أحببتها، أو كرهتها أو خشيتها، لا سبيل لتجنب التيثر (USDT). إذ تلقي بظلالها على الاقتصاد المشفر، وتتيح ملاذاً آمناً في أوقات عدم الاستقرار، وتوفر تدفق رأس المال النقدي وتقوم بدور مانع الصواعق لنقاد العملات المشفرة الذين يؤمنون أنها تدعم سعر البتكوين (BTC). وعلى مدار العام الماضي 2018، دخلت موجة من العملات المستقرة الجديدة إلى السوق، تتنافس كل واحدة منها للإطاحة بالتيثر وتوفير بديلاً أكثر شفافية ومراجع بالكامل. وحتى الآن، بالكاد تركت أثراً في هيمنة التيثر.

رغم وجود سلسلة من المتنافسين، لا تستطيع العملات المستقرة الإطاحة بالتيثر

لقد أثارت العملات المستقرة قدراً أقل من الانتباه هذا العام 2019 لأن أسواق العملات المشفرة المعاد تنشيطها لم تترك للمتداولين أسباباً كافية للاعتماد عليها. وفي العام الماضي 2018، كان الجميع يصدر عملات مستقرة جديدة، ولكن هذا الاتجاه تباطأ بشدة. وفي 3 يوليو/تموز، دخلت بالفعل عملة مستقرة جديدة المعركة، رغم أنها ليس لديها أي خطط لإزاحة التيثر. توكن العناية الوردية (PCAT) هو عملة مستقرة صدرت كجزء من المبادرة التي تتصدرها بينانس Binance لإتاحة منتجات النظافة الصحية النسائية للنساء الأوغنديات.

ومن منظور خيري، يبدو المشروع، الذي يحظى بدعم 46 شركة عملات مشفرة، حسن النية ويدل على مدى التقدم الذي أحرزته العملات المستقرة وصناعة العملات المشفرة بوجه عام. فالخصائص نفسها التي تتيح للمتبرعين تتبع أموال مبادرة بينانس الخيرية يتم استخدامها في متابعة تحركات العملات المستقرة في أنحاء النظام الإيكولوجي للعملات المشفرة، وترسم صورة لسوق تميل بشدة لصالح التيثر.

وحتى عندما يكون عالم العملات المشفرة هادئاً نسبياً، تستحوذ العملات المستقرة على جزء كبير من حجم التداول. أو بالأحرى تقوم بذلك التيثر. وتكاد لا تظهر بقية العملات. ورغم أن التيثر هي أكبر ثامن أصل مشفر حسب القيمة السوقية، إلا أنها تستأثر بثاني أكبر حجم للتداول بعد البتكوين، إذ يتم تداول 35 مليار دولار في المتوسط في اليوم الواحد. وتستحوذ ثاني أكبر منافسة، كوين الدولار الأميركي (USDC)، على عُشر حجم التيثر وحسب.

صعود وهبوط الجيميني دولار (GUSD)

وكانت إحدى أكثر الخسائر غرابة في حروب العملات المستقرة من نصيب الجيميني دولار. ففي ذروتها، وقفت القيمة السوقية للعملة المستقرة الدعومة بالعملة النقدية عند 103 مليون دولار، ولكن اليوم انخفضت إلى 12.5 مليون دولار فقط. واتبعت عملات مستقرة رائدة أخرى مساراً مشابهاً، مع تقلص العدد الإجمالي لتوكنات الباكسوس ستاندرد (PAX) والستيبل يو إس دي (USDS) وكوين الدولار الأميركي في حركة التداول هذا العام 2019. والعملة المستقرة الرائدة الوحيدة التي زادت قيمتها السوقية هي التيثر، والتي وصلت الآن إلى ما يقرب من 4 مليار دولار.

ويتابع حساب @usdcoinprinter على تويتر Twitter إصدار العملات المستقرة، ولكن حتى الآن هناك توكن واحد فقط يجري صكه، والأكثر من ذلك أنه يجري صكه بأعداد كبيرة. ولوضع هذا في سياقه، تصدر التيثر دوماً عشرة أضعاف القيمة السوقية بالكامل لمنافستها الأقرب في المرة الواحدة. وتمثل التيثر للعملات المستقرة ما تمثله البتكوين للعملات البديلة، ولكن بينما تقف هيمنة البتكوين عند 62 بالمئة، تستحوذ التيثر على 98 بالمئة من حجم جميع العملات المستقرة. وأمام المتداولين بدائل صالحة تماماً للتيثر، ولكن حتى الآن لم يروا الحكمة من التغيير أو الحاجة إليه. ومع عدم مغادرة الغالبية العظمى من جميع العملات المستقرة منصات التداول التي تتداول عليها، لا يوجد فرق كبير بالنسبة للمستثمرين أي التوكنات المربوطة بالدولار محددة القيمة يستخدمونها.

