بهدف معرفة من يستثمر في العملات المشفرة والطرح الأولي للعملات ICOs، ولماذا يفعلون ذلك والطريقة التي يتداولون بها، أجرى كوين دوبونت، الباحث بجامعة واشنطن، بحثاً يهدف إلى دراسة الأشخاص الذين يقفون خلف المليارات التي ضُخّت في الاستثمار والمضاربة، في ذروة استثمارات العملات المشفرة في أواخر عام 2017.

خلفية البحث

 

في ظل ارتفاع أسعار السوق في ديسمبر/كانون الأول 2017، بدا أن الجميع يشاركون في هذا الزخم. احتلت أخبار العملات المشفرة الصفحات الرئيسية في الصحف، إذ اندفع المستثمرون من كافة الاتجاهات نحو سوق العملة المشفرة، معتقدين أنها فرصة لا تأتي أكثر من مرة في العمر.

 

أغرت الطرق السهلة وغير المنظمة كثيراً من الناس، فأصبحوا يتداولون أزواجاً من العملات المشفرة الشهيرة عبر التطبيقات ومنصات التداول. ثم جاء وقت المحاسبة، إذ خسر معظم الناس استثماراتهم في ركود مطول للسوق. ولكن، هل يعرف الناس من “يستثمر” في العملة المشفرة؟ في الحقيقة هم لا يعرفون.

 

أراد الباحث في هذه الدراسة أن يتخطى متابعة عناوين الأخبار والمكائد والأخبار الكاذبة و”تحليلات السوق”، وأن يتحدث مع أناس حقيقيين لمعرفة ما الذي يجعلهم يحركون الأسعار. ما يتبع هنا هو نسخة مختصرة ومنقحة لهذا البحث، والتي نشرها مؤخراً في كتابه الشامل، العملات المشفرة والبلوكتشين Cryptocurrencies and Blockchain.

 

من يتداول العملات المشفرة؟

 

هناك أنواع عديدة من متداولي العملات المشفرة، من كل فئات سيليكون فالي. فهناك “كريبتو بروس” و”بتكوين مامس” و”كريبتو تشيكس“. بهدف إجراء هذا البحث، حاورت 6 من المتداولين الهواة و6 آخرين من المتداولين المحترفين، الذين كانوا جميعاً مديرين لصناديق ضخمة تستثمر في العملات المشفرة تحديداً.

 

ترجح نتيجة البحث أن هذا السوق الاستثماري يقدم العديد من التحديات الفريدة، ولكن مع ذلك، يرى هؤلاء المتداولون في أنفسهم رواداً لمجال جديد ومثير من الاستثمار. وقد اكتشف الباحث أيضاً بعض الأنشطة غير الأخلاقية والمخالفة للقانون، ولكن القطاع الأغلب كان أناساً يسعون لزيادة التنظيم والوضوح والمهنية.

 

في العموم، يتعامل هؤلاء المستثمرون مثل مستثمري رأس مال المخاطرة، الذين يدخلون مراهنات كبيرة وخطيرة على أمل الحصول على بعض النجاحات والأرباح الكبيرة. يمثل رأس المال والتمويل في تكنولوجيا العملات المشفرة والبلوكتشين فرصة اقتصادية واجتماعية بالإضافة إلى المخاطر التي تصحبها. ومثل فترة حمى الذهب Gold Rush واستكشاف الغرب الأميركي Wild West، هناك العديد من الثروات التي تُكتسب وتُفقد.

 

عجائب العقد الثاني

 

إذا كانت الأدوات المالية المتطورة من “عجائب” للعقد الأول بعد الألفية، كما أسماها عالم الأنثروبولوجيا بيل مورير، فحتماً ستكون العملات المشفرة والبلوكتشين هما “عجائب” العقد الثاني.

