لقد كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب مؤخراً في نزاع دائم مع مجتمع البتكوين (BTC)؛ ولعل السبب في ذلك لا يرجع إلى “عاصفة التغريدات” المحتدمة المناهضة للعملات المشفَّرة التي نشرها عبر حسابه على موقع تويتر Twitter فحسب، بل أيضاً للسياسات الاقتصادية والمالية التي يرغب بفرضها على الولايات المتحدة. 

يرى الرئيس ترمب أنَّ من مصلحة مجلس الاحتياطي الفيدرالي Fed، ويجدر ذكر أنَّه يُعد مؤسسة مستقلة عن الحكومة، تخفيض أسعار الفائدة والشروع في تطبيق سياسات التضخم. 

وفي حين أنَّ الرئيس ترمب يعتقد أنَّ هذا سوف يساعده على الفوز بالانتخابات القادمة وتعزيز الاقتصاد الأميركي، هناك كثيرون يرون ذلك بمثابة إشارة واضحة كالشمس إلى أنَّ عليهم شراء البتكوين… والذهب أيضاً من باب الاحتياط. 

الرئيس ترمب يريد أسعار فائدة مخفضَّة 

منذ أن حدث الركود العظيم في عام 2008، وأسعار الفائدة أقل من أي وقت مضى. ولمن ليس ضليعاً في أساسيات الاقتصاد الكلي، أسعار الفائدة المخفضَّة هي إحدى سياسات التضخم: فهي توفّر ما يُسمى بالنقود “الرخيصة” أو “السهلة”، مما ينتج منه اقتراض المستهلكين لمزيد من الأموال، وبالتالي زيادة مقدار المال. 

غير أنَّ مجلس الاحتياطي الفيدرالي حاول التقليل من تلك السياسات على مدار الأعوام الأخيرة: أفضل مثال على ذلك هو الهبوط الحاد لمؤشرات سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة الذي حدث في شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 2018، الذي حققت خلاله عدد من شركات التكنولوجيا ذات رأس المال الضخم خسائر فاقت 20% كنتيجة للتوقعات بحدوث زيادات حادة في أسعار الفائدة. 

لأسباب جلية، لم يكن الرئيس ترمب مسروراً للغاية بالنمو المقترح في أسعار الفائدة، مما دفعه إلى انتقاد جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. الغريب أنَّ مجلس الاحتياطي الفيدرالي أذعن، وأوقف الزيادة الحادة في أسعار الفائدة مؤقتاً. ولكن بعد مرور ستة أشهر على هذه الهزيمة، يبدو أنَّ الرئيس ترمب مازال غير راضٍ تماماً، فقط ألقوا نظرة على ما كتبه في التغريدة أدناه. 

ما يريده الرئيس ترمب هو أسعار فائدة مخفضَّة، ومزيد من الإنفاق؛ وبالتالي تحسَّن أرقام الاقتصاد وتحقيق المزيد من النمو لسوق الأوراق المالية. 

سوف يتكلف مجلس الاحتياطي الفيدرالي تكلفةً أكبر بكثير لخفض أسعار الفائدة أكثر من ذلك في حال تراجع الاقتصاد فعلاً في المستقبل! في حين أنَّ التكلفة ستكون بسيطة للغاية، بل ومثمرةً في الواقع، إذا ما تحرك الآن. سبق أن رفع المجلس سعر الفائدة وضيق الخناق أكثر وأسرع مما ينبغي. بعبارة أخرى، فاتتهم الفرصة (كلياً!)، ولا يجب أن تفوتهم مرة أخرى!

هذا ليس كل ما في الأمر: فقد أفادت قناة سي إن بي سي الأميركية CNBC في تقرير لها أنَّه في ما يتعلق بخفض أسعار الفائدة، فإنَّ الرئيس ترمب يبحث حالياً أيضاً إمكانية الخفض الكاذب لقيمة الدولار الأميركي في مقابل العملات الأجنبية، وهو تكنيك اتهم البعض الصين باللجوء إليه. 

