تحوّل الجدال التقني المحصور سابقاً في الأوراق البحثية إلى قضية طارئة.

عندما أعلنت فيسبوك Facebook عن خططها لإطلاق توكن مدفوعات خاص باسم الليبرا Libra في يونيو/ حزيران الماضي، لم تكن تنتوي تحريض الحكومات على إطلاق عملات إلكترونية عامة. 

ولكن ربما يتضح أنَّ هذا بالضبط ما حققته، بتقديمها ضرورة ملحة سياسياً إلى جدال تقني كان مُسبقاً حبيس الأوراق البحثية للبنوك المركزية. 

يرغب برونو لو مير، وزير المالية الفرنسي، في أنَّ تُثير الاجتماعات السنوية للبنك الدولي    وصندوق النقد الدولي (IMF) المُخطط عقدِّها الشهر القادم نقاش عالمي حول الحاجة إلى عملات إلكترونية صادرة عن الحكومة أو ما يُعرف بالنقود الإلكترونية (e-chash). 

والسيد لو مير أحد أبرز نقاد الليبرا. وكان قد صَرَّحَ خلال اجتماع لوزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي في مقتبل الشهر الجاري، “يجب أنَّ نرفض تطوير الليبرا في الاتحاد الأوروبي في ظل الظروف الراهنة”، كما نادى بوضع إطار عمل أوروبي مشترك للعملات المُشفَّرة. 

وجاءت دفعة سياسية أُخرى من مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، الذي اقترح في كلمة ألقاها بشهر أغسطس/ آب أنَّ تَوفُّر عملة “مُصنعة” جديدة عبر شبكة من العملات المُشفَّرة الصادرة عن البنوك المركزية بدلاً عن مؤسسة خاصة مثل فيسبوك، قد يستبدل تدريجياً سيطرة الدولار الأميركي على المعاملات المالية الدولية. 

لِمَ هذه مشكلة الآن؟ 

صَدَّمَ الإعلان عن عملة الليبرا السياسيين والمُنظمين. دافعاً مجموعة الدول السبع لتشكيل لجنة عمل فورية لدراسة الليبرا وما يعرف بـ”العملات المُستقرة” الأُخرى برئاسة بينوا كوييه عضو المجلس التنفيذي بالبنك المركزي الأوروبي (ECB). 

وهو ما أدَّى إلى ” نقاش طويل ومثمر” حول مخاطر عملة الليبرا خلال اجتماع “مرتجل” لوزراء مالية مجموعة الدول السبع في يوليو/تموز الماضي، طِبقاَ لأحد المسئولين. وأضاف المسئول الحكومي أنَّه كان هناك اتفاق مشترك بين الوزراء على “الحاجة إلى تحجيم المشكلة وإيجاد حلول على المستوى العام”. 

وحَذَّرَ السيد كوييه، خلال كلمة في مقتبل الشهر الجاري، من “التحديات المهولة” التي تمثلها الليبرا وما يشابهها من مبادرات خاصة، مُشيراً إلى مخاوف تتعلق بالأمان، والخصوصية، والاستقرار المالي وقدرة البنوك المركزية على تطبيق السياسات المالية. وحسبما قال فقد كانت الليبرا “صيحة تنبيه” للبنوك المركزية. 

إذ أجبر تَوقُّع نجاح عملة الليبرا لإيفائها بحاجة، موجودة بالفعل بين المستهلكين، السياسيين على التفكير بجدية في كيفية إيفاء تلك الحاجة بأنفسهم.

وشدد كلاً من لو مير وكارني على أهمية تسهيل التحويلات المالية متقاطعة العملات لتكون أرخص وأسرع، وهي إحدى الوظائف المقترحة الواعدة لليبرا. 

ماذا يدور ببال البنوك المركزية؟ 

ربما من المنطقي أنَّ يتساءل المستهلكين لم استغرق السياسيون كل هذا الوقت.  

أجرت البنوك المركزية لسنوات بحوثاً عن العملات المٌشفَّرة الصادرة عن البنوك المركزية   (CBDC) قبل أنَّ يتحرك واضعو السياسات أخيراً. ودائماً ما تمحورت مخاوفها حول كيفية أداء البنوك المركزية لمهامها في ظل التحوّر الرقمي للنظام المالي. 

