كتب إيريك وول وهو مهندس برمجيات وتاجر عملات مشفرة من السويد، ويحمل إيريك درجة الماجستير في تقنية المعلومات وهندسة تكنولوجيات الاتصال من جامعة لوند، حيث تخصص في تكنولوجيا البلوكتشين.

يستخدم فيسبوك ثغرة قانونية وتكنولوجية صنعتها صناعة العملات المشفرة والتي ستسمح للعملة المشفرا ليبرا المعلن عنها أن تصبح جزءاً من اقتصاد السوق الأسود وأن تمتثل في نفس الوقت لقواعد الهيئات المالية التقليدية.

(لا تستخدم كلمة اقتصاد السوق السوداء هنا بشكل سلبي. إذ يرى كاتب المقال أن الحق في الحصول على الخدمات المالية هو حق عالمي، لأن السماح بوجود مراقبين يخلق أدوات تستخدم في الأغلب لقمع الآخرين بدلاً من حمايتهم من أصحاب النوايا السيئة. تكمن مشكلة ليبرا في كونها جزء من المخططات الرأسمالية لفيسبوك لمراقبة السوق. يناصر كاتب المقالة حقوق الخصوصية، ويقضي وقت فراغه في كتابة إرشادات متعلقة بالخصوصية والعملات المشفرة لصالح مؤسسة حقوق الإنسان Human Rights Foundation.)

كيفية عمل الثغرة

تعمل الثغرة عن طريق اتباع الإرشادات التي صاغتها صناعة العملات المشفرة. وتنشأ هذه الثغرة في الفجوات الموجودة بين عدة لاعبين رئيسيين:

· منصات تداول العملات المشفرة (التي تحول العملات النقدية من/إلى العملات المشفرة) حيث يمكنك أن تبيع وتشتري البتكوين (BTC) بالدولار الأميركي.

· البنوك، التي توفر حسابات بنكية لمنصات التداول.

· المشرعين المعنيين بوضع قوانين معرفة العملاء ومكافحة غسل الأموال.

· شركات تحليل البلوكتشين المعنية بمراقبة تعاملات العملات المشفرة للتعرف على الأنشطة المشبوهة.

· مستخدمي البتكوين الذي يقومون ببيع وشراء العملات المشفرة في منصات التداول ثم يقومون بتوزيعها داخل النظام الإيكولوجي للبتكوين. 

ويكمن أساس الاستغلال في المزج بين الهوية المستعارة لتشفير المفاتيح العامة للبتكوين مع الشفافية الخاصة ببلوكتشين البتكوين. وتمد تلك الشفافية المستخدمين بالقدرة على مراقبة نظام البتكوين وإنتاج تقارير تعالج كل النقاط الخاصة بالمعايير التنظيمية. إلا أن ذلك التشفير يسمح لأي شخص يملك حاسباً آلياً بالاحتيال على طرق المراقبة تلك إذا لزم الأمر.

ففي عالم الرقابة المالية، فإن المراقبين يعلمون أنهم لن يلقوا القبض على كل الأشخاص السيئين، ويكتفون بإظهار القدرة على تحليل عينة ممثلة من التعاملات على منصتك ومدك بالقدرة على حظر هيئات بعينها وتزويدك بقائمة محدثة باستمرار للهيئات المحظورة. ونظراً لأن معظم الأنشطة على نظام البتكوين (نسبة 89.7% منها) يقوم بها مضاربين غير مهتمين بالتحايل على وسائل المراقبة، فإن البيانات التي ستنتجها شركات تحليل البلوكتشين لعملائها ستكون دقيقة بشكل مغري.

الفشل الأساسي لتلك المقاربة المبنية على الأرقام هي عجزها عن فهم الإمكانية الدفينة في التصميم بناءاً على الأسماء المستعارة لتفادي المراقبة إذا لزم الأمر.

ومن أجل فهم الأمر بشكل أفضل، لنفترض أن الحكومة ترغب في مراقبة الطابعات ثلاثية الأبعاد لمنع الأشخاص من طباعة أسلحة نارية في منازلهم. لضمان ألا تستخدم الطابعات ثلاثية الأبعاد لهذه الأغراض، فإن كل طابعة ثلاثية الأبعاد ستزود بكاميرا ويب وضعتها الحكومة. بمجرد حدوث ذلك، ستظهر مواقع إلكترونية تعرض خدمة تعديل طابعتك ثلاثية الأبعاد لكي تنتج فيديوهات ثابتة لتخفي أنشطتك.

