بينما يُصارع العالم للعثور على أفضل طريقة لمواجهة تغيّر المناخ، تتجه أصابع الاتّهام الرئيسية صوب الوقود الأحفوري والزراعة والتلوث الصناعي.
لكن السنوات الأخيرة شهدت تحوّل النقاش إلى العملات المشفرة، حيث إن التعدين -وتعدين البيتكوين (BTC) تحديداً- يستهلك كميةً هائلة من الطاقة.
بينما يتسابق مليارديرات العملات المشفرة المنتظرين على بناء أقوى منصات التعدين، ويتسببون بذلك في نفايات إلكترونية ضخمة، حسب ما ذكرت مجلة PC Mag الأمريكية.
متى يكون مقدار الطاقة المستهلكة أكبر من اللازم؟
يُمكن القول إنّ التأثير البيئي الأوضح للعملات المشفرة هو مقدار الكهرباء اللازمة لعملية التعدين، وهي الطريقة التي يتم سك عملات رقمية جديدة بواسطتها. وبينما يعرفها الغالبية باسم تعدين البيتكوين، سنجد أنّ العديد من العملات المشفرة الأخرى تعتمد أيضاً على التعدين، لكن منذ صدور البيتكوين بدأت عملية سك الوحدات الجديدة نزداد صعوبةً بشكلٍ تدريجي، ويرجع ذلك إلى تصميم العملة الذي وضع حداً أقصى يُقدّر بـ21 مليون وحدة فقط، وكلما زاد عدد الوحدات المسكوكة قلّ عدد الوحدات المتبقية للتعدين، وزادت بالتالي قوة الحوسبة اللازمة لسك وحدات جديدة.
وحين نُضيف هذه الندرة المُبرمجة إلى إمكانية تحقيق المكاسب المالية، يُصبح لدينا عددٌ أكبر من الأشخاص الذين يستهلكون طاقةً كهربائية أكثر لتعدين ما تبقى من الوحدات، إذ يُقدّر مؤشر كامبريدج لاستهلاك البيتكوين للكهرباء أنّ تعدين البيتكوين يستهلك سنوياً طاقةً أكبر من بعض الدول، مثل هولندا وباكستان.
وتنبع المخاوف البيئية من البصمة الكربونية المقدرة التي تُولدها محطات الطاقة، التي توفر بدورها الكهرباء لعمليات التعدين. وليس التعدين فقط هو الذي يستهلك الكثير من الطاقة -إذ إنّ معاملة البيتكوين الواحدة تحرق 2,292.5 كيلوواط/ساعة من الكهرباء، وهي كميةٌ تكفي لإمداد منزلٍ أمريكي عادي بالطاقة لمدة 78 يوماً.
وقد يبدو لك أنّ الكهرباء تُعتبر مصدراً نظيفاً للطاقة، لكن العديد من الدول تحرق الوقود الأحفوري من أجل توليد الكهرباء، ما يزيد الكربون في الغلاف الجوي ويزيد أزمة تغيّر المناخ سوءاً.
علاوةً على مشكلة النفايات الإلكترونية المادية، حيث تُستخدم الحواسيب، وبطاقات الرسوميات، ومنصات التعدين المعدلة ASIC، وغيرها من الإلكترونيات في عمليات التعدين. ولأنّ زيادة قوة الحوسبة تعني أفضليةً في السباق من أجل تعدين العملات الجديدة؛ يُواصل المعدنون ترقية أجهزتهم والتخلص من المعدات القديمة لينتجوا ما يصل إلى 30 ألف طن من النفايات الإلكترونية سنوياً.
لماذا تستهلك العملات المشفرة هذا القدر من الطاقة؟
صُممت العملات الرقمية بطريقةٍ تجعل عملية تعدينها صعبة وتستهلك قدراً كبيراً من قوة الحوسبة، وذلك حتى لا يتمكن فردٌ أو مجموعة من السيطرة على الشبكة بالكامل. وهذه السمة هي التي تجعل العملات المشفرة لا مركزية، ونعني هنا عدم وجود نقطة سيطرة منفردة.
وتعمل العملات المشفرة الرائجة مثل البيتكوين والإيثريوم (ETH) من خلال نظام إثبات العمل (PoW)، الذي يعتمد على الأفراد الذين يقومون بحلّ معادلات متباينة الصعوبة من أجل تعدين عملات جديدة أو إضافة بلوكات (كتل) معلومات جديدة إلى بلوكتشين (سلسلة كتل) العملة الرقمية.
