عندما اشترى جاستن صن، مؤسس منصة ترون، شركة بت تورنت في واحدة من أكثر صفقات الاستحواذ جدلاً هذا العام، اتضح أنه حتى لم يقدم أعلى مُزايدة.

والأدهى من ذلك أن موقع كوين ديسك Coin Desk كشف أن ترون لم تكن شركة العملات المشفرة الناشئة الوحيدة التي أرادت نصيباً من شركة البرمجيات الرائدة في برمجيات مشاركة الملفات عبر اتصالات النظير إلى النظير. واستناداً إلى الوثائق الداخلية والمقابلات التي تمت مع أناسٍ قريبين من الصفقة استطاع موقع كوين ديسك الكشف عن أن غريم صن الذي نافسه في سعيه للاستحواذ على إحدى أكثر الشركات تأثيرًا فى وادى السيليكون شركة سيليكون فالي كان واحداً من أعتى منافسي الترون؛ ألا وهو مشروع البلوكتشين المسمى بـ”نيو”، والذي تبلغ قيمته مليار ونصف مليار دولار.

وقد قدم المشروع عرضاً أعلى بكثير من عرض صن، من خلال شركة نيو غلوبال كابيتال NGC التي هي شركة رأس المال الاستثماري التابعة له. وهذه حقيقة أكدتها شركة نيو غلوبال كابيتال ومصادر متعددة ملمة بالصفقة.

ووفقاً لما ذكره ويهو واين زو، رئيس قسم الاستثمارات بشركة نيو بلوكتشين، والمستندات الداخلية الخاصة بشركة بت تورنت التي حصل عليها موقع كوين ديسك، فإن شركة نيو غلوبال كابيتال قدمت عرضاً بمبلغ 170 مليون دولار، أي ما يفوق عرض جاستن صن مؤسس شركة ترون بنحو 50 مليون دولار؛ إذ عرض صن 120 مليون دولار للأسهم. ومع ذلك، قبلت الشركة عرض صن في نهاية الأمر.

ولم ترد شركة ترون حين طُلب منها التعليق، ورفضت شركة بت تورنت الرد أيضاً.

ومع أن الأخبار الأولى عن الصفقة قد نُشِرت في يونيو/حزيران، أعلن صن في يوليو/تموز الماضي أنه قد استحوذ على بت تورنت بالنيابة عن شركة ترون التي هي بالأساس مشروع بلوكتشين أسسه صن عام 2017 بعد تركه لشركة ريبل في سان فرانسيسكو. ويمثل هذا الاستحواذ واحدة من أولى المرات التي نجحت فيها شركة عملات مشفرة في الاستحواذ على شركة إنترنت راسخة، تاركةً بذلك مستثمري ترون منتشين من السعادة (رغم أن المشككين في المشروع كانوا أكثر ريبة).

وفي نفس الوقت، تكهن بعض المراقبين بأن صن كان قد اشترى الشركة من أجل قاعدة مستخدميها.

وقد حدثت مواجهات بين مشروعي النيو والترون ولكن بطرقٍ أخرى. فمع اختلاف أهدافهما المعلنة، إلا أن كلا المشروعين يطالبان بحصتهما في سوق بناء بلوكتشينات أسرع وأكثر قابلية للتوسع، وهي سوق تنافسية بالأصل. وكلاهما يزعم أنه ينافس ثاني أضخم بلوكتشين في العالم، وهي الإيثريوم.

وتهدف ترون، التي أطلقت شبكتها في يوليو/تموز الماضي إلى إضفاء الطابع اللامركزي على الإنترنت وقد وضعت نفسها بصورةٍ أساسية كبديلٍ للإيثريوم، إذ أثار صن جدلاً في أبريل/نيسان الماضي بعد أن غرد على تويتر قائلاً أن مشروعه “أفضل” من الايثريوم.

وعلى نفس المنوال، وضعت نيو، التي كانت تسمى في السابق آنتشيرز Antshares، نفسها كبديلٍ للإيثريوم وأصبحت تدعى “الإيثريوم الصيني”،. وينصب تركيز المشروع على العقود الذكية والهوية الرقمية والأصول الرقمية، ويبلغ رأس المال السوقي لعملة النيو 1.5 مليار دولار، في حين يبلغ رأس المال السوقي لعملة الترون 1.6 مليار دولار.

ومع كل أوجه الشبه بينهما، لم يقدم المشروعان لشركة بت تورنت الصفقة نفسها. ورغم تقديم عرض يفوق عرض جاستن صن بمبلغ 50 مليون دولار، إلا أن مجلس إدارة بت تورنت قال في الوثائق إن عرض نيو غلوبال كابيتال “ليس أكثر ملائمة للشركة ومساهميها”، وقَبِل عرض صن.

