يوجد نوعان رئيسيان من تقنيات التشفير التي يمكنها مساعدتنا في الحفاظ على خصوصيتنا على سلاسل البلوكتشين، وهي عملات الخصوصية وخلاطات العملات. فما أوجه التشابه والاختلاف بينهما؟
ولنتناول أدوات خصوصية التشفير من النقطة التي تحدَّث عنها زوكو ويلكوكس، الشريك المؤسس لعملة الخصوصية زد كاش (ZEC): “ليست الخصوصية شيئاً يمكنك إضافته (إلى التطبيقات). وليست خاصيةً يمكن تنشيطها مثل الأزرار الجديدة أو الوضع الليلي؛ إذ يمكنك إضافة الخصائص إلى منصتك، لكنك لا تستطيع إضافة الخصوصية فعلياً”.
ويعتبر تعدين العملات منطقياً للغاية إذا نظرت من هذه الزاوية؛ إذ إن تعدين عملة يعني البدء من حالة “عذرية”. ويمكنك مقارنة الأمر بالبحث عن الذهب حرفياً، كما يفعل بعض “المنقبين” الهواة حتى اليوم، ولن تتفاعل مع أي من أصحاب الحيازات الآخرين؛ ما يعني عدم وجود دليل يقود إليك، أو نقطة ضعف يمكن للآخرين استغلالها، لأنك لم تتفاعل مع أحدٍ فعلياً، حيث تكسب عملاتك من عرق جبينك وكأنك تخرجها من باطن الأرض حرفياً، وتسمح لك عملات الخصوصية مثل مونيرو (XMR) بأن تبدأ صفحةً جديدة بهذه الطريقة، ومن المتوقع أن تنتقل عملة الخصوصية الأخرى زد كاش إلى العمل بنظام إثبات الحصة.
لكننا نريد التحلي بواقعية أكبر لأن غالبيتنا لا يريدون تعدين العملات في المنزل، أو أن يضطروا للتعامل مع الأجهزة وإعدادات الجدار الناري والشبكات الخاصة الافتراضية اللازمة لحفظ الخصوصية. والبديل هو أن تكون قد تركت دليلاً وراءك بالفعل بعد أن سجلت هويتك وبيانات محفظتك على منصة تداول واحدة، إلا إذا لم تكن لديك أي عملات وليس لديك تاريخ مشتريات مشفرة سابق. فما العمل إذاً؟ هناك نوعان رئيسيان من الأدوات التي يمكنك استخدامها كما ذكرنا أعلاه، حتى تضمن بعض الخصوصية لنفسك.
- عملات الخصوصية
جاءت أولى تطبيقات الخصوصية على البلوكتشين في صورة السلاسل المشتقة من شبكة بيتكوين Bitcoin بمزايا خصوصية مُضافة، وكانت عملة زد كاش من أوائل التطبيقات المبنية على بروتوكول بيتكوين، مع إضافة مهمة لحفظ خصوصية بيانات المعاملات باستخدام إثباتات المعرفة الصفرية، بينما تُستخدم تجميعات المعرفة الصفرية Zk-rollups لتقييد وصول الأطراف الثالثة إلى معلومات المتسلم والمرسل.
أما عملة الخصوصية الأقدم والأوسع انتشاراً اليوم فهي مونيرو، التي أُطلقت عام 2014. ويستطيع المستخدمون إرسال واستقبال مدفوعات خاصة تماماً باستخدامها.
لكن كيف يمكن استخدام هذه العملات من الأساس، بينما لا يقبلها الكثير من التجار؟ حسناً، يمكنك فعل ذلك من خلال المقايضة الذرية، حيث تستطيع تحويل بعض عملات البيتكوين إلى محفظة تحتوي على عملات مونيرو أو زد كاش (دون الاعتماد على طرف ثالث لتحافظ على خصوصيتك). ويمكنك بهذه الطريقة الحفاظ على الخصوصية الكاملة لسلوكيات إنفاقك على الإنترنت، حتى يكون من المستحيل تتبع حيازتك من البيتكوين.
- الخصوصية على مستوى التطبيقات: البراميل الدوارة/خلاطات العملات
إذا لم تكن عملتك المشفرة المفضلة تتمتع بمزايا الخصوصية في تصميمها- كما هو حال غالبية العملات- فستضطر لاصطحاب عملاتك إلى المغسلة إن جاز التعبير. وهنا يكمن الفارق بين الخصوصية على السلسلة في وضعها الافتراضي (في شبكات مثل مونيرو) وبين الخصوصية كخدمة في خلاطات العملات، وتُعرف خلاطات العملات باسم البراميل الدوارة أيضاً.