وفي حين يتسابق الجميع على الشبكة ليكونوا أول من يحل تلك المعادلات ويحصل على المكافأة المادية، فإنّ الشخص الذي يمتلك أكبر قدر من قوة الحوسبة ستكون لديه أفضل فرصة في الفوز. ما يدفع المعدنين لتجميع منصات تعدين أكبر (أو حتى شبكات من منصات التعدين) التي يمكنها حل المعادلات بسرعةٍ أكبر، ونظراً لاعتماد كمية الطاقة المستخدمة على حجم شبكة التعدين، فقد بات تعدين عملات جديدة يحتاج لكميات متزايدة من الطاقة.
وداخل الولايات المتحدة مثلاً، يُشكّل الوقود الأحفوري نسبة 60% من مصادر طاقة شبكة الكهرباء، وهذا يشمل الغاز الطبيعي والفحم والبترول. ولهذا يمكننا القول إنّ عمليات التعدين القائمة داخل الولايات المتحدة تعتمد على الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة في أغلب الأحيان. وقد لا يكون الوضع مشابهاً في دولٍ أخرى، لكن يظل من المنصف القول إنّ التعدين يُسهم في زيادة غازات الاحتباس الحراري بطريقةٍ أو بأخرى، وذلك نظراً لكم الطاقة الكبير المستخدم في عمليات تعدين عملة مثل البيتكوين تحديداً.
كما أن محطات الطاقة اللازمة لتعدين العملات المشفرة لها تأثيرها على البيئة المحيطة بها. فوفقاً لكلية المناخ بجامعة كولومبيا، تسحب محطة كهرباء غريندج في نيويورك ملايين اللترات من المياه للتبريد أثناء عمليات التشغيل، ثم تصرف المحطة بعض المياه إلى بحيرة سينيكا بدرجات حرارة تتراوح بين -1 و10 درجات مئوية، أي أعلى من درجات الحرارة المعتادة، ما يضر بالحياة البحرية والبرية في البيئة المحيطة.
وتُبذل بعض الجهود في سبيل جعل العملات المشفرة صديقةً للبيئة أكثر، مثل استخدام غاز الميثان المنبعث أثناء تعدين الوقود الأحفوري، والذي كان يتم حرقه عادةً. بالإضافة إلى إنشاء محطات في مناطق غنية بطاقة الرياح، مثل غرب تكساس. وهذه أفكارٌ جيدة من الناحية النظرية، ولكن تلك المشروعات وغيرها قد لا تصير مجديةً من الناحية المالية في حال انهيار سعر البيتكوين مثلاً.
ولهذا يتطلّع المطورون إلى تقليل تكلفة الطاقة في تصميمهم للعملات المشفرة مستقبلاً، وذلك عن طريق الانتقال إلى أنظمة تحقّق جديدة لا تعتمد على إثبات العمل. وتشمل الأمثلة التي تزداد شعبيةً نظام إثبات الحصة (PoS)، الذي يعتمد على عدد وحدات العملات المشفرة التي يوافق المستخدم على محاصصتها، أو حيازتها دون بيعها، في الشبكة.
وكل شخصٍ يُوافق على محاصصة عملات مشفرة يصير من المحققين الذين بإمكانهم إثبات صحة المعاملات على البلوكتشين كما يفعل المُعدّن العادي بالظبط. ويجري اختيار أولئك الأشخاص عشوائياً، ويجب أن يوافق عددٌ محدد من المصححين على المعاملات قبل إضافتها إلى السلسلة. وبمجرد إنشاء بلوك جديد، يحصل المصححون على عملات كمكافأة بالإضافة إلى العملات التي قاموا بمحاصصتها.
وتستهلك هذه الطريقة كمّاً أقل من قوة الحوسبة مقارنةً بحل المعادلات اللازم للتعدين في نظام إثبات العمل.
كما أن هناك مبادرات أخرى مثل مجلس تعدين البيتكوين، واتفاق المناخ المشفر، التي تعمل على تطوير وسائل جديدة لزيادة كفاءة الطاقة في عمليات تعدين ومعاملات العملات المشفرة. حيث أعلن اتفاق المناخ المشفر أنّ هدفه هو تشغيل كافة شبكات البلوكتشين باستخدام الطاقة المتجددة بحلول عام 2025.
ويمكن لكافة هذه التدابير أنّ تقلل تكلفة الطاقة الخاصة بالعملات المشفرة وتعدينها، لكن مشكلات النفايات الإلكترونية والتداعيات البيئية الأخرى لا تزال بحاجةٍ لحلول، من أجل أن تصير العملات المشفرة مستدامةً على المدى البعيد.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.