ليست العملات المستقرة حتى الآن، مع الأسف، اسماً على مسمى. فحقيقة أن العملات المستقرة مربوطة بأصولٍ “حقيقية” لا تعني بالضرورة أنها مستقرة، إذ إنّ الأصول الضامنة التقليدية ليست معفيةً من تقلبات السوق، وبالتالي فإن ربط غالبية العملات المستقرة بالعملات النقدية يجعلها غير مستقرةٍ بالقدر نفسه.

لكننا يمكن أن نسميها عملات تطلعية، وهي التسمية التي قد تناسب العملات المستقرة إن تمكنت من ربط نفسها بأسسٍ صلبة، حسب موقع Coin Telegraph الأمريكي.

أين ذهب كل الاستقرار؟

أصبح الاستقرار في حد ذاته هو عملة اليوم، ما يعرّضنا لخطر الخلط بين الاستعارات. لكن الأسواق متقلبة، ومعدلات الدين مرتفعة، بينما يتصاعد التضخم في أعقاب جائحة كوفيد-19 ومشكلات سلسلة التوريد القائمة. وقد استفادت أسواق العملات المشفرة من بحث المستثمرين عن مخازن بديلة للثروة، لكن الأسعار تستمر في التقلب صعوداً وهبوطاً بشكلٍ غير متوقع.

وفي خضم بحثه عن حلٍ لهذا التقلب؛ انجذب مجتمع العملات المشفرة إلى العملات المستقرة، بفضل الاستقرار المتصور نتيجة تقييمها الثابت نسبياً. حيث أكّد تقريرٌ نشرته سلطة النقد في هونغ كونغ مؤخراً على هذا الاتجاه، وكشف عن توسعٌ هائل في سوق العملات المستقرة من حيث رأس المال السوقي منذ عام 2020. كما بدأت شركات المدفوعات في الانضمام إلى القطيع، بعد أن أعلنت Paypal مؤخراً عن خططها لإطلاق عملة باي بال كوين (PYPL)، التي ستكون مدعومةً بالدولار الأمريكي.

وهنا تكمن المشكلة، وهي أن العملات المستقرة عادةً ما تكون مدعومةً بعملاتٍ نقدية غير مستقرة، إذ طبعت الحكومات نقوداً جديدة بقيمة 17 تريليون دولار، وضخّتها في الاقتصاد العالمي، وسط سياسة تيسيرٍ كمي واسعة النطاق، ما أدى في الوقت ذاته إلى ارتفاع معدلات الديون العالمية، وانخفاض القوة الشرائية للعملات التي تدعم العملات المستقرة.

وبالتالي فإنّ هذا الاتجاه المتنامي نحو العملات المستقرة يمثل خطوةً في الاتجاه الصحيح من عدة زوايا، لكنه يحتاج أيضاً إلى إعادة النظر حتى تحقق تلك العملات الوعود التي ينطوي عليها اسمها.

حلٌّ يستحق وزنه ذهباً

مع طبع الحكومات للمزيد من العملات النقدية لم يعد بإمكاننا تحمل تكلفة تجاهل إمكانات العملات المستقرة المدعومة بأصول مستقرة حقيقية. وحتى ترقى العملات المستقرة إلى مستوى وعودها بـ”الاستقرار”؛ يجب أن يكون هناك تحركٌ رائجٌ أكبر وأوسع نطاقاً للابتعاد عن دعمها بعملات نقدية معرضة للتضخم، والاتجاه إلى الأصول المادية الموثوقة أكثر.

ويعتبر الذهب هو الخيار الأكثر منطقية، إذ ظلّ سعر الذهب ثابتاً عند سعرٍ يتراوح بين 1700 و1950 دولاراً للأوقية طوال عام 2021 المضطرب، ما يُعَدُّ خير دليلٍ على استقراره وقيمته.

لكن ربط عملةٍ بمخزن قيمةٍ افتراضي مثل الذهب لن يكون كافياً، إذ يجب تخصيص الأصل الضامن بالكامل وجعله قابلاً للاسترداد، بحيث يكون سعر غرام الذهب يساوي عدد واحد توكن، ما سيحول دون أن تنأى العملة بنفسها عن واقع الأصل الذي تمثله، ويمنع العملة من المساهمة في نمو الديون.

وإذا تمكّن مالك العملة المستقرة من استرداد الأصل بشكلٍ مباشر، فسوف يزوده ذلك بمخزن قيمةٍ ووسيط تداولٍ فعال يتجاوز قدرات أي نظامٍ نقدي حديث.

دعوات متجددة للرقابة التنظيمية

ستكون عملة كهذه ممكنةً فقط وسط نظام مُدقّق بالكامل، وهنا تبرز أهمية التنظيم. ومن المفارقات أن الهجرة الجماعية إلى العملات المستقرة، بناءً على افتراض لا أساس له بأنها مستقرة، قد يكون القشة التي ستطيح ببرج الاقتصاد.

وقد نفت الشركة المسؤولة عن عملة التيثر (USDT)، أكثر العملات المستقرة المدعومة بالدولار الأمريكي شيوعاً، المزاعم التي أثارت الجدل حولها مؤخراً بزعم أنها لا تمتلك دولارات كافية لتغطية عملاتها، ولا يزال الأمر غير مؤكدٍ بسبب انعدام التنظيم والتدقيق.

ويُضاف هذا الأمر إلى قائمةٍ متزايدة من التساؤلات حول مدى “استقرار” العملات المستقرة فعلياً، وما يجري فعله لحماية المستثمرين.

ويجب على الجهات التنظيمية حول العالم أن تواصل توفير رقابةٍ أكبر، وتزيد تركيزها على زيادة الشفافية، حيث أدلى محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي، بتصريحٍ في دافوس قبل عامٍ واحد، حذّر خلاله من افتقار العملات المشفرة إلى “تصميم الحوكمة والترتيبات اللازمة لاستمرار عملةٍ رقمية، فضلاً عن حاجة الناس إلى ما يضمن إجراء مدفوعاتهم باستخدام عملةٍ ذات قيمةٍ مستقرة”.

طريق الخروج من أزمة التضخم

لا يجب أن نستهين بقدرة العملات المستقرة المحتملة على مساعدتنا في الخروج من أزمة تضخم ما بعد كوفيد-19، رغم أوجه قصورها. إذ لا تزال محتفظةً بقدرتها على حفظ الثروة وتوفير مخزنٍ مستقر للقيمة، مع منح المستثمرين التقليديين طمأنينةً أكبر من الأصول الرقمية الأخرى.

وبالتالي فإنّ حل مشكلة التسمية الخاطئة للعملات المستقرة قد يكون ضرورياً من أجل نجاتنا الاقتصادية.

وللاستفادة من مزاياها بحق يجب أن ترتبط تلك العملات بأساسٍ ثابت في صورةٍ أصلٍ مادي قابلٍ للاسترداد بالكامل، ما سيخلق بالتبعية دورة استقرارٍ حقيقية تدفع بالمزيد من الدعم المؤسسي في اتجاه الأصول الرقمية، وتزيد بالتالي من استقرار السوق والاقتصاد.

حيث يُثني تقلُّب العملات المشفرة العديد من الشركات الكبيرة والصغيرة عن تبنّي هذه النوعية من وسائل الدفع. وربما تحمل العملات المستقرة جزءاً من الحل، لكن “استقرارها” المزعوم ليس موروثاً على الإطلاق. بينما ستواصل أصولٌ مثل الذهب والفضة من ناحيةٍ أخرى توفير أسسٍ ثابتة يمكن البناء عليها لسنوات مقبلة.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.