كتبت نويل أتشيسون وهي خبيرة مخضرمة في تحليل الشركات وعضوة في فريق إنتاج موقع كوين ديسك CoinDesk. والآراء المذكورة في هذا المقال تخص الكاتبة.

ونشر المقال التالي في النشرة الإخبارية الأسبوعية إنستيتوشنال كريبتو Institutional Crypto التي تصدر للمستثمرين المؤسسيين المهتمين بالأصول المشفرة، وتحتوي على أخبار وآراء عن البنية التحتية للعملات المشفرة.

من المثير للدهشة أن تبدو عملة الليبرا Libra الخاصة بفيسبوك Facebook محتارة في هويتها، نظراً لقدومها من منظمة مرتبطة للغاية بسؤال الهوية (سواء كانت حقيقية أم لا).

واختارت المنظمة أن تعرف الليبرا بأنها “عملة مشفرة عالمية مستقرة”. ولقب “العملة المشفرة” كررته وسائل الإعلام حول العالم. إلا أن الليبرا ليست عملة مشفرة.

لا تخطئ فهمي، نحن الذين في القطاع نقدر الاهتمام العالمي المولى للمبدأ منذ الإعلان.

ولكن في هذه الحالة التعريف يتجاوز الدلالات: إذ أنه سيؤثر في حالات الاستخدام النهائية والمعاملة التنظيمية. وقد يغير أيضاً كيف يرى المستثمرون كل من العملات المستقرة والأوراق المالية القائمة على البلوكتشين في المراحل المقبلة.

ما أهمية الاسم؟

أولاً، دعنا نستعرض لماذا ليست عملة مشفرة؟

وبينما تختلف التعريفات، هناك سمة أساسية للعملات المشفرة وهي مقاومتها للخضوع للرقابة. وليحدث ذلك، يجب أن تكون “لامركزية بما يكفي” لتمنع أي مجموعة من تقرير من يسمح له بإجراء المعاملات. ولا تستوفي الليبرا هذا الشرط بعد، ورغم أن المؤسسة قالت إنها تخطط للانتقال إلى نظام “أكثر لامركزية” بمرور الوقت، إلا أن فعل ذلك (أو عدم فعله) تحت تحكمها بالكامل.

وبالإضافة إلى ذلك، قيمة عملة الليبرا ليست ناشئة عن التكنولوجيا الكامنة وراءها، أو السوق، أو الحسابات، أو أياً ما تختاره لفهم البتكوين (BTC) والأصول المشابهة. فهي تمثيل رقمي لمجموعة من العملات النقدية والأوراق المالية الأخرى.

والشيء المشترك الوحيد بين عملة الليبرا والعملات المشفرة هو أن جميعها تتحرك على البلوكتشين.

إذاً، ما تكون؟ ظاهرياً، هي “عملة مستقرة”، توكن يحتفظ بقيمة مستقرة من خلال الربط بأصول “واقعية” مثل العملات النقدية أو السلع (بعض العملات المستقرة لها آلية تحديد للقيمة خوارزمياً، ولكنها تنتمي لإطار مناقشة مختلف). والقطاع في الوقت الحالي يفيض بمشروعات العملات المستقرة التي تبني حلولاً للمدفوعات والتسويات، ولم تدخل غالبيتها في طور التطبيق بعد. ومن بين المشروعات التي أطلقت، عدد قليل منها بعيداً عن التيثر (USDT) المدعومة بالدولار الأميركي له حجم كبير، غير أن السوق يافعة وما زالت تتحول.

ويكمن الفرق بين الليبرا ونظيراتها من العملات المستقرة في الربط: إذ أنه طبقاً للورقة البيضاء، ستكون مدعمة “بمجموعة من الودائع المصرفية والأوراق المالية الحكومية قصيرة الأجل”. لاحظ استخدام مصطلح “الأوراق المالية”. والأصل المدعم بالأوراق المالية هو أيضاً، بحكم التعريف، ورقة مالية. والليبرا أشبه بصندوق مؤشرات متداول (ETF) أكثر من كونها عملة مستقرة مدعومة بالعملات النقدية.

ويمكننا محاولة الاحتجاج بأن الدين الحكومي قصير الأجل أشبه بالعملة من الورقة المالية. ولكن حتى دون الاستخدام الدلالي للكلمة، ما زال توجه الجهات التنظيمية مع العملات المستقرة غير محدد بعد. وفي مؤتمر Crypto Evolved المقام بنيويورك الشهر الماضي يونيو/حزيران، طُلِب من نائبة مدير هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) إليزابيث بايرد التعليق على العملات المستقرة. وكانت إجابتها صريحة: “أظن أنها أوراق مالية”.

وافترض آخرون أنه حتى العملات المستقرة المدعومة بالعملات النقدية البسيطة نسبياً يمكن وصفها بأنها أدوات مقايضة أو “سندات طلب”، وكلتيهما تعامل كأوراق مالية. وأكدت رئيسة الأصول الرقمية في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، فاليري سوبانيك، في جلسة استماع الأسبوع الماضي أنه لا يهم أن العملة المستقرة “ليس لها توقعات تحقيق أرباح” (ويراعى كما هو معتاد “الحقائق والظروف”).

مدفوعات الأوراق المالية

ولاحظ أننا نتحدث هنا عن عملة الليبرا، لا على توكن الليبرا الاستثماري Libra Investment Token وهي ورقة مالية بكل وضوح. ونحن نتحدث عن التوكن التي تأمل فيسبوك أن تصبح آلية الدفع الفعلية في معظم العالم.

