كتبت هذه المقالة نويل أتشيسون وهي مخضرمة في مجال تحليل الشركات وعضوة في فريق إنتاج موقع كوين ديسك CoinDesk. والآراء الواردة في هذه المقالة تخص الكاتبة.

الاحتفال بالذكرى رقم 75 لمؤتمر بريتون وودز على الأرجح ليس على رأس أولويات المتحمسين للعملات المشفرة هذا الشهر أغسطس/آب. ويمكن تفهم هذا الإغفال إذ أن تقلبات الأسعار، وعمليات إطلاق المنتجات المربكة ومكان وجود جاستن صن على الأرجح أكثر جاذبية.

ولكن ينبغي اعتبار ميلاد التعاون الاقتصادي الدولي وإمكانية التشغيل المتبادل بداية لعملية إعادة البناء الاقتصادي التي أسهمت في انعدام الاتزان العالمي الذي يقلق الأسواق اليوم. كما يمكن أن تكون قد هيأت الوضع من أجل الحلول.

ويمكن أن يكون الجزء الأكبر من سوق البورصة الأميركي مبالغاً في تقدير قيمته، وتبدو العائدات في طريقها إلى الانخفاض، ولكن جزءً كبيراً من التوتر السائد يقبع تحت سطح سوق العملة. يمثل خليط التيسير النقدي، والتوترات التجارية وتهديد العمليات العسكرية بالشرق الأوسط مزيجاً ضاراً لحاملي العملات والمتحوطين، لأن عمليات التحويل الدولية محفوفة بالمخاطر ومكلفة.

ربما لهذه الأسباب، بالإضافة إلى التلويح المثير للقلق بالقوة المالية لحكومة الولايات المتحدة، تتعالى التساؤلات حول دور الدولار الأميركي كعملة احتياطي عالمي.

والأكثر من ذلك أن الدولار الأميركي احتفظ بدوره الرائد لما يقرب من 100 عام؛ ومتوسط عمر عملة الاحتياطي العالمية على مدار القرون الخمسة الماضية هو 95 عاماً. ويشير تغير الموازين إلى أن عهد الدولار سينتهي قريباً: إذ أن حصته في احتياطيات النقد الأجنبي أكثر من 60 بالمئة، في حين أن وزن الاقتصاد الأميركي في الناتج العالمي انخفض إلى أقل من 25 بالمئة وعلى الأرجح سيواصل الانخفاض.

ويمكن أن تكتسب منافسة العملات الصاعدة الأخرى زخماً عندما تبدأ السياسة في التفوق على الاقتصاد.

يفترض البعض أن هناك “فرصة ضئيلة لكن لا ترقى إلى الصفر” لأن تصبح البتكوين (BTC) عملة احتياطي عظيمة. وأنا لا أتفق معهم، إذ أعتقد أنه لا توجد أي فرصة مطلقاً لحدوث ذلك. ولكن أظن أن نظام الاحتياطي العالمي سيتغير تغيراً جذرياً خلال العقدين المقبلين. ويمكن أن تكون البتكوين جزءً مما ستؤول إليه الأمور.

ماذا يحدث؟

في البداية، نذكر بعض المعلومات الأساسية عن أهمية مؤتمر بريتون وودز وأهمية الانتباه إليه.

في عام 1944، وُضعت اتفاقية بين مندوبين من 44 دولة جعلت الدولار الأميركي بمثابة عملية احتياطي للعالم، سعرها مربوط بالذهب. وستربط الدول الأعضاء الأخرى عملاتها بالدولار الأميركي، والاستقرار النسبي الناتج بين الفئات سوف ييسر التجارة العالمية ويعزز تعافي الاقتصاد بعد الحرب.

وأنشأت الاتفاقية أيضاً مؤسسات صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي لتنسيق تحركات العملات العالمية وتقديم القروض للدول النامية.

وتوقف الدولار الأميركي “رسمياً” عن كونه عملة الاحتياطي العالمية عندما ألغى الرئيس ريتشارد نيكسون معيار الذهب عام 1971. وظل الدولار الأميركي عملة الاحتياطي العالمية الفعلية، ولكن بفضل كون الولايات المتحدة أكبر دولة تجارية واقتصاد في العالم. وكانت الدول تميل إلى الاحتفاظ باحتياطيات من الدولارات أكثر من جميع العملات الأجنبية الأخرى مجتمعة، بسبب سهولة إجراء المعاملات واستقرارها النسبي.

