مرة أخرى تحركت الجهات التنظيمية الروسية لتوسيع نطاق إشرافها على الفضاء الإلكتروني في محاولة لضمان الامتثال إلى قيود مختلفة تحاول موسكو فرضها. ولكن كما في حالات أخرى، قوبلت جهودهم بالمقاومة. إذ رفضت أكثر من عشر منصات تقدم خدمة الشبكة الافتراضية الخاصة VPN، التي لها شعبية بين المتحمسين للعملات المشفرة والمستخدمين الآخرين المهتمين بالخصوصية، الانضمام إلى النظام الذي تديره الدولة لحجب المواقع الإلكترونية المحظورة. وأعلنت البعض منها بالفعل انتقالها خارج روسيا. وتستمر لعبة القط والفأر بينما تعهدت الدائرة الاتحادية للإشراف على الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووسائط الإعلام الروسية، روسكومنادزور Roskomnadzor بحجب تسعة من الرافضين خلال شهر.

خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة تنتقل خارج روسيا

في مارس/آذار 2019، طلبت هيئة الرقابة الروسية على الاتصالات، روسكومنادزور، من 10 من مقدمي خدمة الشبكة الافتراضية الخاصة الاتصال بجهاز نظام معلومات الدولة الاتحادية (FSIS). ويحتفظ الجهاز بمعلومات عن المواقع الإلكترونية، التي تم حظر الوصول إليها بعد أن أدرجتها السلطات الروسية في القائمة السوداء. وتريد الهيئة التأكد من ألا تسمح خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة للمسجلين فيها بالوصول إلى تلك المواقع.

وأرسلت هيئة الرقابة على الاتصالات إخطارات إلى تور غارد Tor Guard، وفايبر في بي إن Vyper VPN، وأوبن في بي إن Open VPN، ونورد في بي إن Nord VPN، وفي بي إن ليمتد VPN Limited، وأي بي فانيش IP Vanish، وهايد ما آس! Hide My Ass!، وهولا في بي إن Hola VPN، وإكسبريس في بي إن Express VPN، وكاسبرسكاي سيكيور كونكشن Kaspersky Secure Connection. ورفضت سبع شركات التعاون، بما في ذلك أربع شركات نقلت خوادمها خارج الدولة، ولم ترد اثنتان من الشركات على الإطلاق. وكذلك أوضحت ست منصات أخرى، لم تخطرها الهيئة، أنها لن تتصل بنظام معلومات الدولة الاتحادية. وحتى الآن، وحدها شركة كاسبرسكاي وافقت على التعاون.

وصرّح أليكسندر زاروف، رئيس الهيئة، الأسبوع الماضي أنه قد تُحجَب تسع من منصات خدمة الشبكات الافتراضية الخاصة التي لم تفي بمتطلبات هيئة الرقابة خلال شهر بسبب عدم امتثالها للقانون الذي يحظر تقديم خدمات تسهل الالتفاف حول قيود الحكومة. وصرّح سركيس داربينيان، الخبير القانوني الرائد في روسكوم سفوبودا Roskomsvoboda، وهي المنظمة غير الحكومية الروسية التي تحارب الرقابة على الإنترنت، لموقع بتكوين نيوز news.Bitcoin.com قائلاً: “يبدو أن الهيئة جمعت مؤخراً قائمة ثانية من مقدمي خدمة الشبكات الافتراضية الخاصة وطلبت منهم ترشيح حركة الزيارات”.

كما قال داربينيان إن هناك شركة أخرى مقدمة للخدمة، وهي أفاست سكيور لاين في بي إن Avast Secureline VPN، أعلنت للتو عن انسحابها من الدولة في إطار إجراءات الروسكومنادزور. وتؤمن الشركة بأن الامتثال لمثل هذه الطلبات سوف يخالف مبادئها الخاصة وحقوق حرية استخدام الإنترنت. وأبلغت شركة أفاست مستخدميها الروسيين بأنها لن تكون قادرة على تجديد اشتراكهم في المستقبل، لأنها لن تكون بموقع يسمح لها بتقديم أي فائدة لهم.