لنفترض أن 98% من مالكي الطابعات ثلاثية الأبعاد لا يرغبون في طباعة أسلحة نارية أو التلاعب في بث الفيديو الخاص بالكاميرا، ولذلك لن يتلاعبوا بها. إذا كانت الحكومة شركة تحليل بلوكتشين، فإنها ستنتج رسوماً بيانية مرفقة بتقارير تفصيلية توضح نجاحها في مراقبة 98% من كل أنشطة الطابعات ثلاثية الأبعاد، وأن نظام الطابعات ثلاثية الأبعاد هو أحد أكثر الأنظمة شفافية في العالم وأن البلاد في مأمن من مساعي البعض لطباعة أسلحة نارية.

المثال السابق يوضح الطريقة التي تعمل بها نظم مراقبة البتكوين اليوم. من الممكن تقنين أوضاع منصات التداول التي تحول العملات النقدية من وإلى العملات المشفرة، إلا أن عملات البتكوين نفسها يمكن أن تنساب بين الثغرات. يعد ذلك صفقة رائعة للبتكوين، لأنها تعني إمكانية التداول فيها في أوساط مقننة وخدمة السوق العالمي، وأنها يمكنها في نفس الوقت أن تصبح في يد أي شخص على الكوكب. المزج بين الشفافية والغموض هو الوضع الأمثل الذي تسعى أي عملة رقمية إلى الوصول إليه لكي تحقق انتشاراً عالمياً.

وفي حالة ليبرا، فإن فيسبوك استنسخت هاتين الخاصيتين عن عمد، بحسب تصريحات ديفيد ماركوس، نائب رئيس تطبيقات التراسل في فيسبوك، والمعجب بعملة البتكوين، والذي كان حتّى وقت قريب عضواً في مجلس إدارة أحد أكبر منصات تداول العملات المشفرة في الولايات المتحدة: كوين بيس Coinbase.

لِمَ تقوم فيسبوك بذلك

السبب وراء قيام فيسبوك بذلك هو اعتقادها بإمكانية نجاح تلك الخطة. وإذا نجحت، فإنها تزيل من على عاتقها عبئاً هائلاً من المسؤوليات التنظيمية (سياسة معرفة العملاء، قوانين مكافحة غسيل الأموال) والخاصة بتشغيل وإدارة منصات تداول العملات المشفرة وتضعها على عاتق منصات تداول العملات المشفرة والتي سيتم تداول عملة ليبرا عليها. إذ تعطي فيسبوك للناس فرصة الوصول إلى ليبرا بسهولة، بنفس سهولة الوصول إلى البتكوين في الأعوام العشرة الماضية. في حقيقة الأمر، فإن إتاحة الفرصة لأي شخص لكي يدير منصة تداول لعملة ليبرا سيزيد احتمالية أن يقوم المتداولين بمحاولة تجنب قوانين معرفة العملاء ومكافحة غسل الأموال، مما سيعزز من انتشار ليبرا حول العالم.

كانت العديد من منصات تداول العملات المشفرة تعمل بدون ترخيص وبدون وجود أي مراقبة قانونية، ولا يزال بعضها يعمل بدون تلك القواعد حتى اليوم. وبمجرد أن تغلق إحدى تلك المنصات أو تتجه لتطبيق قوانين معرفة العميل ومكافحة غسيل الأموال، فإن منصة بديلة لا تطبق تلك القوانين تظهر إلى الوجود، وفي أوقات كثيرة فإن مديري تلك المنصات لا يعرفون أنهم يخرقون أي قوانين بإدارتهم لها. وفي أوقات أخرى، فإن المشرعين أنفسهم في تلك البقعة الجغرافية لا يعلمون أن ثمة قوانين قد تم خرقها.

إذ سمحت منصة لوكال بتكوينز LocalBitcoins للأشخاص بأن يتقابلوا وجهاً لوجه وأن يتاجروا في العملات المشفرة مقابل أظرف مالية دون الحاجة إلى تقديم إثباتات للهوية لمدة 7 سنوات، قبل أن تضطر تلك المنصة إلى وضع اشتراط متعلق بتقديم إثبات للهوية في وقت سابق من شهر يونيو/حزيران.

إلا أن تلك الثغرة لم تتم معالجتها بشكل كامل بعد، فمنصات مثل بيسك Bisq وهودل هودل Hodl Hodl تمكنان الأشخاص من مراوغة تلك العراقيل الرقابية. فبحسب منشور هودل هودل على مدونتها بعد إغلاق الشركة في إيران:

“يكمن الاختلاف الأساسي بين هودل هودل وباقي منصات تداول العملات المشفرة القائمة على نظام النظير إلى النظير أننا لا نحتجز أرصدة عملائنا وليس لدينا قوانين متعلقة بسياسة معرفة العملاء أو مكافحة غسل الأموال. كما أن هودل هودل أقل تكلفة من معظم منصات تداول النظير إلى النظير، إذ تبلغ أقصى قيمة لرسومها 0.6% لكل عملية تداول”.

