خلال السنوات القليلة الماضية، انتشرت لدى كثير من الناس فكرة مفادها أن البتكوين (BTC) قد تحولت، أو على وشك التحول إلى مخزن للقيمة (SoV). يبدو أن داعمي نظرية مخزن القيمة المعتمد على البتكوين يعتقدون في قدرة المال على حفظ القيمة، وأنهم إذا ادخروه لفترة كافية، سيرتفع سعره أو سيصبح إنفاقه في المستقبل مفيداً. إلا أن هذا يعد مغالطة اقتصادية، لأن المال لا يمكنه حفظ القيمة، وبالنظر للتجديد التكنولوجي الذي تعتمد عليه البتكوين، فإنه من المستحيل أن تكون مقاومة لتأثيرات السوق.

مينغر يدحض مغالطة مخزن القيمة

يعتقد عدد هائل من الناس في كون البتكوين مخزناً للقيمة وأنهم إذا استمروا في ادخارها، فمن الممكن أن يصبحوا فاحشي الثراء ومحصنين من تقلبات الاقتصاد العالمي. ولكن هذا ليس حقيقياً. البتكوين ليست مخزناً للقيمة حالياً، ولن تكون في المستقبل؛ وذلك بسبب عدم قدرة المال نفسه على حفظ القيمة. تناول هذه الفكرة عدد من علماء الاقتصاد من قبل مثل كارل مينغر وموراي روثبارد ولودفيج فون ميزس. كارل مينغر (1840-1921) هو مؤسس المدرسة النمساوية للاقتصاد، وهو أحد أوائل علماء الاقتصاد الذين فسروا العلاقة بين القيمة والمال وبين أسعار السوق.

في كتاب مبادئ الاقتصاد Principles of Economics، يقول مينغر: “القيمة ليست شيئاً داخلياً في السلع وليست خاصية مميزة لها، ولكنها تعبر عن الأهمية التي نضفيها على السلع من حيث قدرتها على إشباع حاجاتنا. وبالتالي نعتبر هذه السلع سبباً لإشباع حاجاتنا”.

الملكية وإثبات الملكية

هذه طريقة جيدة لاستيعاب كيف لا يمكن للمال أن يكون مخزناً للقيمة. تخيل تلفازاً بقيمة عملة بتكوين واحدة (5700 دولار وقت كتابة هذا المقال). لنقارن معاً ما سيحدث في حال شرع شخص ما في تحطيم هذا التلفاز تماماً وما سيحدث في حال شروع نفس الشخص في الفقد المتعمد لعملة بتكوين واحدة. في حال تحطيم التلفاز، لن يستطيع أحد مشاهدة أي شيء على هذا الجهاز، إذ انتُزعت منه وظيفته الرئيسية. أما في الحالة الثانية، إذا قرر الشخص إيداع العملة في محفظة صلبة وحرق هذه المحفظة دون الاحتفاظ بنسخة احتياطية. ما حدث في الحالة الثانية هو أن الشخص جعل من المستحيل استرجاع عملة البتكوين، ولكن هذا لا يعني انتزاع القيمة وتدميرها. بل يعني أن هذا الشخص دمر أحقيته في امتلاك عملة البتكوين. وبالتالي فإن العملات الرسمية وسبائك الذهب والبتكوين ليسوا مخزناً للقيمة بل هم بالأحرى إثبات للملكية.

آمن أشخاص عدة لقرون طويلة في قدرة المال على حفظ القيمة، وهذه الخرافة وجدت طريقها إلى مجتمع العملة المشفرة. أعطى الكاتب وعالم الاقتصاد جوزيف ساليرنو نظرة ثاقبة لقراء ميزس عن السبب وراء اعتقاد الناس في قدرة المال على حفظ القيمة. إذ قال: “بحسب كتب الاقتصاد الشائعة، فإن أحد أهم وظائف المال هو قياس قيمة السلع والخدمات المتداولة في السوق. ولكن القيمة التي يضفيها الفرد على قدر معين من المال أو على نوع معين من السلع تعتمد بشكل أساسي على حكمه الشخصي، دون أي بعد مادي. وبالتالي، فإن قيمة المال تتغير بين لحظة وأخرى وبين فرد وآخر. وبالتالي فإن السعر المدفوع في شراء سلعة ما لا يعبر عن قيمة هذه السلعة؛ بل إنه يعبر عن تقييم كل من البائع والمشتري للمال المدفوع في السلعة. ولهذا السبب، لا يمكن للمال أو لأي سلعة أخرى أن تعمل كمعيار للقيمة”.

