داخل مكاتب ألتكوين AltCoin، مركز العملات المشفرة الواقع داخل شارعٍ جانبي من حي قاضي كوي النابض بالحياة في اسطنبول، تُعرض على شاشات جهازي تلفزيون أسعار عملتي البيتكوين (BTC) والإيثريوم (ETH)، بمؤشراتهما الهابطة حالياً.

لكن جميع الموجودين داخل الشركة لم يشعروا بالقلق لتراجع المؤشرات، لأن حظوظهم قد تتغيّر سريعاً في عالم العملات المشفرة الفوضوي، حسب تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.

إذ قال أحد مؤسسي الشركة، الذي يُعرف باسم “شارك” فقط: “يأتي الكثير من الناس إلى هنا، بعضهم أغنياء، والبعض فقراء. لكن هدفهم المشترك هو تحقيق الثراء، بالرغم من أن الكثيرين يعتقدون أنّهم سيحصلون على مليون دولار عند استثمارهم مئة دولار فقط. بينما يأتي آخرون إلى هنا لتلقي أول دروسهم في الجانب الفني للعملات المشفرة، قبل بدء التداول”.

وقد تأسست الشركة من أجل تعليم المواطنين الأتراك كيفية الاستثمار في العملات المشفرة، التي تُوفّر بديلاً رقمياً لامركزياً للنظام المالي السائد.

حيث ارتفعت شعبية تداول العملات المشفرة في تركيا إبان الأزمة المالية التي عصفت بنصف قيمة الليرة العام الماضي، مع ارتفاع التضخّم مؤخراً لأكثر من 30%.

ويميل غالبية المواطنين الأتراك، الراغبين في تجنب انخفاض قيمة عملاتهم المدخرة بالليرة، إلى إعادة استثمار مدخراتهم في الدولارات الأمريكية أو الذهب. لكن أعداداً متزايدة من المستثمرين الشباب يرون أنّ العملات المشفرة هي المستقبل، ولهذا يفضلونها على الدولار والذهب.

ومع ذلك لم يتضح بعد ما إن كانت العملات المشفرة ستضمن حقاً فرصةً في الثراء. بينما يقول أنصار العملات المشفرة -مثل مؤسسي ألتكوين- إنّ مخاطرة وفود المستثمرين الجاهلين بالسقوط فريسةً لعمليات الاحتيال، أو بمجرد خسارة أموالهم، هي أخطاءٌ منهم كأفراد.

حيث قال شارك: “يتعامل الناس مع تداول العملات المشفرة وكأنهم يقامرون، مثل المراهنات بالضبط”.

بينما رفض شارك الكشف عن حجم الأرباح التي جناها من استثمارات العملات المشفرة، بحجة خوفه من اتخاذ الحكومة قراراً مفاجئاً بفرض ضرائب على أرباحه.

وقد درّب أفراد ألتكوين أكثر من 300 شخص منذ إنشاء المركز قبل خمس سنوات، حسب تقديراتهم، كما تحضر أعدادٌ أكبر في فعاليةٍ أسبوعية يقومون باستضافتها للتبشير بعجائب العملات المشفرة.

لكنهم في الوقت ذاته حريصون في طريقة إدارة عملهم وسط بيئةٍ تنظيمية غامضة، مع الالتزام فقط بتعليم الناس كيفية التداول بدلاً من مساعدتهم بشكلٍ مباشر أو مناقشة مزايا أي عملة بعينها.

إذ تعيش العملات المشفرة في منطقةٍ رمادية قانونياً بتركيا. حيث حظرت الحكومة استخدامها للدفع من أجل السلع والخدمات في أبريل/نيسان من العام الماضي، لكن تداولها ما يزال مسموحاً.

