بالنسبة لمحترفي العملات المشفرة الذين يحاولون إضفاء الشرعية على صناعتهم، يُعد التلاعب بالسوق بلاءً. وبالنسبة لأليكسي أندريونين البالغ من العمر 20 عاماً، التلاعب بالسوق سبيل لكسب الرزق.

أندريونين طالب بالسنة الثانية بجامعة موسكو الحكومية، وهو الشريك المؤسس لغوت بت Gotbit، وهي شركة متخصصة في جعل العملات المشفرة المغمورة تبدو وكأنها تُتداول بصورة نشطة. وبمقابل مادي، ستقوم الشركة المكونة من رجلين ببرمجة روبوتات لتداول التوكن ذهاباً وإياباً فيما بينهم على منصات ضعيفة حتى يكون له “حجم” كافي ليُدرَج على كوين ماركت كاب CoinMarketCap. وبمجرد ظهور الأصل على الموقع واسع الانتشار لبيانات السوق، يمكن أن يحصل على انتباه منصات أكبر ومستثمرين كبار.

وكان أندريونين صريحاً وهو يوضح سبب عدم تسجيل غوت بت في أي ولاية قضائية، وقال لموقع كوين ديسك CoinDesk: “العمل ليس أخلاقياً تماماً”.

وكذلك العمل ليس غير وارد تماماً في السوق العالمية المشهورة بافتقار الشفافية. إذ قدّرت شركة بت وايز لإدارة الأصول Bitwise Asset Management، وهي واحدة من عدة شركات أميركية تسعى وراء الموافقة التنظيمية لإطلاق صندوق مؤشرات متداول (ETF) للبتكوين (BTC)، أن 95 بالمئة من أحجام تداول البتكوين مزيفة و10 بالمئة فقط من منصات التداول تنشر بيانات موثوقٍ بها عن الأحجام على منصاتها، دون أرقام متضخمة.

وقال بوبي أونغ، الرئيس التنفيذي لموقع تصنيف العملات المشفرة كوين جيكو CoinGecko، إن الشركات مثل غوت بت موجودة و”لن يكون هناك صعوبة في إيجاد مثل هؤلاء الناس الذين يستطيعون تقديم هذه الخدمات”.

وقال أونغ: “عادة ما تزعم هذه الشركات أن بمقدورها صنع الأسواق لمشروعات التوكنات وتضخيم حجم التداول بمقابل مادي. وتُعرَف هذه الممارسة أيضاً بالتداول الوهمي وهي غير قانونية”.

وأوضح أونغ أنه من الممكن رصد التداول الوهمي من الخارج. إذ بالنظر إلى تاريخ التداول وسجل طلبات منصات التداول، يمكن ملاحظة أنماط معينة ورؤية أن شيئاً مريباً يحدث:  “إذا أُجريت التداولات خارج هامش الشراء والبيع أو باستمرار داخل هامش الشراء والبيع، فهذا مثال واضح على وجود تداول وهمي. ويمكن النظر أيضاً إلى المدة الفاصلة بين عمليات التداول وحجم التداول لرصد الأنماط المتكررة الشائعة لإيجاد نشاطات التداول الوهمي”.

ومع ذلك، نادراً ما تسمع المتلاعبين يتحدثون بحرية عن تجارتهم، وذلك لأسباب واضحة.

وفي المقابلات الأخيرة، شرح أندريونين لموقع كوين ديسك آليات عمل غوت بت، التي تساعد مشروعات العملات المشفرة على تزييف نجاحها من أجل تحقيق نجاحٍ حقيقي في المستقبل.

نشاط خارج المقرر

وصل أندريونين لاجتماع كوين ديسك بموسكو سيتي متأخراً، في منطقة الأعمال الراقية التي بها ناطحات السحاب الزجاجية والمعدنية، والمقاهي الفخمة ومكاتب عدة شركات متعلقة بالعملات المشفرة. وقال إنه قد قابل عميلاً لتوه. بالكاد يحضر طالب الرياضيات التطبيقية دروسه. ومن بين زملاء صفه، الجميع تقريباً مهووس بالعملات المشفرة.

وقد أنشأ أندريونين غوت بت مع طالب جامعي زميل عام 2018، بينما كانت العروض الأولية للعملة (ICO) لا تزال رائجة. وكان شريكه يكتب أكواد روبوتات التداول بينما يتواصل أندريونين مع مشروعات التوكنات لبيع خدمات غوت بت “لصناعة الأسواق”. ويُكلف الإدراج على منصة تداول صغيرة 8 آلاف دولار؛ وسيكلفك شهر من دعم أحجام التداول المزيفة عبر خوارزميات تحاكي نشاطات السوق العادية 6 آلاف دولار.

