كتب مايكل جاي كيسي، رئيس المجلس الاستشاري لمؤسسة كوين ديسك CoinDesk، ومستشار أبحاث البلوكتشين بمبادرة ديجيتال كارنسي Digital Currency بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مقالاً عن العلاقة بين العملات المشفرة ورأسمالية المراقبة. وإليكم نص المقال:

 

لا تنظر إليه، لكن هناك فيلاً في الغرفة. لا، انتظر. إنه قطيع كامل من الفيلة.

 

بينما يدور الشجار والنزاع في مجتمع العملة المشفرة على موقع تويتر Twitter، مما يخلق مساحة لمشاريع العملات وشركات البلوكتشين الناشئة للدفاع عن نفسها ضد مزاعم تبنيها للمركزية، يقوم الداعمون الحقيقيون للمركزية في اقتصادنا الرقمي بنهب بياناتنا وإعادة صياغة الإنسانية بالشكل الذي يستطيعون الهيمنة عليه.

 

وهذا ملخص تحذيري صريح لكتاب “عصر رأسمالية المراقبة: الصراع من أجل مستقبل الإنسان في ظل الحدود الجديدة للسلطة The Age of Surveillance Capitalism: The Fight for a Human Future at the New Frontier of Power” والذي صدر حديثاً للكاتبة شوشانا زوبوف، الأستاذة بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد.

في رأيي: فإن هذا الكتاب، الذي يشرح مفهومي “اليوتوبيا التطبيقية” و”الحتمية التكنولوجية” لدى ملتهمي البيانات من عمالقة وادي السيليكون مثل غوغل Google وفيسبوك Facebook، سيكون نصاً كاشفاً للعديد من الأشياء في عصرنا. اقرأوه فهو في غاية الأهمية.

 

واعتقد بشكل شخصي أنه نص مهم جداً لمجتمع العملة المشفرة، إذ سيشعر القراء بحالة من الاتهام والبراءة تجاه أطروحة زوبوف.

 

إذا كانت تقنية البلوكتشين بصدد أن تلعب دوراً محورياً في تطور الاقتصاد الرقمي العالمي، كمحرك للافضل لا كأداة للهيمنة الحاسوبية، فسيضطر مناصروها لمواجهة رد الفعل العنيف ضد التقنيات التي يدعمها هذا الكتاب.

 

ولكن كيف تصبح البلوكتشين أفضل من الشركات التكنولوجيا الأربعة الأكبر (غوغل وأمازون وفيسبوك وأبل GAFA)؟ كيف لنا أن نضمن ألا تقع في الأنماط نفسها التي تسميها زوبوف بـ”الاستخلاص المفرط للسلوك”؟ مع تزايد قلق الرأي العام بشأن اختراق الخصوصية وفقدان الإرادة الشخصية تتزايد أهمية الإجابة على هذه الأسئلة.

 

لا يسار ولا يمين

 

من الصعب تصنيف هذه الكاتبة. فهي ليبرالية ومؤيدة بشدة للسوق الحرة. لكن دعمها الجريء للحرية الشخصية -المتمثل في تعبيراتها عن الحق في “تقديس الخصوصية” و”توتر المستقبل”- يتماهى مع وجهات نظر الكثيرين من مناصري الخصوصية في مجتمع البلوكتشين.

 

بهتت الخطوط الفاصلة بين اليسار واليمين مؤقتاً. لأن زوبوف ليست من داعمي رأسمالية السوق الخالية من القيود ولا تبجل أفكار الاقتصادي النمساوي فريدريش هايك، المحبوب لدى الكثيرين من محبي البتكوين، والذي تتوافق الكثير من أفكاره مع رؤية مجموعة متمردي التشفير (cypherpunk) تجاه الحرية.

 

زيادةً للتأكيد، ستكون الحلول مختلفة. لأن حل البلوكتشين للتغلب على رأسمالية المراقبة سيكون بالطبع حل تقني، يعزز من قوة الرياضيات والتشفير لتصميم عقدٍ للثقة يستطيع إلغاء الدور المركزي للوسطاء وتكوين رباطات بين البشر في نظام لامركزي.

