تعرضت منصة بينانس (Binance)، أكبر منصة لتداول العملات المشفّرة على الإطلاق بناءً على حجم التداول، لعملية اختراق يوم الثلاثاء الماضي، 7 مايو/ آيار 2019، تمت سرقة 40 مليون دولار أميركي أو 7 آلاف بتكوين (BTC).

تسنى للمنصة استرداد تلك الأموال؛ بعد أن تمكنت من عقد صفقة مع معدّني الغالبية العظمى من قوة الهاش: بحيث يسترجع المُعدنون سلسلة البلوكتشين في مقابل الحصول على حصة من الأموال المسروقة.

قررت منصة بينانس هذه المرة ألا تعقد الصفقة مع المُعدّنين. ولكن عملية الاختراق ازدادت عُنفًا بمرور الوقت، بينما كل ما كان يتطلبه الأمر هو مكالمة هاتفية خاصة؛ إذ إنَّ الغالبية العظمى من قوة الهاش تقع في قبضة حفنة من الرجال، وهم قادرون على التحالف سويًا واسترجاع سلسلة البلوكتشين.

نجونا بأعجوبة هذه المرة.

هز حدث تعرُض منصة بينانس للاختراق قلب البتكوين، وصار مصدر الانتقاد الرئيسي للإيثريوم (ETH) ساريًا على البتكوين أيضًا: ففي شهر يوليو/ تموز 2016، استطاعت شبكة الإيثريوم إبطال عملية اختراق تعرض لها العقد الذكي للمنظمات اللامركزية المستقلة (DAO) بقيمة بلغت 50 مليون دولار أميركي. أثارت حقيقة كون شبكة الإيثريوم عرضة للتغيير حفيظة العديدين، وكان ذلك أحد الانتقادات الرئيسية التي وجهها البتكوين للإيثريوم. مع ذلك، فإنَّ استرجاع البلوكتشين بعد اختراق المنظمات اللامركزية المستقلة يمكن أن يحدث للبتكوين أيضًا.

لقد حاولت مرارًا وتكرارًا، ولمدة تزيد على العامين الآن، أن أروّج لفكرة أنَّ حركة العملات المشفّرة لا تتعلق بالتكنولوجيا فحسب، بل بالسياسة أيضًا.

وها هي حادثة منصة بينانس تبرهن لنا على أنَّ بروتوكول البتكوين ليس محميًا بالتقنية فقط، بل بالإجماع السياسي أيضًا!

نحن تجاهلنا النسيج الاجتماعي الذي هو مصدر قوة مشروع العملة المشفّرة، وركزنا على الحيل السحرية على أمل أن ينقذنا الابتكار القادم؛ ولكن لا توجد تقنية جديدة قادرة على إنقاذ العملات المشفرة.

لا يمكن حصر المشكلة في أفكار فنية مثل السوق اللامركزية ومنصات التداول المبنية على نظام النظير إلى النظير (p2p) والمعاملات الفورية، لأنَّها أعمق من ذلك بكثير: إنَّنا حاولنا تصميم نظام مثالي أشبه بآلة روب غولدبيرغ (Rube Goldberg machine) (أي آلة شديدة التعقيد مصممة خصيصاً لتنفيذ مهمة غاية في البساطة) يسعى فيه بشر آليون لتحقيق مكاسب مالية سريعة. وفي المقابل، تمت تعبئة المشروع بحشود من الرجال بعقلية عبيد

لا يستطيعون التفكير إلا في مستوى ميمات القمر. أمَّا ذوي المهارات والعقليات الجيدة، فقد بدأوا ينتقلون إلى مشروعات أخرى لأنَّنا لم نعد نُقدّم المستقبل.

عزز ذلك من عقلية الجشع والبخل لدى الناس، وصاروا لا يفكرون في شيء سوى

في مصالحهم الذاتية السريعة أو في شهرة العلامة التجارية للمشروع.

ولهذا، فإنَّ مشروعنا يهدف إلى افتتاح أكاديميات لتدريب القراصنة والمخترقين على العمل في المشروعات بالغة الأهمية لبقاء العملات المشفّرة ولكنها لا تُقدّم مكافآت مالية مباشرة، بشرط  أن يكونوا قراصنة ومخترقين فلاسفة متعددي التخصصات من عصر النهضة. فكلما حضرت مؤتمرًا للعملات المشفّرة، دائمًا ما يكون هناك عددًا كبيرًا من الشباب المثالي الماهر يبحث عن مكان يوجّه طاقته إليه؛ ويجب علينا أن نستفيد من هذه المواد الخام.

لقد التقيت لأكثر من مرة خلال العام الماضي، 2018، بأصحاب ملايين لأحدّثهم عن هذا المشروع، فلم أجد منهم أي اهتمام بالاستثمار بمبلغ 10 آلاف دولار أميركي في ما يُعد الأمل الوحيد لإنقاذ العملات المشفّرة من الهلاك المحتوم، فقط لأنَّه لن يعود عليهم بنفع مباشر. ومع ذلك، كانوا مهتمين بشدة باستثمار مئات الآلاف في مشروعات لا طائل من ورائها فقط لأنَّها ستحقق لهم أرباح في غضون أشهر قليلة. صارت العملات المشفّرة سفينة غارقة يتزاحم الجميع للوصول إلى سطحها أملاً في النجاة.