وتكون تكلفة ظهور التوكن على كوين ماركت كاب أغلى قليلاً بقيمة 15 ألف دولار. ولتحقيق ذلك، يجب إدراج المشروع أولاً على منصتي تداول صغيرتين. ويعتقد أندريونين أن هذه المنصات ستتلاشى دون دعمها بأحجام تداول زائفة. والعلامة المميزة هي أن تداول العملات المشفرة غير المعروفة على هذه المنصات ينشط بصورة أكبر بكثير من تداول البتكوين، العملة المشفرة الأصلية ورائدة الصناعة بأكبر قيمة سوقية.

ويعتقد أندريونين أن منصات التداول عادة ما تعرف متى تضخم روبوتات غوت بت أحجام العملات البديلة، ولكن الأعداد الأكبر تصب في مصلحة تلك المنصات. أما مراقبة التلاعب فلا.

وقال أندريونين إن هذه المنصات تتقاضى زوجاً من عملات البتكوين لإدراج التوكن، وليس لها شروط حقيقية أخرى. وكأمثلة على منصات بمثل هذه المعايير، ذكر هوت بت Hotbit، التي مقرها شنغهاي، وبت فوركس BitForex بهونغ كونغ.

وقد ردَّ مدير العلامة التجارية بمنصة بت فوركس في تصريحٍ لكوين ديسك قائلاً: “في عالمٍ يضم أعداداً ضخمة من العملات والتوكنات المشكوك فيها، فإن فرض رسومٍ لإدراك العملات ممارسة متعارف عليها بالنسبة لمنصات تداول العملات المشفرة. ففرض الرسوم يحدد بدرجة كبير مدى جدية الشريك، ويضمن جلب توكنات من مشروعات عازمة على النجاح في الوصول إلى مستخدمينا”، وأضاف أن رسوم بت فوركس “تتحدد وفقاً لحجم المشروع وإمكاناته التشغيلية”.

وقالت ألاميدا ريسيرش Alameda Research، شركة تداول العملات المشفرة، في تقرير حديث: “من الثابت أن كثيراً من منصات التداول عرضة للاشتراك في ممارسات لتضخيم الحجم التي تكتب عنه التقارير من أجل توجيه الاهتمام نحو منصاتها وجذب عملاء جدد”. وقد حللت ألاميدا سجلات طلبات وتاريخ تداول 48 منصة تداول عملات مشفرة حول العالم ووجدت أنه على 14 منصة منها، قد يكون حجم التداول الحقيقي صفراً. وبت فوركس من بين تلك المنصات التي عددها 14.

وقال أندريونين إنه على مثل تلك المنصات، تبدو غوت بت مصدر السيولة الرئيسي. وأضاف: “هذه المنصات الصغيرة، لا أعلم حتى على ماذا تعتمد في بقائها، إذ ليس هناك أحجام حقيقية عليها”.

وبعد إدراج التوكن على منصتين وظهور بعض نشاط التداول الذي تقدمه الروبوتات، ويمكن أن يكون الحجم أقل من 100 ألف دولار في اليوم في المنصة الواحدة، هناك فرصة لإدراجه على كوين ماركت كاب. ومن تلك النقطة، تخرج غوت بت من الصورة، طبقاً لأندريونين الذي قال إن وسطاء آخرين يساعدون في إنجاز الخطوة الأخيرة.

أما كيف يفعلون ذلك بالضبط، فهو لا يعرف. ولكن الأمر يتم وقال: “عملاؤنا في أول 300-500 مرتبة على كوين مارك كاب”.

وقالت كاريلين تشان، رئيسة التسويق بكوين ماركت كاب، لموقع كوين ديسك إنه لإدراج التوكن على الموقع، يجب أن يستوفي مجموعة من المعايير، بما فيها استخدام تكنولوجيا البلوكتشين؛ وأن يكون له موقع إلكتروني يعمل جيداً؛ وأن يكون مُدرجاً على منصتي تداول، تكونا بدورهما مُدرجتَين على كوين ماركت كاب؛ وتوفير خط تواصل مباشر مع ممثل المشروع.

