كريس دانين هو المؤسسس المشارك في شركة إيتريف كابيتال Iterative Capital، وهي شركة استثمار عملات مشفرة مقرها في نيو يورك، والمدير التنفيذي لشركة اي 2 تريدنج i2 Trading، وهو تاجر جملة ومكتب تداول.
اختبر حضور مؤتمرات العملات المشفرة في عام 2019 اللبس السردي بعد فقاعة العرض الأولي للعملات. تقدم شركات البلوكتشين منتجات سخيفة غير ضرورية ومن المحبب امتلاكها في أحسن أحوالها، ويتلاعب مصدرو التوكنات بالإصدارات، ويبحث مشغلو المنصات عن رأس المال.
من ليس جزءاً من تلك المحادثة؟ عملاء شركات التكنولوجيا الكبرى. وبالتشابه مع أي جهاز تكنولوجي في آخر 50 عاماً، فإن احتياجاتهم من العملات المشفرة تجتذب أنظارهم قبل أن يصبح التبني واسع النطاق ممكناً.
ولكن بعد مرور عامين من الفقاعة، فلا وجود للتطبيقات ساحقة النجاح. ولذا، فمع بداية عام جديد، من الجائز أن نسأل أنفسنا ما المسار الذي يمكن للبتكوين ومنافسيها أن يسلكوه من أجل الوصول إلى تلك التطبيقات، وما إذا كان عام 2020 نقطة انعطاف.
وبغض النظر عن المسار والجدول الزمني، فإن الفترة الانتقالية للشركات التي تعتمد على البتكوين ستكون مؤلمة، فدائماً ما يكون التغيير في الشركات الكبيرة مؤلماً. سيكون تنفيذ عمليات أتمتة الرواتب، والفواتير، وتقارير المصاريف، وباقي العمليات المالية بطيئاً وباهظ الثمن، وسيتطلب إنفاق كميات ضخمة من المال والوقت على بناء البرامج والحفاظ على الموظفين.
قد تكون مشكلة جدية حافزاً لوقوع هذا السيناريو. هل توجد مثل هذه المشكلة، وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، كيف يمكن للعملات المشفرة أن تحله؟
الانهيار الداخلي السريع للشركات
ضع في الاعتبار البيانات التالية:
– في عام 1958، كان متوسط عمر الشركات الكبيرة (والتي يتجاوز تقييمها السوقي مليار دولار أميركي) 61 عاماً، وبحلول عام 2016، تقلص ذلك الرقم إلى 24 عاماً.
– يقضي العمال الأميركيون ثلاثة أرباع مليار ساعة عمل أسبوعياً على أنشطة متعلقة بالامتثال للقوانين الداخلية، ولا يضيف ما يقرب من نصفهم أي قيمة إبداعية.
– انخفضت العائدات على الأصول لأكبر 25 شركة عامة من 12.9% في عام 1965 إلى 8.3% في عام 2015
– تزداد أوضاع العمال سوءاً، فمنذ عام 1976، طغت الزيادة الإنتاجية (بسبب التكنولوجيا) على زيادة الرواتب بعامل يبلغ 5.9.
من نوكيا Nokia إلى مايكروسوفت Microsoft إلى بوردرز Borders إلى بلاك بيري BlackBerry، ستفشل الشركات الموجودة حالياً مرة تلو الأخرى في الحفاظ على حصتها السوقية وأن تزيد الرواتب لموظفيها، برغم كل بيانات السوق التي يكدسوها كل عام، وكل الاستشاريين الذين يدفعون لهم لقاء خدماتهم، وبرغم كل خريجي الجامعات النبهاء الذي يقومون بتعيينهم.
هذه مشكلة كبيرة، لِمَ؟
تكمن المشكلة في أن التكنولوجيا الرقمية طورت “الفنون العملية” (من جداول البيانات إلى صناعة الأفلام) لدرجة أن التخطيط المتقدم والعمليات فائقة الكفاءة، وهي التي كانت في الماضي أحد نقاط قوة الشركات الكبيرة ذات الهيراركية، لم تعد ذات قمية. وفي بيئة أعمال غير متوقعة وتتصرف فيها الشركات بشكل بعدي، فإن القواعد البيروقراطية والقواعد المرنة تعد معوقة.
