يعرف الجميع مالطا بـ”جزيرة البلوكتشين”. رغم ذلك، يرى ستيف تيندون، خبير واستشاري البلوكتشين، أنَّ الدولة الأوروبية متناهية الصغر أخفقت في الارتقاء إلى توقعات اللقب. 

يزعم تيندون، في مقال مذهل وصادق حد القسوة عن ميلاد مفهوم جزيرة البتكوين، أنَّ مالطا “فاتها مغزى” قوة العملات المُشفَّرة. 

إذ “أضاعت” فرصة نقل الخدمات إلى الفضاء الرقمي بإجبار الشركات على إرساء قواعد مادية على شواطئها. 

أيمكن أنَّ تُعلن جزيرة البلوكتشين الحقيقية عن نفسها رجاءاً؟ 

في الأغلب لم يصادفك اسم تيندون من قبل، ولكنه في الواقع مدافع متحمس عن العملات المُشفَّرة وتقنيات البلوكتشين إضافة لعمله استشارياً لتطبيقاتها. 

فهو من صاغ الوصف الشائع لمالطا بـ”جزيرة البلوكتشين”، وإنَّ كان في الأغلب ما يُساء فهمه. كما كان عضواً أساسياً بلجنة عمل البلوكتشين بمالطا، والتي قدمت المشورة لمكتب رئيس الوزراء لوضع استراتيجية التعامل مع تكنولوجيا البلوكتشين. 

عندما تحدثت لأول مرة مع تيندون، كان متحمساً لدرجة معدية لقدرة العملات المُشفَّرة على تغيير العالم والعمل الرائد الذي تضطلع به جزيرة مالطا الصغيرة. 

ولكنه فقد حماسه بعدما شَهَدَ وقوع حكومة الجزيرة في فخ تكرار نمطها المعتاد لتحقيق النجاح. إذ سَنَّت الحكومة قوانين جديدة لخلق إطار عمل قانوني مؤاتٍ لجذب الاستثمارات الأجنبية وإغراء الشركات بإرساء قواعدها على أرض الجزيرة. 

يلاحق تيندون الآن مشروعاً جديداً، صاباً كامل اهتمامه على العملة المُشفَّرة الخاصة بجمهورية جزر مارشال، السوفرين (SOV). ويوضح في مقاله المُعنون، “أيُمكن أنَّ تُعلن جزيرة البلوكتشين الحقيقية عن نفسها رجاءاً؟!” أنَّ جزر مارشال تُلخِّص معضلة “جزيرة البلوكتشين” تماماً؛ حالة من العزلة الحادة وحاجة مُلحة لتكوين علاقات، خارج الحدود التقليدية  للحيز جغرافي، والمساحة والموارد الطبيعية. 

المفهوم الحقيقي الكامن وراء جزيرة للبلوكتشين 

يقول تيندون إنَّ الخطة وراء تنصيب مالطا جزيرة للبلوكتشين كانت خلق صلاحية قانونية رقمية بالكامل، يمكن استخدامها فيما بعد لربط العملات المُشفَّرة وتقنيات البلوكتشين ببقية النظام المالي العالمي. ولكن هذه كانت “خطوة جريئة لم تكن مالطا مستعدة لاتخاذها”. 

ويؤمن تيندون أنَّ للعملات المُشفَّرة عدة مزايا عندما يأتي الأمر للمدفوعات العابرة للحدود، وتحويلات النظير إلى النظير وخفض تكلفة التحويل. وهذه، في رأيه، مجرد نبش للسطح. 

تمنحنا تكنولوجيا العملات المُشفَّرة القدرة على إصدار توكنات. بالتالي يمكننا إثبات ملكية الحقوق الرقمية والملكية الجزئية. ويمكننا الحصول على حق إدارة شؤون الهوية الرقمية لكلاً من الأشخاص والأغراض. كما يمكننا أتمتة عدد لا نهائي من المهام عبر الحدود التنظيمية والقضائية. 

وجاء في نص مقال تيندون، “مزايا تلك التقنيات أكثر إغراءاً من أنَّ يتم تجاهلها بأي حال. ولكن الإمكانات الفريدة للبلوكتشين والعملات المُشفَّرة هي نقطة ضعفها في الوقت ذاته؛ إذ أنَّها تختلف تماماً عن كل ما جاء قبلها حتى أنَّنا فشلنا في الاتفاق على كيفية دمجها مع نظمنا الاقتصادية، والتقنية والقانونية القائمة بالفعل”. 

وَصلُ اقتصاد العملات المُشفَّرة باقتصاد العالم الواقعي

يؤمن تيندون بأنَّنا لن نجني ثمار تكنولوجيات العملات المُشفَّرة إلا بتبنيها على نطاق واسع، وتأثيرات شبكة كبرى وربط العملات المُشفَّرة بالاقتصاد الأوسع. 

إذ يُشير إلى تداول النظم المالية التقليدية تريليونات الدولارات يومياً، بينما ما زال حجم تداول العملات المُشفَّرة في نطاق المليارات. وفي حين هناك المليارات من مالكي حسابات النظم المالية، ليس هناك إلا بضعة ملايين من محافظ العملات المُشفَّرة. 

إذ يقول في مقاله، “نحن بحاجة لإيجاد طريقة تربط اقتصاد العملات المُشفَّرة باقتصاد العالم الواقعي. هذا هو جوهر جزيرة البلوكتشين، وفي الوقت ذاته تلميح إلى من يتمتع بأفضل موقع لتقديم الحل”. 