وبعد سؤال تشان إذا كان من الممكن خداع النظام بتضخيم الحجم، قالت: “موقفنا هو إدراج أكبر قدر ممكن من الأصول المشفرة، لتغطية عالم الأصول المشفرة بمرور الوقت. ولسنا بصدد فرض الرقابة على المعلومات”.

وأضافت أن كوين ماركت كاب يُعلّم المشروعات ذات النشاطات المشبوهة على موقعه، وقالت: “بناءً على النشرات التنظيمية أو المعلومات التي يقدمها المستخدمون”.

العملاء

وقال أندريونين إنه عادة ما يقوم عملاء غوت بت بعرض أولي للعملة ويرغبون بعدها في تهدئة مستثمريهم بإظهار بعض النشاط السوقي.

ويعتقد أن معظم هؤلاء المؤسسين يهتمون بمشروعاتهم ويحاولون إنجاحها، ولكن من بين المشروعات التي تعمل معها غوت بت وعددها 30، فقط مشروعين أو ثلاثة “تحقق بعض الحجم فعلاً”، ولديها نموذج أعمال ووصلت لنقطة بناء منتج حقيقي.

ويمكن أن تعيش بعض المشروعات الأخرى لمدة شهرين على أحجام مزيفة، مما يسمح للمؤسسين بالاستفادة منها، ثم يتوقفون عن الدفع “لصنع الأسواق”، وبعدها يغرق سعر التوكن. ويغلقون أعمالهم بعد أشهر قليلة لاحقاً.

وقال أندريونين إنه عند هذه النقطة، يتصالح الناس الذين اشتروا تلك التوكنات مع الحقيقة وأضاف ممازحاً: “لا مزيد من أحلام الثراء الفاحش وشراء اللامبورغيني. لا بأس بالدراجة”.

وقال أونغ الرئيس التنفيذي لموقع كوين جيكو إن المظهر بالتأكيد حافز لكثير من فرق العملات المشفرة.

وقال: “في بعض الأحيان تتعرض مشروعات التوكنات للضغوط لاستخدام مثل تلك الشركات الصانعة للسوق لأنها تريد أن تظهر لمستثمريها الكبار وحاملي التوكن أن هناك اهتماماً سوقياً كبيراً بمشروعها وأن الأشياء تسير على ما يرام. وبعض المشروعات الأخرى تفعل ذلك أيضاً لأنها لا تريد أن ينخفض سعرها انخفاضاً حاداً وتريد الحفاظ على سعر “مثالي” أو زيادته بمرور الوقت”.

وأضاف أونغ أن جزءً من الضغط يأتي من منصات التداول، التي تتطلب حداً أدنى من حجم التداول وتحذف التوكنات ضئيلة التداول.

وقال أونغ: ” وبالتالي، في مواجهة خيار الحذف من المنصات، تعمل مشروعات التوكنات مع هذه الشركات الصانعة للسوق لتضخيم أحجامها تضخيماً زائفاً”.

وزعم أندريونين أنه في حالة نادرة، وصل أحد المشروعات الذي استعان بخدمة غوت بت لصناعة السوق إلى قائمة أعلى 100 توكن على كوين ماركت كاب. ولم يفصح عن اسم التوكن ولكن قال إن المشروع كان وراءه فريق ونموذج أعمال قوي منذ البداية.

ولكن لم قد يستخدم فريق حقيقي مضخة حجم مزيفة؟

وقال أندريونين: “لقد كانوا راغبين في إدراج مشروعهم على منصات تداول كبيرة، وكسب بعض المال أيضاً”.

البوتات

ولإظهار أحجام وهمية، يملأ بوت غوت بت سجل طلبات منصة التداول. مرة أخرى نحن نتحدث عن منصات التداول الصغيرة ذات الأحجام الضئيلة. ويغلق الطلبات نفسها باستخدام الحساب نفسه أو حساب آخر. ويقول أندريونين إنه عادة ما يكون للعملاء أربعة حسابات، ولكن يكفي حسابان للتداول مع نفسك.

وقال أندريونين إنه لجعل هذه الأحجام معقولة، تبرمج غوت بت خوارزمياتها لمحاكاة أنماط التداول العادية في أجزاء مختلفة من العالم في أوقات مختلفة من اليوم والسنة.

