بدأ عدد متزايد من بورصات الأوراق المالية التقليدية يُقدّم منتجات ذات صلة بالعملات المشفّرة. صحيح أنَّه ليس إقبالاً ضخماً، ولكنَّها بلا شك خطوة أساسية لتعريف مستثمريّ الأسهم التقليدية بالعملات المشفّرة في رأي بعض الأوساط. ولكن، هل ستأتي مشاركة بورصات الأوراق المالية في صالح قضية العملات المشفّرة؟ أم أنَّها مجرد محاولة انتهازية من جانبها، بما أنَّها لا تهتم سوى بتحقيق الأرباح، خوفاً من أن تفوتها فرصة تحقيق إيرادات من العملات المشفّرة؟ 

الدخول في مجال نشاط جديد

أعلنت بورصة جامايكا JSE، في 3 أبريل/ نيسان 2019، أنَّها سوف تبدأ بتجربة التداول بعملات البتكوين (BTC) والإيثريوم (ETH) لفترة محدودة في غضون الأسابيع القليلة القادمة؛ وهي الخطوة الأحدث ضمن سلسلة تصريحات أصدرتها البورصة بهدف فتح باب الاستثمار بالعملات المشفّرة. وأدرجت بورصة ناسداك Nasdaq الشهيرة في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة مؤشريّ البتكوين والإيثريوم بدورها. في حين أدرجت بورصة سويسرا الرئيسية SIX منتج مؤشرات متداول قائم على عملة الريبل (XRP). 

وفقاً لمارلين ستريت فوريست، مدير عام بورصة جامايكا، فقد نُفذ المشروع بالشراكة مع شركة التكنولوجيا المالية الكندية بلوك ستيشن Blockstation بهدف استحداث “إطار تنظيمي يتسم بالأمان والشفافية” للتداول بالأصول الرقمية. مع ذلك، من الواضح أنَّ الربح المحتمل كان جزءاً من السبب أيضاً، إذ قالت فورست: “[التداول بالبتكوين والإيثريوم] يمثل فرصة غير مسبوقة أمام بورصة جامايكا كي تنوّع المنتجات التي تقّدمها بحيث تجذب الشركات الجديدة المُقيدة في البورصة والاستثمارات الواردة”. 

من جانبه، صرّح ماتي غرينسبان، كبير محللي السوق لدى منصة الاستثمار العالمية متعددة الأصول ايتورو Etoro، لقسم الأخبار من موقع بتكوين دوت كوم news.Bitcoin.com بأنَّ دافع بورصات الأوراق المالية التقليدية لإضافة العملات المشفّرة هو الخوف من ضياع الفرصة FOMO في الغالب. 

يرى غرينسبان أنَّ: “المؤسسات قد أدركت أنَّ العملات المشفّرة سوف تبقى في السوق. لذلك،  سارعت بالبحث عن طرق تتيح لها الاستحواذ على الفرص التي تقدّمها أصول العملات المشفّرة. ما فعلته بورصة جامايكا ليس سوى دلالة أخرى على أنَّ تبني العملات المشفّرة يحدث تدريجياً بالفعل أمام أعيننا. ويوماً ما، سوف نتوقف قليلاً وننظر حولنا، فنكتشف أنَّ العملات المشفّرة صارت تسيطر على المشهد الاستثماري”. 

وضع مربح لجميع الأطراف  

تختلف بورصات الأوراق المالية عن البنوك في أنّّ البنوك بارعة في الضغط على منافسيها، بينما لا تهتم البورصات التقليدية بانضمام الشركات الناشئة في مجال العملات المشفّرة إلى ميدان عملها. بل على النقيض تماماً، رأى عدد كبير من بورصات الأوراق المالية هذا الأمر على أنَّه وضع مربح لجميع الأطراف. مثال على ذلك: في يوم 25 فبراير/ شباط 2019، بدأت بورصة ناسداك، ثاني أكبر بورصة للأوراق المالية في العالم من حيث القيمة، بتوفير معلومات آنية عن مؤشرين جديدين مرتبطين بسوق العملات المشفّرة هما البتكوين والإيثريوم. 