وهناك أحد القواسم المشتركة الأخرى التي تلقي الضوء على هذه الظروف الغريبة وهو أن كلا المشروعين مقرهما في الصين، وهذه بالتالي يحتِّم مواجهة عقبة القيود على رأس المال.

وحسب ما ذكره موقع كوين ديسك، قال مينهوي تشين، شريك في شركة GBIC التي يساعد تساعد أصحاب المشاريع الحرة على تخطي تعقيدات الصفقات الدولية: “ستوافق الحكومة الصينية على أهداف تجارية محددة فحسب”، واستطرد قائلا “تستغرق هذه العملية أشهراً عدة.”

لكن يبدو أن الحكومة الصينية لم تكن الشاغل الرئيسي لنيو غلوبال كابيتال.


عرضان وصفقة

قام صن بالخطوة الأولى لفتح عملية المزايدة.

ووفقاً لما ذكرته الوثائق التي بينت عملية الاستحواذ، اتصل صن بالمستثمر دافيد تشاو في شركة دي سي إم DCM، وهي شركة استثمارية كانت تسيطر على معظم ملكية بت تورنت، في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017. لكن صن لم يحاول في بادئ الأمر أن يستحوذ على بت تورنت برمتها.

بدلاً منذ ذلك، سعى إلى شراء حصة مسيطرة في الشركة من خلال شراء الأسهم الممتازة لدى شركة دي سي إم، والتي وصلت إلى 99% من إجمالي الأسهم الممتازة. واستناداً إلى الوثائق العامة المُقدَمة إلى وزير خارجية ولاية كاليفورنيا في يونيو/حزيران، يقدر ثمن كل سهم من هذه الأسهم بنحو 1.85 دولاراً في الصفقة النهائية.


عرض صن ما يقرب من 90 إلى 100 مليون دولار مقابل حصة شركة دي سي إم.

إلا أن الوثائق تبين كيف أصر تشاو لاحقاً على شراء صن لأسهم بت تورنت العادية، بالإضافة إلى أسهمها الممتازة؛ خشية ترك أصحاب الأسهم العادية خالين الوفاض.

وظهرت شركة نيو غلوبال كابيتال في الصورة بعد مرور شهر تقريباً من هذه المناقشات، وعقدت اجتماعات مع شركة دي سي إم وبت تورنت. وعلى نقيض صن، سعت الشركة لتصبح المالك الوحيد لشركة بت تورنت منذ البداية حيث عرضت 115 مليون دولار لكل الأسهم الممتازة و 55 مليون دولار لكل الأسهم العادية.

وقال زو إن شركة نيو غلوبال كابيتال كانت مهتمة بالأمر لأنها كانت تأمل في أن تتمكن بت تورنت من بناء نظام لامركزي لتخزين الملفات يكون مفيداً بشكلٍ عامٍ لأي مشروع ويب أو بلوكتشين لامركزي.


ظل واشنطن


عند تلك النقطة، اختلفت الروايات بشأن نقطة واحدة: من تراجع، ومتى تراجع.

في منتصف فبراير/شباط، نقحت شركة نيو غلوبال كابيتال عرضها لإزالة بندٍ ينص على إبطال عملية الاستحواذ في حالة عدم اكتمالها خلال ستة أشهر، وهذا تغيير اعتبرته شركة بت تورنت وشركة دي سي إم تراجعاً فيما يبدو.

وبعد يومٍ واحد من تقديم نيو غلوبال كابيتال خطاب إعلان النوايا المنقّح، قررت بت تورنت و دي سي إم أن عرض نيو غلوبال كابيتال، مع أن السعر المعروض يزيد عن عرض صن، لم يكن “ملائماً” بالمقارنة بعرض صن. وقد تعللت الوثائق أيضاً بوجود “احتمالية عدم إتمام الصفقة نتيجة لكون موعد الإقفال المتوقع للصفقة المقترحة في أواخر عام 2018، ولكون الأصول الأساسية لنيو غلوبال كابيتال هي عملات مشفرة، مما يتطلب تحويلاً إضافياً للعملات الأجنبية قبيل إغلاق الصفقة المقترحة”.

ويرى زو الأحداث بعينٍ مختلفةٍ.