كل ذلك، من وجهة نظر بعض الاقتصاديين والمستثمرين في العملات المشفَّرة، يُعد خبراً يدعو للتفاءل كلياً بالنسبة للبتكوين وغيره من الأصول الرقمية غير السيادية اللامركزية. 

بحسب التفسير الذي أدلى به مؤخراً ترافيس كلينغ، وهو متعصب سابق لبورصة وول ستريت Wall Street تحوَّل بعد ذلك إلى التعصَّب للبتكوين، فإنَّ تخفيض أسعار الفائدة “خبر يدعو للتفاءل دون خجل بالنسبة لمخزن رقمي للقيمة يتسم بأنَّه غير سيادي والمعروض منه يبلغ الحد الأقصى للقيمة السوقية وعالمي ولا يتغير ولا مركزي” (يقصد بذلك البتكوين). 

لماذا يُعد ذلك خبراً يدعو للتفاؤل للبتكوين

تُعد أسعار الفائدة المخفَّضة، التي تصحبها عمليات السوق المفتوحة OMOs (وهي عندما تشتري البنوك المركزية الأوراق المالية الحكومية من السوق المفتوحة)، من سياسات التضخم. صحيح أنَّ أرقام التضخم الأساسية، كما هو موضح بمؤشر أسعار المستهلك CPI ومؤشر أسعار التجزئة، مازالت منخفضة، إذ تبلغ نحو 2% تقريباً، إلا أنَّ عمليات السوق المفتوحة، وتُعرف أحياناً باسم التيسير الكمي، بالإضافة إلى أسعار الفائدة المخفَّضة، قد أسفرت عن فقاعة أصول مدعومة بأسعار فائدة مخفَّضة. 

ولكن كما ذكرنا سابقاً، فإنَّ أسعار الفائدة المخفَّضة تؤدي عادةً إلى حدوث تضخم بمرور الوقت. وبالتالي، فلربما يُكلَّف مجلس الاحتياطي الفيدرالي قريباً برفع أسعار الفائدة بمعدل حاد لوقف التضخم، مما سوف يؤدي إلى انهيار سوق الأوراق المالية. 

أمَّا البتكوين، فلا تفيد شركات تحليل الأسواق بأنَّ لا صلة له بالأصول التقليدية فحسب، مما يعني أنَّه يمكن أن يكون آمناً في حال حدوث ركود، بل وأيضاً العملات المشفَّرة لا تخضع  للتضخم من جانب أي سلطة مركزية. 

بدأ المستثمرون البارزون والشخصيات الإعلامية والاقتصاديون يعترفون بهذا: فبحسب تقرير نشره موقع بلوكونومي Blockonomi من قبل، كان تشامات باليهابيتيا، أحد المديرين السابقين لدى شركة فيسبوك، قد أدلى بتصريح لقناة سي إن بي سي قال فيه إنَّ البتكوين هو أمثل تحوَّط “من البنية التحتية المالية التقليدية”، وتابع شارحاً أنَّه في حال أصبحت السياسة المالية أو النقدية متداعية، مثلما يمكن القول إنَّه حالها الآن، فإنَّ امتلاك البتكوين يُعد بمثابة “تأمين لحفظ ماء الوجه يخبئه المرء تحت مرتبة فراشه”، على حد تعبيره. 

بينما كتب تايلر كوين، وهو اقتصادي يكتب باستمرار لصالح عمود المقالات الافتتاحية لدى مجلة بلومبرغ Bloomberg، مقالاً في الآونة الأخيرة فصَّل فيه أربعة أسباب تجعله يعتقد أنَّ البتكوين سوف يحقق النجاح. وقد أشار عدد من تلك الأسباب إلى جدوى البتكوين للتحوَّط من الشعبوية والاضطرابات الجيوسياسية. 

أيضاً، ومع أنَّ المستثمر في صناديق التحوًّط المعروف راي داليو ليس من المتحمسين للبتكوين، فقد ذكر أنَّ الآن يُعد وقتاً مناسباً للبدء باكتناز الذهب كنتيجة للسياسات التي يتبعها البنك المركزي الأميركي. وبطبيعة الحال، فقد اعتبر كثيرون البتكوين خليفةً ذلك المعدن النفيس.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.