على موقع هاكرنون hackernoon للتدوين، يسرد جونشينغ جانغ، مؤسس إتش إن بلوكتشين HN Blockchain (أحد أكبر مجتمعات البلوكتشين في الصين) ما يظن أنَّها المشاكل الرئيسية التي تتعلق بنمو العملات المشفرة في الفترات الأخيرة، والأهم من ذلك، التي يرى أن تجاهلها ربما يدمر مستقبل العملات المشفرة في نهاية المطاف.

 

يشرح جانغ كيف كان يرغب في كتابة هذه المقالة لفترة طويلة، لكنَّ شيئين منعاه من ذلك، أحدهما يدور حول ما يعتقد أنَّه المفتاح الذي سيرصف الطريق أمام مستقبل العملات المشفرة، أو ما يحب أن يصفه جانغ بـ”الحلم” بأن تصبح العملات المشفرة هي الوسط السائد للتداول في المجتمع المستقبلي؛ لكن بالنظر إلى إصرار مجتمع العملات المشفرة على أن تصل قيمة عملة البتكوين إلى 100 ألف دولار أميركي بحلول عام 2020، والتبني المتزايد للبتكوين، إضافةً إلى الدعوات إلى زيادتها، بدلاً من الاحتفاظ بها، أصبحت مشكلات ذلك “الحلم” أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.

 

بدايةً، يجب توضيح بعض الأمور

 

مجال البلوكتشين والعملات المشفرة بالغ الضخامة. هناك العديد من النقاط التي يمكن بسهولة أن يخلط بينها القادمون الجدد، أو حتى المخضرمين في هذا المجال. لذا قبل الدخول في صلب الموضوع، يوضح جانغ عدداً من الملابسات المهمة لفهم ما ينوي الحديث عنه.

 

1- العملات المشفرة مقابل البلوكتشين

 

يعرف الجميع أنَّ الضجة المحيطة بعالم البلوكتشين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيمة السعرية لسوق العملات المشفرة، أو ببساطةٍ أكثر، بقيمة البتكوين. مع ذلك، علينا ونحن نناقش مستقبل التشفير أن نرسم خطاً فاصلاً بين مستقبل كلٍ منهما. لا تملك العديد من شبكات البلوكتشين عملتها الخاصة، بل إنَّ بعضها حتى لا يحتاج إلى واحدةٍ ليؤدي عمله، ولا يعني تطور أي بلوكتشين بالضرورة زيادة في سعر العملة المشفرة الخاصة به أيضاً. في الواقع، عندما يطرأ تحديث جديد خاص بتطوير شبكة البلوكتشين، قد يؤدي ذلك إلى انهيار قيمتها في أكثر الأحيان. ربما هذا هو السبب الذي يجعلنا نرى تحليلات فنية في مجال العملات المشفرة أكثر من التحليلات الأساسية، لأنَّ الأخيرة ببساطة لا يُعتمد عليها.

 

لذا تذكر أنَّ البلوكتشين لا تساوي العملات المشفرة، ونحن هنا نتحدث عن التشفير كعملة، ليس من ناحية تطوير البلوكتشين. يُشبَّه جانغ الأمر حتى بقابيل وهابيل، فهما أخوة، إلا أنَّهما مختلفان تماماً.

 

2- البتكوين مقابل العملات البديلة

 

نظراً لشهرتها الواسعة، تعد البتكوين العملة الرائدة لجميع العملات المشفرة. إذا حدث تبنٍ سائد لأي من العملات المشفرة، فلا شك أنَّه سيكون للبتكوين. ومع ذلك، هناك فجوة بين البتكوين وغيرها من العملات المماثلة. بينما تعتبر البتكوين الممثل الرئيسي للمستقبل اللامركزي، تبقى العملات المشفرة الأخرى لعبة في يد المضاربين في السوق ومجتمعات المطورين إلى حد كبير. هذه العملات البديلة تخدم أغراضاً مختلفة، وبعضها لن يصل أبداً إلى المعدلات نفسها لتبني البتكوين. فمع أنَّهما يتشاركان تقلبات الأسعار ذاتها -التي سنناقشها لاحقاً- يرى جانغ أنَّهما يختلفان تماماً.

 

ويلفت أيضاً النظر إلى أنَّنا علينا وضع أشياء معينة في الاعتبار حين نتحدث عن المستقبل اللامركزي. فبينما يمكن للبتكوين أن تُحدث ثورة حقيقية في الصناعة المصرفية، وأن يكون لها مستقبل عظيم، لا يشترط أن يكون لبقية العملات المشفرة التأثير ذاته، ولا يخطط مؤسسيها لذلك أصلاً.

 

وبعد توضيح كل هذه الافتراضات، يتطرق جانغ للسؤال الأهم.

 

وظيفية مُهدرة

 

“مهدرة” و”وظيفية” هما كلمتان كبيرتان للغاية، حاول جانغ حصر الكلمتين في سياقات محددة حدثت بالفعل في مجال العملات المشفرة لتوضيح ما يعنيه ذلك.

