يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي يستعد لرفع سعر الفائدة في اجتماعه المقرر بين يومي 31 يناير/كانون الثاني، والأول من فبراير/شباط، وذلك بعد رفع سعر الفائدة 7 مرات خلال عام 2022.
ومن المتوقع أن يرفع المصرف المركزي سعر الفائدة القياسية على الأموال الفيدرالية بـ0.25 نقطة مئوية، بحسب موقع Yahoo الأمريكي.
ومن المرجح ألا يكون رفع الفائدة المقبل هو الأخير في الدورة الحالية أيضاً. إذ تظل هناك احتمالات كبيرة بأن يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في اجتماع مارس/آذار 2023 أيضاً، إبان محاولاته السيطرة على معدلات التضخم التي بلغت 6.5% في ديسمبر/كانون الأول عام 2022.
وقد أثّرت أسعار الفائدة المرتفعة على الأسهم، والعملات المشفرة، والسلع الأخرى مثل النفط على مدار العام الماضي. لكن ما الذي يجب أن يتوقعه المستثمرون في الفترة المقبلة؟ وإلى متى سيستمر تأثير بيئة الفوائد المرتفعة على الأسواق؟
أسعار الفائدة المرتفعة ومخاوف الركود بدأت تفقد تأثيرها على السوق
رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة 7 مرات أثناء دورة التشديد الكمي الحالية. لكن من السهل أن نلحظ متى بدأت الأسواق في الانتباه إلى جدية المصرف المركزي حيال إعادة معايرة سياسته النقدية. وحدث ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، عندما بلغت العملات المشفرة والعديد من الأسهم المخاطرة ذروة أسعارها.
ويقول ستيف عزوري، رئيس شركة Azoury Financial في ولاية ميشيغان: “لن تستطيع سوق الأسهم التخلص من قلقها حيال أسعار الفائدة المستقبلية. إذ تُؤثر تكلفة الاقتراض على جميع جوانب الاستثمار، والشراء، والادخار. ويمكن القول إن مجرد التنبؤ بما سيحدث هنا يكفي لإحداث رد فعلٍ في سوق الأسهم”.
ومع ذلك، يبدو أن أسعار الفائدة الآخذة في الارتفاع أصبحت تُقلق المستثمرين بدرجةٍ أقل هذه الأيام، وسط توقعاتهم بأن الاحتياطي الفيدرالي سيكتفي بما حققته سياسته في المستقبل القريب.
حيث قال دان راجو، الرئيس التنفيذي لمنصة تراديير Tradier: “أعتقد أن الأسواق أصبحت أقل قلقاً حيال رفع أسعار الفائدة اليوم، وذلك مقارنةً بالربعين الثالث والرابع من 2022. ويشعر الاحتياطي الفيدرالي والمستثمرون بأنهم قد سيطروا على التضخم نوعاً ما، بعد صدور بيانات التضخم بأرقام أفضل من المتوقع مؤخراً. ويبدو أن الجميع بدأوا يرون الطريق مفتوحاً أمام التوقف عن رفع أسعار الفائدة بنهاية المطاف”.
وقضت مؤشرات الأسهم الكبرى مثل إس وبي 500 غالبية أيام 2022 في حالةٍ من الفوضى، لكن يبدو أن الأوراق المالية بدأت الوقوف على أقدامها منذ أكتوبر/تشرين الأول. وكان أداء الأسهم جيداً في بداية العام أيضاً، مع صعود مؤشر إس وبي 500 بأكثر من 4%. بينما قفز مؤشر ناسداك المركب بأكثر من 8% في انطلاقة العام.
لكن ماذا عن الركود المتوقع بشدة؟ تُشير القوة النسبية للسوق مؤخراً إلى أن المستثمرين يشعرون بتفاؤل أكبر -أو تشاؤمٍ أقل- مما كانوا يشعرون به عام 2022.
