ينتهي المطاف بكل التقنيات الجديدة في قاعات المحاكم عاجلاً أو آجلاً، وليست الأصول المشفرة استثناءً لهذه القاعدة. وبدأ قضاة العالم اليوم في الاستماع إلى قضايا مرتبطة بمختلف أشكال تلك الأصول بدايةً بعملات البيتكوين المسروقة، ووصولاً إلى نزاعات العقود المشفرة، وانتهاءً بتحديد من سيحتفظ بالرمز غير القابل للاستبدال في حالة الطلاق.
بحسب مجلة Fortune الأمريكية، بدأ المحامون في التعرف على الأصول المشفرة وشبكات البلوكتشين أكثر، لكنهم يواجهون مشكلةً جديدة تكمن في الإجابة عن السؤال التالي: كيف يجب وصف هذه التقنيات في ملفات القضايا؟
وربما يبدو تحدي الإشارة إلى بيانات البلوكتشين مسألةً لا تخص سوى المهووسين بالقانون، لكنها قضية ذات تداعيات على عالمنا الواقعي. وتُستخدم الاقتباسات القانونية (الاستشهاد) للإشارة إلى قضايا سابقة، أو مقالات صحفية، أو غيرها من المصادر.
كما تُمثل حجر الأساس للسوابق القانونية. ولهذا يحتاج القضاة والمحامون إلى مصادر موثوقة للعثور على تلك الاقتباسات القانونية، بالتزامن مع وصول المزيد من النزاعات القضائية المرتبطة بالرموز غير القابلة للاستبدال إلى ساحات المحاكم.
وشهدت حفنة قضايا الرموز غير القابلة للاستبدال التي وصلت ساحات المحاكم إشارةً إلى موقع ويب أو مجرد وصفٍ مكتوب، بدلاً من استخدام مصطلح البلوكتشين الذي يقدم وصفاً دقيقاً للمعاملات المرتبطة بالرموز غير القابلة للاستبدال. ويشمل حديثنا القضية الشهيرة التي وقعت الصيف الجاري، وشهدت اتهام وزارة العدل لمسؤولٍ تنفيذي بارز في متجر أوبنسي Opensea بالتداول من الداخل.
وليست قضايا البلوكتشين والرموز غير القابلة للاستبدال هي الأولى التي تُحيّر المحامين في مجال الإشارة إلى التقنيات الجديدة. إذ شهدت حقبة التسعينيات ظهور مصادر معلومات ودلائل مهمة عبر ما وصفه الناس وقتها بالشبكة العنكبوتية العالمية.
ولهذا بدأت تظهر أدلة الاقتباس القانوني الشهيرة التي تُرسي معايير الاستشهاد بمصادر الإنترنت، مثل الكتاب الأزرق الذي يُحرره طلاب كليات الحقوق عادةً. وصيغت الأدلة الخاصة بالتقنية الجديدة على غرار الأدلة الأخرى المستخدمة منذ زمن في الاستشهاد بالكتب، والمجلات القانونية، وغيرها من أفرع القانون.
ومع انتشار شبكات البلوكتشين والرموز غير القابلة للاستبدال اليوم، أصبح لدينا أول معيار للاستشهاد بتلك التقنيات بفضل بعض طلاب القانون المهتمين بالأصول المشفرة.
الإشارة إلى “معايير التوكنات” و”معرفات العقود الذكية”
تدرس أليكساندرا شامبين القانون في السنة الأخيرة بجامعة مكغيل بمونتريال. كما تعمل محررةً للاقتباسات القانونية في مجلة McGill Law Journal، التي تنشر الدليل الكندي للاقتباسات القانونية الموحدة (المعروف باسم دليل مكغيل). ويتشابه هذا الدليل مع الكتاب الأزرق المستخدم في الولايات المتحدة، كما يُعتبر دليل الاقتباسات القانونية الأكثر استخداماً في كندا.
