أخذ أحد أكبر ألغاز العصر الحالي منحى مثيراً. اختفى ساتوشي ناكاموتو، الاسم المستعار لمخترع البتكوين الغامض، عن الأنظار لمدة ثمانية أعوام، ولم يظهر على الإنترنت منذ ذلك الحين. ظهرت أدلة جديدة تشير إلى مرشح جديد لأن يكون ساتوشي، وتتشابه حياة هذا مع حياة مخترع البتكوين في العديد من النقاط. اسمه بول لورو، وإذا ثبت أنه ساتوشي، سيكون هناك سبب وجيه لعدم تحويل مليون بتكوين (BTC) تخصه من عناوينه الخاصة: إذ أن لورو مسجون منذ عام 2012.

كريغ رايت، بول لورو، والمستند الذي لم تشطب محتوياته بشكل جيد

حفلت قضية كلايمن ضد رايت، والمنعقدة في محاكم فلوريدا، بالكثير من التضليل، والمسائل الزائفة، والأكاذيب والتزوير، والنظريات غير المعقولة، والتي كان مصدر أغلبها هو المدعى عليه كريغ رايت. تم شطب العديد من محتويات المستند 187 بناءاً على التماس بطلب الحماية تقدم به بروفيسور رايت، لأن رايت، بحسب زعمه: “لديه تخوفات حقيقية من سعي هؤلاء المجرمين وشركائهم للانتقام إن علموا بدوره في القبض عليهم وسجنهم”.

ويبدو أن أحدهم قد نسي أن يشطب أحد الهوامش مما مكّن  أحد المتحرين دقيقي الملاحظة من تحديد الزعيم الإجرامي المقصود: بول لورو؛ زعيم العصابة البالغ من العمر 46 عاماً والذي اجتذب الأنظار بقدر رايت، مع اختلافه عنه كلياً. قد يعرف القراء قصة حياة لورو، والتي ظهرت إلى السطح في مسلسل من سبعة أجزاء على أتافيست Atavist وفي كتاب لاحق كان عنوانه “العقل المدبر”. وبحسب ملخص الكتاب: “كان مبرمجاً عبقرياً وزعيم عصابة شرس، وتحول بعد ذلك إلى ملكية ثمينة لدى حكومة الولايات المتحدة”.

يجري الآن تداول نظرية أن بول لورو هو ساتوشي ناكاموتو، وأن كريغ رايت في حوزته أقراص صلبة مشفرة تحتوي على ثروة لورو المقدرة بمليارات الدولارات من البتكوين. النظرية غير معقولة، ومع ذلك، وبفحصها عن كثب، فهناك أسباب تدفع إلى الاعتقاد أن يكون العقل المدبر وراء البتكوين هو المجرم العبقري لورو.  

بنى بول لورو إمبراطورية إجرامية، لكن هل بنى البتكوين أيضاً؟

بحسب صفحته على ويكيبيديا، وهي نفس الصفحة التي لم تشطب في قضية كلايمن ضد رايت، فإن بول كالدر لورو “مبرمج سابق، وزعيم عصابة سابق ومخبر لإدارة مكافحة المخدرات الأميركية. أسس E4M، وهو برنامج تشفير أقراص مجاني مفتوح المصدر لنظام ويندوز، في عام 1999. وهو المبتكر المشتبه به لترو كريبت TrueCrypt مفتوح المصدر، والمبني على كود E4M”.

ثم تفجر الصفحة مفاجأة: “في الوقت الحالي، فإن لورو في حيازة السلطات الأميركية لأمره باغتيال ست أشخاص”.

إن كان أي من كتاب السيناريو المعنيين بقصة ساتوشي ناكاموتو يبحثون عن إلهام للكتابة، فهم بصدد فرصة كبيرة. مع مسيرة مهنية تضمنت  قطع الأشجار، والتعدين عن المعادن الثمينة، وتهريب الذهب، وصفقات أراض، وشحنات مخدرات، وتهريب السلاح، وغسل الأموال، فإن لورو عبارة عن فيلم بانتظار الحدوث، وذلك قبل وضع علاقته بالبتكوين في الاعتبار. ففي واحد من جوازات السفر الكثيرة التي امتلكها لورو، استخدم اسم “سولوتشي” قريب الشبه لـ ساتوشي، وتلك فقط أول المصادفات المثيرة للريبة.

كما أفلتت كذلك مقالة بموقع صحيفة الديلي ميل Daily Mail من شبكة الشخص الذي قام بالشطب على المستند، إذ ترك جزء من الرابط دون شطب في المستند رقم 187، وتشير المقالة للورو بوصفه “أحد أشرار أفلام جيمس بوند الموجودين بالواقع والمسؤول عن إمبراطورية كوكايين وسلاح تمتد لأربع قارات والذي تحول إلى مخبر مهم”. وتقتبس المقالة وصف العملاء الأمنيين في الولايات المتحدة للورو بوصفه “شخص شرير جداً”.