إذ أوضح برايان سبينيلي، رئيس الاستثمار المشارك في شركة Halbert Hargrove بكاليفورنيا، أن مسألة حدوث الركود من عدمه ومدى حدته المحتملة ما تزال في علم الغيب. وأردف: “تُعَدُّ الأسهم من المؤشرات الاستشرافية، وتُشير أفضل تقديراتنا إلى أن توقعات الركود الخفيف قد جرى تضمينها في أسعار السوق الحالية بالفعل. وإذا انتهى بنا المطاف إلى ركودٍ أعمق، فمن المرجح ألا يكون مُسعَّراً في أسواق اليوم”.
مما يعني أن هناك مساحة كبيرة أمام الأسواق لتسقط أكثر، وذلك في حال ساءت أوضاع الاقتصاد بشدة.
وقال أوكتافيو ساندوفال، مدير الاستثمارات في Illumen Capital: “عندما أطلق الاحتياطي الفيدرالي سياساته النقدية التقييدية برفع الفائدة عام 2022، أدى ذلك إلى انخفاض قيمة أسواق الأسهم والعملات المشفرة بدرجةٍ مساوية”.
وعاشت الأسهم غير المربحة وعالية النمو عاماً عصيباً في 2022. وربما ارتفعت الأسعار مؤخراً، لكن هذا لا يعني أن أسعار الأسهم أصبحت قريبةً من مستوياتها القياسية السابقة على الإطلاق. ويتجلى هذا الأمر مع أسهم البرمجيات كسهمي Cloudflare وDatadog على سبيل المثال، حيث إن القيمة الحالية لتلك الأسهم تساوي أقل من نصف سعرها القياسي.
وعندما نتحدث عن العملات المشفرة، سنجد أن سعر عملة البيتكوين (BTC) لا يزال أقل بنسبة 65% من أعلى مستوياته المسجلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. وشهدت ثاني أكبر العملات المشفرة، عملة الإيثريوم (ETH)، انخفاضاً مشابهاً خلال الفترة نفسها بالتزامن مع معاناة الأصول الأكثر مخاطرة.
هل سيستمر ارتفاع الفائدة والتضخم في عرقلة الأسهم؟
تحملت الأسهم والعملات المشفرة معدلات تقلب كبيرة، بالتزامن مع أخذ المستثمرين لأسعار الفائدة المرتفعة بعين الاعتبار. لكن ما الذي سيحدث في الأشهر الست المقبلة، بالتزامن مع إتمام العديد من عمليات رفع أسعار الفائدة واحتمالية رفعها عدة مرات أخرى؟
يقول سبينيلي: “ترتفع تكلفة رأس المال على الشركات، ويمكن القول إن شروط إقراض المستهلكين أصبحت أكثر صرامة. ولا تزال هناك شكوك حول المستوى الذي سيتوقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة عنده، وذلك إبان محاولاته للسيطرة على التضخم”.
ولا شك أن تدفق أموال أقل على الأسواق المالية يعني نقصاً صافياً في الاستثمارات إجمالاً، لكن إحدى عادات المستثمرين تتمثل في النظر إلى ما هو أبعد من أخبار اليوم.
وأوضح سبينيلي: “يبدو أن الأسواق بدأت تُسعِّر تعليق سياسة الاحتياطي الفيدرالي في الربع الأول من 2023. وربما يقول الاحتياطي الفيدرالي إنه سيواصل رفع أسعار الفائدة للتأكد من سيطرته على التضخم، لكن الأسواق تشُك في ذلك الموقف خلال المرحلة الحالية”.
