تعاني فنزويلا من تضخم مفرط بعدما أدت أزمة شقاق سياسي إلى تدمير اقتصاد الدولة. ومن ثم، شرع البعض في اللجوء لبدائل للعملة الوطنية، مثل العملات الأجنبية والعملات المشفرة. ويستدعي هذا الموقف بعض التساؤلات حول المسارات طويلة الأمد لبعض الاقتصادات الأخرى الأقل تقلباً. إذ ظلت البنوك الوطنية في صراع طال لعقود لإحداث التوازن بين قيمة العملة وسياسات معدل الفائدة.

التضخم الهائل في فنزويلا

قدر صندوق النقد الدولي (IMF) معدلات التضخم في فنزويلا لتصل إلى 10,000,000 بالمائة في وقت ما خلال هذا العام. بينما تقدر لجنة المالية بالجمعية الوطنية في فنزويلا (AN) معدل التضخم بما يعادل 1,698,488.2 بالمائة . وبحسب إحصائيات حديثة، انخفض هذا الرقم ليصل إلى 1,000,000 بالمائة، دون أسباب واضحة وراء هذا الانخفاض، وهذا ما يضع هذه الأرقام تحت بؤرة التساؤلات.

وبينما تختلف البيانات التي تصدرها الوكالات الحكومية ومراكز الأبحاث الاقتصادية، إلا أن المتفق عليه هو أن البوليفار الفنزويلي (VEF) أصبح عديم القيمة تقريباً. هذا بسبب الفوضى التي تصيب الحكومة الفنزويلية المنقسمة، والأزمة الاقتصادية التي صعّبت عملية جمع بيانات موثوقة. والأهم من ذلك، أن الصراع من أجل البقاء أصبح تحدياً بالنسبة لعدد كبير من الأفراد المقيمين بالدولة.

تقارير الحكومة الفنزويلية تحتوي على ملاحظات مشكوك فيها

أصدر البنك المركزي الفنزويلي (BCV) تقريراً عن بيانات التضخم لأول مرة منذ ثلاث سنوات. توضح تلك البيانات اتجاهات إيجابية لانخفاض شهري لمعدلات التضخم ومؤشر أسعار المستهلك (CPI).

ويختلف البعض مع النظرة الإيجابية التي يقدمها البنك المركزي الفنزويلي. فبحسب موقع فنزويلاناليزيس venezuelanalysis.com، فإن الوضع ليس برّاقاً ولا جيداً على الإطلاق. إذ جاء في أحد مقالات الموقع ما يلي: “لطالما أكدنا على أن جوهر سياسات مكافحة التضخم يعتمد على تخفيض القدرة الشرائية لدى الناس قدر الإمكان، ومن ثم، لن يستطيعوا شراء الدولارات في السوق السوداء، وبالتالي إحداث التوازن في معدلات الصرف. ولكن الهدف الرئيسي هو تقليل مشتريات الناس من كل شيء، وذلك لمنع وجود أي ضغط على الأسعار يؤدي إلى ارتفاعها”.

أما عن الإحصائيات التي جاءت في التقارير، فقد تكون ببساطة تعبيراً عن ناتج إجمالي محلي متدهور للغاية، وبعض مناهج البحث المختارة مسبقاً لإظهار شيء ما ليس حقيقياً. وعلى مستوى الشارع، فإن البوليفار الفنزويلي ميّت تقريباً، وهذا ما جعل الحكومة تُصدر أوراقاً من فئات ضخمة للغاية كي تستمر في استخدامه.

ويستخدم الناس الدولار الأميركي من السوق السوداء لشراء السلع، هذه الدولارات التي اشتروها بشكل غير قانوني نظراً للطلب المرتفع والقيود الكثيرة المفروضة على القنوات الرسمية لشراء العملات الأجنبية. وأطلقت إحدى القنوات على موقع يوتيوب Youtube، والتي تسمى لايفلي داتا Livelydata، مقطعاً يقدم تحليلاً ثاقباً معتمداً على بيانات صندوق النقد الدولي، وذلك لتخيل مدى هول الأزمة.

التضخم في البلدان الأخرى

حالياً، تتصدر فنزويلا كافة دول العالم في معدلات التضخم، ولكن هذا لا يعني أن بقية الدول لا تتأثر بالاتجاهات العالمية. فبينما تحتوي قائمة الدول العشر الأكثر تأثراً بالتضخم في العالم على فنزويلا وزمبابوي والسودان والأرجنتين وإيران وجنوب السودان وليبيريا واليمن وأنغولا وتركيا، إلا أن هناك اتجاهاً عالمياً بتخفيض القوة الشرائية أيضاً.

