يرتكز التطوع على القبول. إذ ترتكز تلك الفلسفة على التالي: “إذا لم يكن الأمر تطوعياً، فهو غير أخلاقي”. ويتم الرد على تلك المقولة بـ”لا يتفق الجميع على ذلك، إذ يلجأ البعض للعنف من أجل الحصول على ما يريدونه”. ويعد ذلك صحيحاً بنسبة 100%، لذا فإن المتطوعين ليسوا أشخاصاً سلاميين، إلا أنهم يؤمنون ويدعمون الحق في الدفاع عن النفس. ويعرّف المتطوعون الدفاع عن النفس بأنه حق الإنسان في الدفاع عن ممتلكاته، وأول تلك الممتلكات هي النفس. وبذلك، فإن تلك الفلسفة ومعتنقيها قد أبدوا اهتماماً كبيراً بالبتكوين، بسبب طبيعة النظير للنظير غير المركزية للعملة.

ملكية الفرد لنفسه

يتمثل المبدأ المركزي للتطوع في ملكية الفرد لنفسه. يعني ذلك ببساطة أن جسد الشخص ملكه، وأنه لا يحق لأحد أن يستخدم أو يتحكم في أجساد الآخرين بالعنف أو بالتهديد بالعنف. وبينما يبدو ذلك بديهياً لأي مجتمع أخلاقي، فإن الممارسات المنتشرة والأفكار السائدة في الحقبة الثقافية والاجتماعية الخاصة بنا ، مثل الضرائب والديمقراطية والسلطوية لا تتوافق مع ذلك المبدأ، ويرجع ذلك إلى أنهم يمثلون اعتداءات على الملكية بالنسبة لتلك الفلسفة.

ما الملكية؟

تتحدد تعريفات الملكية من وجهة نظر التطوعية من خلال الفرد. فنظراً لأن جسد الفرد وحياته ملكه (ملكية الفرد لنفسه)، فبالتالي، فإن الموارد التي يحصلون عليها من خلال العمل الجسدي تعد ملكهم وحدهم. إذا كانت هناك تفاحة لا تخص أحداً في الحقل، فإن الشخص الذي سيلتقطها سيصبح مالكها. إذا كان هناك خلاف حول الشجرة نفسها، فإن قوانين الملكية، وليست التأكيدات الاعتباطية للسلطة، هي التي تحدد المالك الشرعي للشجرة.

لنقل أن هناك خلافاً قد وقع بين شخصين في السيناريو السابق، وإدعى كلاهما ملكيته لشجرة التفاح. في تلك الحالة، فإن لديهم بضعة اختيارات. بإمكانهم التعارك جسدياً من أجل السيطرة المبنية على الإدعاءات الاعتباطية المتلخصة في: “الشجرة ملكي لأني أقول ذلك!”. عوضاً عن ذلك، بإمكانهم الاتفاق على نظام للتشارك في ملكية الشجرة وفاكهتها. ومع ذلك، فإن ذلك لا يحدث كثيراً في الواقع. ويتمثل الاختيار الثالث في تحديد من المالك الشرعي للشجرة.

تحديد الملكية

في ذلك السيناريو، فإن الشخص أ سيسوق حجة مباشرة وأكثر موضوعية: “كانت الشجرة ملكاً لوالدي. قام بزراعتها وأعطاها لي قبل أن يموت”. في تلك الحالة، فإن ملكية الوالد للشجرة، والتي حصل عليها بفضل عمله البدني، قد انتقلت إلى ابنه بموجب وصيته. لا يملك الطرف ب حق تقرير كيفية التصرف في الشجرة، نظراً لأن الملكية تعطي الحق الحصري في التصرف.

في سيناريو آخر، فإن الطرف ب قد يدعي أن الشجرة جزء من منزله. فقد سوّرها منذ عدة سنوات ولم يكن أحد يسكن بالجوار، ولم يعترض أحد على تصرفه. فكان أول من عثر على الشجرة، واعتبرها ملكه. وفي سياق آخر، قد يتدخل الطرف ج للوساطة، لأن اللجوء للعنف له تكلفة اجتماعية واقتصادية مرتفعة.

