في شهر ديسمبر/كانون الأول، أعلن الاتحاد الاقتصادي والنقدي لدول غرب أفريقيا تبني عملة الإيكو (ECO) المشفرة، لتحل محل فرنك الاتحاد المالي الأفريقي، وبهذا تسعى الدول الأعضاء الناطقة بالفرنسية في المنطقة إلى رسم مستقبل مستقل كلياً عن فرنسا. لكن لتحقيق ذلك، قد تحتاج تلك الدول أيضاً إلى التطلع نحو مستقبل يقوم على تقنيتي البلوكتشين والعملات المشفرة.

أنشأ شارل ديغول عملة الفرنك الأفريقي في عام 1945 لتكون أداةً للرقابة النقدية والمالية على المستعمرات الأفريقية في فرنسا، وقد اعتمدتها دول مثل بنين، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، وغينيا بيساو، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو، لأكثر من سبعة عقود. تستخدم 6 بلدان في وسط أفريقيا، وهي الغابون والكاميرون وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية، نسخةً مشابهة تختلف قليلاً عن الفرنك الأفريقي، لكن لم ترد بعد أي معلومات عما إن كانت تلك الدول ستحذو الحذو ذاته وتتخلى عن عملتها الأصلية.

وهنالك سؤال مطروح أمام المستعمرات السابقة: هل ستعزز العملة الجديدة من رخائها؟ أم ما يزال أمامها خطوة إضافية يجب وضعها في الاعتبار؟

كان السبب الذي أُعلن رسمياً وراء التخلي عن الفرنك الأفريقي هو تشجيع النمو والأسواق الجديدة، لكن الحقيقة هي أن تلك الخطوة تهدف أكثر إلى إنهاء الاستعمار وتحقيق الاستقلال النقدي والمالي.

عند ظهور الفرنك الأفريقي، وضعت فرنسا بعض الشروط الصارمة إلى حد ما، فبعد حصولها على الاستقلال، ألزمت البلدان التي تستخدم العملة بالاحتفاظ بجميع احتياطياتها من العملات الأجنبية داخل فرنسا، التي انخفضت نسبتها إلى 65% في عام 1965، ثم إلى 50% في عام 2005. وفي مقابل الاحتفاظ بنصف احتياطيات مستعمراتها السابقة، تدفع فرنسا لها 0.75% من الفائدة.

كان هذا الاتفاق مناسباً جداً لفرنسا بعد الحرب، لأنه كان يعني حقيقةً أن على المستعمرات السابق ذكرها تقديم قروض بفوائد منخفضة القيمة. بالإضافة إلى ذلك، استطاعت فرنسا استغلال الودائع الأفريقية للمساعدة على دعم عملتها الخاصة. وفي الوقت نفسه، استفاد الفرنك الأفريقي من الدعم الفرنسي الذي منحه الاستقرار.

لكن الظروف تغيرت، وأصبح بإمكاننا اليوم إدراك أن هذا الاتفاق هو أحد أشكال الفدية النقدية. لا توجد بيانات متاحة عن حجم الاحتياطيات الأفريقية المحتفظ بها في الخزينة الفرنسية على مدار كل سنة من السبعين عاماً الماضية، ومع ذلك، يمكننا القول بأن فرنسا استفادت بالتأكيد من هذا الاتفاق، والدليل على ذلك هو أن إجمالي احتياطيات ساحل العاج وحدها بلغت نحو 6 مليارات دولار في عام 2018.

بموجب الخطة الجديدة، سيستمر الاتحاد النقدي لغرب أفريقيا في ربط العملة باليورو طوال فترة الانتقال إلى الإيكو، لكن الممثلين الفرنسيين لن يكون لهم دور في مجلس إدارة البنك المركزي من الآن فصاعداً.

ويتزامن هذا الانفصال مع نشوب مشاعر معادية للفرنسيين في جميع أنحاء المنطقة، إذ يُنظر الآن إلى القوات الفرنسية التي كانت في أول الأمر موضع ترحيب في دولة مالي عام 2013 نظرة أقل إيجابية بكثير. تُحرق الأعلام الفرنسية الآن بانتظام في الشوارع، اعتراضاً على الوجود الفرنسي الذي طالت زيارته، والذي يُظَّن بأنه يتبنى نظرية الاستعمار الجديد.

