إن لم يكن تحول فيسبوك من كونه تطبيقاً عاماً إلى دخوله غرف معيشتنا حافلاً بالمفارقات، فهناك إضافة جديدة: أصبحت الشركات الكبيرة مدعوة هي أيضاً إلى الجلوس بجانبنا حول المدفأة.
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال Wall Street Journal تفاصيل جديدة محتملة عن خطط فيسبوك المرتقبة والمتعلقة بعملتها المشفرة. وبحسب التقرير، فإن الشركة تبحث عن شركاء محتملين، من بينهم تجار على الإنترنت وشركات مالية، بهدف توسيع مدى سوقها المبنية على البلوكتشين. ويُطلب من هؤلاء الشركاء المحتملين المساهمة في صندوق استثماري تبلغ قيمته مليار دولار أميركي أو أكثر. وسيهدف هذا الصندوق إلى تقليل آثار المضاربات على عملة فيسبوك، والتي أثرت على عملات مشفرة أخرى مثل البتكوين وجعلت إنفاقها أمراً صعباً. وبحسب الصحيفة، فإن العرض يتضمن أن يدفع التجار رسوماً أقل من تلك التي يدفعونها ببطاقات الائتمان.
وسارع البعض بالإشارة إلى أن ذلك سيحد من قدرة على فيسبوك على تحقيق الأرباح من المدفوعات على المدى القصير. إلا أن ذلك لن يهم كثيراً، إذا ما نجحت فيسبوك في مسعاها الأساسي وراء إطلاق العملة المشفرة وهو جعل المستخدمين ملتصقين لوقت أطول بفيسبوك.
ويبدو أن فيسبوك تعكف الآن على تأسيس البنية التحتية من أجل بناء هذا السوق بالفعل. وفي مؤتمر F8 الخاص بالمطورين، كان غياب كلمة “بلوكتشين” ملحوظاً. وبرغم تأكيد زوكربرغ على خطة الشركة لإعادة هيكلة تجربة المستخدم لفيسبوك وجعلها متمحورة حول العلاقات المقربة، إلا أن إعلانه تضمن العديد من الطرق التي ستصبح بها الأموال جزءاً من المعادلة. فبحسب تصريح زوكربرغ: “أؤمن أن إرسال الأموال إلى شخص يجب أن يكون بنفس سهولة إرسال صورة إليه”، ملمحاً إلى أن “المدفوعات الآمنة والبسيطة” ستكون جزءاً مهماً من رؤيته الجديدة المتعلقة بالخصوصية. ويبدو أن ذلك سيمتد لما هو أبعد مما تسمحه به مدفوعات النظير للنظير المتاحة على فينمو Venmo أو تطبيق ماسنجر الخاص بفيسبوك. ففي عدد من الخطابات الرئيسية، وصف عدد من التنفيذيين بفيسبوك سلسلة من التحسينات المتعلقة بالتجارة: سهولة إنهاء التعاملات على سوق إنستغرام الرقمي، وملصقات التبرع، وأداة جديدة لأصحاب الصناعات الصغيرة من أجل إدراج بضائعهم على واتساب Whatsapp.
وبالطبع، فإن واتساب يقع في مركز مجهودات فيسبوك التجارية، في البداية على الأقل. ففي مؤتمر F8، قالت فيسبوك إن تطبيق واتساب باي Whatsapp Pay، وهو في الطور التجريبي بشكل محدود في الهند، سيتوسع إلى بلدان أخرى لم يتم الإفصاح عنها. ولا تعتمد تلك المنصة على البلوكتشين (حتّى الآن) وهي مصممة من أجل مدفوعات النظير للنظير. ومع استخدام 80 بالمائة من أصحاب الصناعات الصغيرة لتطبيق واتساب من أجل تسويق بضائعهم، فإن وجود طريقة للتعامل مع المدفوعات عليه تَعد تطوراً طبيعياً. وفي ديسمبر/كانون الأول، أفادت بلومبيرغ Bloomberg بأن أولى اختبارات العملة المشفرة قد تحدث في الهند، كطريقة للعاملين بالخارج لإرسال الأموال إلى بلدهم الأم.