فلنتخيل للحظة تلك الهبة التي مُنحت لنا، وكم التغيير الهائل الذي قد يسفر عنها! لماذا نفكر على نطاق ضيق هكذا؟

“البتكوين قائم على فكرة الإجماع التقني” أو هكذا يقولون؛ ولكن من يبتكر هذه التقنية؟ إنَّ كيفية تسمية الخصائص، والعمليات التي تسمح بإدخال أكواد جديدة، وحتى الجو العام للمناقشات، كلها عوامل تصيغ كيفية تطوّر التقنية. وبالتالي، فهي ليست ثابتة أبداً. البتكوين أكثر من مجرد قواعد: إنَّه حركة، وأيديولوجية.

كلما طال تجاهلنا لهذه المشكلة، ازدادت سوءاً: فعندما بلغ سعر البتكوين أعلى مستوياته عند 20 ألف دولار أمريكي في العام الماضي، أعلنت أنَّ المشروع يتجه نحو الفشل. وبالفعل، تعرضنا منذ ذلك الحين إلى أسوأ انهيار في السوق سجله تاريخ العملات المشفّرة على الإطلاق. الأفكار هي ما يشكّل كيفية تطوّر التقنية، والناس مازالوا ينتظرون ارتفاع أسعار البتكوين. صحيح أنَّه قد تكون هناك عقبات، لكن طالما أنَّ المحتوى ليس موجودًا، لن يحدث نمو.

من أين تُستلهم الأفكار؟ ليس من الأموال؛ بل المصير والرؤية والغاية هم ما يصنع التاريخ. إنَّنا تقنيون؛ أي أنَّنا نمتلك القدرة على صياغة العالم. وها قد جائتنا الفرصة كي نطيح النظام المالي العالمي بأسره؛ فلِمَ ضيق الأفق؟ ولِمَ قد نضيع هذه اللحظة هباءً؟ فلتكن طموحاتنا كبيرة!

هدفنا هو أن ننتشر في أرجاء العالم بأسره، من خلال الأسواق السوداء الرقمية المجهولة؛ بعيدًا عن رقابة الحكومات وسطوة الاقتصاد.

كيف ذلك؟

بادئ ذي بدء، نحن لا نحتاج لمساعدة رأس المال العالمي أو الجهات التنظيمية، بل يجب أن نُعلن معارضتنا التامة والكاملة للنظام القديم الذي نعتزم تبديله.

ثانيًا، علينا أن نبدأ باستكشاف عالم الأفكار وفلسفة التكنولوجيا والسياسة الجغرافية العالمية وتاريخ الحواسيب الآلية، ثم مزج كل ذلك سوياً لرسم رؤية توضح غايتنا والخطوات المطلوبة للوصول إليها.

ثالثًا، يجب أن يتخطى تفكيرنا حدود موقعنا الحاضر الضيق إلى ما يمكننا الوصول إليه في المستقبل. يجب أن نجد القوة والإرادة اللازمتين للتفوق على أنفسنا والتطلع إلى طموح هائل. فلننمو ونصبح أقوى، ولنغذِ الوحش القابع داخلنا! نحن طاقة، وبداخلنا بذرة التغيير!  

أمامنا الكثير كي نحققه. ولذلك، نحن بحاجة إلى الموسوعات الإلكترونية ومنصات التداول والأسواق والعملات والأدوات المالية وأدوات صنع القرارات السياسية، وغيرها كثير؛ على أن تكون جميعاً قائمة على الإنترنت المظلم ونظام النظير إلى النظير.

لعل أكبر خيبات الأمل كانت الأزمات المالية التي ظهرت فجأة أمامنا: لم نكن مستعدين لاستغلالها لصالحنا، ولم نستطع تجاوزها بسرعة والترّبح من ورائها. بدلاً من ذلك، مرّت على (اليونان وإيران وفنزويلا) وتحوّلت إلى ميمات إخبارية.

من الناحية الأخرى، هناك خبر سار هو أنَّ تناقضات النظام قد بدأت تتزايد، ولم يعد يستطيع التحمّل. وهناك بالفعل جماعات وطنية ودينية متطرفة بدأت تحرّض على توسعة الشقوق والتحوّل إلى الفراغات بعد ذلك. هذا النظام المالي القائم على مصفوفة الدولة الرأسمالية بقيادة الغرب لا يمكن أن يستمر، بل سينهار حتماً.

إذا تمكنّا من وضع الأساس في الوقت المناسب، سوف نكون جاهزين لاستدعاء وحشنا الكاسر عندما يحين ذلك الوقت؛ فنحن المعارضة.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.