ثمن الصراع العنيف

إذا ما لجأ الطرف أ والطرف ب إلى العنف من أجل تحديد ملكية الشجرة، فسيعني ذلك تحمل عدة تكاليف معتبرة. إن لم يكن هناك طرف ثالث، فإن قتل الطرف أ للطرف ب أو تشويهه من أجل الحصول على الشجرة لن ينفعه. فبعيداً عن خسارة الرفقة الوحيدة له في البرية، فإن الطرف أ سيخسر أي فرصة للتعاون مع الطرف ب، وسيخسر بالتبعية فرصة ضم مجهوداتهما وإدارتهما للموارد مع بعضهم البعض. فإذا افترضنا أن الطرف ب يجيد التصويب وأنه صياد ماهر، فإن مهاجمة الطرف ب قد تعني خسارة الطرف أ للحوم التي كان ب سيمده بها. بهذه الطريقة، فإن التعاون سيكون مفيداً لكلا الطرفين، حتّى مع كونهما أشخاص يبحثون عن مصالحهم الفردية، وبدون التطرق إلى أي أفكار عن الكرم أو الإيثار.

الوضع الحالي (سرقة ملطفة)

يمكن تعديل المثال السابق، ومضاعفته، أو تعقيده  بدون تغيير أو إبطال الأسس الأخلاقية أو المنطق العملي له. ففي عالم اليوم، هناك مجموعة صغيرة من الأشخاص تسمى بـ”رؤوساء الدول”، و”الحكومات”، و”رئيس الوزراء”، و”الملوك والملكات”، وهم من يدعون ملكيتهم لعدد هائل من الموارد. وبرغم الانتقاد الممكن توجيهه إلى مضمون فكرة “امتلاك الفرد لنفسه”، إلا أن الواقع يظل صلباً، محايداً، وغير قابل للتغيير. لا أحد غيري يستطيع أن يحرك يداي أو يغمض عيناي عن طريق الاتصال البيولوجي بين تلك الأعضاء وبين مخي. لا أحد يستطيع فعل ذلك بشكل طبيعي أكثر مني. بشكل ما، هذا ما يدعى بـ”التصميم الطبيعي”.

يدعي حكام العالم اليوم ملكيتهم لأجساد الآخرين عن طريق الضرائب. ويطلبون نسبة من الدخول التي حصل عليها الآخرين بعملهم البدني تحت تهديد استخدام العنف. الضرائب هي اللفظ الأكثر لطفاً للابتزاز. فعلى المستوى الفردي (جرّب أن تفرض ضرائب على أصدقاءك لترى إن كانوا سيوافقون)، فإن الأمر مساو للعبودية. وعلى مستوى الحكومة، فإن الأمر يتم تلطيفه بشكل غير منطقي وتسميته بـ”الثمن الواجب عليك دفعه مقابل عيشك في مجتمع متحضر”. تلك العصابات المسماة بالحكومات تدعي ملكيتها للأرض وللموارد، وتقتل وتسجن المعارضين لها بناءاً على الفكرة العتيقة المسماة بالحق الإلهي في الحكم.

القابلية التعميم، البتكوين، وما بعد ذلك

وبينما يثور الجدل بخصوص النظريات الأخلاقية، فإن ذلك النقاش غير ضروري من وجهة نظر العمل التطوعي. فالسؤال بسيط: هل يرغب الشخص في تقليل العنف؟ إذا كان الشخص يرغب في تقليل العنف المحتمل في أي مجتمع، فإنه من الواضح تجريبياً أن مصطلحات غير قابلة للتعميم مثل الملوك والملكات (لا يمكن للجميع أن يكونوا ملوكاً وملكات) ستقود للعنف نتيجة الصراع على الموارد والنفوذ.  يعد الأمر حتميا. لابد من وجود أرضية يمكن على أساسها حل الاختلافات، ويكون بوسع كل فرد (أصغر أقلية في أي مجتمع) ممارسة نفس القدر من النفوذ أمام أي فرد من المجتمع مساو له في النفوذ.