وبذلك، وعن طريق مزج الغموض الخاص بالأسماء المستعارة بالشفافية في داخل بلوكتشين ليبرا، فإن فيسبوك يأمل أن يحقق التوازن المنشود بين الامتثال للقوانين التنظيمية وبين قوانين المضاربة، من أجل السماح لليبرا بالانتشار حول العالم مثل النار في الهشيم وأن تتلقى الشركات الأخرى الضربات بدلاً منها. ولا يوجد ما يعيق انتشارها، فعائلة تطبيقات فيسبوك (المكونة من فيسبوك، وماسنجر Messenger، وواتساب Whatsapp، وإنستغرام Instagram) يستخدمها قبالة 2.5 مليار شخص. ونظراً لأن الليبرا ستكون مدعومة بسلة عملات وطنية وسندات حكومية، فإنها ستصبح بديلاً أكثر استقراراً لأي عملة أخرى موجودة في العالم في الوقت الحالي، باستثناء العملة التي يوفرها بنك الاحتياطي الفيدرالي.

خدعة التجارة الإلكترونية

كتب تيد ليفينغسون مقالة رائعة عن الطموحات بعيدة المدى لكل ذلك، والذي يدعوه بـ “كتيب إرشادات وي تشات” Wechat. بشكل أساسي، فإن السيناريو الأكثر قابلية للتصديق هو أنه بمجرد شرائك لليبرا بعملتك النقدية، فإن فيسبوك ستفعل كل ما بوسعها لضمان ألا تخرج أموالك من عائلة تطبيقاتها. إذ سيعرضون عليك إمكانية دفع كل شيء: إرسال أموال إلى الأصدقاء، والتسوق على الإنترنت، والدفع في المتاجر الحقيقية، ودفع الفواتير، ودفع تذاكر الطيران وتذاكر الحافلات، نهاية بإعطاء الصدقات إلى الشحاذين في الشارع.

وسيبدي النقاد اعتراضهم أن ليبرا ستتحول إلى أداة تمكن فيسبوك من جمع المزيد من البيانات عن مستخدميها، وسترد فيسبوك بأنها لا تملك أي وسيلة خاصة للتحكم أو بمراقبة بلوكتشين ليبرا، لأنها واحدة من ضمن 100 عقدة توثيق في اتحاد ليبرا. ويعد ذلك صحيحاً إلى حد كبير، لذا فمن الأفضل أن توفر على نفسك بعض الوقت وألا تقع في فخ هذه الحجة.

إلا أن ذلك لا يعني أن فيسبوك لن تقدر على جمع بيانات المشتريات التي تجري بداخل نظامها الإيكولوجي. إذ بدأت فيسبوك بعمل ذلك بإصدارها إمكانية الشراء من داخل التطبيق على إنستغرام (أي إمكانية الشراء من علامات تجارية معينة دون الحاجة إلى ترك التطبيق)، بالإضافة إلى سوق فيسبوك. إن كنت تنوي أن تجعل من ليبرا عملتك المفضلة، وهي عملة تسكن بداخل عائلة تطبيقات فيسبوك، فإن معدل تحول الإعلانات التي يظهرها فيسبوك لك إلى مشتريات سيزيد بشكل معتبر. فمع تواجد خاصية الشراء بنقرة واحدة، فإن الشركات المعلنة ستصبح على بعد نقرة واحدة من أموالك، ومن المستفيد من ذلك، بجانب الشركة المعلنة؟ إنها الشركة التي توفر المساحة الإعلانية!

بالإضافة إلى أن داعمي ليبرا سيتمكنون من جني فوائد ضخمة من اتحاد ليبرا والمدعوم بمبالغ ضخمة من المال الخاص بـ “العالم الحقيقي” في الوقت الذي يرسل فيه الجميع توكنات ليبرا على البلوكتشين في السحابة.