 

ما يزال الشكل الأكثر شيوعاً للعملات المشفرة حتى وقت كتابة هذه المقالة هو “توكنات الخدمات”. تلك هي العملات التي لها حالة استخدام محددة داخل أنظمة إيكولوجية معينة للبلوكتشين. وتشكل هذه الأنظمة الإيكولوجية ما نعرفه غالباً باسم “الويب 3.0” (إنترنت القيمة أو الأشياء) كنسخة محدثة مفترضة من الويب 2.0 (إنترنت المعلومات) التي ظهرت في التسعينيات. إليك مقتطفاً يشرح بصورة أكثر تفصيلاً ما يعنيه الويب 3.0:

 

“يعد الويب 3.0 أن يقدم للقيمة مثل ما قدمه الإنترنت للمعلومات، ألا وهو التحكم في اللامركزية، وإزالة التباينات، وتغيير الطريقة التي نتعامل بها ونتفاعل مع كل شيء. تعد البلوكتشين بالتمكين، والتخويل، والتغيير الجذري، والثورة، في كل شيء، بدايةً من التحويلات المالية وتداول الأصول، مروراً بتوفير الرعاية الصحية وتنزيل الموسيقى، إلى التعاون ومشاركة الموارد”.

 

بشكلٍ أساسي، يقول جانغ إنَّ ما يستلزمه عصر الإنترنت الجديد تحديداً هو تحقيق اللامركزية في نقل القيمة كما فعلنا مع نقل المعلومات بشكل أشبه بما فعلته أمازون مع الكتب، إلا أنَّنا في هذه الحالة نتحدث عن المال.

 

ومع ذلك، وكما لاحظ القراء الأذكى، فإنَّ هذا النوع من “الثورة” يتعلق بالهيكل الإداري أكثر من كونه تغييراً في الاقتصاد الأساسي.

 

وإذا نظرنا إلى غالبية توكنات الخدمات المتوفرة في السوق حالياً، سنجد أنَّ كثيراً منها يدور حول أساسيات الاقتصاد (الآليات التحفيزية أو المكافآت كعملة ستيم مع شبكة ستيميت)، ويخدم هذه الغاية فقط. تطلق العديد من التطبيقات توكنات باستخدام شبكة البلوكتشين، وتشترط على مستخدمي هذه التطبيقات استخدام التوكن الخاص بها إذا كانوا يريدون استخدام التطبيق، لكنَّ جانغ يرى أنَّ هناك ثلاث مشكلات تكمن في هذا المنهاج:

 

(1) حتى لو كان التوكن كافٍ من الناحية الفنية لأن يكون توكن خدمات داخل التداول، وذلك نظراً لأنَّه يتمتع بقيمة تداول في ما يتعلق بالخدمات المقدمة على منصة التطبيق، فإنَّه لا يختلف عن العملة النقدية التقليدية في التوزيع ونقاط الولاء التي تُمنح في الأصل لاجتذاب العملاء ثانيةً؛ مثل مكافأة الأميال التي تمنحها شركات الطيران للعملاء لكسب أميال جديدة.

 

(2) تظل المنصة مركزية. في حين تطلق العملات المشفرة عبر منصة غير مركزية، ما يزال التطبيق نفسه يستخدم أسلوب الإدارة المركزي. لا يوجد “سحر ثوري” هنا على الإطلاق.

 

إذاً ما يحدث فعلاً في هذا النوع من التطبيقات هو أنَّها خلقت بيئة صغيرة ومحصورة للتطبيق من أجل عملة جديدة معينة فقط. عندما يسأل الناس لو كان لهذه العملات المشفرة حالات استخدام في العالم الحقيقي، فالإجابة ستكون “نعم” بكل ثقة، فهناك تطبيق مخصص لذلك. لكنَّ الحقيقة أنَّه ليس سوى تطبيق مركزي مغلف بغلافٍ تشفيري، ليستطيعوا تسميته بهذا الاسم.

 

وكما هو الحال في مسابقات الأميال التي تطلقها شركات الطيران، يرى جانغ أنَّنا لا نفتقر إلى هذا النوع من برامج جمع النقاط في عصر الإنترنت الحالي. يجب أن يكون الهدف الأساسي من إنشاء عملة مشفرة هو تحفيز الجهات الفاعلة في نظام البلوكتشين الإيكولوجي لتحقيق الإدارة اللامركزية، وليس لتكرار ما تستطيع العملة الورقية فعله بالفعل.

 

هذه وظيفية مُهدرة.

 

إلا أنَّ هناك مشكلة أخرى في هذا النوع من التطبيقات وفقاً لكاتب المقال، وهي مشكلة أكثر فتكاً وانتشاراً من كونها مفيدة لمجتمع العملات المشفرة: اجتذاب المستخدمين.