لكن العديد من منصات التداول، التي يستخدمها المواطنون لتداول الليرة أو الدولار مقابل العملات المشفرة، قد تم إغلاقها في الأشهر الأخيرة بسبب الارتباك حول الوضع القانوني لهذه التجارة. بينما أُغلقت منصاتٌ أخرى عقب فضائح ذائعة الصيت، مثل منصة تداول ثوديكس Thodex التي تم إغلاقها بعد أن فرّ مالكها من البلاد بملياري دولار على الأقل من أموال المستثمرين.

ومع ذلك، فإنّ شعور البعض بتحقيق الآخرين للثراء يطغى على شعورهم الشخصي بالخطر. إذ قال بي جي، أحد مستثمري العملات المشفرة الذي طلب تعريفه بالأحرف الأولى من اسمه فقط: “التقلب الهائل للسوق يُشجع الناس، إلى جانب الأنباء عن تحقيق الآخرين لأرباح من فترات الصعود السابقة”.

ويمتلك بي جي وكالة وسائط رقمية، وقد بدأ الاستثمار في العملات المشفرة عام 2017؛ حيث قال: “حتى أمي تطلب مني الآن أن أساعدها على الاستثمار في البيتكوين. بدأ الأمر مع الشباب، والآن أصبح كبار السن مهتمين بالأمر. إذ يُعطون أموالهم لأبنائهم أو أي شاب ويقولون: استثمر لي هذا المبلغ، لنرى كيف ستسير الأمور. وليست هناك خطورةٌ في الاستثمار بحد ذاته؛ بل يكمن الخطر في أن البعض قد يستثمرون أموالهم في منصات غير منظمة بدون أي حماية من الحكومة، لينتهي بهم المطاف إلى خسارة كل أموالهم”.

ومن الصعب تقدير الحجم الحقيقي لسوق العملات المشفرة في تركيا، لأن غالبية الأرقام صادرةٌ عن الصناعة نفسها؛ حيث قال موقع Bitcoin.com الإخباري، المرتبط بعملة البيتكوين، في ديسمبر/كانون الأول، إنّ تركيا تجاوزت المليون معاملة في اليوم.

كما يوجد نحو خمسة ملايين شخص في تركيا حالياً يمتلكون حسابات تداول عملات مشفرة، بحسب تقديرات الساسة الذين يسعون إلى تنظيم هذه التجارة.

إذ قال جانيش فيسواناث-ناتراج، خبير العلاقة بين العملات المشفرة والأسواق الناشئة في مدرسة وارويك للأعمال: “من الواضح أن هناك قطاعاً من السوق يمكنه الاستثمار في العملات المشفرة، لكنني لا أعتقد أنّ جميع المستهلكين العاديين يجب أن يمتلكوا عملات مشفرة”.

وأشار فيسواناث-ناتراج إلى جاذبية العملات المشفرة في دولٍ مثل تركيا وفنزويلا بسبب ارتفاع التضخم، لكنه أردف أنّ المستهلكين سيستفيدون أكثر على الأرجح من اختيار العملات المستقرة -التي ترتبط قيمتها بعوامل خارجية مثل الدولار. وأوضح: “تصل التقلبات اليومية لسعر البيتكوين إلى 10%، وهي نسبةٌ مرتفعة، ولهذا لا أنصح بتحويل كافة مدخراتك إلى عملات المضاربة المشفرة”.

وفي أعقاب تراجع قيمة الليرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خطةٍ مالية جديدة لتشجيع المواطنين على إيداع أموالهم في البنوك التركية من أجل رفع قيمة العملة.

وبينما تُحاول الحكومة تشجيع المواطنين على الاستثمار في الليرة، يعمل البرلمان التركي على صياغة قانون لتنظيم أسواق العملات المشفرة، وهو القانون الذي يُثير نقاشاً حاداً بين أنصار العملات المشفرة حالياً.

حيث يخشى البعض أنّه لا داعي لتنظيم صناعةٍ تُقوم على الحرية. في حين يقول البعض إنّ هناك حاجة لتنظيمٍ محدود من أجل حماية المستهلكين من منصات التداول الضارة.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.