اكتملت أخيراً عملية التحديث الكبرى لشبكة الإيثريوم Ethereum، المعروفة باسم عملية اندماج الإيثريوم، يوم الخميس 15 سبتمبر/أيلول 2022، لتنتقل المعدات الرقمية داخل ثاني أكبر العملات المشفرة في العالم إلى نظامٍ أكثر كفاءةً في استهلاك الطاقة بدرجةٍ كبيرة، وذلك بعد سنوات من التطوير والتأجيل.
ولم يكن من السهل تبديل طريقة تشغيل البلوكتشين من إثبات العمل إلى إثبات الحصة، بحسب ما ذكر موقع CoinDesk الأمريكي. حيث قال جاستن دريك، الباحث في مؤسسة الإيثريوم، خلال حديثه إلى موقع CoinDesk الأمريكي قبل الاندماج: “أُفضِّل استخدام الاستعارة القائمة على فكرة تبديل محرك سيارة أثناء سيرها. وأحب التفكير في الأمر وكأنه يشبه إخراج محرك البنزين وإدخال محرك كهربائي بدلاً منه”.
ولا شك أن العائد سيكون مهولاً. حيث ستستهلك بلوكتشين الإيثريوم الآن طاقةً أقل بـ99.9% تقريباً. وإذا نظرنا من زاوية تكاليف الطاقة، فالأمر يشبه قيام دولة مثل فنلندا بإغلاق شبكة الكهرباء تماماً فجأة، وفقاً لأحد التقديرات.
ويقول مطورو الإيثريوم إن الترقية ستزيد أمان الشبكة وقابليتها للتوسع. يُذكر أن الإيثريوم تستضيف حالياً نظاماً إيكولوجياً يضم منصات لتداول العملات المشفرة، وشركات إقراض، ومتاجر رموز غير قابلة للاستبدال NFT، وغيرها من التطبيقات التي تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار.
وظهرت فكرة تحول الإيثريوم النهائية إلى نظام إثبات الحصة منذ اليوم الأول. لكن التحول كان مهمةً فنية معقدة، ومشروعاً شديد المخاطرة بدرجةٍ جعلت الكثيرين يشككون في حدوثه من الأساس.
وجاء التحديث لينهي اعتماد الشبكة على عملية تعدين العملات المشفرة التي تستهلك الطاقة بكثافة. حيث تابعه بترقب جميع المستثمرين، والمهتمين، والمشككين في العملات المشفرة بسبب تأثيره المتوقع على صناعة البلوكتشين عموماً.
وازداد تعقيد التحديث بسبب حقيقة أنه يعتبر من أكبر مشروعات البرمجيات مفتوحة المصدر في التاريخ، مما تطلب التنسيق بين عشرات الفرق والأفراد من باحثين، ومطورين، ومتطوعين.
بينما قال تيم بيكو، مطور مؤسسة الإيثريوم الذي لعب دوراً رئيسياً في تنسيق التحديث، للموقع الأمريكي: “أعتقد أن الاندماج يمكن أن يقنع المهتمين بشبكة الإيثريوم أن يأتوا لتجربتها بعد أن كانوا مترددين بسبب تأثيراتها البيئية”.
وداعاً للمعدنين
قدمت شبكة البيتكوين Bitcoin فكرة السجل اللامركزي للعالم عام 2008. والسجل المركزي هو عبارة عن سجل معاملات واحد وغير قابل للتغيير يمكن للحواسيب في جميع أنحاء العالم عرضه، وتعديله، والثقة فيه دون الحاجة إلى تدخل وسطاء.
بينما ظهرت الإيثريوم عام 2015 لتوسع المفاهيم الأساسية للبيتكوين بتقديم العقود الذكية، التي تُستخدم في تسجيل البيانات على شبكتها.
لكن الاندماج جاء ليُلغي اعتماد الإيثريوم على نظام إثبات العمل، الذي كان معدنو العملات المشفرة يتنافسون فيه من أجل كتابة المعاملات على السجل، وكسب المكافآت بحل الألغاز المشفرة.