الصراع من أجل الرونت Runet

وتحتوي قاعدة البيانات التي تحتفظ بها روسكوم سفوبودا على أكثر من 173 ألف موقع إلكتروني، ومنتدى، وبرنامج مراسلة، ووسيلة إعلام، ومنصات الإنترنت الأخرى التي تم حظرها في مرحلة ما. وقد فرضت القيود من مؤسسات الدولة المختلفة بما فيها وكالات حكومية متعددة، ووزارات ومكتب الادعاء العام. ولا تزال العديد من تلك المنصات خارج الخدمة ولكن استبعدت البعض منها، مثل مجمع بيانات منصات تداول العملات المشفرة بست تشينج Bestchange.ru، من القائمة السوداء.

ويأتي مثال مشجع آخر مما حدث مع حجب مقدم خدمة الشبكة الافتراضية الخاصة الذي يدعى هايد ماي نيم Hidemy.name. إذ تم وضع المنصة خارج الخدمة بسبب الحكم الصادر من محكمة إقليمية بجمهورية ماري إل الروسية في 2017. وطلب صاحب الموقع الإلكتروني المساعدة من روسكوم سفوبودا وفي مايو/أيار من هذا العام، تمكن الفريق القانوني للمنظمة من الطعن بنجاح في قرار المحكمة.

وأشار سركيس داربينيان إلى أن السلطات القضائية الروسية لم تتعمق بما يكفي في كيفية عمل تكنولوجيا الشبكات الافتراضية الخاصة وتمكن المحامون من تحديد عدة مخالفات إجرائية. وهذا أدى إلى إلغاء الحكم الأساسي ورفع الحجب عن منصة هايد ماي نيم من الهيئة. ومع ذلك، علق داربينيان على الأمر قائلاً: “لم تنته معركتنا بعد، لذلك سنستمر في الكفاح من أجل حقوق المستخدمين الروسيين في استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة ولحماية الشركات التي تقدم هذه الخدمات الآمنة والمؤمنة”.

وطبقاً للتعديلات التي أجريت على القانون الفيدرالي “فيما يخص المعلومات، وتكنولوجيا المعلومات وحماية المعلومات” في أواخر عام 2017، من المتوقع تسجيل مقدمي خدمة الشبكات الافتراضية الخاصة وحاجبي الهوية مع الهيئة والاتصال بجهاز نظام معلومات الدولة الاتحادية خلال 30 يوم عمل. وإحدى التزاماتهم الرئيسية هي الحد من إمكانية الوصول إلى مصادر الإنترنت المحظورة بالاتحاد الروسي.

وينطبق المثل على محركات البحث وشركات الإنترنت الروسية ياندكس Yandex، وسبوتنيك Sputnik، وميل Mail.ru، ورامبلر Rambler التي امتثلت للأوامر بالفعل. وفي أوائل 2019، عوقبت شركة غوغل على عدم تلبية هذه الشروط. والآن تزعم الهيئة أن عملاقة الإنترنت دفعت بالفعل غرامة قدرها 500 ألف روبل (بما يعادل 8 آلاف دولار تقريباً) فرضتها المحكمة الروسية وهي الآن تنقي نتائج البحث بما يتفق مع قواعد جهاز نظام معلومات الدولة الاتحادية.

التحرك التالي للهيئة

وإذا اكتشفت الهيئات التنظيمية الروسية وقوع انتهاك للقانون، قد تعتمد قراراً بتقييد إمكانية الوصول إلى مقدمي خدمة الشبكات الافتراضية الخاصة الذين خرقوا أحكامها. ومن المتوقع الآن أن تتخذ الهيئة التدابير الرامية إلى حجب خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة التي رفضت الامتثال إلى طلباتها بالإضافة إلى المنصات التي لم ترد على إخطاراتها. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما ستكون الخطوة التالية لهيئة الرقابة.

وقد تم استخدام نُهج مختلفة في الماضي فيما يتعلق بشركات أخرى غير ممتثلة. فعلى سبيل المثال، تطلب الأمر من هيئة الرقابة ما يقرب من العام لاتخاذ إجراءً ضد تيليغرام Telegram، وهو برنامج المراسلة الذي أسسه رائد الأعمال روسي المولد بافيل دوروف، الذي يتمتع بشعبية كبيرة في مجتمع العملات المشفرة. وقد تم حظر منصات مراسلة أخرى مثل بلاكبيري Blackberry، وإيمو Imo ولاين Line بسرعة أكبر بكثير.