ويرى الخبير الاقتصادي التنموي السنغالي ندونغو سامبا سيلا الفرنك الأفريقي باعتباره أداة استخدمتها فرنسا للسيطرة على مستعمراتها السابقة. وقال إن العملة: “تُستغل بصفتها أداة سياسية للسيطرة على الاقتصادات والسياسات الأفريقية، وكذلك أداة لنقل الفوائض الاقتصادية من القارة الأفريقية إلى فرنسا وأوروبا بأقل قدر من المخاطرة. مع بقاء الآليات الموضوعة أثناء الحقبة الاستعمارية كما هي دون تغيير”.

تُبذل الآن جهود من أجل إصلاح الفرنك الأفريقي، لكن ما الذي يجب على هذه الدول الأفريقية فعله لضمان أن آليات الاستعمار اندثرت وولَّى زمانها؟ كيف يمكنها بناء سياسة نقدية ومالية مستقلة حقاً مع الاستمرار في عملية إنهاء الاستعمار؟

اتُّخذ أول قرارات الإصلاح الأساسية بالفعل، وهو الاختيار بين إنشاء عملة مستقلة لكل بلد على حدة، أو الإبقاء على الاتحاد النقدي الذي أنشأه الفرنسيون. ستبقى الكتلة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المكونة من 8 أعضاء كما هي، وتبقى العملة على حالها، لكن تحت اسمٍ جديد. غير أن الأزمة الأكثر تعقيداً ما تزال قائمة، وتكمن في وحدة الدول الأعضاء، فمثلما يؤثر تفاوت درجات الوحدة السياسية والتنسيق المالي داخل الاتحاد الأوروبي في السياسة النقدية للاتحاد الأوروبي واستقرار عملتها باليورو، ستحدد قوة الوحدة في غرب أفريقيا ما إن كانت تجربة عملة الإيكو ناجحة أم فاشلة.

لم تكن المسارات الاقتصادية مشجعة، فمع أنها تشهد بعض النمو، تُصنف الأمم المتحدة 9 من البلدان الأعضاء في الفرنك الأفريقي البالغ عددها 14 دولة على أنها “أقل تطوراً”، إذ يقل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بعض منها حالياً عما كان عليه في السبعينيات.

للمضي قدماً، ينبغي لدول غرب أفريقيا محاولة التماشي مع الطلب العالمي. أولاً، سوف يؤدي منح شركات التصنيع الدولية حوافز لاستيراد التكنولوجيا الجديدة إلى توفير فرص عمل جيدة ورأس المال اللازم. ومن ثم، يمكن أن يسهم تبني تكنولوجيا العملات الرقمية في الحد من مخاوف المستثمرين الأجانب تجاه نشوء أي مفاجآت نقدية؛ مثل انخفاض قيمة العملة، أو ما تتعرض له العملة من ضوابط. إضافة إلى أن عملية الإيكو الرقمية، التي تعمل على منصة آمنة قائمة على البلوكتشين، ستخدم أيضاً مصالح العاملين في مجال الهواتف المحمولة بجميع أنحاء المنطقة، مما لن يفيد أفريقيا الناطقة بالفرنسية فقط.

في الواقع، فإن البنية المالية الجديدة التي تدعمها الابتكارات النقدية، وتوفرها مبادئ العملة المشفرة -المحمية من خطر تلاعب الحكومات بالعملة- سوف تُسهم إلى حد ما في تهدئة المخاوف التي تحيط بأسلوب الدول الأفريقية في إدارة عملاتها. هذا لا يعني أن تلك الخطوات يمكن تحقيقها بسهولة، لكن ذلك التطور، الذي لم يكن موضع تقدير على نطاق واسع خارج القارة، يعد نقطة صعود للتكنولوجيا المالية Fintech. لدى أفريقيا الموهبة الكافية لإدراك ذلك.

الآن وقد أصبح لهذه المستعمرات الفرنسية السابقة عملة جديدة، فإن المفتاح لوضع الماضي خلفنا دون رجعة، يكمن في الابتكار فيها كما لم تشهد أي عملة مسبقاً. تمنح الإيكو اقتصاداتها الفرصة من أجل الازدهار، وذلك بتجاوز المعايير التقليدية عبر تبني تكنولوجيا البلوكتشين. لكن يجب على تلك الاقتصادات أن تكون أجرأ، وتتخلص من براثن النموذج المالي المعتاد، مثلما تخلصت من قبضته مع فرنسا.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.