ساتوشي وسولوتشي

وبحسب ما افترضه الشخص مجهول الهوية في منشوره على أحد منتديات فور تشان 4chan ويدعى بـ /biz/ في الـ 12 من مايو/أيار بعدما لمح اسم لورو في أوراق القضية: “البتكوين مشروع من ابتكار عبقري شرير.. بول سولوتشي كالدر لورو، والذي قصد من وراء ابتكاره أن يكون أداة لغسل الأموال.. لسوء الحظ، فبعدما توقف عن النشر تحت اسم ساتوشي، تم إلقاء القبض عليه، وسيقضي ما تبقى من عمره في زنزانة السجن”.

وحتّى إن كان لورو هو مبتكر البتكوين، فليس من المنطقي أن يكون غسل الأموال هو هدفه. فالأكثر ترجيحاً أن يكون اختراعه له نابعاً من هوسه بالتشفير، والذي يرجع إلى التسعينات، قبل أن يصبح لورو مجرماً، فتحت أي معيار، كان لورو مبرمجاً عبقرياً ومدافعاً صلباً عن الخصوصية. وفي عام 1997، بدأ العمل على E4M ( وهي اختصار لـ “التشفير للجموع”)، وهو برنامج يمكّن، بحسب ويكيبيديا: “من تشفير أقراص صلبة كاملة، ومع إمكانية الإنكار المقبول (نفي وجود أي أقراص مشفرة). وفي الجزء المسمى بالسياسة “politics” في موقع E4M (أرشيف)، فإن لورو نشر ما يشبه المانيفستو يشير فيه إلى أن الحكومات تعتمد بشكل متزايد على الجمع الإلكتروني للبيانات، واستشهد بمشاريع مثل إكيلون Echelon، والذي ارتبط بخمس دول وعرف فيما بعد بـ “الأعين الخمس” بعد عقد من الزمن، وقال لورو إن التشفير هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على الحريات المدنية”.

وبحسب نهاية المانيفستو الخاص بـ E4M: “التشفير القوي هو الطريقة التي ستمكننا من مكافحة محاولات التلصص، والحفاظ على حقوقنا، وضمان حرياتنا في عصر المعلومات وبعده. – بول لورو، مؤلف، التشفير للجميع Encryption for the Masses”.

10 أدلة تشير إلى بناء لورو للبتكوين

بالنسبة للمهتمين بإجراء مقارنة بين شخصيتي ساتوشي ولورو بحثاً عن تشابهات، فهناك عدد من الصفات والأفعال المتوافقة، والبعض الآخر غير متوافق. وبالنظر لأن الشخصين برعا في إخفاء هوياتهما وإخفاء لغتهما الأصلية وصفاتهما الغريبة، فليس من السهل التعرف على أي منهما. هاكم بعض المعلومات المعروفة عنهما والتي تشير إلى كونهما نفس الشخص:

1-      التشابه بين اسمي ساتوشي وسولوتشي.

2-      استخدام كلا المبرمجين للغة C++.

3-      الاهتمام الفائق لكليهما بالتشفير والخصوصية.

4-      ارتيابهما في السلطات.

5-      اهتمام الشخصين بالمقامرة الإلكترونية، إذ احتوى الكود الأولي للبتكوين على عميل للبوكر.

6-      فهم الاثنين لصعوبات طرق الدفع التقليدية، بناءاً على إدارة لورو غير القانونية لأنشطة بيع الأدوية غير المرخصة.

7-      طريقة كتابة ساتوشي ولغته (بريطانية) متوافقة مع أصول لورو الروديسية (نسبة إلى روديسيا في جنوب أفريقيا).

8-      اختفى ساتوشي في عام 2011 وقال أنه “سيهتم بأنشطة أخرى” في نفس الوقت الذي تحول لورو فيه من كونه عبقري برمجيات إلى زعيم عصابة.

9-      بامتلاكه لعشرات الملايين من الدولارات كسيولة نقدية، فلم يحتج لورو أبداً إلى المال وبالتالي لم يحتج إلى بيع أي من البتكوينز الخاصة به عندما ارتفع سعره.

10-  إن كان باستطاعة أي أحد إخفاء محفظة تحتوي على مليون بتكوين، فليس هناك مرشح أفضل من مخترع برنامج تشفير الأقراص ترو كريبت.

بالإضافة إلى هذا المنشور، والذي يعود إلى عام 2002، قبل سبعة أعوام من إطلاق البتكوين: “لدي هذا التصور عن مستقبل لنظام نظير لنظير بنكي. نظام آمن وغير مركزي. ولت الأيام التي ستستطيع الحكومات والبنوك أن تتبع وتتدخل في تحويلاتنا المالية، أو التدخل في كمية المال على الكوكب.  النظام الذي أتخيله سيحتوي على كمية ثابتة من النقد، ولكن كل وحدة نقدية (ولنسميها عملة افتراضية) يمكن تقسيمها إلى ما لا نهاية. وبذلك، سيحل نوع من الانكماش محل التضخم. ستكون الكمية الكلية للنقد في العالم رقم ثابت. ولن يشكل الأمر معضلة بالنسبة للسيولة، إذ من الممكن تقسيم العملة في أي وقت. ولن ينفق الناس بكثرة لأن قيمة العملة سوف ترتفع في أغلب الأوقات. ما المشاكل التي ستطرأ على هذا النظام بخصوص الأمن، والاستخدام المؤذي، وكيف يمكننا الوصول إلى هذا النظام بدءاً من نظامنا الحالي؟ تلك مجرد أفكار، وأرغب في سماع تعليقاتكم بخصوصها أو بخصوص الموارد المتعلقة بهذا الموضوع”.

