بدأت سردية الذكاء الاصطناعي تكتسب الزخم خلال السنوات الأخيرة؛ إذ وصلت تطبيقات مجانية مثل دردشة جي بي تي المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتطبيق دال-إي لإنتاج الصور، إلى أيدي الملايين من أوائل المستخدمين. فهل من الممكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي أحد محركات دورة السوق التالية؟ يحاول مطورو العملات المشفرة التربُّح من هذا المجال الناشئ منذ فترة. فما المشروعات التي يجب متابعتها؟ وما هي عملات الذكاء الاصطناعي بعبارةٍ أخرى؟
يُمثّل الذكاء الاصطناعي مخاوف الناس وآمالهم على حدٍ سواء. إذ يأملون أن تؤدي هذه التقنية إلى رفع أعباء تأدية الكثير من الأعمال عن كاهل البشر. ولا شك أننا سنستفيد بوجود بعض “الروبوتات” لتخفيف آثار الانهيار السكاني، الذي يضرب مساحات شاسعة من العالم الغربي. حيث أصبحت مواليد الأجيال الأصغر أقل من أن تُعوِّض وفيات جيل طفرة المواليد. بينما يخشى العديدون على الجانب المقابل من أن الذكاء الاصطناعي سيسلب الناس وظائفهم التي تهمهم، بعد أن تأتي الخوارزميات والروبوتات لتؤدي جزءاً من عملهم.
عوامل الضخ والعوامل الأساسية
يجب ألا يسيطر علينا الحماس أو الخوف بدرجةٍ أكبر من اللازم، ولا بد أن نحافظ على الحياد ونبحث عن فرص الاستثمار باعتبارنا من مستثمري العملات المشفرة. وقد تظهر تلك الفرص على المدى القريب أو البعيد. ويعتمد التداول في المدى القريب على الاستفادة من الضجة والزخم. حيث بدأ الجميع في اختبار تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة مثل دردشة جي بي تي في أواخر 2022 ومطلع 2023. وأصبحت سردية أن “الذكاء الاصطناعي سيغير العالم” تسيطر على عقول الجميع. لهذا شهدت عملات الذكاء الاصطناعي ضخاً كبيراً في أسعارها، رغم أن تلك العملات لم تكن مرتبطةً بتطبيقات الذكاء الاصطناعي الشهيرة بصورةٍ مباشرة.
وهنا يكمن جمال أسواق التشفير، حيث تتدفق الأموال أينما اتجه الاهتمام الجماعي. وإذا لفت إيلون ماسك انتباه الجميع إلى عملات شيبا إينو مثلاً، فسوف ترتفع أسعار عملات الكلاب. وإذا تحوّل اهتمام الجميع إلى الذكاء الاصطناعي، فسوف تشهد عملات الذكاء الاصطناعي حالات ضخ كبيرة. وخذ على سبيل المثال حجم الاهتمام الذي أحاط بالميتافيرس بعد أن غيرت شركة فيسبوك اسمها إلى ميتا في عام 2021. حيث أسفر ذلك الاهتمام عن ضخ كبير في أسعار “عملات الميتافيرس”. بينما كانت حالة الضخ التي شهدناها في الأسبوع الماضي قصيرة الأجل، لأنها كانت أشبه بـ”دخانٍ بلا نار”.
لكن الحديث عن السرديات الحالية وحالات الضخ قصيرة الأجل لن يكون أفضل مُعبّرٍ عن الإطار الزمني الأطول، الذي تمتد بطوله تلك الاتجاهات الأساسية. ولا شك أننا نشهد بعض التطورات المثيرة للاهتمام في جوهرها، كما يكتسب الذكاء الاصطناعي زخماً في الوقت الراهن. إذ قدرت شركة PWC المعروفة أن الذكاء الاصطناعي سيساهم بنحو 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول 2030، ما سيزيد إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 14%. وكان مارك آندرسن محقاً عندما تنبأ بأن “البرمجيات تأكل العالم”، حيث كان يعني أن كل شركة ستعتمد على تطبيقات بعينها لتحقيق الربح. لكن يمكننا إعادة صياغة مقولة آندرسن اليوم لتصبح: “الذكاء الاصطناعي يأكل العالم”.