يرى البعض أنَّ الخطوة التي اتخذتها بورصة ناسداك كانت أساسية لتعريف مستثمريّ الأسهم التقليدية في وول ستريت Wall Street وجميع أنحاء العالم بالعملات المشفّرة، وتحفيز التبني السائد للعملات المشفّرة في الوقت ذاته. لقد سبحت بورصة ناسداك ضد التيار بانجذابها إلى أصول العملات المشفّرة؛ إذ بدأت بنشر تقارير تحليلية عن البتكوين، وعقدت شراكة مع شركة فانيك Vaneck لإطلاق التداول بالعقود الآجلة للبتكوين في عام 2018، حتى مع تدهور سوق العملات المشفّرة آنذاك. 

صحيح أنَّ أغلب المستثمرين ما زالوا يفضّلون التداول بالأسهم العادية بدلاً من العملات المشفّرة الافتراضية، إلا أنَّ وصول بورصات الأوراق المالية التقليدية، بخبرتها الممتدة لأعوام طويلة، إلى سوق العملات المشفّرة سوف يُغيّر الوضع تماماً في المستقبل، وفقاً لمارفن كولبي، المحامي المتخصص في الأوراق المالية والمدير التنفيذي لمنصة الأوراق المالية الرقمية المُسجلة في جزر البهاما ريز (Raise)، الذي صرّح لقسم الأخبار من موقع بتكوين دوت كوم قائلاً: “نظراً إلى أنَّها [أي بورصات الأوراق المالية التقليدية] تتمتع بثقة الأفراد والمؤسسات على حد السواء، فقد وضعت الحكومات أُطراً تنظيمية تتيح لها العمل بأمان”. 

وتابع بقوله: “تُعد بورصات الأوراق المالية بلا شك أحد أهم الأمثلة التي توضّح جهود البشر نحو الاستعانة بأدوات مالية مجزّأة لتوزيع الثروة الاقتصادية على الأفراد في جميع أنحاء العالم. وعليه، فإنَّ قبولها للأصول القائمة على تقنية السجلات الموزعة ودعمها لتلك الأصول ليس مجرد ختماً هائلاً بالموافقة على العملات المشفّرة وغيرها من الأصول الرقمية المماثلة، بل إنَّه يعني أيضاً أنَّ تلك بورصات الأوراق المالية سوف تعمل على تسهيل إمكانية الوصول إلى تلك الأصول أمام عامة الناس من جميع أنحاء العالم”. 

مضيفاً أنَّ العملات المشفّرة وتوكنات الأوراق المالية أصول رقمية من شأنها أنَّ توسّع بشدة من نطاق تأثير المنتجات المالية المجزّأة المُدرجة في بورصات الأوراق المالية وغير المدرجة فيها على حد السواء.

تقنين العملات المشفّرة

أقرّ كولبي بكثرة النزعات الانتهازية التي أظهرتها جهات كثيرة داخل مجال العملات المشفّرة، لكنَّه نفى اعتبار بورصات الأوراق المالية من بينها؛ إذ صرّح قائلاً: “تُعد منصات تداول العملات المشفّرة وبورصات الأوراق المالية من أكثر المؤسسات المؤهلة لمعرفة المنتجات المالية المُجزّأة والقابلة للتقسيم؛ التي هي سمات كثير من العملات المشفّرة. ويبدو أنَّ هذه محاولة جادة من جانب تلك المؤسسات لدخول السوق وتقنينها”. 

لعل منطقة الكاريبي إحدى أكثر مناطق العالم ابتكاراً من حيث العملات المشفّرة: فقد أصدرت المنطقة لوائح تنظيمية تدعم تطوير هذه التقنية وتنميتها، فضلاً عن أنَّ بورصة جامايكا صارت من أوائل بورصات الأوراق المالية التي أعلنت تعاملها مع العملات المشفّرة، قبل عام 2019 بفترة طويلة حتى! بالإضافة إلى ذلك، تعمل بقية منطقة الكاريبي حالياً على صياغة أُطر تنظيمية وتقنيات جديدة للعملات المشفرة، مثل: جزر البهاما وبرمودا وجامايكا وباربادوس. 

لكنَّ المدير التنفيذي لمنصة ريز، مارفن كولبي، قال مُحذّراً: “آمل أن تضع بورصات الأوراق المالية المركزية، مثل بورصة جامايكا، في اعتبارها بجدية أكبر تحوّل العالم بعيداً عن منصات التداول المركزية، والتأثير المتوقع للعقود الذكية في أدوار منصات التداول المركزية التقليدية من إدارة الأصول والتسويات”. 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.