هل هذا أنت، يا ساتوشي؟

لا يبدو المنشور مشابهاً لطريقة ساتوشي، إلا أنه يشبه كثيراً فكرة مبكرة عن البتكوين. وبعد تتبع عنوان IP الخاص بصاحب المنشور، فمن المفترض أنه في هولندا، وهي دولة عاش فيها لورو لفترة.

ومع كل تلك الأدلة السطحية التي تشير إلى احتمال أن يكون لورو هو نفسه ساتوشي، فبعض النقاط تقول عكس ذلك. ففي عام 2009، على سبيل المثال، كان ساتوشي يعمل بكد على تحسين البتكوين، بينما كان لورو منغمساً في تهريب المخدرات والسلاح. هل كان من الممكن للورو أن تكون له حياتين، حياة فوضوية وأخرى أكاديمية؟

ساتوشي حقيقي أم حركة شطرنجية بارعة من كريغ رايت؟

في أحد المحادثات والتي يعود تاريخها إلى فترة الانشقاق بين البتكوين كاش إيه بي سي (BCHABC) والبتكوين كاش إس في (BSV)، يشير المستخدم “CSW” (كريغ رايت) إلى الصلة بين مشرف منتدى بتكوين توك Bitcointalk ومشرف منتدى البتكوين على موقع reddit، ويدعى ثيموس، وبين بول لورو، ويدعي أنهم كانوا شركاء قبل أن “يتم إلقاء القبض على لورو”. وأكد رايت كذلك على أن ثيموس ما يزال يعمل في “مجال إعلانات الصيدلة المزعجة” وهو المجال وثيق الصلة بنشاط لورو غير القانوني في مجال الأدوية.

هناك تحذير متعلق بكل ذلك: كريغ رايت شخص كذوب، ويجب التحقق من كل كلمة تصدر عنه. وبالنظر إلى أن لورو تم ربطه بساتوشي منذ أواخر عام 2018، فمن الجائز أن رايت قد تبنى هذه النظرية ونسج منها خيالاته التي يستخدمها في قضيته ضد كلايمن. ولذلك، فإن أي أدلة تصدر عن الرجل المدعو بـ”ساتوشي المزيف” يجب التعامل معها بشيء من الحذر. قلة قليلة من الناس، بغض النظر عن كالفن أير، تصدق أن كريغ رايت هو مخترع البتكوين، ولكن الكثيرين يصدقون أنه كان موجوداً منذ البداية، بفعل الحظ أو بشكل قصدي.

هل من الممكن أن يكون اشتراك رايت جاء نتيجة عمله كمخبر ضد لورو، والذي تحول بدوره إلى مخبر بعد القبض عليه في عام 2012؟ يبدو الأمر خيالياً، ولكنها فكرة مثيرة للاهتمام. وبحسب نظرية أحد المجهولين: “كريغ رايت كان موظفاً لدى لورو، وكان على علم طفيف بمشروع البتكوين. ساعد كريغ رايت في الإيقاع بلورو، وبعد القبض عليه، نجح رايت (بمساعدة صديقه وشريكه، دايف كلايمن) في التحصل على المحافظ التي تحتوي على المليون بتكوين، ولسوء حظ كريغ، فإن كل عملات سولوتشي موجودة بداخل أقراص مشفرة بواسطة ترو كريبت (ترو كريبت هو برنامج طوره لورو). يحاول رايت منذ سنين أن يخترقهم بدون فائدة. أحد أصدقاء كريغ، كالفن أير، أسس مخازن من الحواسيب في محاولة لكشف كلمة السر والوصول إلى الثروة الطائلة. نشاط أير التعديني هو مجرد واجهة لكي يوفر شرعية لمراكز البيانات تلك. ويتم تقديم كريغ بوصفه ‘ساتوشي الحقيقي’ لكي يستطيع بيع عملات البتكوين بعد النجاح في الوصول إليهم”.

إن كان زعيم العصابة الروديسي هو ساتوشي ناكاموتو، فذلك يعني أن اثنين من أوائل المساهمين في النجاح المبكر للبتكوين، بول لورو وروس أولبريخت، في حيازة سلطات الولايات المتحدة، وسيبقون في حيازتها إلى نهاية حياتهم، بينما ينتفع باقي العالم من اختراعات هذين العبقريين المضطربين.

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.