كم مرة قيلت لك جملة “يبدو الاقتصاد رائعاً”؟ ولماذا تسمعها عادة عندما تكون متأخراً على تسديد أقساط القرض العقاري أو عند تقليص نفقات الشركة التي تعمل بها؟ حسناً، فالاعتماد على حواسك دائماً ما يكون أكثر أماناً من الثقة بأولئك الذين استثمروا رأس المال السياسي في حلول فاشلة. والآن، أصبح من الصعب تجاهل الأصوات المحذرة من “الانهيار الكبير” القادم.

كارثة مرتقبة، أسوأ من الانهيار الأخير

يبدو أن الأزمة المالية الكبرى القادمة قد اقتربت، وبينما تعد هذه الدورات سمة طبيعية في اقتصاد السوق في ظل الظروف الطبيعية، إلا أنه من المعتقد أن تكون الأزمة القادمة مختلفة قليلاً. توسع الاقتصاد العالمي بشكل ما في الفترة الأكبر من العقد الماضي، بالرغم من قول العديد من الخبراء بأن الحكومات والبنوك المركزية لم يفعلوا سوى إعادة نفخ الفقاعة التي انفجرت في عام 2008. وبالفعل، لم تفعل التسهيلات الكمية وتقليص معدلات العائد سوى احتواء الأعراض دون معالجة المرض.

كان السبب الرئيسي في الانهيار المالي الذي شهدناه منذ أكثر من 10 أعوام هو الدَين. ولكن بدلاً من التفكير في المشكلة الأساسية بحثاً عن حل مستدام، قاد صانعو السياسات حول العالم اقتصادات دولهم إلى سلسلة أعمق من الديون بطباعة المزيد من الأموال عن طريق التسهيلات الكمية (QE) وتقليص معدلات العائد لمستويات غير مسبوق وصلت إلى أرقام سالبة في بعض الأوقات. ونتيجة هذه الجهود العقيمة ديون متفاقمة تعمل بالفعل على تقزيم معدلات الاقتراض الذي عادة ما يسبق الأزمات.

يُعد المحلل المالي وسمسار الأوراق المالية بيتر شيف هو أحد الذين توقعوا الركود الكبير بدقة، وهو يؤمن بأن الانهيار القادم سيتمحور حول الديون السيادية وأزمة الدولار الأميركي الذي ظل هو العملة الاحتياطية للعالم لأعوام كثيرة. والاقتراض الآن أكبر مما كان في عامي 2009 و2010. وبفضل خفض الضرائب الذي قدمه ترمب للأثرياء، فإن الحكومة الأميركية تعاني من عجز في الموازنة يعادل مليار دولار شهرياً. بالإضافة إلى عجز واضح في الميزان التجاري.

يفوق الدين الأميركي 21 تريليون دولار، في الوقت الذي يتفوق فيه معدل نمو الدين على معدل نمو الناتج الإجمالي المحلي. وبحسب موقع ليندينغ تري Lending Tree، فإن الدين الذي يواجهه الأميركيون يشكل نسبة 26% من كل عوائدهم، مقارنة بنسبة 22% التي كانت في عام 2010. وهذا المؤشر يفوق ذلك الذي كان خلال أزمة الإئتمان في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وفقاً لرون بول، وهو ليبرالي شهير ومعارض حاد للحكومة الفيدرالية في واشنطن وسياساتها المالية والضريبية، فإنه “بمجرد كشف خطورة وضع النظام المالي، سيصبح هذا دليلاً دامغاً للكل، إذ تتضح الحاجة لدفع ثمن تبذيرنا. وهذا سيؤدي إلى إفقار الدولة، بينما سيقع الضرر الأقل على الطبقة العليا التي تدير مثل هذه الأعمال”.

في مقطع فيديو نشرته منصة ليبرتي ريبورت Liberty Report في العام الماضي، أوضح بول أنه عندما انتهت إجراءات التسهيلات الكمية، فإن البنوك المركزية حول العالم قد زادت من ميزانياتها بمقدار 8.3 تريليون دولار، بينما كانت الزيادة الحقيقية في الناتج الإجمالي المحلي تعادل 2.1 تريليون دولار. إذ علق النائب السابق في الكونغرس قائلاً: “يعني هذا أن 6.2 تريليون دولار من السيولة الزائدة التي ضُخت في النظام البنكي لم تذهب حيثما شاء لها المخططون الاقتصاديون”. ونتيجة هذا هي أن البنوك المركزية الآن تمتلك 10 تريليون دولار من السندات ذات العوائد السالبة.