 

تجربة المستخدم ما تزال أساسية لنجاح المنتج

 

يكمن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه مجال البلوكتشين في أنَّ عدد الأشخاص المهتمين يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسعر عملة البتكوين. وهذا ينطوي على شيئين؛ أولهما أن الاهتمام منصبٌ أكثر على سوق المضاربة في العملات المشفرة. والأهم من ذلك، أنَّ هذا المجال لا يوجد به أي منصة أو شخص استطاع كسب تأييد الجماهير الغفيرة.

 

ليس سهلاً أن ينجح تطبيقٌ يتمتع بخاصية التعامل بالتوكنات أو العملات المشفرة، فهذا في الواقع يضيف المزيد من عبء التعلم على عاتق المستخدمين. أفضل المطورين يصممون التطبيق بطريقة تتيح للمستخدمين تعلم كيفية استخدامه، كأن يمارسوا لعبة ما. لكن إذا كان التطبيق مشتت وغير متسق، يميل المستخدمون إلى حذفه والبحث عن بدائل. وكما نعلم، فإنَّ العديد من التطبيقات التي نبنيها استناداً إلى العملات المشفرة والبلوكتشين في الوقت الحاضر تتنافس بالفعل مع التطبيقات المركزية الموجودة من ناحية سهولة الاستخدام، وجودة الخدمة، والوظيفية. علينا فقط أن نولي المزيد من الاهتمام لتصميم تطبيق سهل الاستخدام، وبالنظر إلى كل ما سبق، لا تخلو النقاط التالية من الصحة:

 

ربما يولي المستخدمون اهتماماً كبيراً لكون تطبيقك لامركزياً ولديه القدرة على تغيير العالم، لكن إذا لم يكن سهل الاستخدام، فلن يستخدمونه على أي حال.

 

وينطبق هذا على منصات التداول اللامركزية، لهذا نسمع في كثير من الأحيان أنَّ المشاريع اللامركزية ما تزال في مهدها. وإذا نظرت إلى نجاح ستيميت Steemit، التي يفترض أنها المنصة اللامركزية الأكثر نجاحاً، ستجد أنَّ ستيميت تبدو كتطبيق عادي، رغم امتلاكها وظائف عصر البلوكتشين؛ مثل الاقتصاد الرمزي، والحوكمة اللامركزية. بحسب جاغن، السوق هو الحكم، وليس ما يخطر ببال المتحمسين للبلوكتشين من أفكار يظنون أنَّها قد تغير العالم.

 

ومع ذلك، يشير جانغ إلى ما يعتقد أنَّه مشكلة رئيسية تؤثر في تجربة المستخدم للتطبيقات التي تستخدم العملات المشفرة بصفتها وسيط تبادل:

 

تقلبات السوق

 

لنرَ كيف يمكن لظاهرة التشفير الشائعة هذه أن تؤثر على التبني السائد للعملات المشفرة. إذا ولج المستخدم إلى حسابه، لا بأس في استخدامه الخدمات التي يتوقعها من المنصة وشراء المنتجات باستخدام التوكن الخاص بها، تماماً كما هو الحال مع العملات النقدية. غير أنَّ العملات المشفرة تختلف عن العملات النقدية، ولا تقرب لها حتى، على الأقل في الوقت الحالي.

 

بالنظر إلى وقت كتابة هذا المقال، وهو منتصف عام 2018، فإنَّ إضافة خاصية ربط العملات المشفرة بالتطبيق تعني أنَّ على المستخدمين الانتباه إلى قيمة العملة، التي تتقلب كثيراً، وغالباً ما تزيد أو تقل بنحو 10% في اليوم الواحد.

 

هنا يطرح جاغن سؤالاً: من يريد أن يظل منتبهاً إلى تقلبات السوق طوال الوقت؟

 

الإجابة هنا هي تجار العملات.

 

هذا هو السبب الذي يجعل كثير من مستخدمي تطبيقات البلوكتشين يتداولون أيضاً العملات المشفرة، لكنَّنا لا يجب أن نتوقع من جميع المستخدمين امتلاك مهارات التداول الأساسية. ما لم تصبح العملات المشفرة عملة مستقرة، سوف يعاني المستخدمون العاديون بالضرورة من تقلب الأسعار وحتى التلاعب بالسوق، وهو موضوع وارد الحدوث في مجال العملات المشفرة.

 

يخلص جانغ إلى أنَّه ما لم يُصمَّم التطبيق القائم على التشفير بطريقة تدمج استخدام العملات المشفرة بسلاسة في تجربة المستخدم، فمن الممكن ألا تكسب العملات المشفرة التبني الجمعي في السوق، فضلاً عن التطبيقات التي تعتمد عليها أصلاً. لذا، يوجه جانغ نداءً إلى أعزائه من عشاق العملات المشفرة: رجاء قبل الاندفاع إلى عالم خيالي تزيد فيه معدلات تبني العملات المشفرة، فكروا للحظة، ما الذي سوف أستخدمها من أجله؟ هل أفعل ذلك لأني مفتون بالفكرة فحسب، أم لأجل الخير؟

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.