فتحت البتكوين وطرق الدفع الإلكترونية القائمة على نظام النظير للنظير أبواباً جديدة للمتطوعين الراغبين في التبادل التجاري السلمي. إذ تعتبر العملات النقدية (بموجب أحكام السلطة) أنظمة نقدية حكومية تعتمد على العنف، إذ تقول الحكومات: “استخدم هذا النوع من النقود وإلا سنؤذيك أو سنهدد بإيذاءك”. يعتمد البتكوين على موافقة الطرفين. من حق الأطراف المتعاملة ألا تسلم ما بيديها إلى المتنمرين أو الأطراف العنيفة، نظراً لأن الشخص المتنمر لا يملك أي تحكم بالصيغ الرياضية التي يقوم عليها النظام. فتلك الصيغ الرياضية، مثل مبدأ ملكية الفرد لذاته، تحدث بشكل طبيعي، وغير مركزي، وهي ظاهرة موضوعية يمكن رصدها. يفضل المتطوعون الأنظمة غير المركزية بالمقارنة بتلك المركزية، والحكومات العنيفة. مما يجعل من العملات المشفرة والبتكوين خيارهم المفضل .

الإجابة على الاعتراضات المتكررة

هناك عدد من الاعتراضات ضد استخدام البتكوين. إذ يعتقد البعض أن الأمر برمته ليس إلا عملية سرية تقوم بها الدولة العميقة سعياً للسيطرة على النظام النقدي العالمي على المدى البعيد. مؤامرة للتوقف عن استعمال النقد الورقي. بينما يرى البعض الآخر أن عدم دفع الضرائب وغياب الرقابة المركزية تفتح الباب للأنشطة الخطرة والإجرامية. ليست تلك الاعتراضات على الفلسفة التطوعية جديدة أو شحيحة، إذ يعتقد الكثيرون أن: “الأمر يوتوبي! الناس بشكل عام أنانيين ومحبين للعنف!”.

وبتنحية  الآراء الشخصية جانباً، فإن الحقائق تبقى ثابتة: يسهل البتكوين والعملات المشفرة التعاملات المباشرة القائمة على النظير للنظير. الإدعاء أن البتكوين بحاجة إلى تراقب باستخدام العنف وأن يدفع الآخرون ضرائب على تعاملاتهم هو انتهاك لحقهم في امتلاك ذواتهم والاستقلال الفطري للبشر. كما أن إدعاء أن  البشر بطبيعتهم فاسدون، مما يجعل الفلسفة التطوعية “غير قابلة للتحقق واقعياً” هو موقف يهدم نفسه بنفسه. فمن الناحية المنطقية، إذا كان معظم البشر أشراراً، فإن آخر ما قد نرغب في فعله هو خلق نظام به قوة مركزية يتكون من نفس الأناس الفاسدون.

استولت العصابات الإجرامية على حيواتنا بالفعل، لا يحتاج المرء إلا أن يقرأ الأخبار كل يوم. تسمى تلك العصابات بالحكومات. تبني الشركات الخاصة الطرق في كل مكان حول العام. تحافظ اتفاقات قانونية طوعية شديدة التعقيد على دوران عجلة الاقتصاد العالمي. يتبادل عدد كبير من الأفراد التعاملات التجارية كل يوم بشكل سلمي، ولا ترجع سلميتهم إلى وجود الشرطة أو التنظيم القانوني، وإنما رعاية مصالحهم الخاصة التي سيعود عليها السلام، بديهيات الملكية، التجارة الحرة والصلات الاجتماعية القوية عليها بالنفع بشكل  أكبر بكثير من الإيمان بخرافات مدعومة بالعنف والوحشية عن الملوك والملكات.

من أجل فهم أفضل لطبيعة الفلسفة التطوعية، فبإمكانك مشاهدة هذا الفيديو الممتاز. ومن أجل فهم المزيد عن البتكوين والعملات المشفرة، فمن الممكن دراسة هذا المصدر.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.