وكون العملة عملة احتياطي عالمية نعمة ونقمة في آن معاً. إذ أنها بينما تسهل الاقتراض في الأسواق الدولية، تنتزع قوة التأثير في الاقتصاد المحلي.

فإذا بدأ أصحاب الديون الخارجية يعتقدون أن الرئيس ترامب قد يشجع تخفيض قيمة الدولار الأميركي (وقد ألمح في كثير من الأحيان أنه يريد فعل ذلك)، فسيبدأوا في التخلص منها، لأن خفض قيمة العملة سيجعل سنداتهم أقل قيمة. وتبلغ الحيازات الأجنبية من الديون الأميركية حالياً أكثر من 6 تريليون دولار، بنسبة 30 بالمئة تقريباً من مجموع الديون المستحقة، ولذلك سيمثل بيع قدرٍ ضئيل من السندات صدمة للسوق وسيضعف موثوقية الدولار لفترة من الزمن.

وبالإضافة إلى عدم القدرة على خفض القيمة عند الحاجة، ينبع الطلب العالمي الإضافي على الدولار الأميركي من أن مكانة الدولار الأميركي كعملة احتياطي تبقي قيمته عالية مقارنة بالعملات الأخرى، مما يفاقم عجز الموازنة الأكبر في العالم في الوقت الحالي. وأياً كانت وجهة نظرك بشأن النظرية النقدية الحديثة (التي تفترض، من بين افتراضات أخرى، أن مستويات الدين لا تهم)، فإن تأثر الأسواق الأميركية بإستراتيجيات الاستثمار الأجنبي مدعاة للقلق.

عملة احتياطي جديدة؟

وبالنظر إلى الشكوك المتزايدة حول الحاجة إلى عملة احتياطي عالمية قائمة على العملة النقدية ولها جهة إصدار واحدة ومدى جدواها، يمكن أن نرى لماذ ستُطرح البتكوين كعملة احتياطي عالمية. إذ أن البديل المتحرر من السيادة القائم على الخوارزميات سيكون أكثر استقراراً وجدارة بالثقة. أليس كذلك؟

ربما، ولكن لن يكون هذا البديل هو البتكوين، للأسباب التالية:

أولاً، العملة العالمية يجب أن يكون لها إمداد مرن. إذ كانت محدودية مقدار الذهب الذي تستطيع البنوك الاحتفاظ به إحدى الأسباب الرئيسية وراء عدم نجاح معيار الذهب، لأن النمو الاقتصادي فاق إمداد المال المدعوم بالذهب، والتدافع الحتمي للتغلب على هذا التقييد أدى إلى زعزعة الاستقرار.

ثانياً، لن تصبح البتكوين توكن تسوية عالمي لعقود التجارة. فهي متقلبة للغاية. ورغم أن التقلب قد يقل تماشياً مع زيادة السيولة، إلا أنه من غير المرجح أن تتخلى الشركات والقوى السيادية عن تفضيلها للعملات النقدي التي لها قدر من السيطرة عليها.

إذاً، لو لم تصبح البتكوين عملة الاحتياطي العالمية، فماذا بعد؟ كيف يمكن أن تبدو عملة التجارة الدولية التي تنطوي على الجدارة بالثقة والمرونة؟

التصميم

من هذه النماذج عملة فيسبوك Facebook الليبرا Libra: وهي سلة من العملات والدين العام الذي يعاد موازنته دورياً ويستخدم في تحديد سعر توكن مشفر يمكن استخدامه في التسوية.

ولكن دوامة النقاش الدائرة حول هدف العملة ودعمها أبرزت شعور عدم الثقة القوي في الدوافع الشركاتية ذات الطموحات العالمية، ورقابة منع الاحتكار المحتدمة ستصعب على أي شركة كبيرة ابتكار حل عالمي.

وأحد النماذج الأخرى، الأكثر احتمالاً، حق السحب الخاص (SDR) المجدد. وهذه السلة من العملات أنشأها صندوق النقد الدولي عام 1969 لتكون بمثابة توكن معاملات خاصة و”مخزن للقيمة” للأعضاء. وتتغير قيمتها تبعاً لقيمة العملات الكامنة ورائها: وهي الدولار الأميركي، والين الياباني، واليورو، والجنيه البريطاني والرينمبني الصيني.

