تزدهر حالياً تجارة النظير للنظير للبتكوين في زيمبابوي عن طريق منصات تداول العملات المشفرة على الهواتف المحمولة مثل إيكو كاش Ecocash، برغم مجهودات الحكومة الرامية إلى عرقلة العملات المنافسة للعملة المحلية. وبدءاً من الرابع والعشرين من يونيو/حزيران، فإن الدولار الزيمبابوي الجديد (والمعروف سابقاً بالدولار RTGS) هو العملة الوحيدة المعترف بها في النظام الاقتصادي المضطرب للدولة الواقعة في جنوب أفريقيا. ويرى وزير المالية الزيمبابوي ميتولي نوبي في تلك المبادرة فرصة لإعادة الدولرة، وتحقيق مزيد من التحكم والاستقرار. بينما يرى الآخرون أن العملة الجديدة قرار كارثي وتسهل الطريق إلى التضخم الشديد.

دولار RTGS

منذ هجر الدولار الزيمبابوي المتضخم بشدة في عام 2009، فإن بنك الاحتياط الزيمبابوي قرر التحول لتبني سلة عملات دولية في محاولة منه لحفظ توازن الاقتصاد. وفي فبراير/شباط من نفس العام، أعلن محافظ البنك المركزي جون مانغودايا بدء تطبيق استعمال دولار RTGS (وهي اختصار للتسوية الإجمالية في الوقت الحقيقي)، وهو عملة جديدة تم تقديمها كمكافئ بنسبة 1:1 للدولار الاميركي.

ومع أن الهدف من وراء التحرك لتبني دولار التسوية الإجمالية هو حفظ توازن الاقتصاد واستعادة الحكومة للسيطرة على الاقتصاد الزيمبابوي، فلم يتقبل الجميع ذلك التحرك وشككوا في مدى صحته، بل وشككوا في سلامة نية الحكومة من وراء ذلك التحرك.

ولدى المواطنين الزيمبابويين مدخرات معتبرة بالدولار الأميركي، مما جعل تحرك الحكومة ضربة قاصمة لهؤلاء المواطنين، بحسب تصريحات زعيم المعارضة الزيمبابوية نيلسون شاميزا:”السياسة النقدية الجديدة كارثة وستؤثر سلباً على مستوى معيشة المواطنين، وتغرق البلاد في الظلام والحيرة”.

الدولار الزيمبابوي: نسخة جديدة من عملة قديمة

ونظراً لهجر الحكومة لدولار التسوية الإجمالية، فإنه بدءاً من يونيو/حزيران الماضي، فقد تم تقديم نسخة محسنة من الدولار الزيمبابوي، بغرض استبدال وابتلاع دولار التسوية الإجمالية. وفي خطوة جريئة من قبل البنك المركزي والحكومة، فإن التعاملات المحلية الجارية بالدولار الامريكي، والجنيه الإسترليني، والعملات الأخرى قد تم منعها. ويتكون الدولار الزيمبابوي الجديدة من عملات، وأرصدة إلكترونية، ودولار التسوية الإجمالية، وأوراق سندات تم تقديمها لأول مرة في عام 2016.

وفي بيان رسمي في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران، فقد صرح وزير المالية الزيمبابوي قائلاً: “لن تقبل التعاملات المالية الجارية بالجنيه الإسترليني، أو الدولار الأميركي، أو الراند الجنوب أفريقي، أو البولا البتسوانية، أو أي عملة أجنبية أخرى”.

وثارت التكهنات حول الأسباب التي دفعت الحكومة لاتخاذ هذا القرار، إلا إن الإجماع العام بين الاقتصاديين المحليين أن ذلك التحرك يهدف لمنع إعادة دولرة الاقتصاد، ووصل الأمر بالبعض إلى ادعاء أن الأمر برمته له أسباب سياسية ووراءه أسباب أخرى. ولم يكن الدولار الأميركي والعملات الأجنبية هي الوحيدة المتأثرة بتلك الإعادة، إذ ازداد الطلب على البتكوين والعملات المشفرة الأخرى (والتي تم تجريمها قانونياً في عام 2017) بسبب السياسات الجديدة.

التجارة في البتكوين تبقى في نطاق النظير للنظير، لتسييل الدولارات

ورغم أن تسوية أي تعاملات محلية بأي عملة غير الدولار الزيمبابوي غير قانوني، فإن منصات تداول النظير للنظير للعملات المتنافسة لا تزال متاحة بفضل منصات التداول ذات الشعبية مثل المنصة الزيمبابوية إيكو كاش وموقع localbitcoins.com. .