 

تمثل العملات المشفرة والبلوكتشين جزءً من مشهد أكبر في “التكنولوجيا المالية”، يحتل هذا الجزء أهمية مع زيادة خوارزميات وتقنيات التشفير التي تتم على الأنشطة المالية، والتي تجسد كلاً من الطبيعة الافتراضية والإجرائية للأدوات المالية، وهذا يزيد المسافة المادية والاجتماعية والأخلاقية بين الأموال والعملاء. هذا يعني أن هذا التغيرات العالمية تمثل مخاطر حقيقية تتعدى حدود الفرد والمستثمر.

 

لا تعد تقنية العملات المشفرة جيدة أو سيئة في حد ذاتها، ولكنها محرك مالي قوي لقطاع أوسع من التكنولوجيا المالية مع وجود آثار وسمات سياسية واجتماعية غير معروفة بالكامل حتى الآن لهذه التقنية. بالطبع يؤدي الاستثمار المضارب في العملات المشفرة إلى مخاطر مالية حقيقية للأفراد، مما يتطلب وجود استشارات مالية رشيدة لتحذير المستثمرين (عدا المتصالحين مع المخاطرة) من هذه المخاطر.

 

مخاطر كبيرة من كافة النواحي

 

بشكل عملي، هناك مخاطر كبيرة في كل نواحي الاستثمار: إذ تتعرض منصات التداول والمحافظ للاختراق أو أعطال سوء الإدارة (اختفت عديد من المنصات نتيجة الفشل أو الجريمة المباشرة التي تمثل بالهروب بأموال المستثمرين). تنتشر عمليات الاحتيال، وعادة ما يتم التلاعب بالأسواق والأسعار. عديد من الأسواق “ضحلة” للغاية مما يقلل سيولة التداول، بينما إدارة العمليات والاستخدام معقدان وعرضة دائمة للأعطال (فُقدت الملايين عن طريق أخطاء بسيطة وغير قابلة للإصلاح في المعاملات)، ورسوم المعاملات مرتفعة عادةً (انظر حساب ديفيد جيرارد الهزلي والحاد عن هذا الصخب في مجال العملات المشفرة). والسبب الأهم والأكبر لكون استثمار العملات المشفرة مليء بالمخاطر هو أنها لا زالت غير قانونية وغير محددة وقيد التطور في عديد من الأماكن.

 

بالرغم من هذه المخاطر، يعتقد العديد من المستثمرين الذين تحدثت معهم أن سوق الاستثمار يمثل فرصة نادرة. وقد علم الباحث أن العديد منهم قاموا بأخطاء في البداية، لكن جميعهم تمكنوا من التعافي في ذورة السوق وحتى عام 2018، حتى بالرغم من أنه خلال فترة ركود السوق، أُغلقت العديد من صناديق التحوط وفشل العديد من الهواة في تعويض خسائرهم.

 

وبشكل عام، ستظل قيد الانتظار معرفة ما إذا كان السوق المستقبلي سيشكل فئة ضخمة وجديدة من الاستثمارات، كما يعتقد المستثمرون الذين تحدثت معهم، أو سيكون شيئاً ما أصغر. هل سيتضاعف حجم سوق العملات المشفرة ليضاهي الأسواق المالية التقليدية (مئات الترليونات مثلاً)، أو فئة فرعية مثل بورصة ناسداك NASDAQ (أي ترليونات)، أو ربما تصبح العملات المشفرة سلعة يضاهي سوقها سوق زيت النخيل (مليارات)؟

 

الاختلافات بين الهواة والمخضرمين

 

وجدت أن الهواة حين يتداولون العملات المشفرة، فهم يصفون دوافع أنشطتهم بمصطلحات اجتماعية، بينما على الجانب الآخر، يصف المتداولون المخضرمون أنشطتهم بطريقة عملية وتقنية. وهذا ليس مفاجئاً.

