كثيرًا ما يتم توجيه الاتهام للعملات المشفرة على أنها لا قيمة لها، وأنها مجرد فقاعة يتلاعب بها المستثمرون ويتحكمون باسعارها لخداع الناس وسرقتهم، وكثيرًا ما يقوم غير الدارسين بالادعاء الخاطئ بأن العملات التقليدية كاليورو أو الجنيه مدعومة بما يساوي قيمتها بالذهب ومحفوظة فى البنوك المركزية للدول التي تقوم بسك العملة، غير أن هذا الأمر قد انتهى منذ ما يعرف باسم “صدمة نيكسون” ولكن قبل أن نخوض فى هذه التفاصيل علينا ان نشرح بعض التعريفات الهامة.

 

ما هي العملة بالنسبة للاقتصاد الحديث؟

فى البداية علينا أن ندرك أن علم الأقتصاد ليس كبقية العلوم الطبيعية من حيث أنه لا يقوم بوظيفة التنبؤ بنفس الشكل الذى تتنبأ قوانين الفيزياء بما سيحدث، فعلم الاقتصاد هو علم تحليلي وصفى بالأساس، الأمر الذي جعل ماركس يصفه بأنه درب من الفنون وليس علم، ولذلك فإن علم الاقتصاد لا يستطيع تحديد ماهية العملة أو وضع تعريف ثابت لها، ولكنه يحاول وصف العملات التي يقوم الناس باستخدامها.

اختلف الاقتصاديون كثيرًا حول ما هي الشروط الواجب توافرها  فى أي شيء حتى نستطيع إطلاق مصطلح العملة عليه، ولكن هناك ثلاثة شروط أساسية يجب أن تتوافر فى أية عملة، الأول هو كونها وسيلة للتبادل، وهذا يعني ببساطة قبول الناس واعترافهم بها كشئ ذات قيمة يمكنك تبديله مقابل الخدمات والسلع وتوفير الوقت المستغرق للمقايضة، وهذا الشرط متوفر فى العملات المشفرة كبتكوين وإيثريوم، فيمكنك شراء الخدمات مقابل الإيثريوم على مواقع مثل إيثرلانس Etherlance وكذلك فيمكنك الشراء الكثير من السلع مقابل البتكوين والإيثريوم من العديد من الشركات.

أما الشرط الثاني فهو كوّن هذه العملة وحدة للحساب، أي يمكن قياسها وتقسيمها … الخ والحقيقة أن العملات المشفرة تتميز كثيرًا عن العملات النقدية فى هذا الشرط حيث أن العملات المشفرة عادة ما يمكن تجزئتها إلى 16 رقم بعد العلامة العشرية، أي أنك يمكن أن تصرف على سبيل المثال 0.00000000001 بتكوين وهو ما يعرف باسم المللى ساتوشي على عكس اغلب العملات التقليدية التى لا يمكن تجزئتها إلا إلى 100 أو 1000 جزء فقط.

أما الشرط الثالث الذى يجب ان يتوفر فى العملة فهو أنها حافظة للقيمة بمعنى أنك  يمكنك تخزينها لتحتفظ بالقيمة فهي لا تفسد مع الوقت، والحقيقة أن هذا الشرط غير متوافر فى البتكوين وايثريوم، ولكنه للحقيقة غير متوافر فى العملات التقليدية أفضل، فكل عملات العالم يجب أن تقل قيمتها مع الوقت، وهذا بسبب النظام المالى الحالى والقائم منذ العام 1971.


صدمة نيكسون

كانت العملات التقليدية دومًا مرتبطة بالذهب، يمكنك أن تذهب للبنك المركزى وتستبدل أموالك بما يساوي قيمتها بالذهب في أي وقت.  ولكن بدأت بعض الدول فى فك الأرتباط بين عملاتها والذهب في أعقاب الكساد الكبير 1929، مما أدّى إلى انفلات أسعار العملات وعدم استقرار أيّة عمله على الأطلاق، ولكن بعض العملات كانت ما تزال مرتبطة بالذهب كالدولار الأمريكي الذي كان  يطبع على أساس 20 دولار مقابل كل سبيكة ذهبية يحتفظ بها البنك المركزى.

