كتب غراهام سميث، وهو أميركي يعيش في اليابان ومؤسس مبادرة فولانتاري جابان Voluntary Japan، وهي مبادرة تهدف لنشر فلسفة اللامدرسية والحرية الاقتصادية وفكرة ملكية الذات، مقال رأي بموقع بتكوين نيوز عنوان “فيمَ يُستخدم الدولار، سيدي الرئيس؟ أقصد هذا النوع من أموال السلاح الذي يسمّى الدولار الأميركي”. في هذه المقالة، عبّر غراهام عن امتعاضه إزاء الهجوم الذي وجهه الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبتكوين (BTC) وغيرها من العملات المشفرة. وإليكم نص المقالة:

عاد دونالد ترامب لموقع تويتر Twitter مرة أخرى، ولكن في هذه المرة، تحدّث عن البتكوين وأفضلية الدولار الأميركي. مستنداً إلى النقص المتأصل للتنظيم في العملات المشفرة واحتمالية استخدامها في أعمال إجرامية، زعم ترامب أن العملة الرسمية للولايات المتحدة ستظل العملة الأقوى في العالم. ولكن بحسب ما تخبرنا به الأدلة من أرض الواقع، فإن الدولار هو ما يحتاج إلى فحص أخلاقي واقتصادي.

دونالد ترامب يحارب البتكوين

في يوم 11 يوليو/تموز، فعّل الرئيس دونالد ترامب حالة الخرَف القصوى على موقع تويتر، مهاجماً البتكوين وليبرا Libra وغيرهما من العملات المشفرة. إذ قال إن تلك العملات “ليست بأموال” وإنها “قائمة على اللا شيء”. وبالإضافة لتقديمه دفعة هائلة من المغالطات الرياضية والاقتصادية والتاريخية على الإنترنت، ذهب الرئيس إلى ما هو أبعد من هذا، إذ قال: “يمكن للأصول المشفرة عديمة التنظيم أن تسهّل الممارسات الخارجة عن القانون، بما فيها تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة غير القانونية”.

وهو محق بالطبع. لأن العملات المشفرة غير المنظمة يمكن أن تسهل بعض الأنشطة السيئة. ولكن المشكلة في بيانه المكون من ثلاثة أجزاء هي أنه اختتمه بمدح قوة وسيطرة الدولار الأميركي. إذ قال بلهجة أورويلية قوية: “هناك عملة لا تزال هي الأكثر هيمنة في العالم، وستظل كذلك! هذه العملة هي الدولار الأميركي”.

ولكننا عندما نتفحّص الطبيعة الحقيقية للدولار الأميركي مقارنة بالبتكوين وغيرها من العملات المشفرة، سنجد أن كل تلك البلاغة الثائرة تفقد قوّتها، وتتبقى صورة واحدة لحقيقة صادمة، إن لم تكن تراجيدية.

ما هي الأنشطة التي يموّلها الدولار الأميركي؟

نعم، تموّل العملات المشفرة بعض الأنشطة السيئة كما تموّل بعض الأنشطة الجيدة، تماماً كما تفعل العملات الرسمية. إذ يُستخدم الدولار العظيم في شراء الخبز وهواتف الأيفون iPhone وإقامة حفلات أعياد الميلاد. كما يُستخدم أيضاً في تفجير الأطفال الذين يعيشون في دول أخرى، وتمزيقهم إرباً باستخدام القنابل، ويستخدم أيضاً في تهريب المخدرات وخطف الأشخاص العُزَّل وإفقار مليارات البشر وإبقائهم مستعبدين وخائفين. يمكن لسكينة الزبد أن تُستخدم لقطع الزبد، ويمكن استخدامها في القتل أيضاً. إذاً ما هي حجة ترامب؟ وإذا كانت حجته الضمنية هي أن العملات المشفرة تشكل خطورة أكبر من الدولار، حينئذ سيجلب كل من التاريخ والرياضيات وعلوم الاقتصاد سجلاتهم إلينا مباشرة.

أموال الدم

من بين عمر الولايات المتحدة الذي يمثل 243 عاماً، قضت الولايات المتحدة 226 عاماً منها في حروب. إذ أصبح الصراع الدائم هو الحقيقة التي نعرفها الآن. قد تخبرنا قصة مقتل العريف جوزيف ماسييل في عمر يناهز 20 عاماً في أفغانستان، شيئاً عن هذا. إذ كان في عمره ثلاثة أعوام حين بدأت الحرب في عام 2001. وبرغم مأساوية هذه القصة، إلا أنه لا يمكننا الاستناد عليها في تحليل الواقع، لأنها بالفعل قصة شخصية. لكن الأرقام تخبرنا بحقائق لا تقل تراجيدية عن قصة جوزيف.