وعندما فكّرت أليكساندرا في التغييرات التي يحتاجها الإصدار التالي من الدليل، أدركت أن العالم القانوني لم يُفسّر مجال الأصول المشفرة حتى الآن. بينما انخرطت أليكساندرا وبعض زملائها في هذا المجال في حياتهم الخاصة، بما في ذلك محرر المجلة الذي اشترى رمزاً غير قابلٍ للاستبدال.
ويحتوي الكتاب الأزرق وغيره من الأدلة على قواعد الاستشهاد بمصادر الإنترنت، لكن الإشارة إلى اسم موقع الويب فقط لن تكون كافيةً في حالة الرموز غير القابلة للاستبدال.
وقالت أليكساندرا لمجلة Fortune الأمريكية إنّ شبكات البلوكتشين والعقود الذكية (التي تساعد في إنشاء ونقل الرموز غير القابلة للاستبدال) تعتبر من تقنيات الويب الجديدة والمميزة. ومن المنطقي دمج شبكات البلوكتشين في نظام الاقتباس القانوني نظراً لاستخدامها في إنشاء سجلات تقنية دائمة، وعامة، ومقاومة للتلاعب.
ولهذا طوّرت هي ورفاقها قواعد الاستشهاد التي تشمل الإشارات إلى عناصر البلوكتشين المحددة ومنها التوكنات المعيارية، مثل البيتكوين (BTC) أو الإيثريوم (ETH)، أو سلاسل الأحرف (معرفات العقود الذكية) التي تُشير إلى رمز غير قابل للاستبدال بعينه على شبكة البلوكتشين. وإليكم ما أورده الدليل الجديد في معياره:
“تتضمن تقنية البلوكتشين كلاً من العملات المشفرة، والرموز غير القابلة للاستبدال، والعقود الذكية. ولهذا يجب تضمين نوع تقنية البلوكتشين في أي إشارة لأحد أشكال هذه التقنية، بالإضافة إلى الرمز الأصلي، وأي معلومات أخرى ذات صلة.
بينما تُعتبر الرموز غير القابلة للاستبدال بمثابة وحدات من البيانات المخزنة على البلوكتشين، لتُمثل أحد الأصول المحمية بحقوق الطبع والنشر (مثل الصور، أو مقاطع الفيديو، أو المقاطع الصوتية).
ويمكنك الإشارة إلى الأصول المحمية بحقوق الطبع والنشر بما يتوافق مع المادة 6.17.3. ويُستخدم مصطلح المُنشئ (صانع المحتوى) للإشارة إلى الشخص -أو المجموعة- الذي سكّ الرمز غير القابل للاستبدال للمرة الأولى. وأضف اسم المستخدم الخاص بمنشئ الرمز في المتجر إن أمكن”.
وستدخل قواعد البلوكتشين والاستشهاد الجديدة حيز التنفيذ مع نشر مؤسسة Thomson Reuters للإصدار العاشر من دليل مكغيل في العام المقبل.
وتواصلت مجلة Fortune مع محرري الكتاب الأزرق، الذين قالوا إن دليلهم لم يستكشف صيغة الاستشهاد بالبيانات القائمة على البلوكتشين حتى الآن. لكنهم أوضحوا للمجلة أنهم سيوصون المحررين المستقبليين بأخذ المسألة بعين الاعتبار في الإصدار المحدث، الذي سيُنشر عام 2025.
شبكات البلوكتشين و”الروابط الدائمة”
تقول جينيفر أليسون، أمينة مكتبة كلية هارفارد للحقوق، إنها كانت تبحث في موضوع الاستشهاد بالرموز غير القابلة للاستبدال عندما عثرت على مقال يناقش الموضوع في مجلةٍ قانونية. وتضمن المقال صورةً لرمز غير قابل للاستبدال مع وصفٍ يقول إنه “تمثيلٌ لجدارية بالرموز”، لكن الاقتباس القانوني أشار إلى صفحة ويب على متجر أوبنسي ببساطة.