حيث كان بإمكان المستخدمين الراغبين في حفظ خصوصية عملات البيتكوين خاصتهم أن يرسلوا عملاتهم لمنصةٍ من طرف ثالث، مثل هيليكس Helix أو كوين نينجا Coin Ninja، خلال الأيام الأولى لخدمات خلط العملات، لكن مؤسس هذه المنصات تعرَّض للملاحقة القضائية، ويُذكر أنها أول قضية تصف خلالها وزارة العدل الأمريكية خلط البيتكوين بأنه جريمة صريحة. ونظراً لحذر المجال من الشركات عموماً، بدأت تظهر حلول النظير إلى نظير من أجل تحقيق الخصوصية. وكان مزج العملات CoinJoin واحداً من حلول خصوصية البيتكوين المبكرة بين نظيرين.
فكيف تعمل خلاطات العملات؟ إليكم هذا التحذير أولاً: ترتبط الفقرة التوضيحية التالية بقضية جنائية، لكن غالبية أنشطة أدوات الخصوصية تتعلق بالاستخدام اليومي العادي. وستساعد هذه الفقرات في شرح العملية بكل وضوح، لكننا لا نقصد هنا تشبيه خلط العملات بالأفعال الإجرامية من الناحية الأخلاقية.
لنتخيل وجود مجرم يخشى ترك بقايا حمضه النووي في مسرح جريمة، يُمكن لهذا المجرم أن يقرر كنس سجادة بهو فندق مزدحم، ثم نشر المحتويات التي جمعها في مسرح الجريمة حتى يمتزج الحمض النووي لأعداد لا تحصى من الأشخاص مع حمضه النووي، ويكون حظه سعيداً في ربط حمضه النووي بمسرح الجريمة بعدها.
واعتذر مرةً أخرى عن المقارنة بمسرح جريمة، لأننا لا نتحدث عن أي جرائم هنا.
بينما تعتمد فكرة مزج العملات في الأصل على اتفاقٍ طوعي بين عدة مستخدمين يرغبون في الحفاظ على خصوصيتهم، وسيحتاج المستخدم الراغب في الاستفادة من خدمات مزج العملات إلى مستخدم آخر يرغب في خلط العملات، ليبدأ الثنائي في إجراء معاملةٍ مشتركة معاً، ولن يستطيع المراقب تحديد هوية من أرسل عملات البيتكوين إلى من.
لكن مزج العملات كان ينطوي على الكثير من المتاعب في أيامه الأولى، لهذا قرّر المطوّرون إنشاء أدوات لأتمتة العملية، وجرى إنشاء المحافظ الساخنة مثل واسابي Wasabi لتسهيل مزج العملات، رغم الانتقادات التي وجهت إليها حول معدلات الأمان وسرية الهوية الحقيقية التي تقدمها. وستدخل محفظة تريزور Trezor في شراكة مع واسابي لتطبيق مزج العملات داخل أجهزة المحافظ في المستقبل القريب.
أشهر خلاطات العملات: تورنادو كاش Tornado Cash
تُعتبر تورنادو كاش أشهر منصات خلط العملات على شبكة الإيثريوم Ethereum. وصُمِّمت المنصة في صورة تطبيق يستخدم العقود الذكية، وإثباتات المعرفة الصفرية zk، لقطع الروابط بين عناوين محافظ المصدر ومحافظ الوجهة.
تحذير!
لا تتعاملوا مع تورنادو كاش؛ إذ قرر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأمريكية إضافة تورنادو كاش، وعناوين محافظ عقودها الذكية إلى قائمة العقوبات في صيف 2022. حيث يُزعم أن تورنادو كاش سهلت غسيل الأموال لمكاسب عمليات اختراق العملات المشفرة بواسطة مجموعة لازاروس من كوريا الشمالية.
ويستطيع المستخدمون الاستفادة من خلاط مثل تورنادو كاش عن طريق ربط محافظ الجيل الثالث للويب، مثل ميتاماسك MetaMask. ويتعيّن عليهم بعدها إيداع الأموال في عقدٍ ذكي من إنشاء مقدم الخدمة، الذي يخلط أموالهم بأموال المستخدمين الآخرين لإخفاء أصولها. ويستطيع المستخدمون أن يسحبوا هذه الأموال بعدها من تجمع الخلط إلى محفظةٍ تم إنشاؤها حديثاً، دون ترك أي رابط على السلسلة بين المحفظة الجديدة وبين عنوان الإيداع الأولي.
ولا تقتصر خدمات تورنادو كاش على الإيثريوم فقط؛ إذ تتوافر على سلسلة بينانس الذكية Binance Smart Chain، وبوليغون Polygon، وغنوسيس Gnosis، وأفالانش Avalanche، وأوبتيميزم Optimism، وأربيتروم Arbitrum. لكن الغالبية العظمى من إجمالي القيمة المؤمنة تستقر على سلسلة الإيثريوم الرئيسية الأم.