وتناولت عدة وسائل إخبارية محلية الأنباء الخاصة بأن سعر عملة البتكوين تجاوز 75 ألف دولار أميركي في زيمبابوي في وقت مبكر من هذا الشهر على منصة التداول الشعبية localbitcoins.com. وبينما وصلت الأسعار إلى ذلك المستوى لمرتين، فإن تلك الظاهرة عكست القيمة المحلية المتدهورة للدولار الأميركي. ومع ذلك، ومع غياب منصات التداول القانونية، فستظل قيمة الدولار الأميركي في السوق السوداء مرتفعة.

وبحسب إحدى وكالات الأنباء المحلية، فقد لوحظت محاولات البعض لتسييل الدولار الأميركي، مستغلين قنوات مثل باي بال Paypal ووسترن يونيون Western Union، في محاولة من الزمبابويين للمحافظة على قيمة مدخراتهم في وسط التقلبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

وفي الوقت الحالي، وعملياً، فهناك اقتصادان: لا يزال الأول منهما مرتبطاً بالدولار الأميركي باعتباره عملة الاحتياط العالمية، والثاني خاص بالدولار الزيمبابوي الجديد. وبرغم انتشار الأسواق السوداء حول العالم، فإن وجودها في سياق وضع اقتصادي مترد كمثل الذي تعاني منه زيمبابوي، له تأثيرات أعمق بكثير.

اقتصادان جنباً لجنب

قبيل تجدد ظهور الدولار الزيمبابوي (أو الزيمدولار) ودولار التسوية الإجمالية، أعلنت الحكومة عن نظام قائم على أوراق السندات والعملات في عام 2016، وكان من المفترض لذلك النظام أن يكون مرتبطاً بالدولار الأميركي. فشل ذلك النظام لأن البطالة وقلة الصادرات وقلة حجم النقد الورقي في البلاد قد خلقا ظروفاً مواتية لظهور سوق سوداء مربحة يحتفظ فيها الدولار الأميركي بقيمة أعلى من الأصول المربوطة به.

وأبدى عدد من الاقتصاديين والمقيمين في زيمبابوي تشككهم تجاه السياسة المالية الجديدة، وأرجعوا سبب تشككهم إلى أن مجرد تغيير اسم العملة لن يحدث فارقاً ولا يشكل تقدماً على الصعيد الاقتصادي. إذ يبلغ سعر علبة البيتزا نصف راتب المدرس الحكومي. بينما وصل الأمر بالبعض إلى القول إن قرار نوبي الأحادي غير قانوني. وبحسب تصريح المحامي المقيم في هراري، جودفري موبانغا: “تعديل تشريع رئيسي هو فعل يندرج تحت سلطة صناعة القوانين، وتلك السلطة لا يجب أن يمارسها إلا البرلمان”.

وقد يخلق ذلك التحرك المفاجئ من جانب الحكومة الهادفة لخلق اقتصاد اصطناعي غير مرتبط بمؤشرات التسعير الطبيعية مخاطر إضافية. وتشكل الشعبية المتنامية للأسواق السوداء والرمادية، بالإضافة إلى محاولات التسييل عن طريق منصات الدفع الإلكترونية، دليلاً على تلك الأزمة.

سحب العملات الأجنبية، التوجه العالمي نحو التسييل

في الوقت الحالي، في استطاعة الأفراد سحب مبلغ أقصاه ألف دولار أميركي في اليوم نقداً من الحسابات الأجنبية في البلاد. ويجب على الشركات أن تطلب إذناً خاصاً إذا رغبت في فعل ذلك. وبحسب مانغودايا، ففي حوزة الأفراد والشركات ما يقرب من 1.3 مليار دولار أميركي في تلك الحسابات الأجنبية.

وبينما يتم ملء فراغات التسييل باستخدام عملات بديلة والأسواق حول العالم، فإن الحكومات وبنوكها المركزية تحاول بشكل منفرد تنظيم الاقتصاد في محاولة منها للتغلب على المصاعب المالية. ومع توقع عدد من علماء الاقتصاد أن الدولار الزيمبابوي الجديد سوف يفشل، فإن البعض يصر أن ديون الدولار الأميركي يمكن الوفاء بها. إلا أن المشكلة تكمن في اختيار السوق الذي سيتحدد على أساسه سعر الصرف.

ودفعت السياسات الجديدة الخاصة بزيمبابوي الكثيرين إلى ضمان قيمة مدخراتهم بعيداً عن القنوات الرسمية. على مستوى العالم، فإن تحركات مشابهة تستمر في النمو مع محاولة حكومات عديدة لتحرير اقتصادها من الدولار الأميركي. ولا يختلف الأمر في حالة عدد من الدول المتقدمة اقتصادياً، إذ يحاول المواطنون في تلك الدول حماية مدخراتهم من خلال العملات المشفرة والنقد الأجنبي. وتبدو تلك الحركة العالمية نحو التسييل ظاهرة بوضوح في حالة زيمبابوي، برغم محاولات الحكومة تقييدها.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.