فكيف سيكون شكل الشراكة بين الذكاء الاصطناعي والجيل الثالث للويب إذاً؟
الذكاء الاصطناعي والجيل الثالث للويب
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفيد الجيل الثالث للويب أو العكس؟ حسناً، الإجابة هي نعم في الحالتين. إذ تقدم تقنية البلوكتشين في البداية طريقةً موثوقة لتخزين وتوزيع نماذج الذكاء الاصطناعي، وهي طريقة لا وجود لها في أي مكان آخر. كما توجد فائدة ضخمة بالقدر نفسه في الاتجاه المعاكس، حيث سيفتح الذكاء الاصطناعي الباب أمام التحليل والتوقعات الذكية المبنية على بيانات الشبكة.
ويُمكن القول ببساطة إن دور الذكاء الاصطناعي يتمثل في الاستفادة من مزايا امتلاك مجموعات بيانات ضخمة. ويقودنا سياق الجيل الثالث للويب إلى المجالات المهمة التالية:
- التعلُّم الآلي: حيث تتعلم أجهزة الحاسوب من البيانات دون برمجتها بشكلٍ صريح. وهناك الكثير من البيانات التي يمكن التعلم منها على البلوكتشين!
- معالجة اللغة الطبيعية: تتعلم أجهزة الحاسوب فهم لغة البشر والاستجابة لها بصورةٍ طبيعية. ولدينا مثال هنا يتمثل في دردشة جي بي تي.
- التحليلات التنبؤية: وهي استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأحداث، واتجاهات الأسعار، والسلوكيات المستقبلية.
ويمكن أن يندمج الذكاء الاصطناعي مع الجيل الثالث للويب في مجالات مثل الرعاية الصحية. حيث يمكن الجمع بين ثبات وخصوصية تخزين بيانات المرضى على السلسلة وبين الذكاء الاصطناعي، الذي يمكنه تحليل البيانات وإنتاج النماذج التنبؤية عن الأنماط الصحية لكل مريض.
وتمثل سلاسل التوريد أحد المجالات الأخرى المناسبة لذلك الاندماج. إذ تُتيح تقنية البلوكتشين ميزة التتبع الموثوق للمنتجات، ويُمكن دمجها مع الذكاء الاصطناعي من أجل تنظيم سلسلة التوريد بكفاءةٍ أكبر.
أمثلة لحالات استخدام الذكاء الاصطناعي على السلسلة
- التحليلات على السلسلة باستخدام الذكاء الاصطناعي
يستطيع الذكاء الاصطناعي فهم مجموعات البيانات الضخمة بسرعة. بينما تُعتبر المعاملات على السلسلة بمثابة مجموعات بيانات ضخمة. ويُمكن تدريب خوارزميات التعلم الآلي على رصد الأنماط التي سبقت عمليات الاحتيال والاختراقات الكبرى على السلسلة، وذلك من أجل منح المحاولات المستقبلية التي تتبع النسق نفسه. ولدينا مثال على ذلك من شبكة إلروند Elrond، التي بدأت في استخدام خدمات شركة Anchain.AI المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، وذلك من أجل نشر تحليلات الويب على شبكتها والمساعدة في منع عمليات الاحتيال.
- استخدام التطبيقات اللامركزية للذكاء الاصطناعي
تستطيع غالبية التطبيقات الوصول إلى البيانات الموجودة على السلسلة فقط في الوقت الحالي، ولهذا من الصعب عليها امتلاك عقود ذكية بقدرات الذكاء الاصطناعي. وقد تكون قدرة الذكاء الاصطناعي على فك شفرة البيانات المعقدة بمثابة تحسينٍ كبير، وذلك مقارنةً بأي أوراكل قياسي يُستخدم في جمع البيانات الخارجية حالياً. وهناك شبكة بلوكتشين قائمة على الذكاء الاصطناعي بالفعل، وهي شبكة أورايتشين Oraichain التي تُتيح لمطوري التمويل اللامركزي الوصول إلى خدمات الأوراكل بالذكاء الاصطناعي.
- التمويل اللامركزي والذكاء الاصطناعي
في مجال التمويل اللامركزي، تستطيع تحليلات الذكاء الاصطناعي لبيانات السوق التاريخية أن تؤدي إلى بناء نماذج أفضل للتنبؤ بحركات السوق، مع بروتوكولات أفضل في زراعة العائد.