ويستطيع المستخدمون حالياً إيداع وسحب مبالغ ثابتة من عملة الإيثريوم (ETH) مثلاً؛ إذ يمكنهم إيداع 0.1 أو 1 أو 10 أو 100 إيثريوم في معاملةٍ واحدة. ويحصل المستخدم على قسيمة تمثل مفتاحاً جرى إنشاؤه باتفاقية إثبات المعرفة الصفرية zk-snark، ويطلق عليها اسم الملاحظة الخاصة. وتُعتبر هذه القسيمة بمثابة سند ملكية بنفس المبلغ المودع، ويمكن سحب المبلغ إلى أي محفظة تريدها (وهنا يأتي دور العقوبات، لأن هذه المعاملة الأخيرة تكون عامة). ولا تستطيع السلطات الربط بين الشخص الذي أودع العملات وبين عملية سحب 1 إيثريوم إلى عنوان محفظةٍ مختلفة، لكنها تستطيع فرض العقوبات على كافة عناوين السحب.
أوجه الاختلاف العملية بين عملات الخصوصية وبين الخلاطات
تمنحك أدوات خلط العملات مرونةً أكبر من عملات الخصوصية، لكن خلط العملات يأتي مصحوباً بناقل هجوم إضافي؛ إذ تعتمد تورنادو كاش مثلاً على قاعدة مستخدمين كبيرة بما يكفي لخلط العملات بكل اعتمادية، ويمكن تشبيه الأمر بتساوي عدد المستخدمين مع كمية الصابون والماء النظيف في المغسلة. ويعتبر هذا التشبيه ملائماً تماماً، لأنك كلما تركت عملاتك داخل خلاط مثل تورنادو كاش لفترةٍ أطول، أصبحت عملاتك “أكثر نظافة” (أي أقل قابلية للتبع). وينطبق الأمر ذاته على المبلغ الذي تريد خلطه، حيث ستخلق مشكلات سيولة أكبر للخلاط كلما زاد مبلغ الخلط.
وسنقول باختصار إنه بالإمكان استخدام أدوات خلط العملات بطرق صحيحة وآمنة، أو طرق أقل أماناً، ما يُمثل خطورةً على المستخدمين الذين لا يدركون ما يفعلونه.
بينما لا تحمل عملات الخصوصية خطراً مشابهاً، وخاصةً مونيرو، لأن الخصوصية هي سمتها الافتراضية. وتتجه عملة زد كاش أيضاً نحو إعداد الخصوصية الافتراضي هذا بعد أن كان اختيارياً في السابق، ما مثّل ناقل هجوم يهدد تجمعاً كبيراً من عناوين المحافظ غير الخاصة.
- الخصوصية القابلة للبرمجة على سلاسل الطبقة الثانية: تقنية لا تزال في مهدها
دعونا نلقي نظرةً موجزة على أداة مثل أزتيك Aztec كمكافأة؛ إذ تمثل أزتيك أول تطبيق للتمويل اللامركزي الخاص على الإيثريوم، فهي منصة عقود ذكية مبنية على الإيثريوم بخصوصيةٍ افتراضية لكافة المعاملات. وتفتح أزتيك المجال أمام إجراء الأنشطة الخاصة المحتملة في عالم التشفير، حيث يمكن للمستخدمين محاصصة وكسب العائد من أصولهم بطريقةٍ محمية، ومن المحتمل تقديم خدمات العملات المغلفة أو المغطاة Wrapped Tokens المحمية أيضاً. وتستغل أزتيك الفرصة التي تخلقها التجميعات للاستفادة من تقنيات الخصوصية على سلاسل الطبقة الثانية.
الخلاصة
تعتبر عملات الخصوصية وخلاطات العملات من أدوات الخصوصية السليمة والفعالة عند استخدامها بالطريقة الصحيحة، ولا تتعلق المشكلة الأساسية بالتقنية، بل بتهديد العقوبات المستقبلية الوشيك؛ إذ ربما تُرفع العقوبات عن تورنادو كاش بحكم محكمة، لكن هذا الأمر سيستغرق بعض الوقت، وسننتظر في الوقت ذاته لنرى ما إذا كانت عملات الخصوصية ستتعرض للعقوبات هي الأخرى، ما سيرفع العتبة اللازمة لاستخدامها.
وعلى الجانب الآخر يمكن للاهتمام المؤسسي باستخدام تقنيات الخصوصية أن يجذب الجهات التنظيمية في اتجاهٍ آخر، وتوجد العديد من الأسباب التي قد تدفع المؤسسات للترحيب بتقنية الخصوصية؛ إذ لا تريد المؤسسات المالية وجود سجلات معاملات شفافة، كما هو الحال مع الأفراد.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.