فُرضت عقوبات اقتصادية جديدة وغير مسبوقةٍ على البنك المركزي الإيراني بعد إلقاء القادة الأميركيين اللوم على الدولة في الهجوم الواقع على أحد حقول النفط يوم 14 سبتمبر/أيلول الفائت. وتضيف العقوبات البنك المركزي وصندوق الثروة السيادية الإيرانيين إلى القائمة السوداء، مما يؤزِّم علاقات الدولة المضطربة بالفعل مع السوق العالمية. ومع قرار شحن جنود وأسلحة “ذات طبيعة دفاعية” إلى الشرق الأوسط في أعقاب الهجمات، يشكِّك البعض في الدوافع الحقيقية لصنَّاع السياسة الخارجية الأميركية. فليست إيران أول دولة تنتقد على الملأ البترودولار الأميركي فتواجه عقوباتٍ قاسيةً كهذه وتهديداتٍ بالاجتياح العسكري.
محاولات ماضية للتخلي عن الدولار
مثل إيران، وهي دولة ذات قادةٍ مصمِّمين على الابتعاد عن هيمنة الدولار بواسطة العملات المشفرة، وسياسات الإبلاغ المالي غير الأميركية، والذهب، كان العراق كذلك شوكةً في جانب سيطرة البترودولار في وقتٍ من الأوقات. وهذا قبل تعرُّضه لغزو القوات الأميركية في عام 2003. كان العراق قد بدأ مقايضة النفط باليورو في عام 2000 كوسيلةٍ لتجاوز العقوبات الأميركية التعجيزية التي أدت إلى تجويع البلاد. وانتهت هذه السياسة على حين غرةٍ حين دخلت أميركا تحت مظلة مكافحة الإرهاب المرتبط بأحداث 11 سبتمبر/أيلول، رغم عدم وجود رابط مادي. بغض النظر، فقد عاد العراق الآن إلى مقايضة النفط بالدولار من جديد.
كلا إيران والعراق غنيَّان بالموارد الطبيعية، ورفضا الانسياق وراء الهيمنة السياسية الغربية، وسعيا إلى وضع خططٍ لخلق عملات قوية مستقلة مدعومة بالذهب. ومن الأمثلة الأخرى ليبيا؛ فحين سعى معمر القذافي إلى إدخال ديناره المدعوم بالذهب والتخلي عن التعامل مع الدولار باعتباره عملة احتياط دوليةً، وجدت قوات الناتو طريقها إليه على الفور، ووفقاً للكلمات الضاحكة لوزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون، “أتينا، فرأينا، فمات”.
ما يلي موجز ما حدث:
1971: الولايات المتحدة تتخلى عن معيار الذهب.
أواسط السبعينيات: اتفاق بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية يعزِّز سياسة منظمة أوبك OPEC (منظمة الدول المصدِّرة للنفط) لتسعير النفط بالدولار، ومن ثَم خلق البترودولار وترسيخ الدولار في دور عملة الاحتياط الدولية.
منذ السبعينيات حتى الآن: عقوبات دائمة وحروب ضد أي دولة تسعى إلى التخلي عن الدولار الأميركي والعودة إلى الذهب أو اللجوء إلى عملات بديلة لتسعير النفط.
ومع إبطال معيار الذهب وتأسيس البترودولار لضمان سندات الدين الأمريكية في أعقاب العجز المالي الهائل الناتج عن حرب فيتنام، هدأت الأمور، ولم يعد الدولار مدعوماً بالذهب، بل بالنفط، وصارت السيطرة على النفط بالدم. وقد صرَّح الرئيس ترامب يوم الاثنين 16 سبتمبر/أيلول من داخل المكتب البيضاوي قائلاً: “في غضون لحظات سأوقِّع أمراً تنفيذياً بفرض عقوبات غليظة على المرشد الأعلى لإيران… تتبع خطوة اليوم سلسلةً من السلوكيات العدائية من النظام الإيراني في الأسابيع الأخيرة منها إسقاط طائرات آلية أمريكية”.
واستشهد ترامب كذلك مراراً وتكراراً بالبرنامج النووي الإيراني (الآن نتيجة اتفاق خرقته إدارته وتراجعت عنه) وبالصراعات الأخيرة المشكوك في أمرها بشأن ناقلات النفط في المنطقة، إلى جانب “أمور أخرى فُعلت كذلك ولم تكن جيدة”.
بالطبع يُفترض أن الهجمات على منشآت النفط السعودية كانت القشة التي قسمت ظهر العم سام المتألِّم بالفعل. ونظراً لكونه قائد الدولة الوحيدة التي سبق لها استخدام سلاح نووي في الحرب، مرَّتين، وكثيراً ما ادَّعت أسباباً زائفةً وسطحيةً للصراع مثل حادث خليج تونكين (مواجهة حدثت بين القوات البحرية الأميركية والفيتنامية الشمالية)، فقد رأى الكثيرون تناقضاً يدعو إلى السخرية في كلام الرئيس. فضلاً عن قائمة العقوبات المتزايدة في قسوتها على جميع صادرات النفط الإيرانية التي تصاعدت منذ سنواتٍ تحت قيادة الإدارة الحالية.
