لا شك أنَّ ظهور العملات المشفَّرة يغيّر باستمرار من العالم الإنساني: فهو يتسبب في إعادة توزيع الثروة من أيدي العائلات الثرية العريقة إلى المبتكرين الحالمين والمتبنين الأوائل للتكنولوجيا، فضلاً عن أنَّ أثرياء العملات المشفَّرة الجدد بدورهم يستثمرون تبرعاتهم في دعم البحث العلمي بمجالات ثورية من شأنها أن تمكَّن البشرية يوماً ما من علاج الشيخوخة وعكس الموت وتغيير العلاقة كلياً بين العمل والدخل.

تنظيم الكريبتو السري The Cryptorati يريد هزم الشيخوخة

عند فحص سجل تبرعات أثرياء العملات المشفَّرة، يتكشف لنا وجود نمط متمثل في دعم أهداف ربما يشعر الآخرون أنَّ مكانها صفحات روايات الخيال العلمي. ولكنَّ بما أنَّ أولئك الأثرياء استفادوا كثيراً من إدراكهم لإمكانيات النقود الإلكترونية القائمة على نظام النظير إلى النظير قبل الجماهير، فلا غرابة إذن في كونهم متفائلين للغاية من قدرة التكنولوجيا على تغيير حياتنا جذرياً نحو الأفضل.

إحدى الجهات الرئيسية المستفيدة من هذا النوع من التبرع المتخصص هي مؤسسة سينس البحثية SENS Research Foundation، الواقعة في مدينة ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا الأميركية. تحدد مؤسسة سينس غير الربحية (أو مؤسسة استراتيجيات الشيخوخة المهملة هندسياً Strategies for Engineered Negligible Senescence) هدفها بأنَّه العمل على تطوير علاجات لعلاج الأمراض والإعاقات الناجمة عن الشيخوخة والوقاية منها، والترويج لتلك العلاجات وضمان إمكانية الحصول عليها على نطاق واسع. وبخلاف المنهج الطبي التقليدي المعني بعلاج المشكلات الناجمة عن الشيخوخة والتعامل معها بمجرد ظهورها، يركَّز هذا المنهج على الإصلاح الشامل للأضرار التي تتراكم في أجسادنا على مر الوقت، ومن ثم التخفيف من عملية الشيخوخة قدر الإمكان.

جدير بالذكر أنَّه في مطلع الألفية الثالثة، تبرع مايكل نوفوغراتز لصالح المنظمة البحثية ذاتها، بينما قدَّم مشروع باينبل فاند Pineapple Fund تبرعاً بعملة البتكوين (BTC) بلغت قيمته مليونيَّ دولار أميركي في العام الماضي، 2018. بالإضافة إلى ذلك، تبرع مؤسس شبكة الإيثريوم Ethereum، فيتاليك بوتيرين، بدوره لمنظمة سينس بمبلغ 2.4 مليون دولار أميركي في عام 2018، و350,000 دولار أميركي أخرى في شهر يناير/ كانون الثاني من عام 2019. كذلك، جمعت المنظمة المتخصصة في العلاج بالطب التجديدي 4.1 مليون دولار أميركي أخرى بالعملات المشفَّرة العام الماضي، 2018، بالإضافة إلى التبرع الذي تقدم به مشروع باينبل فاند.

كان المدير التنفيذي لقسم الأبحاث العملية لدى منظمة سينس والمختص بعلم الشيخوخة الحيوي، البريطاني أوبري دي غراي، قد أدلى بحديث عن علاقة مشروعه بمؤيدي العملات المشفَّرة العام الماضي ذكر فيه بالتفصيل أنَّ كثيرين منهم تبرعوا لصالح المنظمة البحثية. قال أوبري شارحاً: “لست في هذا المجال من منطلق ممارسة العلم من أجل العلم، بل من أجل تحقيق الغاية القصوى”، ثم أعقب ذلك بالكشف عن أنَّ هناك عدداً لا بأس به من المتبرعين المجهولين  تبرع كلٌ منهم لمنظمة سينس بمليون دولار أميركي، وأنَّ هناك شخصيات أخرى في مجال العملات المشفَّرة هم من قدامى المتبرعين للمؤسسة.

العلاقة بتجميد البشر 

ثمة جهة رئيسية أخرى مستفيدة من التبرعات التي تقدمها شخصيات العملات المشفَّرة، ألا وهي مؤسسة ألكور لتمديد الحياة Alcor Life Extension Foundation، وهي مؤسسة غير ربحية يقع مقرها الرئيسي في مدينة سكوتسديل بولاية أريزونا الأميركية تختص بالدفاع عن حفظ الخلايا الحية بالتبريد وإجراء عملياته والأبحاث الخاصة به، وهو ما يستلزم تجميد الجثث البشرية بأكملها، أو الدماغ فقط، بالنيتروجين السائل عقب الموت القانوني على أمل إعادة المرء إلى الحياة مرةً أخرى حين تتطور التكنولوجيا المطلوبة مستقبلاً.

