خرج العديد من منصات العملات المشفرة الكبرى بمواقف متحدية الأسبوع الجاري حين طُلِبَ منها تجميد أي حسابات تخص الروس؛ حيث استشهدت بعض المنصات بتاريخ العملات المشفرة القائم على المثل التحررية لدعم قراراتها.

لكن العديد منها امتثل في هدوء لخطة العقوبات التي تستهدف تدمير الاقتصاد الروسي، حسب موقع Yahoo الأمريكي.

ويمكن القول إنّ الفجوة بين أفعال وأقوال أكبر الأطراف في مجتمع العملات المشفرة تُسلّط الضوء على التحديات التي يواجهها المجتمع الآن، بعد أن تحوّل لصناعةٍ رائجة، في خضم أزمةٍ جيوسياسية وإنسانية. وهي أزمةٌ باتت أشبه بلحظةٍ فارقة للعملات المشفرة مثل البيتكوين (BTC) والإيثريوم (ETH).

فعلى الجانب الأوكراني، كانت العملات الرقمية على قدر سمعتها في تسهيلها نقل الأموال بين الحدود الدولية، بينما جمع المتعاطفون مع القضية الأوكرانية أكثر من 54 مليون دولار من تبرعات العملات المشفرة.

ولكن على الجانب الروسي، اصطدم شكل النقود العابر للحدود بواقع العقوبات الدولية المفروضة نتيجة اندلاع نزاعٍ أوروبي كبير، إلى جانب السؤال الأخلاقي المتعلق بما إذا كانت أسواق العملات المشفرة تساعد عن غير قصدٍ في إشعال حربٍ أو مساعدة الأوليغارشية الروسية في الحفاظ على ثرواتها.

أما منصات العملات المشفرة وأنصار البيتكوين المتشددون الذين يتبنون روح التحررية ويعتبرونها جزءاً لا يتجزّأ من العملات المشفرة؛ فقد اضطروا للتعامل مع تساؤلات صعبة حول مقدار تبنيهم لتقنيةٍ يقول النقاد إنها ليست ذات قيمةٍ في شيء سوى غسيل الأموال والتحوط على الاستثمارات، بينما تحتاج في الوقت ذاته لكميات كبيرة من الطاقة وحرق الوقود الأحفوري.

واضطروا كذلك لمواجهة واقع تحوّل العملات المشفرة إلى تجارةٍ ضخمة، مما يعني أنّ عليها القبول بأشياءٍ مثل العقوبات الدولية.

إذ تحوّلت العملات المشفرة في السنوات الأخيرة من تقنيةٍ هامشية إلى صناعةٍ رائجة، حيث تقوم شركاتها المدعومة باستثمارات تقدر بمئات الملايين بنشر الإعلانات في نهائيات السوبر بول. كما تعتمد تقنية البلوكتشين القائمة على القوة الحوسبية الموزعة لإنشاء سجلات عامة لا تخترق، حتى تتمكن من تعقب هوية من يملك العملات بدون الحاجة إلى سلطةٍ مركزية.

والسؤال الآن: كيف يمكننا التفريق بين الواقع وبين الشعارات التسويقية المختارة بعناية في ما يتعلّق باتجاه مناهضة السلطة داخل مجتمع العملات المشفرة؟

حيث صدر واحدٌ من أقوى التصريحات في بداية فرض العقوبات على روسيا عن منصة بينانس Binance، أكبر منصة لتداول العملات المشفرة في العالم؛ إذ صرّح المتحدث باسم المنصة لشبكة CNBC الأمريكية يوم الإثنين الـ28 من فبراير/شباط بأنّ تقييد وصول الروس إلى العملات المشفرة “يتعارض مع سبب وجود العملات المشفرة من الأساس”.

ولكن بحلول يوم الجمعة الرابع من مارس/آذار، خرج الرئيس التنفيذي للمنصة تشانغبينغ تشاو بلهجةٍ مختلفة قائلاً في مدونةٍ من 1.500 كلمة إنّ الشركة ستطبق نفس قواعد العقوبات المفروضة على البنوك، مسلطاً الضوء على جهود الشركة في جمع التبرعات. (حيث تبرعت بـ10 ملايين دولار للاحتياجات الإنسانية).

وكتب تشاو: “لماذا لم تأخذ بينانس خطوةً أبعد بفرض عقوبات/تجميد على جميع أصول المستخدمين الروس؟ لأن الفكرة الأهم هنا هي أننا لا نعتقد أن لدينا السلطة الكافية لفعل ذلك”.

وقد أوضحت منصاتٌ كبرى أخرى أنها ستمتثل للعقوبات الأمريكية والأوروبية، لكنها لن تفعل أكثر مما يطلبه القانون. ولم تتهم وزارة الخزانة الأمريكية أي منصةٍ بعدم الامتثال.

بينما قال خبراء إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يستطيع استخدام العملات الافتراضية في التهرب من العقوبات على نطاقٍ واسع؛ لأن سوق العملات المشفرة ليس كبيراً بما يكفي رغم بلوغ حجمه تريليوني دولار، كما أن منصات التداول لديها أقسام امتثال متخصصة في رصد عمليات غسيل الأموال.