إذا لم يقدر البتكوين والشبكات المشابهة على مساعدة الشركات الكبيرة على أن تصبح أكثر مرونة، فمن الجائز ألا يكون لها مكاناً في الاقتصاد في العشرين سنة القادمين. ما الطريق إلى الوصول لذلك؟
جادل الفيلسوف برتراند دو جوفينيل أنه يمكننا التفكير في المستقبل في شكل وحدات تدعى “حالات المستقبل” أو “futuribles.” تدخل الأوضاع المستقبلية ضمن فئة من حالات المستقبل في حال إذا كانت طريقة إنتاجها منطقية ويسهل تخيلها، وبحسب ما كتب: “الحالة المستقبلية هي سليلة الحاضر، سلالة يمكننا نسبها إليها” وتمتد من ظروف الحاضر.
ما ظروف عالم الشركات المتقلب في العقد الماضي؟ في محاولاتهم للحركة بشكل أسرع وتأجيل نهايتهم المحتومة، فإن أكبر الشركات قد بدأت في إعادة تنظيم وتقليل الهيراركية وتدفع بإمكانية اتخاذ القرار إلى هوامش تلك الشركات وتقليل تركيزها في أيدي القيادة العليا. ما حالات المستقبل المحتملة إذا ما نظرنا للعقد القادم؟
ما نوع نموذج الأعمال التشغيلي الذي ستجبر الاشركات على تبنيه تالياً، مع اتجاه العالم المادي إلى الرقمنة ومع زيادة سرعة الأعمال؟
شركة نظام التشغيل المزدوج
وبينما لم يكتب الأستاذ في جامعة هارفارد لإدارة الأعمال، جون بي. كتور، عن العملات المشفرة، فإنه أسس مفهوم “شركات نظام التشغيل المزدوج”، والتي تمزج بين الإدارة الهيراركية التقليدية مع شبكة من “العمالة المؤقتة الفائقة“، والتي يتلق بعض موظفيها أجراً بينما لا يتلقاه البعض الآخر، خارج أسوار المكتب.
يعد التراتب الهيراركي مفيداً للتخطيط، بحسب جون بي. كتور، بالإضافة لوضع الميزانيات، وتحديد الأدوار، ووظائف الموارد البشرية، وقياس النتائج. وكتب قائلاً في عام 2012: “ما لا يجيدون فعله هو التعرف على أهم الأخطار والفرص مبكراً، وتطوير استراتيجيات مبتكرة برشاقة، وتنفيذهم بسرعة.”
وجادل جون بي. كتور بإنشاء ما سماه “نظام تشغيلياً ثانياً” وهي عبارة عن شبكة من الأشخاص القائمين على تصميم وتنفيذ الاستراتيجية من الخارج. وستكون تلك الشبكة الخاصة بنظام التشغيل الثاني بمثابة نظام مناعي للتراتب الهيراركي التقليدي، لتقوم بمسح ثابت للشركة، وللأسواق الخاصة بها ولمنافسيها من أجل معرفة المعلومات والممارسات الجديدة.
وأضاف كوتر أن ما يقرب من 10% من الشبكة يجب أن تتكون من موظفين بدوام كامل، وستتكون باقي الشبكة من موظفيين بدوام جزئي منتقين بعناية بالإضافة إلى المتطوعين، والذين ستسند إليهم عمليات هيكلية لضمان أن تكون مساهماتهم ذات معنى، ولضمان أن يرى القادة في قمة التراتب الهيراركي عملهم.
إلا أن هناك عدد من المشاكل العملية المرتبطة بالتنفيذ المثالي لنظام التشغيل المزدوج الخاص به، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالشبكات ذات الحجم الضخم. أحد تلك المشكلات هي الرواتب. إذا كانت الأدوار غير تقليدية، ومع وجود جداول تحدد الرواتب للموظفين بدوام جزئي والموظفين بدوام كلي والمتعاقدين بشكل حر (مع دخول هؤلاء إلى معادلة الرواتب وخروجهم منها بشكل دائم)، فسيتطلب الامر جيشاً صغيراً من موظفين الموارد البشرية للتعامل مع هذا الكم من البيانات. وسيزداد الأمر سوءاً إذا كانت تلك الشيكات ترسل حول العالم إلى شبكة المساهمين الخارجيين، في أماكن لا تملك الشركة تمثيلاً أو مكتباً محلياً فيها.
