يبدو أنَّ لا أحد يعرف ما يجب فعله بشأن البتكوين.
منذ نشأة البتكوين، واجهت المحاكم والجهات المنظمة في جميع أنحاء العالم صعوبات كثيرة في تحديد ما إن كان يجب وضع لوائح تحكمها أم لا، وكيف يمكن فعل ذلك. على سبيل المثال، يمكن للقانون أن يمنحك الحق في بيع البتكوين مقابل عملات نقدية دون ترخيص حكومي أو أن يسلبه منك، وذلك اعتماداً على موقعك في الولايات المتحدة. يتحكم مكانك الحالي في ما إن كان يمكن اعتبار البتكوين أموالاً فعلية أم لا، أو التعامل مع بيع البتكوين على أنَّه عملية شرعية لتحويل الأموال أم لا.
ومع أنَّ ذلك قد يكون مصرح به فعلاً في بعض الأماكن، فلم يستطع أحد أن يجزم بذلك. وهذا يعني أنَّك بحاجة إلى استخراج ترخيص كلما أردت بيع ما تملكه من عملات بتكوين.
وسط كل هذا، يصعب تجاهل كيف تؤثر هذه التعارضات التنظيمية سلباً في النشاطات الابتكارية، وكيف تتجنب الأنشطة التجارية الولايات القضائية التي تفتقر إلى توجيهات واضحة، أو تلك التي تتخذ وجهة نظر معادية لمجال العملات المشفرة. وفي أعقاب قرار محكمة استئناف الدائرة الثالثة في قضية فلوريدا ضد إسبينوزا، أصبح من الواضح أنَّ ولاية فلوريدا ترتكب الفعلتين.
وكما هو موضح أدناه، يرجع ذلك إلى وجود قدر هائل ومتأصل من الجهل بطبيعة البتكوين نفسها.
يقول إسبينوزا إنَّ البتكوين هي إحدى وسائل الدفع
كان قرار محكمة الاستئناف الأخير، الذي يشترط على أي شخص يرغب في بيع البتكوين استخراج ترخيص فلوريدا التجاري للخدمات المالية، ينقض قرار المحكمة التي أسقطت التهم الجنائية الموجهة إلى ميتشل إسبينوزا، الذي زُعم أنَّه يدير شركة خدمات مالية غير مرخصة ببيعه البتكوين.
أسقطت المحكمة الابتدائية هذه التهم، وخلصت إلى أنَّ البتكوين ليست “أداة دفع” بموجب قانون ولاية فلوريدا، وأنَّ بيع البتكوين لا يدخل ضمن نطاق تحويل الأموال. رفضت محكمة الدائرة الثالثة هذين الاستنتاجين، بحجة أنَّ البتكوين هي “أداة دفع” في واقع الأمر، وأنَّ المحكمة لديها أدلة على أنَّ هناك أفراداً كانوا مستعدين للحصول عليها مقابل السلع والخدمات.
من ناحية أخرى، لم تشر محكمة الاستئناف إلى أي سلطات تقنية معنية بتطوير البتكوين أو استخداماتها أو بنيتها، أو استغلالها لأغراض غير مالية، بل ركزت بدلاً من ذلك على حقيقة أنَّ البتكوين يمكن استخدامها وسيلةً لنقل القيمة.
وﻗﺎرنت نص ﻗﺎﻧﻮن تحويل اﻷﻣﻮال ﻓﻲ وﻻﻳﺔ ﻓﻠﻮرﻳﺪا (الفصل 560، ولاية فلوريدا، الأوضاع) بنص اﻟﻘﺎﻧﻮن الفيدرالي، وﺑﻨﺎءً ﻋﻠﻰ ﻗﺮاءتها ﻟﻠﻨﺺ اﻟصريح ﻟﻘﺎﻧﻮن وﻻﻳﺔ ﻓﻠﻮريدا، وﺟﺪت أﻧَّﻪ لا ﻳُلزم صراحةً بتضمين طرف ثالث في أي معاملة مالية لكي تصلح لأن تكون عملية شرعية لتحويل الأموال.
وبناءً على ذلك، وجدت محكمة الاستئناف أنَّ بيع الفرد لما يملكه من بتكوين يعد عملية “تحويل أموال”، ما يعني أنَّ الطرف المعني بحاجة أولاً إلى استخراج ترخيص قانوني، وكتابة بروتوكول امتثال بخط يده، والاحتفاظ بكل سجلات المعاملات. لا يتعارض هذا القرار مع الشروط التي يتطلبها القانون الفيدرالي لأن تكون أي شركة مقدمة لخدمات مالية أمام القانون فحسب، بل يتناقض أيضاً مع توجيهات الجهة المنظمة الرسمية، وهي مكتب التنظيم المالي لولاية فلوريدا، التي ذكرت في بيان تفسيري أصدرته استجابةً لموقع كريبتو بيس Cryptobase أنَّ أي طرف يبيع أو يشتري ما يملكه من بتكوين ليس بحاجة إلى الحصول على ترخيص لتحويل الأموال.
يوضح ذلك أيضاً وجود سوء فهم هائل لماهية البتكوين، وكيف تتطور إلى شبكة قوية تدعم مجموعة متنوعة من الاستخدامات، بما في ذلك الاستخدامات غير المالية.
البتكوين ليست في حد ذاتها أموالاً، لكنًّها تجلب الأموال
تفتقر البتكوين إلى العديد من الخصائص الأساسية المطلوبة لكي تصبح “أموالاً” بالمعنى المتعارف عليه. فهي ليست مدعومة مركزياً، أو قابلة للاستبدال من الناحية التقنية. على الرغم من هذا (وعلى الأرجح لأنَّ اسمها به كلمة Coin أو ما يعني عملة معدنية)، فإنَّها غالباً ما توصف بأنَّها “نقود رقمية” أو “ذهب رقمي”.