قال بول أيضاً في حديثه: “إن النظام المالي متروك وبه فقاعة كبيرة قائمة على الائتمان المزيف والديون غير المستدامة”. إذ أوضح أن السياسة التضخمية ناتجة عن اعتقاد مفاده أنه لا فائدة من التصحيح الاقتصادي للمشاكل التي سببها الاحتياطي الفيدرالي. وقال إن “هذا التصحيح هو ما يحتاجه السوق، فالسوق لا يحتاج إلى تكرار نفس الدورة ولا يحتاج أيضاً لهذه السياسة التضخمية الخطرة والتي أنتجت اقتصاد الفقاعة”.

علامات واضحة تشير إلى أننا على أعتاب انهيار كبير

يقول العديد إن النظام المالي الحالي أكثر هشاشة منه في عامي 2007 و2008. إذ أدت الأموال البخسة التي طبعها الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية ثم ضخّوها في البنوك التجارية إلى تضخم سوق الأسهم والسندات، هذا بدلاً من أن تساعد على زيادة رأس المال المتاح للمشاريع الصغيرة التي لا تزال هي محرك الاقتصاد في العديد من الدول المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك، أدى تقليص معدلات العائد إلى صناعة فقاعة أخرى في القطاع العقاري. وفي نفس الأثناء، ارتفعت معدلات ديون الأفراد للمستويات التي كانت عليها قبل الأزمة الأخيرة، وقفزت معدلات اقتراض الشركات. وبينما عملت بعض الحكومات على تقليل العجز السنوي في الموازنة، إلا أنها لا تزال تتربع على جبال من الديون.

تتزايد بالفعل المؤشرات التي تفيد بأن الأمور لن تسير بشكل جيد. إذ يعاني مجدداً سوق العقارات في الولايات المتحدة، وهو المتسبب في الأزمة الأخيرة. فقد انخفض عدد المتقدمين للحصول على قروض عقارية بالرغم من انخفاض متوسط معدل الفائدة، وفي هذا الربيع، انخفضت مبيعات المنازل القائمة ، وهي تمثل 90% من إجمالي مبيعات المنازل في الولايات المتحدة، بنسبة 5% عن العام الماضي. وفي نفس الوقت، بيعت 1.5 مليون مركبة جديدة في الولايات المتحدة في شهر يونيو/حزيران، مما يمثل انخفاض بنسبة 4.7% عن شهر مايو/أيار، ونسبة هبوط تعادل 2.8% عن مبيعات العام الماضي. وهبطت أيضاً مبيعات سيارات النقل الجماعي بنسبة 9.5% بحسب بوابة صناعة السيارات مارك لاينس Marklines. وحتى مبيعات هواتف الآيفون انخفضت بنسبة 17% خلال الربع الأول من هذا العام.

في أبريل/نيسان من هذا العام، وردت تقارير تفيد بإغلاق قادم لحوالي 6000 من متاجر البيع بالتجزئة، وهذا الرقم يفوق إجمالي المتاجر التي أغلقت في عام 2018. في نفس الوقت الذي وصلت معدلات الدين المتأخر لبطاقات الائتمان وقروض السيارات إلى أعلى مستوى لها منذ سبعة أعوام. وازداد عدد المواطنين الأميركيين العاطلين عن العمل إلى 6 مليون في يونيو/حزيران، بينما ازداد عدد المواطنين العاطلين من غير المسجلين في القوة العاملة، والذين تتراوح أعمارهم من 16 عام فأكثر، إلى 96 مليون مواطن. إذاً، يصبح هناك 102 مليون مواطن من دون وظيفة، وهذا الرقم يتخطى الأرقام التي كانت وقت الكساد. وفي نفس الوقت، لا تدر الوظائف الجديدة دخلاً جيداً لأن معدل النمو لا يزال بطيئاً. وهناك أكثر من نصف مليون فرداً بلا مأوى في الولايات المتحدة، لأنهم غير قادرين على شراء أو استئجار منزل.

هناك بعض الإشارات التحذيرية التي تحدثت عنها الرئيسة السابقة للوكالة الفيدرالية لضمان الودائع (FDIC) شيلا باير، خلال فترة الأزمة في عام 2008. إذ كانت من بين الذين توقعوا انهياراً في نظام الاقتراض العقاري وناهضت إجراءات إعفاء البنوك الكبرى من المحاسبة. وهذه المرة، حذرت من أمور عدة، من بينها انخفاض متطلبات رأس المال للبنوك، وعجز الموازنة الفيدرالية وديون الأفراد وديون الطلبة. وهي ليست عدوة للبتكوين، بل تعتقد أن الدولار الأميركي وغيره من العملات الرسمية ليست لديها قيمة في جوهرها. في حوار أجرته مع مجلة بارونز Baron’s في العام الماضي، تحدثت عن البتكوين (BTC) قائلة: “دع السوق يحدد القيمة التي يستحقها كل شيء”.