ويضم العرض المختصر لغوت بت رسوماً بيانية لأحجام التداول التي ضختها لعدة توكنات، مع حجب أسمائها (إذ يقول أندريونين إنه يوقّع اتفاقيات عدم الإفصاح مع العملاء). وأحياناً يُقرر العميل وقف تشغيل البوت فيهبط الحجم إلى الصفر، إذا كان لا أحد غير غوت بت يجري تداولات على التوكن.

ولا يقتضي تنفيذ وتسوية طلبات بوت حجم التداول، بل مجرد خلق وهم بوجود تداول. ومن الناحية النظرية، يمكن لبعض الحاملين الحقيقيين الذين اشتروا التوكنات خلال العرض الأولي للعملة الحضور إلى منصة التداول وأخذ الطلبات. وفي هذه الحالة، سينتهي الحال بغوت بت بحقيبة ثقيلة من العملات عديمة السيولة.

ولمنع حدوث ذلك، يراقب البوت محافظ المنصات على إيثر سكان Etherscan، وهو مستكشف للبلوك شهير لبلوكتشين الإيثريوم، وعندما يكون هناك معاملة كبيرة على العملة المعنية، تُلغى جميع الطلبات على الفور. وتعمل غوت بت فقط مع توكنات بروتوكول ERC-20 القياسي الذي يعمل على الإيثريوم، لذلك من السهل مراقبة حركة الأموال على الشبكة.

ومن خدمات غوت بت الأخرى تقديم طلبات الشراء والبيع عند فواصل سعرية معينة للسيطرة على هامش الشراء والبيع، أو الفجوة بين ما يرغب المشترون في دفعه وما يرغب البائعون في قبوله. وعادةً ما يكون هذا الهامش علامة قوية على نضج السوق أو عدمه؛ إذ يدل الهامش القليل على قدر كافي من العرض والطلب لتلبيته بسعر توافقي، بينما يدل الهامش الكبير على سوق غير سائلة.

ومن ثم، قال أندريونين إن بعض المشروعات ترغب في إظهار أن توكناتها يجري تداولها بهامش قليل، لخلق الانطباع بأن هناك سوقاً حية صحية للعملة.

ولدى غوت بت أيضاً خوارزمية تتيح للروبوتات إغمار السوق بالتوكن دون التأثير على السعر: ولفعل ذلك، يبحث الروبوت عن طلبات الشراء الموجودة بالفعل في سجل الطلبات ويملأها بسرعة.

وقال إن هذا ممكن، إذا كان هناك على الأقل بعض المشترين الحقيقيين في السوق، ويسميهم أندريونين خرافاً، يُساقوا إلى السوق من المشروعات وبعدها “يُجردوا” عندما يرتفع السعر (الذي يضخه البوت).

حان وقت إغلاق العمل

وليس لدى أندريونين أية أوهام إزاء مستقبل شركته.

إذ يقر بأن تضييق اللوائح التنظيمية لسوق العملات المشفرة حول العالم سيقضى على عالم المنصات الصغيرة المليء بالعملات التافهة ذات الرسوم البيانية الغريبة في النهاية.

وقال إن العامل الرئيسي سيكون التوجيهات الدولية الجديدة من مجموعة العمل المالي (FATF) لتنظيم الخدمات والمنصات المتعلقة بالعملات المشفرة، الأمر الذي سيتطلب عمليات لتحديد هوية العميل أكثر صرامة، شبيهة بالنظام المصرفي التقليدي.

وقال أندريونين: “أعتقد أن مجموعة العمل المالي ستغلقها قريباً: وسيتم تنظيم منصات تداول العملات المشفرة مثل بورصة ناسداك NASDAQ وستحظر عمليات ضخ الأحجام المزيفة”. 

وأضاف: “لست ضليعاً في الأسئلة القانونية، لكن أعتقد أن إجراء ما نفعله هنا على بورصة ناسداك يُعد جريمة مالية. وسوف تضطر منصات التداول إلى مراقبة أن الناس لا يجرون عمليات التداول بأنفسهم. وإلا ستُدرج المنصات في القائمة السوداء”.

ومن ثم، توشك أعمال صناعة السوق الخاصة بغوت بت على الانتهاء، وسينتقل الفريق إلى خدمات أخرى، أشهرها هي العروض الأولية للتداول (IEO)، وهي نوع من العروض الأولية للعملة تُجرى على منصة التداول.

وقال أندريونين إنه إلى جانب ذلك، لديه هو وشريكه شاغل أكثر مللاً، وهو اجتياز الامتحانات النهائية.

نقلًا عن كوين ديسك

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.