في الواقع، لا تمثل البتكوين أياً من هذه الأشياء. البتكوين هي شبكة عالمية من أجهزة الحواسيب التي تتيح للمشاركين مصادقة البيانات دون الحصول أولاً على إذنٍ من سلطة مركزية، لكن تَصادف أنَّ أول تطبيق لتلك الشبكة كان أشبه بالتعامل المالي.
وتسمى هذه الشبكة العالمية بتكوين Bitcoin (تبدأ بحرف بي كبير)، فيما يسمى السجل العام الذي يسجل البيانات المدخلة على الشبكة ويتحقق من صحتها بلوكتشين Blockchain. قبل البتكوين، كان إجراء معاملات إلكترونية الآمنة من نظير إلى نظير أمراً مستحيلاً بسبب سهولة نسخ المعلومات الرقمية؛ ما يعني أنَّه يمكن نسخ التمثيل الرقمي للقيمة، ثم إنفاقها مرتين. نجحت البتكوين في حل هذه المشكلة باستخدام أدوات التشفير في نظامها القائم على نظرية الألعاب، الذي يحفز المشاركين ممن يستثمرون في الطاقة الحاسوبية للتحقق من صحة البيانات الجديدة بدفع مكافأة مقابل هذا العمل.
بينما تُسمى آلية المكافأة الداخلية للشبكة بتكوين bitcoin (تبدأ بحرف بي صغير). دون وجود عملات بتكوين تحفز عملية التعدين تعجز شبكة ساتوشي عن العمل لسببين:
أولاً لأنَّ أي مستخدم يرغب في إضافة أو تغيير بيانات متتبعة على بلوكتشين البتكوين، يحتاج إلى دفع رسوم بالبتكوين، أي أنَّ إضافة بيانات جديدة عملية مكلفة، ومن ثم فمن غير المرجح أن تجتاح شبكة البتكوين معاملات زائفة أو منخفضة القيمة (تحديداً لمنع أي هجمات حرمان من الخدمات).
ثانياً، توفر مكافأة البتكوين حافزاً مالياً للمشاركين يشجعهم على قبول المعاملات الصالحة فقط، بهدف ضمان أن يتصرف المعدنون الذين يستثمرون مواردهم في التحقق من صحة التغييرات في البلوكتشين بنزاهة، وألا يصدقوا على أي بيانات زائفة.
قرار الدائرة الثالثة وما يجب على فلوريدا فعله حيال ذلك
يركز رأي محكمة الدائرة الثالثة على الاستخدامات المالية للبتكوين فقط، لكنَّ التحليل الذي أصدرته يتجاهل الاستخدامات الأخرى لها، التي تشمل أنَّها شبكة نشر مقاومة للرقابة، وأداة لختم الوقت، ومصدقة على الوثائق، ومنصة للعقود الذكية (باستخدام الجذر RSK) لها تطبيقات متعددة في العديد من الصناعات، بجانب أنَّها قادرة على تيسير أشكال متعددة من الاتصالات الدقيقة (باستخدام شبكة لايتننغ Lightning في البتكوين)، التي يصعب تيسيرها من الناحية التكنولوجية بأي وسيلةٍ أخرى.
يتطلب كل من هذه الاستخدامات غير المالية من المستخدم الحصول بسهولة على البتكوين للمشاركة في كلٍ من الأنشطة المالية وغير المالية التي تيسرها الشبكة الداعمة لها.
وبتجاهل سياسة الدولة القائمة التي تسمح للأفراد ببيع ممتلكاتهم الرقمية دون الحصول على ترخيص مزاولة خدمات مالية، حولت المحكمة ولاية فلوريدا لتصبح إحدى أقل الولايات ترحيباً بابتكارات مجال البلوكتشين والعملات الافتراضية، بعدما كانت أكثرها ترحيباً بها. إضافة إلى أنَّها جعلت إطلاق نشاط تجاري يساعد على تنمية أو تيسير الاستخدامات (التي تتطور باستمرار) لشبكة البتكوين اللامركزية العالمية أمراً مستحيلاً وعالي التكلفة بسبب عدم إدراكها لقيمة شبكة البتكوين واستخداماتها المتطورة؛ فيما فرضت أعباء أعلى على أي طرف يرغب في التداول عبر شبكة البتكوين.
قد تكون رغبة الدولة في منع أي سلوك غير قانوني مبررة، لكن ينبغي لها أن تكون حذرة للغاية عند اعتماد سياسات مبهمة أو تقييدية من الناحية التكنولوجية. إذ يتناقض قرار محكمة الدائرة الثالثة للاستئناف مع مكتب التنظيم المالي في فلوريدا وفهمه الصحيح للعديد من الجوانب، المالية وغير المالية، لشبكة البتكوين. لكن لحسن الحظ، عُرض مشروع قانون جديد على مجلس نواب فلوريدا من شأنه أن يشكل مجموعة عمل معنية بتقديم المشورة للدولة، بجانب مهام أخرى خاصة بتنظيم البتكوين. إلا أنَّ وضع حلول تشريعية قد يستغرق عدة أشهر أو سنوات.
في غضون ذلك، من الضروري أن تأخذ الهيئات التنظيمية والمحاكم الوقت الكافي لفهم تطبيقات شبكة البتكوين خارج نطاق استخداماتها المالية، حتى لا تدع ولاية فلوريدا تتخلف عن الركب.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.