مع بداية تأسيس النظام المالى الجديد فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وانشاء البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، ظهرت الحاجة إلى وجود عملة موّحدة حول العالم ثابتة القيمة يمكن طباعة العملات الاخرى على اساسها، وكان الاقتراح وقتها بإنشاء عملة  عالمية موحدة مرتبطة بالذهب، ولكن استطاعت الولايات المتحدة الامريكية اقناع الدول الـ 44 التي شاركت فى مؤتمر وضع النظام المالى اتخاذ القرار باعتماد الدولار الأمريكي بدلًا من إنشاء عملة جديدة لا سيما أن الدولار الامريكى مرتبط بالذهب بالفعل وأيضًا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك 80% من سبائك الذهب فى العالم. وأصبح شرطًا على أية دولة تنضم للنظام المالي العالمي الجديد أن تربط عملتها بالدولار الأمريكي الذى يرتبط بالذهب بدوره، وأصبح هذا النظام المالى يُعرف باسم نظام بريتون وودز والذى بدأ العمل به فى عام 1944.

إلى أن جاء العام 1971 وقرر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أن يقوم بعدّة قرارات اقتصادية مصيرية في تاريخ الولايات المتحدة  لمواجهة البطالة والتضخم اللذان ضربا الاقتصاد الأمريكى، وقرر الرئيس ريتشارد نيكسون وقف التحويل الدولي المباشر للدولار الأمريكي إلى سبائك ذهبية، مما يعني تعطيل نظام بريتون وودز بشكل مؤقت، وأصّر الرئيس الأمريكي وقتها أن هذا الأمر هو مجرد إجراء مؤقت وستقوم الولايات المتحدة بالتراجع عنه فيما بعد، الأمر الذى لم يحدث حتى اليوم.

 

على ماذا يستند الدولار إذًا؟

 

بعد فك الارتباط بين الدولار والذهب أصبح الدولار الأمريكى يعتمد على سندات تسمى سندات الدين، تقوم الحكومة وطباعتها وتسليمها للبنك الفيدرالي الأمريكي الذي يقوم بدوره بطباعة دولارات مساوية لهذه السندات، وتقوم الحكومة الامريكية بسك تلك السندات بشكل دورى وبذلك يحدث للدولار تضخم دائم ودوري أيضًا، بالدولار الامريكي ليس حافظًا للقيمة ككل العملات التقليدية، فقيمته تقل مع الوقت.

إن التضخم هو أحدى السمات الملازمة للاقتصاد الرأسمالى، فإذا كان الدولار الأمريكي ثابتًا ولا يقل قيمته يعني هذا أن الاغنياء وكبار رجال الأعمال لن يضطروا إلى استثمار أموالهم للحفاظ عليها وزيادتها، مما سيعني أن الركوض سيصيب الأسواق لأن الأموال لا تدخل فى دورات التشغيل. ولذلك فإن فقدان العملات التقليدية لشرط كونها حافظة للقيمة يعد شرطًا اساسيًا لاستمرار الاقتصاد الرأسمالى.

 

وماذا عن العملات المشفرة؟


الغالبية العظمى من العملات المشفرة لا يمكن أن تصاب بالتضخم، وذلك لأن الكمية المتاحة منها محددة فى الكود الأساسي للعملة، فعملة البتكوين على سبيل المثال محددة ب 21 مليون بتكوين، ولا يمكن زيادتها بأي شكل من الأشكال سوى بتغيير الكود الاساسي للبلوكتشين الخاص بها، ربما تكون العملات المشفرة غير حافظة للقيمة حاليًا بسبب تقلب اسعارها الدائم ولكن من المؤكد أنها فى المستقبل ستكون حافظة للقيمة بشكل أكثر من العملات التقليدية التى يصيبها التضخم باستمرار.

وكذلك تتميز العملات المشفرة يكون معدل تضخمها معروف مسبقًا، فهي لا تخضع للسياسات النقدية وتتأثر بنتائج الانتخابات وشكل الحكم، بل تتأثر فقط بالكود الخاص بها والمعروف سلفًا.

 

كلمة أخيرة

قل ما شئت حول العملات المشفرة كالبتكوين والإيثريوم، لكن العملات التقليدية كاليورو والجنيه ليسوا أفضل حالًا بأي شكل من الأشكال، فلا يوجد ضامن لقيمة البتكوين سوى ثقة الناس بها وقبولها كعملة بين الناس مثلها مثل غيرها من العملات التقليدية، وإذا كانت الحكومات هي من يضمن قيمة العملات التقليدية، هل عوضت حكومة زيمبابوى على سبيل المثال المواطنين عبر تضخم عملتهم، كما رأينا مؤخرًا أن حتي الحكومات التى تواجه مشاكل مع العملات التقليدية قد اتجهت للعملات المشفرة وأفضل مثال على ذلك هو فنزويلا حيث وصل انخفاض قيمة عملتهم أمام الدولار الى مستويات تاريخية بدأت بعدها الحكومة تمويل وانشاء عملة البترو المشفرة.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.