 

على النقيض، فإن زوبوف قلقة بشأن اليقينية من جدوى الحلول القائمة على الرياضيات، فبدلاً من ذلك هي تركز على أذرع الحكومات. وبكونها مهتمة بتواطؤ الحكومات الغربية في تشجيع النموذج الحالي، فهي تصرُّ أولاً على استعادة ديمقراطية حقيقية لتغيير النظام من خارج نطاق الحلول الرقمية.

 

يكمن إسهامها الأكبر في فهمنا لهذه المشكلة هو أنها قدمت صياغة لوصف ما حدث للمجتمع خلال العقدين الماضيين. ومهمتها هي إخراجنا من الأُطر المرجعية القائمة بالفعل والتي تحد من قدرتنا على إدراك أنماط غير موجودة- مثلما حدث في مطلع القرن الماضي عندما وصف الناس السيارات بأنها “عربة حصان بدون حصان”.

 

أعطت لنا الكاتبة قاموساً لوصف ما كان لا يمكن وصفه، عن طريق صياغتها لكلمات ومفاهيم جديدة مثل “رأسمالية المراقبة” و”الأدواتية” و”الآخر الكبير” والمصطلح المفضل بالنسبة لي “المراقبة كخدمة (SvAAS)”.

 

وهذا بدوره سيؤدي إلى نتائج قوية، إذ سيمكن الهجوم المضاد للمواطنين والشركات والحكومات التي ستشعر بالتهميش نتيجة للخلل الاجتماعي الذي سيظهر في السياسة والقطاعات الاقتصادية وروابط الثقة المنهارة لدينا.

 

كتبت زوبوف: “إذا كانت الديمقراطية بصدد التجديد، فمن دورنا إيقاظ الإحساس بالغضب على خسارة كل ما تم سلبه منّا”.

 

موضوع لا يمكننا إهماله

 

بشكل شخصي، أعتقد أن العديد من آراء زوبوف المعادية للتكنولوجيا متطرفة للغاية. فهي ترى أن مفهوم “العقل الجمعي” يختزل البشر إلى آلات. لكنني على النقيض، أظن أنه من الممكن تخيل عالم معزز بتكنولوجيا المعلومات وبه بشر مميكن وحر التفكير قادر على التعاون والتطوير بشكل جماعي، والتطورات التي أدت لها الاختراعات مفتوحة المصدر في تكنولوجيا البلوكتشين تدل مباشرة على هذا.

 

ما يعزز أهمية الأشخاص أمثال زوبوف هو أن كلماتهم، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، تثير الأحاديث والنقاشات. فشئتَ أم أبيت، ستكون كلماتهم نقطة نقاش لجميعنا يوماً ما.

 

لذلك، إذا تعلق الأمر بالبلوكتشين وكان مناصروها بصدد الترفع عن الأخطاء، لكنهم لسوء الحظ يظهرون صورة نمطية عنهم كفنانين غشاشين ومتداولي اليوم الواحد من عشاق سيارات اللامبورغيني، حينئذ سيكون عليهم خوض هذه النقاشات.

 

سيرى البعض -وهم محقون- فرصة هنا للمطورين الداعمين للخصوصية. هؤلاء الذين يطورون أنظمة براهين المعرفة الصفرية وغيرها من طبقات حماية الخصوصية بإمكانهم التحدث عن رؤيتهم لبروتوكولات لامركزية تستطيع تمكين الأفراد من التحكم في بياناتهم ومنع تحول السجل العام إلى أداة جديدة لاستخلاص السلوك. وهذا رد محتمل على رأسمالية المراقبة.

 

لكن من المهم أيضاً أن رجال الأعمال والمحامين وصانعي السياسات والأكاديميين والصحافيين أصحاب الوعي بالعملات المشفرة هم جزء من هذا النقاش.

 

كيف لنا أن نضمن وضع القوانين الصائبة والمعايير المناسبة وأساليب الممارسات المثلى كي نضمن تقدم التكنولوجيا في اتجاه أكثر صحيةً من ذلك الذي تطور فيه الاقتصاد الحالي على الإنترنت؟

 

فلنركز على هذا السؤال.

 

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.