على الأقل. وتُعد العملات المشفرة وسيلة يمكن بها فعل ذلك إذا استُخدمت بشكل سليم.
الخلط، والتخزين، والإدخار
وخلط العملات (وهي عملية يستطيع بها أصحاب العملات المشفرة مثل البتكوين كاش (BCH) خلط ممتلكاتهم ليصبح من الصعب جداً تعقبها)، والبروتوكولات الآمنة الأخرى لإخفاء الهوية تجعل ممارسة الاستقلال المالي أكثر أماناً وسهولة. ويمكن استخدام المحافظ الورقية (وتكنولوجيا التخزين البارد الأخرى) لترك ميراثاً للأحباب خارج شبكة الإنترنت غير قابل للانتزاع عملياً. ومن هذا المنطلق، توفر العملات المشفرة وسيلة لخيار عدم قبول دفع ثروة المرء لإراقة الدماء على رمال الجانب الآخر من العالم.
ويَصعُب كثيراً فعل ذلك إذا كان صاحب عملك يدفع لك بالعملات النقدية، فتُفرض الضرائب على كل شيء تلقائياً، وتتعقب البنوك كل عملية إيداع. وبالطبع كما ذكرنا سابقاً، هناك دائماً مخاطرة، ولكن يعود القرار لكل شخص حامل للقيمة، ولا أحد سواه. وفوق ذلك كله، يمكن أيضاً استخدام العملات المشفرة لإرسال المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها للذين يعانون بالدول الممزقة أو غير المستقرة اقتصادياً.
إيران تنفذ عملتها المشفرة الخاصة
ولم يتضح بعد ما سيكون مآل التوترات الراهنة بين حكومتي الولايات المتحدة وإيران، أو القاعدة الجوية المعاد تفعيلها بالسعودية. ويبدو أن الحكومة الإيرانية التي تنشىء حالياً عملة مشفرة للدولة مدعومة بالذهب، والتي فرضت العقوبات على تعدين العملة نفسها، قد اختارت طريقها، وهو ليس طريق الدولار الأميركي ذي السلطة غير المحدودة.
وفي 21 يوليو/تموز، صرّح عبد الناصر همتي، محافظ البنك المركزي الإيراني، قائلاً:
“تمت الموافقة على آلية لتعدين العملات المشفرة من اللجنة الاقتصادية للحكومة وسوف تُطرح للمناقشة لاحقاً في اجتماع لمجلس الوزراء”.
وهذه أخبار مهمة، خاصةً أن العملة المشفرة الرسمية ستكون توكناً غير ممتثل للدولار الأميركي من الناحية السياسية، ومدعوماً باحتياطيات الذهب المستقرة. وقد أشار نائب وزير الطاقة الإيراني إلى أن إمدادات الطاقة لحقول التعدين ستُناقش قريباً أيضاً.
ورغم تعرض العراق، وليبيا، ودول أخرى لعنف عسكري أميركي خطير بسبب محاولة نبذ الدولار في السنوات الأخيرة، إلا أن إيران رفعت مستوى التحدي ولم تقفز على قطار نبذ الدولار الأميركي وحسب، بل أيضاً على التوجه الهائل القادم لاعتماد العملات المشفرة الذي تراقبه الدولة بحذر. وأثار الحديث عن عملة الليبرا Libra الخاصة بفيسبوك Facebook، والبتكوين، والعملات الأخرى قلق الحكومات حول العالم بطبيعة الحال. ومع ذلك، لن يجلب المزيد من العنف بالشرق الأوسط أي شيء سوى الدماء، وبفضل البتكوين، أصبحت القدرة على اختيار عدم قبول العنف أكثر بساطة قليلاً لحسن الحظ.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.