مالطا “فاتها المغزى” من تكنولوجيا البلوكتشين تماماً 

يوضح المقال أوجه تشابه الصعوبات والتحديات المواجهة لكلاً من مالطا وجزر مارشال. فكلاهما جزر صغيرة محدودة المساحة، تفتقر إلى الموارد الطبيعية كلية تقريباً. 

كانت مالطا متبصرة بشكل خاص فيما يخص دعم اقتصادها. فبما إنَّها تفتقر إلى الأصول المادية، وجهت الجزيرة انتباهها إلى الخدمات التنظيمة. وسرعان ما حققت نجاحات ساحقة في مجالات الخدمات المالية والمقامرة الإلكترونية (iGaming). 

آمن تيندون بأنَّ صناعة البلوكتشين ستكون امتداداً طبيعياً لمقاربة مالطا الاقتصادية المبتكرة، خاصة بما إنَّ “مساحة الأرض والموارد الطبيعية” ليس لها أية أهمية عندما يأتي الأمر للعملات المُشفَّرة. فحتى أصغر البلدان يمكنها أنَّ تصبح طرفاً مؤثراً عالمياً في الفضاء الافتراضي. 

كما آمن بإنَّ مالطا ستصبح الجسر بين تكنولوجيات البلوكتشين والاقتصاد التقليدي. ولكنه يأسف لـ”ضياع الفرصة بإصرار مالطا على التمسك بوجود الشركات على أرضها”. 

فتمسك مالطا بتأسيس شركات العملات المُشفَّرة لوجود مادي هناك غير مستدام على الإطلاق. بل يُمثل عبئاً مستمراً على الموارد المحدودة للجزيرة. ربما تحقق مالطا بعض النجاحات الآن، ولكن يتسائل تيندون إلى متى؟ 

إذ ستصبح الجزيرة في القريب العاجل مكتظة بالسكان مما سيتسبب في أزمة إسكانية عنيفة، وقصور البنية التحتية وانحدار الظروف المعيشية لمواطنيها. 

كتب تيندون، “تمسكت مالطا في نهاية الأمر بخطتها بإلزام شركات العملات المُشفَّرة والبلوكتشين بتأسيس وجود مادي على أراضيها. مما كلفها فرصة أنَّ تصبح لاعب قوي في فضاء العملات المُشفَّرة الافتراضي”. 

عملة السوفرين الخاصة بجزر مارشال 

دفع وسم مالطا بـ”جزيرة البتكوين” بها إلى دائرة الضوء بصحبة أمثال وادي السليكون ووادي العملات المُشفَّرة بسويسرا. رغم ذلك، يرى تيندون أنَّه لا يزيد كثيراً عن استراتيجية تسويق لجذب شركات البلوكتشين. 

على الجهة الأُخرى، تتفهم جزر مارشال حقاً الحاجة الملحة للاستدامة. فهي، مثل مالطا، صغيرة المساحة ومُكبلة بالقيود. وإنَّ كانت مُبعثرة جغرافياً ومعزولة تماماً تقريباً على العكس من مالطا. إذ تفصلها بالطائرة ستة ساعات عن جزر هاواي الأمريكية وسبعة ساعات عن العاصمة الفلبينية، مانيلا. 

كما أنَّ جزر مارشال مهددة بالاختفاء تماماً تحت مياه المحيط متزايدة الارتفاع، بسبب إنخفاض متوسط ارتفاعها عن سطح البحر، والبالغ مترين فقط.

علاوة على ذلك، شهدت الجزر نصيبها الوافي -غير العادل- من التجارب النووية الممولة من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. سيتوقف التمويل الأمريكي، مقابل حق إجراء التجارب النووية ونشر جزء من نظام الدفاع المضاد للصواريخ على أراضيها، في عام 2023. وتُمثل المعونة الأمريكية 30% من إجمالي الناتج المحلي حالياً. 

تواجه جزر مارشال تحديات اقتصادية، وبيئية وجغرافية. ليس هذا وحسب، ولكن وجودها نفسه مهدد بعدة عوامل، وتعاني من الآثار الصحية للتجارب النووية على أتول بيكيني. 

وكتب تيندون، “مالطا جزيرة، ولكن جمهورية جزر مارشال تُجسد حقاً معضلة “جزيرة البلوكتشين”؛ عزلة تامة مع حاجة مُلحة لتشكيل صلات، على ألا ترتكز على محدودية الجغرافيا، أو المساحة أو الموارد المادية”. 

ويستأنف تيندون قائلاً إنَّ العملة المُشفَّرة الخاصة بجزر مارشال ستذهب إلى مدى أبعد من مجرد رقمنة العملة النقدية. فهي عملة رسمية قانونية إضافة إلى اعتمادها على تكنولوجيا البلوكتشين، مما يجعلها جوهرياً عملة نقدية مُشفَّرة وحلقة وصل بين الاقتصادين التقليدي والمُشفَّر أخيراً. 

وقد يخلق ذلك قيمة هائلة لجزر مارشال. 

الحفظ والاستدامة

جاء في نص مقال تيندون، “سيوفر الحجم المهول من الاقتصاد التقليدي تأثير الشبكة، الذي سيجلب بدوره تكنولوجيات العملات المُشفَّرة إلى جمهور العامة من خلال عملة السوفرين”. 

مما سيعطى جمهورية جزر مارشال الأدوات اللازمة لمجابهة أزماتها الاقتصادية والبيئية الوشيكة. كما سيوفر الاستدامة ويسمح لمواطنيها بحفظ هوياتهم الرقمية لوقت طويل بعدما تُجرَّف شواطئهم. 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.