لقد قطعت أصول العملات المشفَّرة شوطًا طويلاً منذ ظهور البتكوين (BTC): فما بدأ مشواره كنظام للدفع قائم على نظام النظير إلى النظير P2P قد أنتج مجموعةً من حالات الاستخدام تتجاوز الوظيفة الأصلية للعملات المشفَّرة بكثير. صحيح أنَّ الوظيفة الأساسية لأصول العملات المشفَّرة مثل الإيثريوم ETH والبتكوين تُعد مسألة تثير القليل من الجدل، لكنَّ ما لا يقبل الجدل هو أنَّه قد صار من الممكن استخدام العملات المشفَّرة لأكثر من مجرد سداد مقابل السلع والخدمات. في ما يلي خمس حالات استخدام لأصول العملات المشفَّرة تبين حجم الثورة الحاصلة الآن في مجال التكنولوجيا المالية.
حالة الاستخدام الأولى: النقد الرقمي Digital Cash
نشأ البتكوين كنظام دفع بالنقود الإلكترونية قائم على نظام النظير إلى النظير، هذا إذا ما صَّدقنا عنوان ورقة ساتوشي البيضاء على ظاهره، وقد التزم البتكوين بالدور الموصوف له خلال الأعوام الخمسة الأولى من نشأته. قبل أن يحظى البتكوين بقبول التيار السائد، دعم اقتصاداً رقمياً ناشئاً شمل سلع السوق السوداء (سوق سيلك رود الإلكترونية Silk Road) والمراهنة (موقع ساتوشي دايس Satoshi Dice)، وقَبِل مئات التجَّار الملمين بالتكنولوجيا والمتبنون الأوائل التعامل به لشراء كل شيء: من بطاقات الرسوميات إلى القمصان.
عندما بدأت قيمة رسوم الشبكة ترتفع، أجبر ذلك العديد من التجَّار على التوقف عن دعم البتكوين، فبدأت جماعة متنامية من المخلصين للبتكوين، أُطلق عليهم لاحقاً اسم “المتطرفين” Maximalists، بالدعوة إلى مفهوم مخزن القيمة SoV بدلاً من مفهوم وسيط التداول MoE. وبعد أن أصبح البتكوين غير ملائم للمدفوعات منخفضة التكلفة، انتقلت شعلة نظام النظير إلى النظير إلى البتكوين كاش (BCH) الذي ظهر فجأةً في منتصف عام 2017 كنتاج عملية فورك خضع لها البتكوين. منذ ذلك الحين، حافظت شبكة البتكوين كاش على هدف مجتمعها المتمثل في تيسير المدفوعات السريعة ذات التكلفة المنخفضة، وصار آلاف التجَّار يقبلون التعامل بالبتكوين كاش في المتاجر وعبر الإنترنت.
في الوقت نفسه، وخلال فترة ازدهار العروض الأولية للعملة ICO في عام 2017، ظهرت عشرات المشروعات للعملات المشفَّرة فجأة، كلها كانت لها توكنات دفع عادية مرتبطة بها كمبرر لجمع الأموال. وعندما اختفى هذا التيار من سوق العملات المشفَّرة في مطلع عام 2018، بات من الواضح أنَّ توكنات الدفع الأصلية ببروتوكول ERC20 القياسي لم تعد مجديةً ببساطة، وبدأ أغلبها يواجه موتاً بطيئاً بسبب سرعة تقلب أسعاره وانخفاض سيولته. لذا فإنَّ أغلب أصول العملات المشفَّرة التي ظلت موجودة حتى يومنا هذا باعتبارها عملات قائمة على نظام النظير إلى النظير تقتصر إلى حد كبير على العملات التي كانت موجودة قبل عام 2015، مثل داش (DASH) واللايت كوين (LTC).