الخطة الكبرى لليبرا

ببساطة، فإن الخطة الكبرى لليبرا هي اقتراض بضع صفحات من كتيب إرشادات البتكوين، وبضع صفحات أخرى من كتيب إرشادات وي تشات. وإذا نجحوا، سيتمكن أي شخص حول العالم من الوصول لليبرا وسيتم ترحيل العبء القانوني لتحويل العملات المشفرة من/إلى عملات نقدية على شركات أخرى. ومع وجود شبكة ضخمة من المستخدمين البالغ عددهم 2.5 مليار مستخدم داخل النظام الإيكولوجي لتطبيقات فيسبوك، فإن ليبرا تملك الإمكانية لأن تصبح أكبر شبكة أموال رقمية في التاريخ، حيث يمكن تسجيل كل المشتريات التي تقوم بها، والسلع والخدمات التي يعرضها عليك السوق يومياً، واستغلال أن فيسبوك يعلم عنك أكثر من أي شخص آخر.

ما الذي سيحدث (وما تأثير ذلك على صناعة العملات المشفرة)

في السياقات الأوسع للأمور، فإن نجاح ليبرا قد يكون أكبر دافع لتعويد المستخدمين على فكرة العملات المشفرة. بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لكون ليبرا عملة مستقرة تحت رحمة السياسات النقدية للبنوك المركزية، فإنها لا تمثل خطراً مباشراً على البتكوين. ولذلك، فإن نجاح ليبرا في المجمل يعد أمراً إيجابياً للبتكوين. ومع وضع ذلك في الاعتبار، فإن الردود التنظيمية على ليبرا خلال العام القادم ستكون لها توابع على صناعة البتكوين على المدى القصير. هناك أربع احتمالات لما سيحدث في المستقبل:

السيناريو الأول: عدم إطلاق ليبرا

أن يوقف المشرعون خطط فيسبوك الخاصة بليبرا قبل أن تتبلور، بزعم وجود مشاكل متعلقة بالخصوصية، أو تحفظهم تجاه أن يملك فيسبوك احتياطات نقدية هائلة، أو تخوفهم أن تكون لليبرا آثاراً مزعزعة للاقتصاد. وبذلك يعود كل شيء كما كان.

السيناريو الثاني: إطلاق ليبرا، مع سياسات معرفة العميل

في هذا السيناريو، سيوافق المشرعون على بنية الاحتياطي النقدي، إلا أنهم سيكشفون ما وراء الخطة الكبرى للمزج بين التشفير بأسماء مستعارة وبين الشفافية. من الممكن أن يحاول اتحاد ليبرا أن يرضي المشرعين بأن يقصر دور البلوكتشين على معالجة التعاملات الخاصة بمحافظ خضع أصحابها لكشف الهوية الحكومي، مثل محفظة كاليبرا Calibra الخاصة بفيسبوك. وبينما يعد ذلك احتمالاً واقعياً (ويسهل تنفيذه)، إلا أنه ينفي الغرض من بلوكتشين ليبرا ككل.

في تلك الحالة، فإن صناعة البتكوين ستصبح في ورطة، لأنها تستغل نفس ثغرة التشفير بالأسماء المستعارة مع الشفافية والتي تسمح لها بأن تدرج في السوق المالي.

السيناريو الثالث: إطلاق ليبرا بدون سياسات معرفة العميل (سيناريو جيد للبتكوين)

في هذا السيناريو، فإن ليبرا ستطلق بالتصور الحالي الخاص بها. في الحالة المثالية، فإن ذلك سيعني أنه ليس ثمة خطب في كتيب إرشادات البتكوين ويمكننا أن نكف عن القلق. يمكن لليبرا والبتكوين أن يتنافسا، أو يتكاملا، كلٌ بمزاياه.

السيناريو الرابع: إطلاق ليبرا، بدون سياسات معرفة العميل (سيناريو سئ للبتكوين)

في أسوأ الحالات، فإن المشرعين سيلاحظون ثغرة الأسماء المستعارة والشفافية، إلا أنهم سيلاحظون أن علاقة البتكوين بمسألة الخصوصية مختلفاً كلياً عن علاقة ليبرا بها. ففي حالة البتكوين، فإن مطوري المشروع وداعميه يسعون دائماً إلى استحداث طرق جديدة ومبتكرة لتقليل فعالية شركات تحليل البلوكتشين. ولا وجود لهيئة تسمى بـ “اتحاد البتكوين” يمكن للحكومة أن تفرض قيوداً تنظيمية عليها إن سارت الأمور على غير ما يرام. من الممكن أن تجذب ليبرا الكثير من الأنظار إلى صناعة العملات المشفرة مما سيتسبب في مراجعة القيود التنظيمية لتلك العملات، وقد لا ينجو من تلك الأزمة إلا عملة ليبرا، لكونها أسهل العملات المشفرة التي يمكن مراقبتها والتحكم فيها.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.