يقول زو إن نيو غلوبال كابيتال عند هذه النقطة أصبحت تشعر بالقلق إزاء لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS). وفي ذلك الوقت، أشعلت محاولات شركات مثل هواوي Huawei وزي تي إي للاستثمار في الاتصالات الأمريكية جدلاً سياسياً ملحوظاً بسبب إمكانية وصول الصين إلى الملكية الفكرية الأمريكية.

هذا إلى جانب أن برام كوهين، المهندس المعماري الرئيسي لشركة بت تورنت، كان ملتزماً بمشروعه الجديد الذي يدعى شيا Chia، وبناءً على ذلك، فهو غير مستعد للعودة إلى الشركة التي تبيَن أنها تُعيقه عن العمل في المشروع.

وقال زو: “لم نكن متأكدين ما إذا كانت بت تورنت متقدمة تقنياً بشكلٍ كافٍ يؤهلها للتحول إلى مشروع الملفات اللامركزية الذي نأمل أن يتحقق”. ورفض كوهين عندما طُلب منه التعليق.

ويرى زو أن نيو غلوبال كابيتال أوصلت لبت تورنت أنها ستبتعد عن الصفقة من خلال التعبير عن قلقهم البالغ من لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة الأمريكية وعدم إعادة النظر في تلك النقطة مطلقاً.

وفي عيد الحب، وافقت بت تورنت ودي سي إم على عرض صن النهائي البالغة قيمته 90 مليون دولار لكل الأسهم الممتازة و30 مليون دولار للأسهم العادية في اليوم التالي.

وتوضح الوثائق إضافة زيادات فيما بعد على السعر تصل إلى 20 مليون دولار تقريباً؛ لمراعاة “صافي رأس المال العامل والديون تحت التحصيل ومصاريف المعاملات غير المدفوعة”.

ما أرادته ترون


لم تكشف بت تورنت الستار بعد عن مشروع ضخم جديد خاص بشركة ترون، إلى جانب أنها أصبحت ممثلاً فائقاً لشبكة ترون في أغسطس/آب.

وتكهن المراقبون وقت إعلان ترون بأن صن قد استحوذ على الشركة من أجل قاعدة مستخدميها أو لإضفاء الشرعية على مشروعه الموصوم باتهامات السرقة الأدبية وعدم تصميم الكود المصدري بشكل صحيح. ومنذ ذلك الحين، ترك العديد من الموظفين بت تورنت تحت إشراف مالكها الجديد، مشيرين إلى مخاوفهم بشأن الإدارة الجديدة وتوجيهاتها.

وصن أيضاً مثله مثل نيو غلوبال كابيتال، فقد حاول إرغام العديد من موظفي بت تورنت السابقين وحاملي الأسهم العادية، ومن بينهم كوهين، على الانضمام من جديد إلى الشركة. ولاحقاً، أسقط صن هذا الشرط قبل تقديم عرضه النهائي.

وقد أسس كوهين وآشوين نافين شركة بت تورنت عام 2004، وهي عبارة عن بروتوكول لتبادل الملفات يقوم فيه المستخدمون بتنزيل ملفٍ واحد من عدة نظراء في نفس الوقت، ويحسن ذلك من السرعة. وفي بعض الأحيان تمثل مشاركة الملفات من نظيرٍ إلى نظيرٍ مساحة كبيرة من كثافة استخدام الانترنت.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها مع نموذجها التجاري، التي دفعتها في النهاية إلى عرض الشركة للبيع، إلا أن هندستها كانت قد تنبأت بالإنترنت اللامركزي الموجود في صميم موجة انتشار التوكنات المشفرة التي نشهدها اليوم. وقد غادر كوهين الشركة في أواخر عام 2017، وهو من ابتكر معظم التكنولوجيا الخاصة بها. وذكر موقع ديسك كوين سابقاً أن شركة بت تورنت حصلت قبل البيع النهائي على حصة صغيرة من شركة كوهين الجديدة، هي بروتوكول بلوكتشين صديق للبيئة يسمى شيا.

وقد انتقلت تلك الحصة إلى صن الذي كان قد نقل بت تورنت إلى مكتب شركة ترون في وادى السيليكون، مؤسساً بذلك أرضية للشركات الصينية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وحتى الآن لا يبدو أن صن قد تورط في مشاكل مع لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة الأمريكية كما كانت نيو غلوبال كابيتال تخشى. والدولة الصينية مسرورة لاستحواذ الشركات المحلية على شركات غربية، طالما أن هناك سبباً يستدعي ذلك.

وقال تشين، الشريك في GBIC: “حينها ستدعمك الحكومة الصينية، لكن العملية ما زالت طويلة ومرهقة”.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.