وقد اقترح عدد من الخبراء الاقتصاديين توسيع نطاق حق السحب الخاص لأغراض التجارة العالمية، وجعله عملة احتياطي عالمية لا تعتمد على أي جهة إصدار واحدة ويمكن إدارتها من منظمة محايدة فوق وطنية ويكون هدفها الرئيس الاستقرار الاقتصادي.

وتكمن المشكلة في أنه حتى حق السحب الخاص السائل بتركيبته الحالية سيكون عرضة للأولويات ومواطن الضعف القومية. والانخفاض الحاد في الدولار الأميركي عند انتقال البنوك المركزية لحقوق السحب الخاصة كرصيد احتياطي سوف يزعزع استقرار سلة العملات. واليورو له نفس القدر من الأهمية تقريباً كعملة مدفوعات عالمية ولكن ينطوي على خطر وجودي وإن كان بعيداً. ومازال الرينمبيني الصيني تتحكم فيه حكومته بشكل كبير، ومستقبل الجنيه الإسترليني غير واضح.

فقط لو أمكن ربط حقوق السحب الخاصة بهيئتها السائلة الجديدة بتوكن تداول متحرر من السيادة وخالٍ تماماً من التلاعب السياسي. أتفهم ما أقصده؟

وستشكل العملات الأخرى أيضاً جزءً من سلة العملات، لعكس النشاط الاقتصادي وتوفير المرونة في الإمداد. ولكن الركيزة اللاسياسية القوية قد تضيف طبقة من الثقة يصعب الحصول عليها في بيئة تجارية صعبة المراس على نحو متزايد.

حان الوقت للحديث

كيف يمكن أن تعمل هذه الآلية؟ لا أعلم. وبلا شك ستكون معقدة ومحفوفة بالجدل، وأي شخص يدرس العملات يعلم التعقيدات الهائلة للحفاظ على السعر المربوط. ولكن القناعة القائمة أن النظام الحالي معيوب والتسييس الواضح المتزايد للعملات في النهاية سوف ينقل المحادثة من مرحلة “من الصعب جداً المحاولة” إلى “دعونا نبدأ بالحديث عن الأمر”.

والخطر الأكبر الذي يواجه الاقتصاد العالمي حالياً ليس التوترات الخارجية، أو الأصول المبالغ في تقدير قيمتها أو العائدات السلبية. بل التراخي في افتراض أن الوضع الراهن سيستمر. ودائماً ما تكون تكلفة التغيير العميق قدراً هائلاً من رأس المال السياسي والاقتصادي، ولكنه يحدث بغض النظر عن أي شيء.

ولا أحد منا يعرف كيف ستبدو الخطوة التالية من التطور المالي، ولكننا سنعرف عما قريب. وكما يذكرنا الخبير الاقتصادي تايلر كاوين في مقالة حديثة له: “المؤسسات النقدية لكل عصر لا يمكن تخيلها عملياً إلا بعد إنشاءها”.

وبكل أسف، جمع المشاركين الأساسيين حول طاولة القرار لمناقشة هذا الأمر ستكون مهمة جسيمة. وقد أعطت الاحتفالات السنوية لبريتون وودز صوتاً للأبحاث والهيئات التي تشكك في نظام الاحتياطي الحالي، ودور صندوق النقد الدولي وكيفية تجاوز العواصف الاقتصادية القادمة. وتعد الأفكار والمناقشات مجرد بداية. ولكن يجب ألا ننسى أنه في عام 1944، مباشرة بعد أكثر الحروب دموية في التاريخ، كان الخوف هو ما جمع المشاركين حول طاولة القرار في إطار فكري تعاوني.

ونأمل جميعاً بشدة ألا يتطلب الأمر هذا المستوى من الخوف لجمع الجميع حول طاولة القرار مجدداً. والشيء المختلف هذه المرة هو أن الحاجة إلى الإصلاح أصبحت واضحة وضوحاً مذهلاً. وتتضمن المناقشات مجموعة من المشاركين أوسع نطاقاً بكثير. وتضيف البتكوين أداة جديدة لصندوق الحلول المحتملة.

ولن تحل أكثر المسائل إلحاحاً بمفردها. ولكن مقترنة بأدوات أخرى، وبمساعدة الدبلوماسية، والدقة الأكاديمية والصبر، يمكن أن تشكل جزءً لا يتجزأ من نوع جديد من العملة الاحتياطية، والتي يمكن أن تخفف من وطأة الصدمات القادمة أو حتى تتجنبها.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.