في السويد، المصنفة رقم 102 بين دول العالم في التضخم، تدهورت قيمة الكرون (SEK) إلى أقل قيمة لها منذ 17 عاماً في أبريل/نيسان الماضي، ويرجح أن السبب في هذا هو تأخر البنك المركزي السويدي، ريكس بنك Riksbank، في رفع معدلات الفائدة. وبينما توضح بعض المؤشرات والتوقعات أن هناك بعض الإشارات الإيجابية المرتقبة، والمعتمدة على القطاع الصناعي وسياسات البنك المركزي تجاه معدلات الفائدة، إلا أن اتجاهات الاقتصاد الكلي تظل محل تساؤل.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، التي تسبق السويد بستة مراكز في قائمة صندوق النقد الدولي، لا يبدو الدولار في حالة أفضل من الكرون السويدي. إذ أوضح مركز إيميرجنغ يوروب Emerging Europe للأبحاث في لندن، أن التعثر الذي أصاب الدولار الأميركي في 19 يونيو/حزيران الماضي ليتراجع مؤشره ليقل عن 97 جاء بسبب السياسة المتشائمة للاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على معدلات الفائدة الحالية. والحجة كانت أن العديد من الأسواق العالمية والناشئة تأمل في الحصول على أية مكاسب في ظل هذه الأسعار المنخفضة.

في ملاحظاته حول وضع الدولار، صرح المركز قائلاً: “هبط مؤشر الدولار ليقل عن 97 حتى وصل إلى 96.57 خلال معاملات يوم 19 يونيو/حزيران. يُعد هذا التدهور نتيجة لتكرار محاولات الاحتياطي الفيدرالي الدؤوبة للحفاظ على معدلات الفائدة الحالية على أقل تقدير. ولكن على كل حال، ستُخفّض هذه المعدلات لتحفيز الاقتصاد العالمي”.

انخفاض عالمي في قيمة العملات

تعد كارثة التضخم التي أصابت فنزويلا أمراً لا يمكن مقارنته بأي دولة أخرى. إذ تتضاءل قيمة التحليلات الاقتصادية للدول الأخرى أمام المعدل المتزايد للتدهور الاقتصادي هناك. وبالرغم من ذلك، يؤدي تحليل البيانات بالنسبة لانخفاض قيمة العملات في السويد والولايات المتحدة إلى نتائج تشير إلى انخفاض مستمر في قيمة العملات، ولكن بمعدلات أبطأ كثيراً، كثيراً جداً.

وبالنسبة للحركة المستمرة للاقتصاد الكلي، فإن كلاً من الدولار الأميركي (وهو العملة صاحبة الاحتياطي الأكبر في العالم) والكرون السويدي يخضعان لانخفاض استمر لعقود. إذ كانت قيمة الدولار الواحد في عام 1958 لتعادل قيمة 8.86 دولار في عام 2019. بينما تعادل قيمة 100 كرون في عام 1958 قيمة 1,284 كرون اليوم.

وفقاً لإحدى الأبحاث التي أصدرها دويتشه بنك Deutsche Bank، فإن تأثير التضخم الذي يؤدي إلى انخفاض قيمة العملات حول العالم (بأخذ المعدل الوسيط لقيمة العملات) يرجع لقرون. وأسهمت النقلة من المقايضة بالسلع والأنظمة المعتمدة على العملات المعدنية إلى أنظمة الائتمان والدين في القرن العشرين في زيادة حجم هذا التأثير. إذ كتب جيم ريد، وهو أحد المسؤولين في نفس البنك قائلاً: “خلال القرن العشرين، زاد الضغط على الأنظمة المالية المعتمدة على المعادن النفيسة، ومن ثم، علقت العديد من الدول عضويتها في هذه الأنظمة، وأتاحت سماحية أكبر لعملاتها، ثم حدث التضخم”.

فنزويلا تلجأ للبتكوين، ولكن هناك تحديات حقيقية

في محاولة منهم للتكيف مع الأزمة، لجأ بعض الفنزويليين إلى العملات المشفرة مثل البتكوين. إلا أن الاقتصادي الفنزويلي كارلوس هيرنانديز يعتقد أن مثل هذا التحول قد يشوبه بعض الصعوبات نظراً لقيود الدولة. إذ قال: “يمكنك القول بأن العملات المشفرة أنقذت عائلتنا. فأنا أستطيع الآن تحمل تكاليف المنزل بمفردي”.

ولكن هناك من لا يرى في العملات المشفرة فائدة واضحة.

تعبيراً عن وجهة نظرها في هذا الأمر، كتبت ديانا أغويلار، والتي غادرت فنزويلا خلال هذه الأزمة قائلة: “لا توجد إحصاءات رسمية عن عدد محافظ العملات المشفرة في فنزويلا، وليست هناك طريقة لمعرفة عدد المحافظ التي يمتلكها كل فرد. الواضح أمامنا هو أنه بجانب شركتين تقبلان هذا النوع من المدفوعات وعدد قليل من منصات التداول الموثوق فيها على الإنترنت، فلا توجد خدمات حقيقية لمستخدمي العملات المشفرة في الدولة”.

وظل هيرنانديز يستخدم موقع لوكال بتكوينز localbitcoins.com الشهير، الذي يعمل بنظام النظير للنظير (P2P) لتسهيل تحويلاته البنكية. وتوضح الإحصاءات على هذا الموقع أن هناك زيادة واضحة في حجم التداول بين البتكوين والبوليفار الفنزويلي منذ بداية عام 2018 تقريباً. وبينما تختلف الآراء حول الحل الأفضل لهذه الأزمة، أصبح واضحاً أن البوليفار صار عبئاً اقتصادياً على الفنزويليين.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.