هل من الممكن أن يحتاج نظام التشغيل المزدوج، والذي يعتبر علاجاً للشركات المعتلة، بنية تحتية مالية تمكن من تنفيذه بطريقة اقتصادية؟
دور البتكوين
يعد البتكوين بشكل جوهري بنية تحتة مبنية لصالح (وبواسطة) المجموعات التي لا قائد لها، والتي تعمل عن طريق الإجماع اللحظي. ولا تقتصر الأمثلة على المجموعات التي لا قائد لها على مجموعات البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر فحسب، وإنما على البيئات القائمة على الوسومات مثل حركة #metoo، أو الحركات الاحتجاجية المشابهة لحركة “احتلوا وال ستريت” مثل تحركات الربيع العربي في ربيع 2011. وفي نظام التشغيل المزدوج الخاص بكوتر، فإن النص المتعلق بالـ”شبكة” هو مثال آخر على المجموعات التي لا قائد لها.
ويعتبر البتكوين بنية تحتية مثالية للمجوعات التي لا قائد لها، لأن المحافظ يمكن أن يتم إصدارها دون الحاجة لإذن، كما تسهل أتمتة مدفوعات البتكوين، مما سيعطي الشركات المرونة التي ستحتاجها لتسوية المدفوعات الكبيرة والصغيرة إلى الأشخاص، وعلى نطاق واسع، ولأي مكان في العالم.
كما أن آذان الميزانيات هي أحد الجوانب السلبية لنظام التشغيل المزدوج. سترغب الشركات في وضع حدود للأموال التي يستطيع موظفيها إنفاقها من الميزانية بإذن أو بدون، إلا أن تلك القواعد ليست مفصلة على مستوى بطاقات الائتمان، وتنفيذهم على نحو آخر قد يكون صعباً. لذا، فمن الممكن أن تساعد برامج المحافظ المخصصة، وخصوصاً تلك المزودة بميزة التوقيعات المتعددة للمحافظ الكبيرة، الشركات على وضع سلطة الإنفاق في أيدي الموظفين، وتقليل نقاط الاختناق الإدارية المتعلقة بالموافقات من المديرين عن طريق إيجاد صيغة ثابتة لقواعد الإنفاق ووضعها داخل برنامج المحفظة نفسه.
وتعد التحويلات مشكلة أخرى للشركات ولموظفيها عبر البحار. تحتاج المكاتب المحلية إلى إرسال المدفوعات إلى المقر، إلا أن التحويل بين العملات يمكن أن يكون صعباً، وبطيئاً وباهظ الثمن في بعض الدول. كما يحتاج الموظفين العاملين في المناطق النائية إلى أن يتلقوا أموالهم محلياً، كما سيحبون أن يرسلوا الأموال إلى بلدانهم الأم، وتحيط الرسوم والتأخيرات بالنظام المالي الحالي. تعني الطبيعة العالمية المتزايدة لبيئات الأعمال اليوم أن الموردين، والمصنعين، والوكالات اللوجيستية، يحتاجون إلى تلقي مدفوعات بعشرات العملات المختلفة.
ولذلك، فإن نموذج نظام التشغيل المزدوج يبدو حالة مستقبلية معقولة لشركات اليوم، وتوضح التحديات الناجمة عنه الحاجة إلى بنية تحتية مالية مرقمنة.
بالنسبة لعالم الأعمال، فإن البتكوين ومنافسيه يتنافسون بكفاءة على أن يكون أي منهم هو شبكة تسوية الأعمال بين الشبكات، أي الشبكات التي تنقل القيمة بين الأنظمة النقدية غير المتصلة جيداً، لتسد الفراغات الناتجة من غلاء الخدمات الاخرى، وبطئها، وبيروقراطيتها.
ولن يمر وقت طويل قبل أن يقدر محولو الأموال المحليين على تحويل كميات ضخمة من المال بتكلفة قليلة وبشكل فوري عن طريق قنوات شبكة لايتننع (أو شبكة مشابهة) من دولة لأخرى، وهو ما يعني أن عملائهم لن يحتاجوا إلى امتلاك عملات بتكوين للاستفادة من التكنولوجيا الخاصة بتحويل القيمة عبر البحار.
كانت تلك المقالة نظرة شاملة على الطريقة التي يمكن للبتكوين بها أن يجد لنفسه موطئ قدم في عالم الشركات القائم على المهام الحرجة. وفي إطار محاولاتهم للإبقاء على المرونة، فإن الشركات الكبيرة الحالية قد بدأت في إحاطة نفسها في شبكات سلسة، قبل حتى أن تعرف كيف يمكن توسيع نطاق نظام التشغيل المزدوج. ومع تنامي حجم شبكاتهم، فلن يستغرق الأمر طويلاً قبل أن تستعيد سردية العملات المشفرة قوتها.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.