ما هي عملات الذكاء الاصطناعي؟ المعاول والمجارف
ماذا عن العملات إذاً؟ هل هناك مشروعات ذكاء اصطناعي/بلوكتشين أصدرت أي عملات؟ لقد أصدرت بعضها عملات بالفعل، بينما لم تصدر الأخرى أي عملات. ويُمكن القول إن بعض العملات التي تُوصف بعملات الذكاء الاصطناعي لا تنتمي كلياً إلى هذا المجال. ونستطيع مقارنة الوضع هنا بالأسهم التي يمكنك أن تشتريها إذا أردت الاستثمار في الجيل الثالث للويب. حيث ستجد بعض الأسهم التي يرتبط نجاحها ارتباطاً كبيراً بنجاح مجال التشفير، مثل أسهم كوين بيس Coinbase. بينما توجد أسهم أخرى تعتمد ربحيتها على الجيل الثالث للويب والذكاء الاصطناعي جزئياً فقط، مثل أسهم AMD. وينطبق الأمر ذاته على عملات الذكاء الاصطناعي.
ويعتمد موقع Coinmarketcap على تعريف أوسع نطاقاً لماهية عملة الذكاء الاصطناعي، وذلك مقارنةً بقائمة Coingecko من عملات الذكاء الاصطناعي. ولا يشمل تعريف Coingecko عملات مثل غراف (GRT) وبروتوكول أوشان (OCEAN) على سبيل المثال. ورغم التعريف واسع النطاق الذي يتبعه موقع Coinmarketcap لتعريف عملات الذكاء الاصطناعي، إلا أن غالبيتها تظل داخل نطاق العملات الصغيرة ومتناهية الصغر. ولا توجد سوى عملة واحدة منها فقط في قائمة أكبر 100 عملة، وهي عملة غراف. بينما تحتل عملات مثل بروتوكول أوشان وفيتش (FET) مكانها على قائمة أكبر 200 عملة. وجاء ذلك في أعقاب حالة الضخ التي شهدتها تلك العملات في شتاء 2022/2023.
عملة الغراف
شبكة غراف هي عبارة عن بروتوكول فهرسة للاستعلامات على البلوكتشين ومختلف الشبكات، مثل الإيثريوم (ETH). وتقدم الشبكة البنية التحتية اللازمة لأي شخص من أجل بناء ونشر واجهات برمجة التطبيقات API، التي تُسهِّل الوصول إلى البيانات. وليست غراف مرتبطةً بالذكاء الاصطناعي بصورةٍ مباشرة، لكن سعرها استفاد بشدة أثناء فترة الضخ التي شهدتها عملات الذكاء الاصطناعي.
عملة بروتوكول أوشان
ينخرط بروتوكول أوشان في مجال الذكاء الاصطناعي على نطاقٍ واسع، وذلك من خلال إنشاء متجر لبيع البيانات من أجل تحسين نماذج الذكاء الاصطناعي. ويستطيع المستخدمون بيع نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم من خلاله.
عملة فيتش
تُعَدُّ شبكة فيتش بمثابة عالم لامركزي يُتيح لوكلاء البرامج المستقلة تنفيذ أعمالهم الاقتصادية. ويؤدي أولئك الوكلاء عدة مهامٍ مثل توصيل البيانات أو تقديم الخدمات، ثم يحصلون على المكافآت بعملة فيتش. وأصدرت الشبكة نسخةً جديدة من محفظتها في ديسمبر/كانون الأول من عام 2022. وشهدت عملتها حالة ضخ قوية إبان “موسم عملات الذكاء الاصطناعي” الذي أعقب تلك الفترة.
عملة سينغيولاريتي نيت (AGIX)
سينغيولاريتي نيت هو متجر لامركزي لخوارزميات الذكاء الاصطناعي. ويمثل المنصة الوحيدة التي تُتيح للذكاء الاصطناعي الانتشار على نطاقٍ واسع. كما يُتيح المتجر للجميع فرصة تبني خوارزميات الذكاء الاصطناعي. حيث يستطيع المطورون، والمنظمات، والشركات أن يبيعوا ويشتروا خدمات الذكاء الاصطناعي عبر المتجر.