لا ملائكة في السياسة الجغرافية، ومن ثَم الحاجة إلى نقود ثابتة
مؤكَّدٌ أن كلاً من العراق وإيران وفنزويلا وليبيا لها تاريخٌ حافلٌ بانتهاك حقوق من يعيشون داخل حدودها. إذ ساءت سمعة صدام حسين بهجماته الكيميائية بالغازات السامة التي أسفرت عن مقتل آلاف الأبرياء في قرىً كرديةٍ بمدينة حلبجة. بينما يعاقب النظام الإيراني ذو القبضة الحديدية الناس بالجَلد لشرب الكحول، ويخنق حرية الإبداع بطريقة وحشية، ويستهدف النساء والأقليات والأطفال، ويحرمهم من حقوق الإنسان الأساسية. أما القيادة الفنزويلية المختلة في أساسها لا تختلف. وقد أفضت معارضة الدولة الليبية في عهد القذافي هي الأخرى إلى عواقب وخيمة، إذ صرَّح الزعيم نفسه قائلاً: “يمكنني في أية لحظةٍ إرسالهم إلى محكمة الشعب… وستصدر محكمة الشعب حكماً بالإعدام بناءً على هذا القانون، لأن الإعدام هو مصير أي أحد يشكِّل حزباً سياسياً”.
مع أن الولايات المتحدة نفسها قد حطَّمت حياة ملايين لا تُحصى من الناس، وسفكت دماء مئات الآلاف بضربةٍ واحدةٍ بالقنابل النووية، وتعتقل الأشخاص غير العنيفين لأي عددٍ من التبريرات العشوائية الديكتاتورية، لسببٍ ما، ما زالت الرواية الإعلامية عن “نحن ضد هم” قائمةً. لكن الحقيقة هي ألا وجود للحكومات الصالحة. وبالإضافة إلى النظام النقدي غير السليم، فقد تفاقمت المشكلة إلى حدودٍ مأساويةٍ بصورةٍ لم تكن لتخطر على بال أحد.
وقد تزامن حمام الدم الذي شهده القرن الماضي مع تخلٍّ تاريخيٍّ غير مسبوقٍ عن العملات القوية لصالح النماذج التضخُّمية والقائمة على الاستدانة. وليست هذه محض صدفةٍ. ففي نهاية المطاف، إذا كانت الآن الحرب -وليس الذهب- هي ما تدعم النظام النقدي العالمي، فكيف يمكن حفظ القيمة بطريقةٍ غير القتل؟ النقود مثل الذهب والبتكوين (BTC)، ذات الكميات المحددة من المخزون، لا يمكن ببساطةٍ “طبعها” لتمويل هذه الأنظمة الإرهابية.
اقتصاد: الحرب العالمية الأخيرة
نفت إيران مسؤوليتها عن هجمات منشآت النفط التي وقعت يوم 14 سبتمبر/أيلول الماضي. بينما أعلن المعارضة الحوثيون على الملأ مسؤوليتهم عن الحدث. ومع ذلك، ما زال صنَّاع السياسة الأميركيون يشيرون بأصابع الاتهام نحو إيران. وقد صرَّح وزير الشؤون الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقابلةٍ حديثةٍ مع قناة CNN قائلاً: “لم يكن عملاً حربياً ضد الولايات المتحدة وكان -كما قلت- تهييجاً للحرب لأنه مبنيٌّ على كذبة… إذا رفعوا العقوبات التي فرضوها بصورة غير قانونية… فسنفكر في الأمر [المباحثات]”.
وعند سؤاله عن معاناة المواطنين الإيرانيين في ظل العقوبات الأميركية، استطرد ظريف مؤكداً: “إذا أخبروكم بألا قيود على الطعام والدواء فهم يكذبون”.
ولا تمكن معالجة الأزمات الإنسانية كالمجاعة الحالية في إيران وفنزويلا وغيرها بالعملات التقليدية، التي تعود في النهاية إلى هيمنة الدولار الأميركي، وتعوقها المؤسسات المصرفية الخاضعة للدولة. أما العملات المشفرة فيمكنها سدُّ هذه الفجوة، بل وتفعل ذلك حقاً. مع أن التحوُّل إلى العملات المحلية وقبول التجار يشكِّل تحدياتٍ لوجستيةً كبيرةً، فالتكنولوجيا تسمح بوجود شيءٍ ليس بمقدور أي نقودٍ حكوميةٍ ملوثةٍ بالدماء: تحديد الكمية، ووجود نقدية دون أذون صرف تقيِّمها طواعيةً سوق الجهات المستقلة، بغض النظر عن ماهية تشريعات الدولة العنيفة أو السياسات الاقتصادية الموضوعة غير الحكيمة. في حين تمنع العقوبات عائلات الشرق الأوسط الفقيرة من الأكل، تبيح لهم العملات المشفرة والأسواق الحرة التداول من دون قيود، وتباً للسياسة.
وفي حين يطالب المشرِّعون في واشنطن العاصمة الشعب الأميركي بتمويل أشياء مثل تذبيح مزارعي الصنوبر في أفغانستان، قُتل 30 هذا الأسبوع في ضربة واحدة، أو اعتقال أبرياء من أجل ما تُسمَّى بالحرب على المخدرات، لا تسنُّ البتكوين تشريعاً مختلاً كذلك. من المؤكد أن الحرب العالمية التالية ستكون حرباً اقتصاديةً يُرغم فيها متجاهلو الكرامة الإنسانية والحلول السلمية على الوقوع في مواجهةٍ ضد فصيلٍ متنامٍ من البشر من أجل التداول السلمي غير العنيف وتفاعلات الأسواق الطوعية الناتجة عن وسائل التكنولوجيا الإحلالية مثل البتكوين.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.