وتعد احتمالية دمج العملة مع النظام الإيكولوجي المجزي مادياً لإعلان فيسبوك إضافة جديدة لتقرير وول ستريت جورنال. وبحسب الخطة، والتي لا تزال محل جدال في أوساط شركة فيسبوك، فإن العملة ستعمل مع طرفي الإعلان: إذ سيستطيع التجار استخدام العملة من أجل دفع مقابل الإعلان، وسيتم مكافأة المستخدمين بالعملة في حالة استعراض أو التفاعل مع تلك الإعلانات. ويعكس ذلك فهماً متزايداً، تبدى على وجه الخصوص في متصفح بريف Brave والذي يمنح المستخدمين توكنات مقابل النقر على الإعلانات، أن الناس يجب أن يتلقوا أموالاً في مقابل الحصول على انتباههم، وليس فقط مساعدة شركات الإنترنت الضخمة على جني الأموال. وبالنسبة لفيسبوك، فإن ذلك يمثل أيضاً رؤية لكيف ستستمر إعلاناتها ونموذج أعمالها القائم على رؤية المستخدمين للإعلان في التواجد في عصر الأولوية الأولى فيه هي الخصوصية. فالفكرة أن تبقى عملة فيسبوك، والمستخدمين بالتبعية، ملتصقين بالمنصة.
وقال جوشوا غانس، الأستاذ في جامعة تورنتو: “لا أعتقد بأنهم يفعلون أي شيء لا يهدف إلى زيادة التفاعل على منصاتهم”. وأشار إلى أن إرسال المال إلى الشركات يمثل تحدياً. إذ أن الشركات، مقارنة بالأصدقاء والعائلة، سترغب بدرجة أكبر في هجر عملة فيسبوك لصالح الأموال الحقيقية. وأبدى غانس تشككه في أن فيسبوك ستدفع أموالاً للمستخدمين في مقابل مشاهدة الإعلانات، إذ أن إنشاء هذا النظام صعب للغاية، إلا إذا تضمن الأمر ما يشبه الخصم عند شراء منتج من خلال إعلانات فيسبوك. وفيما يتعلق بالتجار، فإن تشجيع الشركات على الدفع مقابل الإعلانات والخدمات باستخدام العملة قد يمثل طريقة لإيقاف تدفق المال خارج النظام.
وبحسب تقرير وول ستريت جورنال، فإن تحرك فيسبوك نحو البلوكتشين قد يكون بنظام شبيه بنظام نقاط الولاء: الحصول على توكنات يمكن الحصول عليها وإنفاقها على خدمات فيسبوك، أو استخدامها مع شركاء الموقع. ولا يعد هذا الأمر جديداً في أوساط شركات التكنولوجيا: فعلى سبيل المثال، فإن أوبر Uber لديها أوبر كاش Uber Cash، والتي تكافئ المستخدمين على مشترياتهم على تطبيق أوبر وخارجه بنقود خاصة بالتطبيق. وأشار غانس إلى أن عروض مثل بطاقات أبل لها غرض مشابه: فهي على الأغلب، ومع كل الجدل حول كونها ستزلزل صناعة بطاقات الائتمان، مجرد خدمة برّاقة تهدف إلى دفعك لشراء المزيد من منتجات وخدمات أبل.
وأعاد متحدث باسم فيسبوك التأكيد على تعليق سابق، إذ قال: “مثل الكثير من الشركات الأخرى، فإن فيسبوك ترغب في استكشاف طرق للاستفادة من قوة تكنولوجيا البلوكتشين. ويستكشف الفريق الجديد الصغير عدة تطبيقات مختلفة”.
وما يزال فيسبوك يواجه العديد من التحديات، بدءاً من كيفية مراقبة النظام لضمان النجاح في التعامل مع دواعي قلق المستخدمين بشأن خصوصيتهم، إلى تحديد كيفية تحويل الأموال من وإلى عملته، وهي العملية التي تتولى منصات التداول القيام بها في حالة العملات المشفرة الأخرى. كما سيتوجب على فيسبوك تحدي حقائق النظام الاقتصادي العالمي، والذي يجري أعماله باستخدام اليورو والين بالإضافة للدولار. وحتّى إذا ما دعم فيسبوك عملته بسلة من العملات، بحسب التقرير، فبحسب غانس، فإن ذلك “لن يكون أمراً مستقراً لكل عملة في العالم، فالعالم لا يسير بهذه الطريقة”. مما سيخلق الحاجة إلى إدراج عدد من الشركاء الماليين من أجل تسهيل التعاملات من وإلى نظام فيسبوك.
من غير الواضح كيف سيعمل الأمر على أرض الواقع. وبحسب تصريح غانس: “هناك العديد من المتغيرات. وفيسبوك لا يتصرف دائماً بالشكل الذي نتوقعه”.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.