 

المثير للاهتمام حقاً هو درجة الأهمية التي يضفيها الهواة على “مجتمعاتهم” كعنصر رئيسي لأنشطتهم الاستثمارية. فعلى سبيل المثال، أجرى العديد من الهواة أنشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالرغم من ذلك، لم يتخذوا في الغالب إجراءات استثمارية بناء على هذا التفاعل الاجتماعي. فبدلاً من ذلك، فهم يتعاونون بطريقة فكرية، مثل التنبيه على عمليات الطرح الأولي للعملات ICOs والتغييرات في فرق تطوير البرمجيات وفرص الاستثمار الجديدة في السوق. حتى أن إحدى المشاركات كونت مجموعة من الأفراد المتشابهين في التفكير في مكان عملها، بهدف الاستفادة من الاهتمام المشترك بالعملات المشفرة كطريقة للدخول ضمن مجموعة كاملة من الرجال.

 

بصفتهم يقفون أعلى الهرم الوظيفي كمديري صناديق، يعتمد المستثمرون المخضرمون على توظيف باحثين تكون مهمتهم هي فحص مدى صلاحية فرص الاستثمار التي تطرحها المنظمات وفرق البرمجيات. يبدو المستثمرون المخضرمون أنهم يفضلون العمل بشكل أكثر فردية من الطريقة التقليدية لمديري صناديق التحوط، الذين يعتمدون على الخبرات الموزعة والاجتماعية، وفقاً للدراسة الطولية التي أجراها دونالد ماكنزي. بالنسبة للمخضرمين، تتضاءل الاستشارة والتعاون مع المتداولين الآخرين، وتختفي في معظم الحالات.

 

كانعكاس للشعبية والاهتمام التي يحظى بها الطرح الأولي للعملات خلال فترة المقابلات التي قمت بها (والتي هدأت كثيراً منذئذ)، يبحث كل من المتداولين الهواة والمخضرمين بكثافة عن الطرح الأولي للعملات. فضلاً عن ذلك، تتعدد الاستخدامات الاستثمارية للطرح الأولي للعملات والعملات الابتدائية بشكل مدهش. بحث المتداولون الهواة والمخضرمون عن الطرح الأولي للعملات مثلما تبحث صناديق رأس مال المخاطرة عن الشركات الناشئة، وفي بعض الأحيان تولوا أدواراً قيادية وقدموا استشارات حول استراتيجيتها. وهذا لم يكن حكراً على صناديق التحوط الممولة جيداً فقط، بل شارك العديد من المستثمرين الهواة في أدوار قيادية في الطرح الأولي للعملات وشركات العملات المشفرة-وهي فرصة مدهشة لتجربة ديمقراطية مالية. في تفسيرهم لأسباب اهتمامهم بمعرفة معلومات عن الطرح الأولي للعملات المرتقبة والشركات الصاعدة، قالوا إنهم ينظرون للطرح الأولي للعملات على أنه استثمارات منخفضة التكلفة نسبياً وعالية المخاطرة عالية الأرباح.

 

بالطبع ستكون التفرقة بين التداول من الداخل ورأس مال المخاطرة وتداول العملات المشفرة أمراً ضبابياً وعسيراً.

 

مرة واحدة في العمر

 

وأخبرني معظم المتداولين أنه بغض النظر عن المخاطر، فإن مشاركتهم في سوق العملات المشفرة يعتبر “فرصة لا تتكرر في العمر، وطريقة لتكوين ثروة للأجيال”.

 

وعبر أحد المتداولين المخضرمين عن ندمه لتفويت فرصة الاستثمار في الانترنت في تسعينيات القرن الماضي- يبدو أنه مع ذلك لم يهتم لأمر انفجار الفقاعة الذي أدى لتدمير كثير من المستثمرين- معتقداً أن ازدهار العملات المشفرة هي فرصة الاستثمار الكبرى في جيله. ووصف العديد من المتداولين أيضاً روح السوق بمصطلح “الغرب البري Wild West”، وأدوارهم كـ”رواد” لمناطق جديدة. وبشكل متوقع، تحدث جميع المتداولين عن الاستثمار في العملات المشفرة بحماس والتزام ملاحظَين.

 

يبدو أن لا أحد يستطيع دخول هذه اللعبة من منتصفها.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.