عملة نوميرير (NMR)
تساعد نوميرير الباحثين على التنبؤ بالنماذج المالية، مستفيدةً في ذلك من البيانات المشفرة. وتعتمد المنظمة على مزيجٍ من علوم البيانات، والذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والتشفير من أجل تحقيق أهدافها. وتتمثل أهداف المنظمة في بناء نموذج مالي ممتاز من خلال التعهيد الجماعي، ودون التخلي عن سرية المعلومات.
مشروعات الذكاء الاصطناعي ذات الرموز غير القابلة للاستبدال
لا يُعَدُّ الجمع بين الذكاء الاصطناعي والرموز غير القابلة للاستبدال من المفاهيم الجديدة فعلياً. إذ تُستخدم هذه التقنية في إنشاء الأعمال الفنية والموسيقية بالرموز غير القابلة للاستبدال. وأصدرت شركات ناشئة مثل Eponym خوارزمية ذكاء اصطناعي تُحوّل النصوص إلى أعمال فنية تجريدية، وذلك قبل بيعها في متاجر الرموز غير القابلة للاستبدال.
بروتوكول الذكاء الاصطناعي أليثيا Alethea AI
يُعتبر بروتوكول الذكاء الاصطناعي أليثيا Alethea AI من المشروعات المثيرة للاهتمام، لكنه يمثل تحدياً من الناحية المفاهيمية. إذ تتمثل فكرة البروتوكول في إنشاء شخصيات أفاتار ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي من أجل التفاعل مع الناس. واخترعت المنصة معياراً جديداً للرموز غير القابلة للاستبدال NFT وأطلقت عليه اسم: الرموز الذكية غير القابلة للاستبدال iNFT. ويستطيع المطورون استخدام الرموز الذكية غير القابلة للاستبدال لإنشاء المحتوى، وتدريب الشخصيات، والكسب من إبداعاتهم في ميتافيرس أليثيا المعروف باسم سفينة نوح Noah’s Ark.
ويُمكن القول باختصار إن مشروع أليثيا يريد جعل الرموز غير القابلة للاستبدال ذكية. وبهذا ستحصل الرموز على سمات شخصية قابلة للنمو والتطور، وذلك بناءً على البيانات التي تستهلكها.
عملة أليثيا (ALI)
يتمتع النظام الإيكولوجي لأليثيا بعملته الأصلية الخاصة التي تحمل اسم أليثيا (ALI) وتدعم ميتافيرس سفينة نوح. وتُستخدم كمية هذه العملات لتحديد مدى ذكاء الرموز الذكية غير القابلة للاستبدال. وقد عاشت العملة حالة ضخ كبيرة في الأيام الأخيرة. وكشف لنا متجر أوبنسي OpenSea عن زيادة حجم التداول وسعر السوق لمجموعة الرموز الذكية غير القابلة للاستبدال بنسبة 63% و17% على الترتيب، وذلك خلال الأيام الـ30 الماضية.
الخلاصة
يمكننا القول إن تداول الأصول المشفرة يعتمد على السردية بدرجةٍ كبيرة. إذ يتحمس الناس لخبرٍ أو اتجاهٍ معين، ما يمنحهم رغبةً في الاستثمار بالتبعية. ويبدو أن سردية سيطرة الذكاء الاصطناعي على العالم تحظى بزخمٍ كبير في الوقت الراهن. ولهذا تشهد العملات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي حالة ضخٍ قوية. ولا يعني هذا عدم وجود مساحةٍ للاندماج بين الذكاء الاصطناعي وبين الجيل الثالث للويب. إذ من الواضح بشدة أن هذه التقنيات الناشئة يمكنها تعزيز بعضها البعض بشكلٍ متبادل.
ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن التقنية قد لا تكون مستعدةً للتبني واسع النطاق بعد. ما يعني أن السردية قد تفقد زخمها عاجلاً وليس آجلاً. وستكشف الأيام عن ذلك. أما الدرس الكبير المستفاد من ضخ عملات الذكاء الاصطناعي مؤخراً، فيتمثل في ضرورة البقاء على اطلاع بالاتجاهات الشعبية للثقافة والتقنية. لهذا عليك أن تتوقع العملات التي قد تستفيد مع ظهور كل سرديةٍ جديدة.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.