حالة الاستخدام الثانية: أموال قابلة للبرمجة
الحقيقة أنَّ العقود الذكية قد ظهرت قبل البتكوين، بعد أن أنشأها نيك سيزابو (الذي يُنسب إليه أيضاً كونه واحداً من أكثر المرشحين الذين من المرجح أنَّهم ساتوشي ناكاموتو الحقيقي). إنَّ العقود الذكية ببساطة عبارة عن كود قابل للتنفيذ مبني على تقنية البلوكتشين يُنفَّذ ناتجاً معيناً في حال توافرت شروط محددة. ومع أنَّها دائمة الاقتران بشبكة الإيثريوم Ethereum، فإنَّ معظم شبكات العملات المشفَّرة تتمتع بخاصية العقود الذكية بدرجة ما؛ بما فيها شبكة البتكوين ذاتها.
أمَّا شركة روت ستوك RSK، فقد ابتكرت منصة للعقود الذكية تستفيد من الأمان الذي توفره بلوكتشين البتكوين وآثاره على الشبكة. وبما أنَّ هيمنة البتكوين على العملات البديلة الأخرى قد تزايدت هذا العام، 2019، فقد ازداد معها أيضاً جاذبية تطوير البتكوين أولاً قبل بدائله الأقل منه لامركزيةً مثل الترون (TRX) والإيوس EOS. نتيجةً لذلك، وجد المطورون الذين ربما كانوا ليتوافدون في ما مضى على ما يُسمى بـ”الجيل الثاني” من البلوكتشين سبباً للنظر إلى البتكوين بمنظور جديد تماماً. أمَّا بالنسبة لشبكة البتكوين كاش، فقد سهَّل بروتوكول السجل الميسَّر عملية إصدار التوكنات الفرعية المُستحدثة باستخدام أكواد عملية كان ساتوشي قد دمجها في بروتوكول البتكوين في الأصل.
حالة الاستخدام الثالثة: باعتبارها ضمان
لقد صار الإقراض أحد أهم تطبيقات حركة الخدمات المالية اللامركزية Defi المزدهرة حالياً؛ إذ إنَّه يتيح للأفراد إمكانية ضمان قروض العملات النقدية بالعملات المشفَّرة والعكس صحيح. وعلى شبكة الإيثريوم أيضاً، ازدهرت خدمات الإقراض على غرار ميكر Maker وكومباوند Compound وإنستاداب Instadapp؛ وصارت أصول بمئات ملايين الدولارات الأميركية مقفلةً في بروتوكولات الإقراض. من بين حلول الإقراض الأخرى للخدمات المالية اللامركزية دارما Dharma ودايدكس Dydx، في حين أنَّ من بين البدائل المركزية سالت Salt ويوهودلر Youhodler ونيكسو Nexo؛ وهي بدائل تسمح للأفراد بالحصول على قرض بعملة نقدية مقابل الإقفال على العملات المشفَّرة التي يمتلكونها. هناك أيضاً خيار أن يحصل المحتفظون بالصفقة على فائدة سنوية عن طريق الإقفال على عملاتهم المشفَّرة
في بروتوكولات الإقراض تلك.
في ما يلي صورة توضح القيمة الإجمالية المُقفلة في الخدمات المالية اللامركزية بالدولار الأميركي على مدى 90 يوماً:
حالة الاستخدام الرابعة: الحوكمة
قد لا تبدو الحوكمة أكثر حالات استخدام العملات المشفَّرة إثارةً، لكنَّ الإدلاء بالأصوات عبر سلسلة البلوكتشين يُعد وسيلة فعالة للغاية لضمان تحقيق نسبة مشاركة يمكن إثباتها في الانتخابات. لطالما شارك مُعدَّنو البتكوين في حوكمة بسيطة بأن أبدوا تأييدهم لتغييرات البروتوكول بالتوقيع على البلوكات الجديدة: ففي شهر يونيو/ حزيران 2017، على سبيل المثال، كان 80% من معدل الهاش على شبكة البتكوين يضيف الحروف “NYA” إلى البلوكات تأييداً لاتفاقية نيويورك (التي باءت بالفشل في النهاية).
كذلك، نشر مشروع أرغون Aragon Project تغريدةً عبر حسابه على موقع تويتر Twitter جاء فيها: “تصويت شبكة أرغون Aragon Network رقم ثلاثة قد انتهى الآن! تم حجب النتائج باستخدام تطبيقات أرغون غوفرنانس للتصويت Aragon Governance https://mainnet.aragon.org/#/governance.aragonproject.eth/0x277bfcf7c2e162cb1ac3e9ae228a3132a75f83d4 … في ما يلي رابط الموضوع الذي يحتوي على نتائج التصويت”.