بحسب تقارير، قدم عدد من أثرياء العملات المشفَّرة تبرعات مجهولة لمؤسسة ألكور لأبحاث حفظ الخلايا الحية بالتبريد. ولكنَّ الصلة الأبرز بين هذا المجال والعملات المشفَّرة تتمثل في أنَّ مؤسسة ألكور ربما تحتفظ بجثة شخص يعتقد البعض بأنَّه ساتوشي ناكاموتو نفسه: إنَّه هال فيني، عالم الحاسوب الذي استلم أول معاملة مالية بالبتكوين وساعد في إنشاء الشبكة وتشغيلها في أول عام لها. يُذكر أنَّه في يوم 28 أغسطس/آب 2014، نُقلت جثة فيني إلى منشأة تابعة لمؤسسة ألكور بعد مرور وقت قصير على وفاته، وخضعت لعملية حفظ الخلايا الحية بالتبريد. وفي شهر مايو/ أيار من عام 2018، أعلنت المؤسسة أنَّ المتحمس للعملات المشفَّرة، براد أرمسترونغ، قد تبرع للمؤسسة بمساهمة بحثية قيمتها 5 مليون دولار أميركي تحت اسم “صندوق هال فيني لأبحاث حفظ الخلايا الحية بالتبريد” Hal Finney Cryonics Research Fund. 

هناك علاقة أخرى بين العملات المشفَّرة وتجميد البشر: ألا وهي أنَّ عالم الحاسوب رالف ميركل، الشهير بابتكاره دالة الهاش التشفيرية Cryptographic Hashing وشجرة ميركل Merkle Tree وغيرها من الابتكارات، هو أيضاً باحث في علم حفظ الخلايا الحية بالتبريد وأحد مؤيديه، ويُقال إنَّه يعرف بعض الأشخاص في مجال العملات المشفَّرة تبرعوا لصالح حفظ الخلايا الحية بالتبريد، وأنَّه ساعد في جمع الأموال لصالح مؤسسة ألكور.

الدخل الأساسي الشامل وعقار الإكستاسي MDMA

هناك موضوع بحثي اقتصادي أكثر، لكنَّ قد تكون له نتائج بالغة الأثر على المجتمع الإنساني لا تقل أهميةً عن علاج الشيخوخة أو التحايل على الموت: إنَّه الدخل الأساسي الشامل UBI. يُعد الدخل الأساسي الشامل أحد الموضوعات التي كانت محل جدل اقتصادي محتدم على مدار الأعوام القليلة الماضية؛ فهو يُطرح باعتباره أحد الحلول الممكنة للبطالة التكنولوجية، إذ من شأنه أنَّ يقي البشر من التخلف عن الركب حين تستولي الروبوتات على الوظائف كافةً، حتى أنَّ الفكرة حظت بتأييد العديد من السياسيين من جميع أنحاء العالم في الآونة الأخيرة، منهم على سبيل المثال المرشح الديمقراطي الأميركي آندرو يانغ.

ببساطة، تتمثل خطة الدخل الأساسي الشامل في توفير إعانة مالية لجميع الأفراد تسمح لهم بعيش حياتهم دون القلق بشأن كسب ما يكفي من المال من عملهم للعيش؛ وهو أمر يثير عدة تساؤلات نظراً لكونه يتعارض مع كيف يتعين على العالم أن يسير في رأي العديدين، إلى جانب أنَّه سيكون بمثابة تجربةً غير مسبوقة للوضع البشري. كان مشروع باينبل فاند قد قدم تبرعاً بقيمة 5 ملايين دولار أميركي لمنظمة غيف ديركتلي Give Directly في 2017 لرعاية تحويلات نقدية لمن يعيشون في فقر مدقع في كينيا وأوغندا ورواندا، حيث من الممكن تجربة مفهوم الدخل الأساسي الشامل قبل تنفيذها في المناطق الأكثر تكلفةً من العالم. تبرع مشروع باينبل فاند أيضاً بأكثر من مليون دولار أميركي كمعونة للأبحاث المعنية باستخدام عقار الإكستاسي MDMA في علاج اضطراب ما بعد الصدمة PTSD. 

بطبيعة الحال، تبرع أثرياء العملات المشفَّرة وشخصيات بارزة من مجتمع العملات المشفَّرة لصالح قضايا أخرى غير مشروعات البحث العلمي المذكورة أعلاه، نذكر منها في ما يلي بعض الأمثلة: تبرع جاستن سن بمبلغ 3 ملايين دولار أميركي لصالح مؤسسة بينانس الخيرية Binance Charity Foundation بالإضافة إلى 250,000 دولار أميركي لصالح جمعية دعم مرضى التصلب الجانبي الضموري ALS Association وما يزيد على 4.5 مليون دولار أمريكي لصالح مؤسسة غلايد Glide التي تهدف إلى تخفيف حدة الفقر. أيضاً، تبرع جون مكافي بقارب طوله ثمانية أمتار بقيمة 1.1 مليون دولار أميركي لصالح خفر سواحل دولة بليز (دولة في شمال أميركا الوسطى). بل ووقع المدير التنفيذي لمنصة كوين بيس، براين أرمسترونغ، على تعهد العطاء Giving Pledge، وهي مبادرة بدأها كلٌ من وارين بافيت وبيل غيتس لحثّ الأثرياء على وهب غالبية ثروتهم للأعمال الخيرية بدلاً من تركها لورثتهم.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.