وقالت جينيفر لمجلة Fortune إن مشكلة الإشارة إلى الرموز غير القابلة للاستبدال ستبرز على السطح أكثر فأكثر على الأرجح. وترى أن ذلك سيحدث بالتزامن مع تحول المزيد من الأصول الرقمية إلى محل نزاعٍ قضائي في قضايا التداول من الداخل، وخرق العقود، وإثبات الوصايا.
وأوضحت أن المحامين والقضاة يشعرون بالرضا الآن عندما يصفون الرموز غير القابلة للاستبدال بالطريقة نفسها التي يستخدمونها في وصف أي عملٍ فني آخر، عن طريق الإشارة إلى اسم العمل ومكان بيعه. لكن هذه الاستراتيجية لن تكون كافيةً بمرور الوقت.
وقالت جينيفر في رسالتها بالبريد الإلكتروني: “لا تحمل اللوحة البصمة الرقمية نفسها التي يحملها الرمز غير القابل للاستبدال، ولهذا يبدو أن نموذج الاقتباس القانوني المقترح من مكغيل يقدم أداءً أفضل في تعريف المستخدم بما يجري الاستشهاد به تحديداً، فضلاً عن الكيفية التي يستطيع القارئ من خلالها تحديد موقع الرمز أو معرفة معلومات إضافية عنه”.
وأثارت جينيفر كذلك مشكلة “الروابط المكسورة”، وهو المصطلح المستخدم في وصف ظاهرة تعطل الروابط التشعبية أو عدم قابلية استخدامها. وتحوّلت الروابط المكسورة إلى مشكلةٍ كبيرة لأعلى محكمةٍ في البلاد بحلول عام 2013، ما دفع بصحيفة New York Times الأمريكية إلى نشر مقال بعنوان: “روابط الويب التشعبية تقود إلى المجهول في رأي المحكمة العليا”.
وكشف المقال أن نصف صفحات الويب التي جرى الاستشهاد بها في قرارات المحاكم لم يعُد لها وجود.
ولحل هذه المشكلة، دعا الكتاب الأزرق وغيره من أدلة الاقتباس القانوني إلى تضمين الرابط الدائم في الإشارة إلى صفحات الويب، وهو عبارة عن عنوان ويب مكرر تحتفظ به مكتبة جامعة هارفارد أو غيرها من الجامعات.
وتكمُن الفكرة في أن الرابط الدائم سيظل نشطاً دائماً حتى لو تعطّل الرابط الأصلي. وأصبح هذا النظام متبعاً اليوم كمعيارٍ لدى المحاكم وجهات النشر الأكاديمية.
لكن لا يبدو أن هناك حاجة إلى الروابط الدائمة في حالة العقود الذكية والرموز غير القابلة للاستبدال، لأن شبكات البلوكتشين مصممة بطبيعتها لتكون دائمة وغير قابلة للتغيير. وإذا طالب محررو الاقتباسات القانونية بمصدرٍ ثانوي لتحديد موقع الرمز غير القابل للاستبدال مستقبلاً، فمن الممكن الاعتماد على خدمات تخزين الملفات اللامركزية مثل أرويف Arweave أو فايل كوين Filecoin، والتي ترتبط بدورها بالعديد من شبكات البلوكتشين.
وسنستغرق سنوات على الأرجح قبل أن تتحقق كل هذه الأشياء، لكن يبدو أنه لن يكون هناك مفر من تحوُّل شبكات البلوكتشين إلى مصدر إسناد في النظام القضائي، كما فعلت شبكة الويب قبل عقدين.
وتقول أليكساندرا: “لا نعرف نوعية أشكال التقنية الفريدة التي ربما تظهر على شبكات البلوكتشين ذات يوم، والتي قد لا يمكن ربطها بعنوان رابط تشعبي معين. لكننا نأمل أن نُزوِّد المؤلفين بنهجٍ مستدام لنقل المعلومات إلى القراء، وذلك عن طريق توفير طريقة للاستشهاد بتقنية البلوكتشين من خلال الإشارة المباشرة إلى العقود الذكية، ومعرفات الرموز، وغيرها”.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.