لقد صارت حوكمة البلوكتشين أكثر تعقيداً منذ ذلك الحين؛ بعد أن قدمت داش Dash آلية تصويت ناجحة ومنخفضة التكلفة قلَّدتها عشرات المشاريع. وصارت هناك أصول عملات مشفَّرة تتضمن وظيفتها الأساسية الحوكمة، مثل: زيرو إكس (ZRX) وميكر (MKR) وديكريد (DCR) وديفينيتي (DFN). فضلاً عن أنَّ هناك مشروعات عملات مشفَّرة مثل أرغون تضيف الحوكمة من خلال تمكين حاملي التوكن من التصويت على القرارات المهمة باستخدام تطبيق لامركزي. حتى الآن، كانت نسبة المشاركة في الحوكمة عبر سلسلة البلوكتشين منخفضة بالنسبة لمشروعات العملات المشفَّرة؛ مما يدل على أنَّ لامبالاة الناخبين مشكلة عامة.
حالة الاستخدام الخامسة: المقتنيات
تمثل التوكنات غير القابلة للاستبدال NFTs أصولاً مشفَّرة فريدة من نوعها: فهي تتكون عادةً من مقتنيات داخل الألعاب، على غرار شخصيات الألعاب واكسسواراتها، أو قطعة أرض أو عقار رقمي في حالة ألعاب الواقع الافتراضي؛ مما يجعل بالإمكان تداول تلك الأصول مع الزملاء من هواة جمع المقتنيات، ويضمن الملكية الكاملة للأصل المُقتنى أيضاً. غير أنَّ ذلك
لا يعني أنَّ التوكنات غير القابلة للاستبدال تتمتع باللامركزية الكاملة؛ إذ إنَّ قيمتها مازالت تعتمد على سُلطة مركزية، كلعبة كريبتوكيتيز Cryptokitties وتشيز ويزاردز Cheeze Wizards على سبيل المثال، تتولى استضافة الصورة المرتبطة بكل توكن والتحكم في العالم الافتراضي التي تعمل من خلاله. بغض النظر، تمثَّل المقتنيات سوقاً عموديةً ناميةً داخل فضاء العملات المشفَّرة، ومن المرجح أن تصبح التوكنات القابلة للاستبدال مدمجةً بعمق في الرياضات الإلكترونية والواقع الافتراضي على مدار الأعوام القادمة.
تطبيقات متطورة لأصول العملات المشفَّرة
إنَّ العملات المشفَّرة لا تزال تقنيةً حديثة العهد، وبالتالي فإنَّ العديد من حالات الاستخدام المتصورة لها لم تتجسد كلياً بعد. يرجع هذا في الغالب إلى أنَّ البنية التحتية الخاصة بها لا تزال قيد الإنشاء، ومازال يتعين على توكنات الأوراق المالية والتوكنات المختلطة والمشتقات المالية والسلع المشفَّرة وعملات الخصوصية والعملات المستقرة وتوكنات العمل وتوكنات الخصومات وغيرها كثير أن تثبت نفسها، وإن كان من المرجح أن تحصل على نقطة انطلاق
مع تزايد تبني العملات المشفَّرة ونضوج النظام الإيكولوجي.
من عملة احتياطي وطني إلى ختم الوثائق بالتوقيت، تواصل البتكوين البرهنة على تعددية استخداماتها. لعل إحدى أفضل مزايا الشبكات المفتوحة للجمهور أنَّ بإمكان أي أحد استخدامها كيفما يحلو له، سواءً على مستوى الطبقة الأساسية أم الثانوية أم الثالثة. ولا شك أنَّ مجال العملات المشفَّرة قد أحرز تطورات بالغة على مدى العقد الماضي من الزمن. وبعد 10 أعوام من الآن، سوف تخدم أصول العملات المشفَّرة وظائف لم نتخيلها بعد حتى، ناهيك عن أن نصممها!
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.