جدل التيثر الذي لا ينتهي

وإن كنت ستصدق أن التيثر تدعم ارتفاع سعر البتكوين الأخير فذلك يتوقف على من تتحدث إليه. فبعض المعلقين، مثل ديفيد جيرارد الذي يظن أن عالم العملات المشفرة بأكمله عبارة عن عملية احتيال ضخمة ومع ذلك لا يستطيع مقاومة كتابة التقارير عنه، يرى أن التيثر عملية تلاعب بالأسواق. ويوافقه بعض النقاد الآخرين سيئي السمعة مثل نورييل روبيني. وعلى الجانب الآخر من الانقسام، هناك أصوات أكثر تفاؤلاً مثل جيسي باول مؤسس منصة كراكن Kraken، الذي لا يؤيد هذه النظرية.

إذ علق باول قائلاً: “ليس لدي معرفة وثيقة بما يحدث في التيثر، ولكن يمكنني أن أقول لك إنه عادة عندما ترى نمواً في إمداد التيثر، نرى زيادة في توافد إمداد الدولار الأميركي إلى منصة كراكن. وستقول لك منصات التداول الأخرى الشيء نفسه”.

وبعبارة أخرى، الارتباط لا يساوي السببية. وأكد الرئيس التنفيذي لمنصة كراكن: “توجد أيام ترى فيها ارتفاع السعر بنسبة 10 بالمئة في اليوم. ويمكنك المراهنة على أن جميع منصات التداول تستقبل من خمسين إلى مائة ألف مستخدم في اليوم. وهذا ما يدفع السعر عالياً. يتعلق الأمر بمطالب بيع التجزئة الضخمة واهتمام جميع وسائل الإعلام بها، وليس بالتيثر”.

أصول مشفرة مدعومة بالإيمان

ويمكن أن نعزي زيادة الاهتمام بالبتكوين إلى سلسلة من الأحداث الاقتصادية الاجتماعية، بما في ذلك تصاعد الحروب التجارية والعقوبات الاقتصادية. فقد ازداد الطلب على البتكوين بإيران عندما سعت الولايات المتحدة إلى قطع تدفقات رؤوس الأموال من خلال تشديد العقوبات. وفي الوقت نفسه، تصعب الضوابط على رأس المال بالصين على الأثرياء إخراج أموالهم خارج الدولة، والبتكوين هي إحدى الوسائل القليلة التي يمكن فعل ذلك من خلالها بفعالية. ومن ناحية أخرى، كانت هناك ردة فعل بالولايات المتحدة ضد فاحشي الثراء، وينادى السياسيون الشعبويون من اليسار بفرض ضرائب عالية على الأثرياء. وتعد البتكوين ملاذاً للناس الذين يؤمنون بأنهم يخاطرون بتخفيض ثرواتهم بشكل جذري بسبب الضرائب العقابية.

ويبدو أن الجميع يتفق على شيء واحد وهو أن ارتفاع سعر البتكوين الأخير لم يكن مدفوعاً ببيع التجزئة: إذ تظهر بيانات موقع غوغل تريندز Google Trends أن الرغبة في شراء البتكوين ما تزال منخفضة، مما يضيف ثقلاً إلى فكرة أن هناك قوى أكبر تلعب دوراً في الأمر، وأن الاتجاهات الكلية العالمية هي التي تحرك الأمور وليس بيع التجزئة النابع من الخوف من تفويت الفرص (FOMO). وبمعنى آخر، ليس للتيثر علاقة بالأمر إلا بقدر ضئيل.

وبغض النظر عن ما يدعم ارتفاع اقتصاد العملات المشفرة في الوقت الراهن، فإن جميع الأصول، من البتكوين إلى الدولار الأميركي، مدعومة بالإيمان الجمعي. وما دام الناس يؤمنون بأن التيثر الواحدة تساوي دولاراً واحداً، وأن الدولار الواحد له قيمة قوة شرائية متفق عليها، ستظل التيثر محتفظة بربطها وهيمنتها شبه الكاملة على سوق العملات المستقرة.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.