ولا يزال هناك انقسام بين مراقبي السوق حول ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيتخذ خطوة كبيرة أم صغيرة في الفترة المقبلة، ويختلفون حول ما إذا كانت تلك الخطوة مُسعّرة في قيمة الأسهم الحالية أم لا. وتُؤدي حالة عدم اليقين هذه إلى تقلبٍ في الأسواق. وتستمر الأسواق في إعادة التكيف مع قرارات رفع أسعار الفائدة الكبيرة في الوقت الراهن، أملاً في أن يتمكن المصرف المركزي من التحكم في التضخم وكبح جماحه. ويبدو الوضع على هذا الحال بعد بيانات التضخم الصادرة في الأشهر الأخيرة، حيث أصبحت الأسواق أقل قسوة.
وانخفضت الفائدة على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات من أعلى مستوياتها المسجلة على مدار 52 أسبوعاً عند 4.33% في أكتوبر/تشرين الأول، ليصل عائدها إلى 3.5% اليوم. ويُشير هذا الانخفاض إلى زيادة توقعات المستثمرين بأن الاقتصاد سيتباطأ على المدى القريب، مقارنةً بتوقعاتهم قبل 4 أشهر.
ومع تجاوز أسعار الفائدة قصيرة الأجل لأسعار الفائدة طويلة الأجل الآن، يتوقع العديد من مراقبي السوق حدوث الركود في عام 2023. ومن المرجح أن يدفع الركود بسوق الأسهم إلى هبوطٍ أكبر، في انتظار أن يتمكن المستثمرون من قياس طول وعمق أي انخفاضٍ اقتصادي مقبل. لكن ذلك الهبوط لن يمنع جولات الارتفاع المتقطعة في السوق الهبوطية.
حيث قال راجو: “يشعر المستثمرون الأفراد بالثقة في أن الاحتياطي الفيدرالي سيُعلن عن رفع أقل لسعر الفائدة في الشهر الجاري، وأتوقع أن يشهد قطاع التقنية قفزةً بعد الاجتماع المقبل. لم تنته هذه الدراما بعد”.
كيف أثرت أسعار الفائدة الأعلى على أسواق التشفير والسلع؟
هناك اثنتان من فئات الأصول الرئيسية الأخرى التي تباينت ردود أفعالها في مواجهة رفع أسعار الفائدة. إذ هبطت أسعار العملات المشفرة كما بقية الأصول المخاطرة. بينما ارتفعت أسعار سلعٍ مثل النفط في مطلع 2022، لكن غالبية حركات الأسعار كانت قصيرة الأجل. ويبدو أن أسعار النفط والعملات المشفرة بدأت تستقر مع التوقعات بتباطؤ أو توقف رفع أسعار الفائدة.
ويجري الترويج للعملات المشفرة عادةً باعتبارها الدواء الشافي لكل داء، سواءً كنا نتحدث عن التضخم أو انخفاض أسعار الفائدة أو ضعف القوة الشرائية أو خفض قيمة الدولار أو غيرها من الأسقام. وكان من السهل الاقتناع بهذه الإيجابيات أثناء الارتفاع المستمر في أسعار العملات المشفرة، بغض النظر عن أداء الأصول الأخرى.
وأوضح سبينيلي: “تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى خفض شهية الاستثمارات المخاطرة، ومن المرجح أن يكون هذا الأمر أحد أسباب الانخفاض الكبير في أسعار الأصول الرقمية على مدار العام الماضي”.
ولا عجب في أن العملات المشفرة استجابت لانخفاض سيولة السوق كما فعلت بقية الأصول المخاطرة، حيث هبطت بالتزامن مع إعلان الاحتياطي الفيدرالي عن نيته رفع أسعار الفائدة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021. أضف إلى ذلك حالات الانهيار رفيعة المستوى، التي ضربت العملات المشفرة ومنصات التداول، مما قوّض ثقة المتداولين في تلك الأصول الافتراضية.
وقال راجو: “سيتحدد مستقبل الأصول المشفرة في 2023 بناءً على حجم شهية المخاطرة الموجودة وسط مجتمع المستثمرين. ولا يبدو أن السوق تتمتع بتلك الشهية في الوقت الحالي”.
