قد تبدو حملة القمع الشاملة التي شنّتها الحكومة الصينية ضد الأصول المشفرة وكأنها خنقٌ للابتكار في الوهلة الأولى، لكن هذا الوصف هو أبعد ما يكون عن الحقيقة.

ففي الواقع تتعارض عملات المضاربة غير المنظمة ببساطة مع خطط الصين المتعلقة بعملتها الرقمية الخاصة، حسب موقع بورصة Nasdaq الأمريكية.

ومن هذا المنطلق، قيّدت الحكومة تلك الأصول في البلاد، وبدأت في وضع أساس هيكلٍ مالي جديد، وسيعتمد الهيكل الجديد على عملة اليوان الرقمي (e-CNY)، وإنشاء خدمة بلوكتشين من الدولة نفسها، علاوةً على دمج شركاء بلوكتشين أقوياء جُدد من أجل مساعدة الصين -وبقية اقتصادات العالم مستقبلاً- في إطلاق عملاتها الرقمية الخاصة.

وقفة الصين المستمرة ضد العملات الرقمية

على مدار السنوات الأخيرة، أصدرت الصين العديد من القرارات لحظر العملات المشفرة -أو 19 قراراً بالتحديد- وتضمنت كلٌّ منها قواعد صارمة بشكلٍ متزايد فيما يتعلق باستخدامها في النظام المالي. وفي سبتمبر/أيلول، أعلنت الحكومة الصينية عن موقفها النهائي والحاسم من العملات المشفرة، حين حظرت كافة عمليات التعدين وتجريم إجراء أي شركة لمعاملات بهذه الأصول. ورغم عدم تجريم امتلاك الأفراد للعملات المشفرة بشكلٍ واضحٍ وصريح، فإن أصحابها لم يعُد أمامهم سوى القليل من الوسائل لامتلاك أو بيع العملات المشفرة، ما يقضي فعلياً على هذه الصناعة داخل الصين.

ولا ترجع هذه الخطوات إلى كراهية الحكومة للأصول المشفرة، بل هي جزءٌ من رؤيةٍ أوسع للصين، وربما لا تحب الصين العملات المشفرة تحديداً، لكنها معجبةٌ بتقنية البلوكتشين. إذ بدأوا الحديث عنها بصراحة منذ فترة، ويعملون حالياً على إصدار عملتهم الرقمية السيادية الخاصة، العملة الرقمية للدفع الإلكتروني (DCEP)، وستعتمد عملة البنك المركزي الرقمية (CBDC) هذه على ميزات البلوكتشين حتى تمنح الحكومة رقابةً وسيطرةً كاملة على المعروض النقدي.

دور شبكة خدمات البلوكتشين (BSN)

لا يتوقف الأمر عند حدود بر الصين الرئيسي فقط، بل يتعلّق بمكانة الصين في الاقتصاد العالمي المتطور أيضاً، إذ ظهرت شبكة خدمات البلوكتشين، المدعومة من الحكومة، باعتبارها وسيلةً للصين حتى تضمن هيمنتها على ساحة البلوكتشين، وتُعتبر شبكة خدمات البلوكتشين واحدةً من شبكات البلوكتشين الوحيدة المرخصة من الحكومات حول العالم، وهي الأكثر تطوراً بينها بلا شك.

حيث توفر شبكة خدمات البلوكتشين منصةً مُركّبة ميسورة التكلفة، تُمكن المطورين من استغلال تقنية البلوكتشين في بناء تطبيقات لا مركزية (Dapps). وهي مدعومة من بكين ومختلف المؤسسات المملوكة للحكومة، مثل China UnionPay، وChina Mobile، وChina Merchants Bank.

ومن شأن هذه الخطوات أن تضع الصين في طليعة عمليات ابتكار البلوكتشين، ولكن بطريقةٍ منظمة وخاضعة للإشراف الرسمي. ما يتناقض بشدة مع نهج “الغرب المتوحش” الذي التف حول مشروعات التمويل اللامركزي (DeFi)، وهي مشروعات تراها حكومة الصين مُزعزعةً للاستقرار، لكن تحقيق أهداف شبكة خدمات البلوكتشين يتطلب دمجها مع منصات بلوكتشين بارزة أخرى، حتى توفر خدماتها في مختلف أنحاء النظام الإيكولوجي، وقد حدث ذلك بالفعل مع العديد من الأسماء الكبرى مثل الإيثريوم Ethereum، وهايبرليدجر فابريك Hyperledger Fabric، وتيزوس Tezos، وكونسينسيس كورام ConsenSys Quorum، وسايفريوم Cypherium.

ويُعتبر دمج هذه البلوكتشينات مع شبكة خدمات البلوكتشين في الواقع خطوةً كبيرة على طريق دمج المزيد من عملات البنك المركزي الرقمية خلال السنوات المقبلة، ويُمكن لشبكة خدمات البلوكتشين أن تقطع أشواطاً كبيرة في دفع التطوير إلى الأمام، عن طريق الربط بين العديد من أجزاء النظام الإيكولوجي اللامركزي المختلفة.

كيف يُمكن أن تُفيد هذه الشراكات شبكة خدمات البلوكتشين والعالم أجمع؟

تهدف شبكة خدمات البلوكتشين عموماً لتمكين المطورين من الوصول إلى الأدوات اللازمة لتطوير الجيل التالي من التطبيقات اللامركزية، فضلاً عن أنّ المشروعات ستمتلك القدرة على إدارة عُقَدها الخاصة، معتمدةً على سعة نطاق شبكة خدمات البلوكتشين، كما ستتمكن من الاستفادة بموارد مختلف الشركاء الآخرين، وتشمل هذه الشراكات مجموعةً متنوعة من مشروعات البلوكتشين، والخدمات السحابية، وحتى الشركات التقنية.

إذ وقّعت شبكة خدمات البلوكتشين، في يناير/كانون الثاني، على شراكة مع شركة ConsenSys لإضافة كورام إلى قائمة الموارد المتاحة للمطورين. وكورام هو بروتوكول مفتوح المصدر يسمح للمشروعات بتشغيل تطبيقاتها اللامركزية على شبكة الإيثريوم، وسيُتاح الوصول إلى كورام عبر عُقد المدينة العامة Public City Nodes لشبكة خدمات البلوكتشين، الموجودة في جميع أنحاء بر الصين الرئيسي.

وبعيداً عن شبكات البلوكتشين، تشمل قائمة الشراكات الاستراتيجية الأخرى بعض الخدمات السحابية الرائدة، مثل خدمات أمازون ويب ومنصة جوجل السحابية، كما سيُقدم الشركاء الفنيون مثل Dfuse وEOS Nation خبراتهم ومنظورهم الفريد للمساعدة في دعم كل تطورٍ جديد.

وستتحول تلك الشراكات إلى وسائل متعددة لنقل القيمة بين شبكة خدمات البلوكتشين وبين المنصات العالمية الأخرى، ما سيُمكّن الشبكة من دمج اليوان الرقمي بسلاسة مع الخدمات داخل الصين وخارجها، وبمجرد تبنيها فقد تُحوّل اقتصاد الجيل الثالث من الويب إلى نظامٍ إيكولوجي فعال منفرد.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.