منذ عام 2001، أهدرت الحروب التي اندلعت في العراق وأفغانستان وباكستان أرواح نصف مليون شخص على أقل تقدير. وكان أكثر من نصف هذا الرقم مواطنين مدنيين غير مسلحين. وهذا بالطبع من دون حساب ضحايا القصف الجوي في اليمن وسوريا والصومال وليبيا وغيرهم. في دراسة أجراها المدير الشريك للمشروع البحثي كوستس أوف وور Costs of War بجامعة براون Brown University، نيتا كراوفورد، جاء ما نصه كالتالي:


“بسبب نقص التقارير، فإن عدد الذين قُتلوا في الولايات المتحدة في حروب ما بعد 11 سبتمبر/أيلول والممثل في هذا الرسم أقل من الحقيقة…بالإضافة إلى ذلك، لا يتضمن هذا الرسم ‘الوفيات غير المباشرة’، إذ يحدث أذى غير مباشر تبعاً للدمار الذي تخلفه الحروب، وهذا يؤدي إلى عواقب ‘غير مباشرة’ على صحة السكان في مناطق الحروب. مثال على هذا هو انقطاع الإمدادات الغذائية والمياه والمرافق الصحية والكهرباء أو غيرها من أشكال البنية التحتية”.

تكلفة الحرب بالدولار الأميركي

أُجبر دافعو الضرائب من الأميركيين على دفع 5.9 تريليون دولار لدعم الحروب في الشرق الأوسط وآسيا في الفترة ما بين عام 2001 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018. قُدّرت التكلفة المعدلة حسب التضخم للحروب العسكرية التي جرت منذ الحرب العالمية الأولى بواسطة لجنة الأبحاث بالكونغرس Congressional Research Service لتفوق 5.6 تريليون دولار. ومع هذه الأرقام الفلكية، واستمرار الحروب في التفشي كالورم، يصعب التعايش مع فكرة السلطة الاقتصادية الهائلة التي تستحوذ عليها الدولة متمثلة في الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة الأميركية.

وحتى لو انخفض الدعم المالي، فهذه ليست مشكلة في رأي الرئيس ترامب. إذ قال: “نتحدث هنا عن حكومة الولايات المتحدة. وأول شيء يجب تذكره هو أنه لن نُجبر على التوقف طالما نستطيع طباعة الأموال”.

لا تقلقوا بشأن النتائج التي ستؤدي إلى انخفاض قيمة العملة. وعليكم أيضاً تجاهل النمط النظامي المتكرر من عنف الولايات المتحدة إزاء أي قائد أو دولة تحاول إيجاد بديلاً للدولار الأميركي كعملة احتياطية. ولدينا أمثلة على هذا: ليبيا والعراق والآن إيران هم محض أمثلة واضحة لما يحدث عندما يتحدى شخص ما “العملة الأكثر هيمنة في العالم” التي يتحدث عندها ترامب.

الدولار الأميركي العنيف والمتقلب والثمل

ما يلي لا يمثل سوى قائمة مختصرة للتذكير بأهم الأنشطة غير المشروعة التي سهلها الدولار الأميركي عبر السنين:

  • استخدم الدولار في تمويل عملية بيبر كليب Paperclip، والتي جلبت القادة النازيين إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ووفرت لهم وظائف في الحكومة الأميركية.
  • استخدم الدولار الأميركي بواسطة الحكومة الأميركية نفسها في تمويل عمليات تهريب المخدرات والاغتصاب والخطف والعنف ضد الأبرياء التي قامت بها مجموعات المتمردين التي تسمى كونترا في أواخر الثمانينيات.
  • في عام 2003، شُحن مبلغ 6.6 مليار دولار أميركي في صناديق لنقلها إلى العراق لمساعدة المواطنين، وبكل بساطة، فقدت الحكومة هذا المبلغ، في أكبر عملية نقل جوي للأموال في التاريخ تقريباً.
  • يموّل الدولار الأميركي عمليات تصنيع الأسلحة التي ينتج عن استخدامها تشوهات الأجنّة بسبب اليورانيوم المنضب. يكون شكل تلك التشوهات منفراً للحد الذي يجعلك تشعر بالغثيان عند رؤيتها.
  • استخدم الدولار في إنقاذ شركات محتالة رغماً عن أنف دافعي الضرائب، إذ دفعت الحكومة مبلغ 700 مليار دولار للتكفل بشركات مثل غولدمان ساكس وغيرها في أزمة عام 2008.
  • فضّلت الحكومة الأميركية أخذ غرامة قيمتها 1.9 مليار دولار بدلاً من إجراء محاكمة جنائية في عام 2012، بعدما اعترف أحد البنوك الكبرى، وهو بنك إتش إس بي سي HSBC، بأنه سمح بفاعلية لمهربي المخدرات والإرهابيين وإحدى عصابات المخدرات المكسيكية بعمليات غسيل أموال قيمتها 800 مليون دولار. وبرغم أن هذا ممنوع بصرامة في القوانين المنظمة للأعمال البنكية، إلا أن البنك احتفظ برخصته بعدئذ.
  • يُستخدم الدولار في دفع مرتبات أعضاء جهاز الشرطة في أنحاء الدولة، هؤلاء الذين تفوقوا على اللصوص في كمية المسروقات وعلى الإرهابيين في عدد القتلى في عامي 2015 و2017 على الترتيب.
  • يستخدم الدولار حتى يومنا هذا في تمويل برنامج الطائرات بدون طيار الخاص بالجيش (لم يعد هناك حاجة لهذا البرنامج للتقرير عن الخسائر البشرية من المدنيين بفضل قرار تنفيذي أصدره الرئيس) والذي أسفر عن قتل 769 مدنياً و253 طفلاً على أقل تقدير منذ بدايته، وهذه الأرقام محافظة للغاية.
  • يستمر الدولار الأميركي رحلته التي استمرت لعقود من تدهور سريع ومستقر في قيمته. فسعر السلعة التي كانت تباع في وقت تأسيس الاحتياطي الفيدرالي عام 1913 مقابل دولار واحد أصبح يفوق 25 دولار الآن.