لم تُحلّ أي مشكلة منذ الكساد الكبير

يعتقد استشاري الاستراتيجيات المالية وأحد الكتاب الأكثر مبيعاً في ألمانيا، مارك فريدريش أن العملات المشفرة تعد أحد الأصول التي يمكن استخدامها لحماية الثروة عند حلول الأزمة الكبيرة المرتقبة. فهو يؤمن بأن الأصول الحقيقية التي تكتسب ندرتها من الطبيعة، مثل الأرض والعقارات والمعادن النفيسة مثل الذهب والفضة قد تساعدك على تنويع مراكز ثروتك، “وكذلك البتكوين، فهي تكتسب ندرتها من الرياضيات”.

في حلقة حديثة من بودكاست جيوبوليتيكس آند إمباير Geopolitics & Empire، ناقش فريدريش الركود المالي المرتقب وكيف وصلنا إلى هذه النقطة. إذ قال: “منذ أزمة عام 2008، ولا زلنا لم نحل مشكلة واحدة. فقد خفّضنا معدلات الفائدة لمستويات غير مسبوقة، وأمطرنا أموالاً بخسة على العالم. وبهذا، أخذت البنوك المركزية في صناعة الفقاعات المالية واحدة تلو الأخرى وأصبح لدينا الآن الفقاعة الأكبر في التاريخ”. يعتقد فريدريش أن الفقاعة أصبحت في كل شيء الآن، ليس فقط في السوق المالي، بل أيضاً في السندات الحكومية. إذ قال:


“صنعت تريليونات الدولارات التي أنفقت لحل الأزمة فوضى جديدة، وفقاعة أكبر. وعندما تنفجر تلك الفقاعة، ستبدو أزمة 2008 حينها كألعاب الأطفال، سيكون الأمر هذه مرة ملحمياً”.

كان الاقتصادي الألماني، الذي كتب واحداً من أنجح الكتب الاقتصادية في عام 2014 بعنوان “الانهيار هو الحل: لماذا نحن على أعتاب انهيار كبير، وكيف تحمي أموالك”، قد حذر من أن المجتمعات الآن تعجّ بالمشاكل في كل زاوية، بدءاً من قضايا المشردين في الولايات المتحدة وصولاً لأزمات اللاجئين في أوروبا. يعتقد مارك فريدريش أن الركود القادم قد يتسبب في إنهاء كيان اليورو، وهو اتحاد مالي بين دول ذات اختلافات اقتصادية واضحة.

قال فريدريش: “لدينا مستويات تاريخية لانخفاض معدلات الفائدة، إذ ظل معدل الفائدة 0% لمدة ثلاثة أعوام منذ عام 2016”. مشيراً لأن ماريو دراغي هو أول رئيس للبنك المركزي الأوروبي الذي لم يرفع معدلات الفائدة طوال فترة رئاسته. وقال أيضاً: “لدى أستراليا الآن أقل معدل فائدة في التاريخ، إذ يساوي 1%، بينما خفض البنك الوطني الصيني معدلات الفائدة لأقل مستوى لها في التاريخ، أقل منه حتى في الأزمة المالية لعام 2008، إذ وصل إلى 3.5%. فالأمر أشبه بسباق بين عملات تحتضر”. وحذر أيضاً من أن الروشتة التي استخدمت لحل أزمة الركود السابقة، وهي طباعة الأموال وخفض معدلات الفائدة، لن تنجح هذه المرة.

قال الاستشاري المالي لموقع بتكوين نيوز news.Bitcoin.com: “نحن نرى بالفعل ركوداً يلوح في الأفق، ولكننا لن نستطيع التغلب عليه في هذه المرة بطباعة الأموال، لأن لدينا ديوناً غير مسبوقة والبنوك أصبحت أكثر هشاشة مما سبق، وخصوصاً في أوروبا. فهذا ليس حلاً صحياً أو مستداماً. سوف نرى معدلات فائدة سالبة، في أوروبا أولاً ثم في أماكن أخرى فيما بعد. وسينهار أحد البنوك الكبرى مكوناً كرة ثلج كبيرة ستقضي على البقية. في المرة السابقة، تدخلت البنوك المركزية والصين لإعفاء البنوك التجارية، ولكن من سيتدخل لإعفاء البنوك المركزية في المرة القادمة؟ فنظامنا النقدي على وشك الانهيار ولن نكون قادرين على إنقاذه لأن الناس على وشك فقدان الثقة في السياسة والحكومات والعملات الرسمية”.