فالبنك المركزي بالسويد، أحد رائدي المجال، على وشك إطلاق النسخة التجريبية من الكرونة الإلكترونية (e-krona). 

ولكن أغلبية البنوك المركزية الأُخرى أكثر حذراً. فدول الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل خاص على البنوك كقناة مالية بين المُدخرين والمقترضين، لذا فالتأثير المحتمل لعملة مشفَّرة صادرة عن البنك المركزي على القطاع البنكي أحد شواغلها الرئيسية.  

وقال أحد محافظي البنوك المركزية القلقين إنَّه في حال تسببت أزمة في قلق عام على سلامة البنوك، فيمكن لامتلاك حسابات بالبنوك المركزية “زيادة احتماليات حدوث ذعر مصرفي”.  

وصَرَّحَ ماسايوشي أماميا، نائب محافظ بنك اليابان (BoJ) في كلمة خلال الصيف الماضي، أنَّ بنك اليابان ليس لديه أية خطط لإصدار عملة مُشفَّرة ولكنه يبحث الفكرة لجمع معلومات أكثر عنها. 

ويعكس ذلك موقف البنوك المركزية بشكل عام. إذ كّشَّفَ استطلاع مصرف التسويات الدولية (BIS)، ومقره مدينة بازل السويدية في يناير/ كانون الثاني، أنَّ 70% من أصل 63 بنك مركزي مشترك في الاستطلاع تجري أبحاث نظرية عن بروتوكول إصدار عملة مُشفَّرة. 

وتقدَّم نصف البنوك لمرحلة تطوير أبحاث إثبات المفهوم (PoC)، بينما بدأت قلة منهم في تجارب طليعية بالفعل. 

هل كل التجارب نظرية؟ 

على الإطلاق. رغم أنَّ قلة من البنوك المركزية المشاركة في استطلاع مصرف التسويات الدولية قالت إنَّ من “المحتمل إلى حد ما” أو “المحتمل للغاية” أنَّ تُطلق عملة مُشفَّرة في غضون الست سنوات القادمة، إلا أنَّ ثلثها قالت إنَّ ذلك “ممكن” على الأقل. 

وبينما اختتمت أوروغواي مشروعها التجريبي لإصدار عملة بيزو إلكترونية (e-peso)، أعلنت الصين في يوليو/ حزيران أنَّها “مستعدة تقريباً” لإصدار عملة إلكترونية حكومية. 

على الأغلب سيسرع اهتمام السياسيين المتنامي من وتيرة العمل، خاصة في أعقاب إتمام البنك المركزي لإحدى الاقتصاديات المتقدمة مثل البنك المركزي السويدي تجربة ناجحة. 

ما وَقع ذلك على المستهلكين؟ 

سيتوقف الأمر على مواصفات تصميم العملة، فربما لن يختلف كثيراً عن إجراء التحويلات والمدفوعات الإلكترونية حالياً. 

ويتجشم مسئولو البنوك المركزية العاملين عن قرب على هذه القضية، مثل كوييه والبنك المركزي السويدي، عناء تحديد دور القطاع الخاص في تطوير حلول الدفع. 

ووفقاً للصورة المتخيلة حالياً، سيُرخَّص للمؤسسات الخاصة إصدار عملات مُشفَّرة إما من خلال حسابات أو تطبيقات “المحافظ” على أنَّ تُدعَّم تماماً باحتياطي البنك المركزي، والذي أصبح إلكترونياً بالفعل. 

وكان الغرض من قرار بنك إنجلترا بمنح شركات التكنولوجيا غير المصرفية قناة للوصول لاحتياطاته، تشجيع هذا النوع من الأنظمة. 

سيبدو للمستخدمين الأمر مثل الحلول الإلكترونية للدفع والتحويل المتاحة بالفعل عبر التطبيقات البنكية أو الخدمات مثل بايبال PayPal. ولكن الفارق سيكون ضمان البنك المركزي، المُوفِّر الحكومي للمال، لكلاً من أمان النقود غير الملموسة ومصداقية التحويلات. 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.