ويمكن القول إن النظام الذي ابتكرته شبكة البيتكوين كان السبب وراء استهلاك الإيثريوم لهذا القدر من الطاقة، ومساهمة الشبكة في نشر سمعة قطاع البلوكتشين باعتباره يمثل خطراً بيئياً.
أهلاً بالمحاصصين
يتخلى نظام الإيثريوم الجديد القائم على إثبات الحصة عن فكرة التعدين تماماً.
إذ سيختفي وصف المُعدِّن ليحل في محله المدقق، وهو الشخص الذي يودع “حصةً” بـ32 إيثريوم (ETH) على الأقل، ويرسلها إلى عنوان محفظة على شبكة الإيثريوم حتى لا يتمكن من تداولها.
وتؤدي عملات الإيثريوم المحاصصة هذه دور تذاكر اليانصيب. وكلما أودع المدقق حصة إيثريوم أكبر، زادت فرصه في سحب إحدى تذاكر التحقق. مما سيمنحه القدرة على كتابة “كتلة” معاملات في سجل الإيثريوم الرقمي.
وقدمت الإيثريوم شبكة إثبات الحصة في عام 2020 تحت اسم بيكون تشين Beacon Chain، لكنها ظلت منطقةً تمهيدية لتجهيز المدققين من أجل التحول قبل الاندماج. وجاء تحوُّل الإيثريوم إلى نظام إثبات الحصة عن طريق دمج بيكون تشين مع شبكة الإيثريوم الرئيسية.
بينما أوضح بيكو: “يمكن القول إن تشغيل نظام إثبات الحصة يُشبه تشغيل تطبيقٍ على حاسوبك. إذ يشبه تشغيل برنامج المراسلة سلاك، أو متصفح الويب جوجل كروم، أو حتى منصة نتفليكس. ومن البديهي أن توصل حاسوبك بالمقبس في الحائط، لأنه يستخدم الكهرباء. لكننا لا نفكر مطلقاً في الأثر البيئي لفتح تطبيق سلاك، أليس كذلك؟”.
حوافز جديدة
ليست شبكة الإيثريوم عبارةً عن برنامج مفتوح المصدر من قطعة واحدة، بل هي أشبه بدولةٍ صغيرة أو كائنٍ حي يظهر للوجود عندما تتحدث أجهزة الحاسوب إلى بعضها البعض باللغة نفسها، وتمتثل معاً لمجموعةٍ متطابقة من القواعد.
ويقدم نظام الإيثريوم الجديد مجموعة حوافز جديدة للأشخاص الذين يشغلون أجهزة الحاسوب، حتى يمتثلوا للقواعد المنصوص عليها، وينجحوا بالتبعية في تأمين السجل من أي تلاعب غير مرغوب.
وشرح بيكو ذلك قائلاً: “إثبات العمل هو آلية تأخذ الموارد المادية وتحولها من أجل تأمين الشبكة. وإذا أردت زيادة تأمين شبكتك في هذه الحالة، فستحتاج إلى المزيد من الموارد المادية. أما آلية إثبات الحصة، فتعمل عن طريق استخدام الموارد المالية والاستفادة منها في تأمين الشبكة”.
وربما كانت شبكة الإيثريوم تمتلك آلاف المعدنين من الأفراد الذين يُشغّلون ويحمون شبكة إثبات العمل، لكن حواسيب ثلاثة تجمعات تعدين فقط كانت تهيمن على غالبية معدل الهاش الخاص بالشبكة.
أما في نظام إثبات الحصة، فإن كمية عملات الإيثريوم المُحاصصة هي التي ستحدد مقدار تحكم المدققين في الشبكة- وليس كم الطاقة المُنفقة. ويقول أنصار إثبات الحصة إن هذا هو ما يزيد تكلفة الهجوم ويجعله ضاراً للذات أكثر، لأن حصص المهاجمين قد يجري تطهيرها أو تقليصها كعقابٍ لهم على محاولة الإضرار بالشبكة.
ومع ذلك لا يبدو الجميع على اقتناعٍ بزخم إثبات الحصة الحالي. حيث لا توجد أي مؤشرات على أن شبكة البيتكوين مثلاً ستتخلى عن نظام إثبات العمل، الذي يقول أنصاره إنه لا يزال نظاماً أكثر أماناً وموثوقية بناءً على الاختبارات السابقة.