وصف المال بأنه مخزن للقيمة بدلاً من كونه وسطاً للتداول وصف متسرع وغير دقيق

كونراد غراف هو أحد علماء الاقتصاد الذين درسوا وكتبوا بكثافة عن النظرية النقدية والبتكوين. أصدر الكاتب عدداً كبيراً من الكتيبات التعريفية منها: عن أصول البتكوين On the Origins of Bitcoin وسلسلة البتكوين مشروحاً Bitcoin Decrypted Series والأحكام المبنية على الأفعال Action-Based Jurisprudence. في حوار أجراه غراف في أكتوبر/تشرين الأول، تطرق الكاتب إلى موضوع مهم وهو محاولة توظيف المفاهيم النظرية لتعريف البتكوين. إذ قال إنه عادة ما توجد “نزعة لوضع البتكوين في قالب لا يناسبها في الواقع”. وشرح غراف هذا الأمر قائلاً إنه عند تناول البتكوين، يُناقش عدد قليل من التصنيفات النقدية وأنه يعتقد أن هذه المتغيرات مرتبطة ببعضها “ولا يمكن إهمال أي منها. هذه المتغيرات هي الكمية النسبية للمدخرات ومدة الادخار والزيادة المستقبلية في الإنفاق. وعلى النقيض، توظف فكرة عمل المال كمخزن للقيمة بدلاً من كونه وسطاً للتداول، وهذا حكم متسرع وغير دقيق. ومثلما قال ميزس فإن المال لا يمكنه قياس القيمة، بل يمكننا استخدامه في تداول السلع في وقت ما في المستقبل، وبالتالي لا يمكنه حفظ القيمة كما لو كان المال كميةً معينة من الطعام. فكرة تخزين القيمة هي تشبيه حدسي أكثر منها مفهوم اقتصادي متين. لأنه بالتوازي مع هذا الاعتقاد الوهمي، تحدث فقط عمليات تداول على فترات زمنية مختلفة وبكميات مختلفة”.

المنفعة والوظيفة والقوة الشرائية الحقيقية أهم بكثير

من أهم ما يميز المال هو الحاجة للاستخدام والوظيفة، والبتكوين ليست هي العملة المشفرة الوحيدة المقاومة للرقابة. إذا كان هناك جزء من العالم لا يستطيع استخدام البتكوين بسبب الرسوم المرتفعة فلن تصبح مقاومة للرقابة بالفعل حينئذ. إذا ادخر أحدهم عملات بتكوين بقيمة 50 دولار وكانت رسوم الشبكة للمعاملة الواحدة تساوي 40 دولار، فهل يظل هذا المال مفيداً وذا وظيفة؟ من الصعب تخيل طريقة ما لحفظ القيمة بينما لا يمكن استخدام هذه القيمة مطلقاً. على الجانب الآخر، ستتفوق أي عملة مشفرة لها استخدام واقعي على تلك العملات التي تعمل بشكل هرمي. تتيح العملات المشفرة إمكانات مثيرة للاهتمام باستخدام المفاتيح الخاصة والأكواد المتضمنة لقواعد الأحقية في الملكية. ولكن بالرغم من كل هذا، تظل العملات المشفرة مجرد أرقام تساعدنا في إجراء عمليات التداول في أوقات مختلفة دون الحاجة إلى إذن، فهي لا تستطيع تخزين القيمة بغض النظر عن المرات التي رددنا فيها تلك العبارة المضللة”.

في حقيقة الأمر، يقع كثير من الناس بالصدفة في الاعتقاد الخاطئ بأن البتكوين هي مخزن للقيمة، ولسوء الحظ، هناك الكثير من السفسطائيين الذين يرسخون لهذه الفلسفة المعيبة كل يوم. قد يكون من المفيد أن يتساءل الناس عن السبب وراء كون البتكوين أو غيرها من العملات المشفرة أفضل من العملات الرسمية، بدلاً من تركيز كل طاقتهم على ألفاظ رنانة عديمة الفائدة مثل “التشبه بالعملات Hodl”. وبدلاً من التساؤل عما إذا كانت هذه الأصول الرقمية مخزناً للأصول أم لا، ينبغي أن يتساءل الناس عما إذا كانت لها استخدام فعلي وقوة شرائية أم لا.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.