وهبطت أسعار العديد من السلع من مستوياتها القياسية المسجلة مؤخراً. حيث أدى التراجع في قيود المعروض وارتفاع أسعار الفائدة إلى انخفاض أسعار تلك السلع قليلاً. ومع ذلك، أدت التوقعات بانتهاء رفع أسعار الفائدة إلى إنقاذ سعر النفط من الهبوط أسفل مستوى الـ70 دولاراً للبرميل مؤخراً.
إذ كان سعر النفط يهبط بثبات في اتجاه مستوى الـ74 دولاراً للبرميل على سبيل المثال، بعد تسجيل ذورته السعرية عند نحو 123 دولاراً في يونيو/حزيران الماضي. لكن سعر النفط بلغ قاعه الأخير في مطلع ديسمبر/كانون الأول عند نحو 70 دولاراً للبرميل.
كيف يجب أن يؤثر رفع الفائدة على استراتيجية استثمارك؟
يتضافر رفع أسعار الفائدة مع ارتفاع التضخم وزيادة الشكوك، ليخلقوا حساءً بطعم التقلب للمستثمرين. وقد يرغب المستثمرون في التحرك بحذرٍ وسط هذا القدر من التقلبات.
لكن أفضل طريقة يُنصح غالبية المستثمرين باتباعها -للتعامل مع سوق كهذه- تتمثل في الالتزام بخطة اللعب طويلة الأجل. وبالنسبة للعديدين، تعني الخطة طويلة الأجل مواصلة الاستثمار بوتيرةٍ منتظمة في محفظةٍ متنوعة -من الأسهم أو السندات-، مع تجاهل ضجيج العالم الخارجي بدرجةٍ كبيرة. بينما تعني بالنسبة لآخرين شراء أسهم صناديق المؤشرات المتداولة المتنوعة، والاحتفاظ بها. وفي الحالتين، لا تسمح للعواطف بالتأثير على خطة استثمارك طويل الأجل.
وربما يخشى المتداولون على المدى القصير من ارتفاع الأسعار، ويحاولون التنبؤ بتوقيت الركود، لكن من الضروري الحفاظ على منظورنا الصحيح للأمور. وبدلاً من محاولة تحديد الوقت الصحيح للبيع، يجب على المستثمرين استغلال تقلب السوق لصالحهم والعثور على الوقت الصحيح لشراء المزيد.
إذ قال غريغ ماكبرايد، المحلل المالي المعتمد ورئيس التحليل المالي في Bankrate: “تُعَدُّ فترات الهبوط بمثابة فرص شراء جذابة للمستثمرين على المدى الطويل”.
أي إنه يمكن اعتبار فترات الهبوط بمثابة توقيت مثالي لإضافة مزيد من الأصول إلى محفظتك الاستثمارية، وبأسعار مخفضة. ونود هنا أن ننقل عن أسطورة الاستثمار وارن بافت قوله: “ستدفع ثمناً باهظاً للغاية في سوق الأسهم مقابل الإجماع المتفائل”. مما يعني أن أسعار الأسهم تُصبح أرخص عندما يقل عدد المتفقين على كونها من الاستثمارات الجذابة.
الخلاصة
ارتفعت أسعار الفائدة في عام 2022، ويدور السؤال الكبير اليوم حول مدى ارتفاعها في عام 2023. وقد ينظر المستثمرون على المدى الطويل إلى العام الجاري باعتباره فترة مثالية، لأنها ستُتيح انتقاء بعض الاستثمارات الجيدة بأسعار تنافسية.
فما العمل في حال واصلت قيمة الأسهم انخفاضها؟ سنجد إجابة هذا السؤال لدى بافت أيضاً، حيث قال: “تأتي الفرص بوتيرةٍ متقطعة. وعندما تمطر السماء ذهباً؛ فعليك أن تخرج بالدلو لا الكُشتبان”.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.