وربما لن تتركز السيطرة على شبكة الإيثريوم في يد حفنة من تجمعات التعدين العامة بعد اليوم، لكن المنتقدين يؤكدون أن أصحاب النفوذ القدامى سيُستبدلون بآخرين جدد. إذ يسيطر تجمع ليدو Lido مثلاً على أكثر من 30% من حصص سلسلة إثبات الحصة الخاصة بالإيثريوم. بينما تسيطر منصات كوين بيس Coinbase، وكراكن Kraken، وبينانس Binance على 30% أخرى من حصص الشبكة.
حالة التداول أثناء الاندماج
أصبح اندماج الإيثريوم موضع تكهنات في أسواق التشفير منذ منتصف يوليو/تموز على الأقل، مع نظر المتداولين إلى الحدث في البداية باعتباره سيحفز صعوداً حاداً في سعر الإيثريوم. كما بدأت سوق عقود خيارات الإيثريوم في تسعير مكاسب ما بعد الاندماج، في ارتياحٍ ترحيبي عقب انهيار أسواق الأصول المشفرة مطلع العام.
ومن المستحيل أن نتوقع رد فعل الأسواق على الاندماج الناجح بدقةٍ في العموم. لكن هذه الترقية كانت جزءاً من خارطة طريق شبكة الإيثريوم منذ ظهورها، ولهذا فمن المحتمل أن يكون السوق قد أضاف الاندماج إلى تسعير العملة في السوق بالفعل، ومنذ فترة.
بينما قال كيفين تشو، من Galois Capital: “لو سألتني قبل نحو ثلاثة أسابيع، لقلت لك إن قيمة الاندماج أُضيفت إلى سعر الإيثريوم بالفعل، وربما بقيمةٍ أكبر مما يستحق. لكن السوق تنظر الآن إلى هذا الاندماج باعتباره حدثاً إيجابياً للعملة بنسبة 70% تقريباً”.
ماذا سيحدث لاحقاً؟
“يُعتبر هذا الاندماج بمثابة الخطوة الأولى في رحلة الإيثريوم الكبرى للتحول إلى نظامٍ شديد النضج، ولا تزال هناك خطوات متبقية” وفقاً لفيتاليك بوتيرين، الشريك المؤسس للإيثريوم، أثناء حديثه عن الاندماج خلال حفل عرض الحدث يوم الخميس 15 سبتمبر/أيلول. وتحدث فيتاليك عن رسوم الإيثريوم المرتفعة وسرعات الشبكة البطيئة نسبياً، وأوضح أنها ليست جزءاً من التحديث، لكنها تظل عقبةً في طريق نمو قاعدة مستخدمي الشركة، تماماً كما كان الحال مع المخاوف البيئية.
وسبق لبوتيرين أن سرد مجموعةً من الخطوات التالية للشبكة. وتشمل هذه الخطوات عملية “التشظي”، التي تهدف للمساعدة في حل مشكلة أوقات المعاملات البطيئة والرسوم المرتفعة، من خلال تجزئة المعاملات وتقسيمها على “الشظايا” وكأننا نضيف مسارات جديدة إلى الطريق السريع.
وكان من المقرر أن تأتي تلك الترقية بالتزامن مع التحول إلى إثبات الحصة، لكن أولويتها تراجعت قليلاً بفضل نجاح حلول الطرف الثالث في حل نفس المشكلات، ويُطلق على هذه الحلول اسم التجميعات rollups.
ويرى بوتيرين أن الاندماج لا يزال في مهده. حيث أوضح خلال البث المباشر اليوم: “بالنسبة لي، يرمز الاندماج إلى الفارق بين المرحلة الأولى من الإيثريوم وبين شبكة الإيثريوم التي لطالما حلمنا بها. لهذا دعونا نبدأ في بناء بقية الأجزاء الأخرى لهذا النظام الإيكولوجي، حتى نحول الإيثريوم إلى الشبكة التي نريدها”.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.