يمكن لهذه القائمة أن تطول أكثر وأكثر. وطول الفترة التي شملت هذه الأحداث، استمرت الولايات المتحدة في استخدام العنف لقمع العملات المنافسة وتمويل الحروب والقتل والاغتصاب والابتزاز والخطف والسرقة والإرهاب وتجارة البشر والعبودية والإهمال الطبي والاعتداء الجنسي على الأطفال وتجارة العقاقير غير الشرعية وغيرها بنسب متفاوتة من خرق القانون، وكل هذا بفضل “القائمين على” الدولار. فإذا كانت هذه هي نتيجة المواثيق والتنظيمات البنكية، فلم لا يفكر ترامب في منهجية تتضمن رفع يديه عن الأمر؟

البتكوين أم الدولار، من يسيطر على الأسواق الخارجة عن القانون؟

برغم الاختلاف الحاد في البيانات، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتمويل أنشطة العنف والأنشطة الإجرامية، يتفق الجميع أن البتكوين والعملات المشفرة لا تقارن بالدولار ومثيلاته من العملات الرسمية. وتتفق الحكومة نفسها في هذا الأمر. إذ صرحت إحدى مسئولي قسم الخزانة بالحكومة الأميركية U.S. Department of the Treasury جينفر فاولر قائلة: “بالرغم من أن العملات المشفرة تستخدم في معاملات غير قانونية، إلا أن حجم هذه المعاملات يعد صغيراً مقارنة بحجم المعاملات المرتبطة بالأنشطة غير القانونية والتي تتم عبر خدمات مالية تقليدية”.

وهناك بحث حديث يدعم هذه الاكتشافات أيضاً، وبمنظور عالمي، يعادل حجم التجارة السنوية للمخدرات حول العالم 400 مليار دولار، وإذا غالينا في التقدير، وأخذنا بحجم كافة المعاملات غير القانونية للبتكوين (ليست فقط المتعلقة بالمخدرات) فإنه يعادل حوالي 72 مليار دولار. يتضح هنا من الفائز في مسابقة تمويل أنشطة العنف والجرائم، فهو الدولار الأميركي والعملات الرسمية.

أموال الأسلحة ضد الأموال المسالمة

بالرغم من الموجة التي أطلقها الرئيس عبر صفحته على موقع تويتر، والتي أيقظت انفجاراً هائلاً من التعليقات على الإنترنت، إلا أنها تخبرنا شيئاً بسيطاً، وهو أن الفارق بين عملتي الدولار الأميركي والبتكوين سهل جداً: إحداهما مدعومة بالبنادق والأخرى غير مدعومة بالبنادق.

يُجبر الناس على استخدام إحداهما تحت تهديدات بالعنف والقتل في حال الرفض، والأخرى يستخدمها الناس دون إجبار. فإذا اخترت ألا تستخدم البتكوين أو أياً من العملات المشفرة، فلن يهتم لذلك أحد. ولكنه ينبغي عليك تجربة استخدام أموال لا تسقط كالمطر من المطابع السمائية الجليلة للاحتياطي الفيدرالي، أو تجربة استخدام الدولار الأميركي بطريقة لا يستحسنها المنظمون، فستُسجن، وإذا رفضت أن تُسجن، فقد تُقتَل.

فالحال هي أن الحكومة تعطي أوراقاً لا قيمة لها لشخص ما، وتضفي عليها قيمة من “اللا شيء” عن طريق تصويب مسدس على رأسه لإجباره على “تبني” العملة. فإذا لم يكن هذا خلق للقيمة من “اللا شيء” فأنا لا أعلم ماذا سيكون سيدي الرئيس. فهذا ليس النظام الذي تعمل به البتكوين. وليست هذه هي الكيفية التي يعمل بها أي نظام عاقل وأخلاقي.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.