وقال داربينيان: “لا يبدو أن الهيئة ومقدمي خدمات الإنترنت ISPs الروسيين مستعدين تقنياً فعلاً لحجب خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة. وبالتأكيد، يمكنهم حجب المواقع الإلكترونية حيث يمكن للمستخدمين تحميل التطبيقات. وهذا أسهل شيء يمكن فعله. ولكنهم بالقطع لا يستطيعون جعل آبل Apple وغوغل يزيلون تطبيقاً للهاتف. وبالطبع، أكثر الأشياء صعوبة بالنسبة لهم سيكون الحجب الفعلي للتطبيق ومنع الاتصال بخوادم تلك الشركات. وهم يعلمون ذلك”. وأضاف الناشط أنها ستصبح مشكلة ضخمة تواجه الجهات التنظيمية الروسية بعد الفشل الذريع في حجب تيليغرام.

وتحاول الآن الوكالات الحكومية تحسين قدرات الحجب الخاصة بها. وأشار ممثل روسكوم سفوبودا إلى أن: “مركز الترددات اللاسلكية الرئيسي، وهو كيان خاضع للهيئة، طلب في مارس/آذار تطوير نظام حجب آلي. ومن المفترض أن يكون متاحاً بحلول ديسمبر/كانون الأول 2019. وسوف يرصد النظام كيفية امتثال محركات البحث، وخدمات الشبكات الافتراضية الخاصة، والخوادم الوسيطة وحاجبي الهوية لمتطلبات القانون الفيدرالي رقم 276-3 (الذي يخص خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة). وربما بعد تقديم أدوات تعلم فحص حزم البيانات DPI لجميع مقدمي خدمات الإنترنت للتعرف على حركة زيارات الشبكات الافتراضية الخاصة تبعاً للأنماط، سيكون أكثر فاعلية”. وأضاف سركيس داربينيان: “يبدو أنها ستكون لعبة قط وفأر طويلة”.

وتابع قائلاً: “دعوني أذكركم بأن معظم خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة التي تلقت إشعارات من الهيئة لديها بالفعل تجربة ثرية نسبياً في العمل بالصين والالتفاف حول جدار الحماية العظيم. وبالتالي يمكنها التكيف بسهولة مع العمل بروسيا في ظل هذه الظروف الجديدة”.

ويمثل تنفيذ وسائل تقنية متطورة للسيطرة على الفضاء الإلكتروني الروسي جزءً من مجموعة من التدابير المقدمة مع قانون “البرنامج القومي للاقتصاد الرقمي” الجديد، والمعروف أيضاً باسم قانون الرونت. وقد اعتمده في أبريل/نيسان مجلس الدوما، وهو مجلس النواب الروسي، وطبقاً لمقدميه، هدفه هو حماية الجزء الروسي من الإنترنت ضد التهديدات الخارجية مما يجعله فضاء “ذي سيادة”. ويقول الناقدون إنه لن يقيد حرية استخدام الإنترنت وحسب بل سيؤثر سلباً على كثير من الأعمال التجارية التي تعتمد على شبكة الإنترنت العالمية، بما في ذلك منصات العملات المشفرة.

وكما أفاد تقرير موقع بتكوين نيوز، بعض الأحكام الرئيسية للقانون تشمل بناء نظام سيوجه حركة زيارات الإنترنت الروسية عبر نقاط تحديد مسار تتحكم بها الحكومة بالإضافة إلى منح سلطات غير محدودة للهيئة، إذ أن الوكالة ستكون قادرة على عزل مقدمي خدمات الإنترنت غير الممتثلين عند الرغبة. ويقدر أن النظام سيسحب أكثر من 30 مليار روبل (ما يقرب من 500 مليون دولار) من ميزانية الدولة، وهو مبلغ أثار دهشة البعض. ولكن، بصرف النظر عن التكاليف المالية والمخاوف الأمنية، السؤال الذي يطرحه الكثير من الروسيين هو ما إذا كان الرونت سيظل في نهاية المطاف “إنترنت”.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.