ويختلف واقع العملة الافتراضية الآن عن تخيّل أنصار التقنية الأوائل له، حيث تصوروها كأشياءٍ شديدة القوة ولا يمكن للحكومات الاقتراب منها.

وربما استفادت العملات الرقمية في السابق من الصورة الأسطورية الخارجة عن القانون لأنها زادت جاذبيتها، لكن هذه الصورة تحوّلت الآن إلى مسؤوليةٍ محتملة بالتزامن مع تركيز المشرعين والجهات التنظيمية على مجتمع العملات المشفرة.

حيث سجلت الجرائم المرتبطة بالعملات المشفرة أعلى مستوياتها في العام الماضي، مع تسلُّم العناوين غير الشرعية لنحو 14 مليار دولار من العملات الرقمية وفقاً لشركة الأبحاث Chainalysis، رغم أن ذلك الرقم لا يمثل سوى 0.15% فقط من إجمالي حجم معاملات العملات المشفرة.

وقد تكون هذه هي اللحظة التي طال انتظارها لنقاد العملات المشفرة حتى ينالوا مرادهم: ألا وهو التنظيم الأكثر صرامة للعملات المشفرة، من أجل وضع حدٍ للالتفاف على تنظيم الأوراق المالية بالطريقة التقليدية في وجهة نظرهم.

إذ انضمت السيناتورة إليزابيث وارن هذا الأسبوع إلى ثلاثة سيناتورات آخرين في رسالةٍ بعثوا بها إلى وزيرة الخزانة جانيت يلين، مطالبين بتأكيدات على أن بوتين لن يتمكن من استخدام العملات الرقمية للتهرب من العقوبات.

لكن أنصار العملات المشفرة يدافعون عنها بتسليط الضوء على محنة الروس العاديين الذين لم تكن لهم يدٌ في قرار بوتين بإرسال القوات إلى أوكرانيا.

حيث قال رايان سيلكس، الرئيس التنفيذي لشركة الأبحاث Messari: “إذا كنت روسيا من الطبقة المتوسطة الآن وتعرض نظامك المالي بالكامل للمصادرة والحظر، فهل من المشروع أن تكون قادراً على إيداع 100 أو 1.000 دولار من مدخراتك في جهاز محفظةٍ مشفرة وتأخذه معك في طريقك لمغادرة البلاد بحقيبة ملابسك فقط؟ أعتقد أن هذا الأمر يستحق الاحتفاء به”.

ولا نعلم عدد الروس الذين يعيشون هذا الموقف حالياً، لكنهم أقليةٌ على الأرجح؛ حيث إن روسيا حلّت في المرتبة 18 من أصل 154 دولة العام الماضي في تقرير التبني الشعبي للعملات المشفرة من Chainalysis ، كما أظهر تقريرٌ صدر مؤخراً أن الروس لم يتهافتوا على شراء العملات المشفرة في الأسابيع الأخيرة.

وقد يكون التأثير الكلي الناتج عن الصراع الروسي-الأوكراني هو الفصل بين أسطورة العملات المشفرة وبين واقعها، وهو الأمر الذي بدأ يحدث بالفعل على مدار السنوات الأخيرة.

إذ حطمت السلطات الأمريكية جزئياً مؤخراً شعار العملات المشفرة القائل بأنّها “غير قابلةٍ للمصادرة”، وذلك حين صادرت عملات بيتكوين بقيمة 3.6 مليون دولار الشهر الماضي. واستخدم المحققون في القضية مذكرة تفتيشٍ للوصول إلى حسابٍ على الإنترنت كان أحد اللصوص المزعومين يحتفظ داخل بمفتاحٍ خاص للوصول إلى محفظته الرقمية.

ويمكن للأشخاص الذين يمتلكون عملات مشفرة أن يضيفوا طبقاتٍ من الأمان لزيادة صعوبة المصادرة الحكومية، وهذا يشمل تخزين العملات دون اتصالٍ بالإنترنت داخل جهازٍ يُعرف بـ”المحفظة الباردة” أو “جهاز المحفظة”. ويستطيع أولئك الأشخاص بعدها أن يأخذوا أجهزتهم معهم إلى أيّ مكانٍ في العالم.

لكن مسألة الحصول على هذه الأجهزة قد أصبحت أكثر صعوبة بالنسبة للروس الآن.

حيث قالت كريستينا مازانكوف، المتحدثة باسم شركة Satoshi Labs التي باعت أكثر من مليون محفظة Trezor للعملات المشفرة: “نحن لا نسلم الأجهزة في روسيا”. وأضافت أنّ الشركة علقت شحناتها على الفور بعد فرض العقوبات.

وأردفت: “تعتبر عملة البيتكوين غير سياسية. وأتمنى أن أنظر لعملة البيتكوين باعتبارها حلاً لمختلف المواقف، وأنها ستظل كذلك”. لكنها أوضحت أن بعض الموظفين في شركتها الواقعة بالتشيك لهم روابط بالصراع، مما يجعل الأمر شخصياً: “نحن متأثرون بالموقف في أوكرانيا”.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.