يعتقد مارك فريدريش أن النظام النقدي القادم سيكون رقمياً وسيحتاج أيضاً إلى بدائل لامركزية مثل البتكوين، إذ علّق قائلاً: “يرجع السبب في هذا إلى أن البنوك المركزية ستصدر عملات رقمية خاصة بالبنوك المركزية (CBDC) لمحاولة السيطرة علينا وعلى حريتنا وثرواتنا. يحتاجون إلى معدلات فائدة سالبة ويمكنهم فقط تحقيق ذلك عندما تتحول العملات الرسمية إلى العالم الرقمية وتضع البنوك نهاية للأموال الورقية”. ويتوقع أيضاً أن العملة العالمية القادمة ستأتي من الصين، إذ يتوقع ظهور يوان رقمي مدعوم بالذهب ومن المحتمل أن يكون مدعوماً بأصول حقيقية أخرى. وتوقع قائلاً: “ستمثل البتكوين بديلاً خارجاً عن نطاق الحكومات، مثل الذهب الآن”.

ليس هناك أدوات للتعامل مع الأزمة القادمة

تتشارك الرئيسة السابقة للاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين، مع فريدريش في المخاوف، إذ قالت في حوار أجرته مع مجلة يايل إنسايتس Yale Insights في ديسمبر/كانون الأول الماضي: “أخشى من كون الاحتياطي الفيدرالي لا يملك الأدوات الكافية للتعامل (مع أزمة جديدة). والداعي الرئيسي للقلق من هذا هو أن معدلات الفائدة في الاقتصادات المتقدمة والتي من بينها الولايات المتحدة أخذ في الانخفاض حتى من قبل الأزمة المالية”.

وبينما تعد الدورات المالية سمة طبيعية في اقتصاد السوق، هناك دورات سياسية ملاصقة للديمقراطية الليبرالية. ولسوء الحظ، يتضح أنه يمكن لكليهما جلب المعاناة للأفراد. خلال سنوات ما بعد الركود، رفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة تدريجياً لتصل إلى 2.5%. وبالرغم من ذلك، فهناك ضغوط متزايدة من البيت الأبيض لخفض هذه المعدلات قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2020. وبالرغم من ذلك، وتأكيداً على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي عن السلطة التنفيذية، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن البنك المركزي يدرس ما إذا كان هناك ضرورة لخفض إضافي لمعدلات الفائدة أم لا.

في عام 2016، قال دونالد ترمب: “نحن الآن في فقاعة كبيرة وقبيحة”، عندما كان يسعى لكسب انتخابات الرئاسة حينها. والآن، قبيل عام 2020، والتي يتوقع فيها المحللون، لسخرية القدر، بأن تحدث فيها الأزمة الكبرى، يصارع ترمب للحفاظ على موقعه في البيت الأبيض. وهو يأمل في أن تعطي تخفيضات معدلات الفائدة دفعة للاقتصاد قبل الانتخابات. بالرغم من أن حركة مثل هذه قد تؤدي إلى نتائج سلبية في المدى القصير على كل من رأس المال الاقتصادي والسياسي، إذ يخشى العديد مثل مارك فريدريش من أن هذه الحركة قد تزيد مؤقتاً من تضخم الفقاعة في السوق.

يشير ارتفاع أسعار العملات المشفرة الذي حدث خلال الشهور القليلة الماضية إلى أن هناك الكثير والكثير من المستثمرين بل والأشخاص العادييين الذين يرون في الأصول الرقمية اللامركزية مأمن لحمايتهم من الانهيار القادم للعملات الرسمية. والدخول في هذا المجال له تحدياته، ولكن شركات العملات المشفرة أخذت بنجاح في تطوير خدمات لتسهيل هذا الدخول. على سبيل المثال، يساعدك موقع بتكوين Bitcoin.com على شراء كل من البتكوين كاش (BCH) والبتكوين كور (BTC) عن طريق بعض الخطوات البسيطة باستخدام بطاقة الائتمان ودون الحاجة لزيارة إحدى منصات التداول.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.