وتستهل الورقة البيضاء بالتالي: “مهمة الليبرا هي إتاحة عملة عالمية بسيطة وبنية تحتية مالية تمكن مليارات من الناس”. وبالتغاضي عن الوصف الطموح بصورة غير واقعية “بسيطة” (حقاً؟؟)، هل يمكننا استخدام الورقة المالية “كعملة”؟

وكانت ممثلات القيمة المدعومة بالأصول عملات من قبل، فكر في الدولار والعملات القومية الأخرى في أيام المعيار الذهبي الماضية. ولكنها كانت مدعومة بسلعة لم تكن تحت تحكم أي كيان ولم يكن لها “جهة إصدار”. ومقترح الليبرا مختلف تماماً.

وبهذا، نبدأ في رؤية سبب الأهمية القصوى للتعريف. وإذا صنفت توكن الليبرا رسمياً أنه ورقة مالية، كما هو مرجح، فحينها سيتضمن استخدامها في إجراء المعاملات “بيع” هذه الورقة المالية، وربح رأسمالي أو خسارة. وبما أننا نتحدث عن عملة مستقرة، من غير المرجح أن تكون حالة الخضوع للضريبة كبيرة. ولكنها ستكون أكبر من الصفر، نظراً لأن القيمة المجمعة لليبرا ستتأرجح نسبةً للعملة التي سيجب تحويل الليبرا لها لإكمال المعاملة (لأنه من غير المرجح أن تصبح الليبرا “وحدة حسابية” تحتسب بها قيمة البضائع المحلية).

وبالطبع، سيظهر برنامج لتخفيف الاحتكاك وحساب ما لدينا على نحو مفيد لإعلانه رسمياً. ولكن الحاجة لفعل ذلك في المطلق ستكون بمثابة عائق كبير. ولا يقتصر الأمر على الإزعاج والتكلفة التي ينطوي عليها؛ بل أيضاً الرغبة المفهومة لمعظم المستخدمين حتى المطيعين للقانون منهم في البقاء خارج أنظار السلطات الضريبية.

تعبئة جديدة

ماذا يعني ذلك لمستثمري العملات المشفرة؟

فيما يخص مخصصات المحافظ، ليس الشيء الكثير. إذ أن الليبرا بهيكلها الحالي لن توفر مكاسب من هزيمة المنافسة لجهات التمويل التي تبحث عن الصدارة. ومع نضج نظامها الإيكولوجي، قد توفر عائدات ثابتة من خلال الإقراض أو الضمانات. وتفضل كثير من جهات التمويل السيولة والاستقرار على المخاطرة الكبيرة والأداء. ولكن هذا لن يثير عالم الأوراق المالية.

ولن ينبع التأثير الرئيسي بقدر كبير من الليبرا نفسها، بل اللمحة التي تقدمها والتي قد يخرج منها فئة جديدة من الأصول.

وفكرة استخدام الأوراق المالية كآليات للدفع مبتكرة وقد تكشف عن مجموعة كبيرة من حالات الاستخدام المحتملة. ولا تعني الحاجة إلى القيمة المستقرة اللازمة بالضرورة أن الجوانب الإيجابية محدودة، لأن إصدار حصص جديدة كنوع من المكاسب المربوطة بالقيمة (على سبيل المثال) قد يحافظ على الربط بينما يمد حاملها بالعائدات. وبدلاً من ارتفاع سعر الحصة، ستصدر لك خوارزمية المزيد منها، وتدمر بعضها إذا انخفضت القيمة. وستتأرجح ثروتك، بينما سيظل سعر الحصة ثابتاً.

ولن يمثل الاحتكاك المالي الناتج عن استخدام الأوراق المالية كمدفوعات مشكلة للمؤسسات، لأن لديها بشكل عام مكاتب خلفية ضليعة في التعامل مع هذا الأمر.

وهناك خيط آخر مثير للاهتمام لتتبعه وهو فكرة الأوراق المالية المدعومة بمجموعة من العملات والديون الحكومية. وربما نشهد ظهور أوراق مالية مخصصة للتحوط من مخاطر عملة الجهة المصدرة. وتمثل عمليات تحوط العملات شاغلاً رئيسياً للشركات والمستثمرين على حد سواء. تخيل صك دين يجمع هذه المعادلات المعقدة في عائد ثابت، أو في توكن متحوط مسبقاً للاستخدام إما في الأسواق الرأسمالية أو معاملات سلاسل التوريد.

توقع غير المتوقع

لم تبدأ الابتكارات المالية عندما حظيت تكنولوجيا البلوكتشين بفرصة جديدة للحياة من خلال الشبكات المتصلة والإجماع اللامركزي. إذ كانت الأسواق تتطور بشراسة منذ بدأت، وعادة بطرق غير متوقعة وعواقب غير مقصودة.

ومع كل خصائصها وأخطائها، تمثل الليبرا خطوة كبيرة للأمام في هذه العملية. ويعد هدفها المعلن لتوسيع الشمول المالي وتقليل احتكاك المدفوعات الهدف الذي سيطر على عقول مبادري الأعمال لعقود، ورغم أن هذا قد لا يكون الحل الذي ينتظره العالم، إلا أنه على الأقل يدفع المحادثة إلى الأمام بطرق بناءة.

ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا أياً كان نوعها، تُستخدم قليل من الاختراعات في النهاية في غرضها الأصلي. ومن غير المرجح أن يكون الحال مختلفاً مع الليبرا. وبالجمع بين عناصر تكنولوجيا السجل الموزع، والفلسفة الاقتصادية والتسويق الذكي، سينتهي الحال بالمبادرة بزيادة الوعي بالعملات المشفرة وتوكنات الأوراق المالية على نطاق أوسع، واعتمادها وتطورها. ولكن ليس بالطريقة التي توقعها المصممون في الأصل.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.