مرّ عقد من الزمن منذ نشأة البتكوين (BTC)، وهي تقنية اخترعها شخص مجهول الهوية يشتهر باسم ساتوشي ناكاموتو. طوال كل تلك الأعوام، ظل كثيرون ينقّبون عن مخترع البتكوين، وتزايدت مشاهداته بدرجة كبيرة منذ عام 2016. وخلال عام 2018، كانت هناك عدة مشاهدات مزعومة لساتوشي الحقيقي، بل وظهر عدة أشخاص زعموا أنَّهم هم مخترع البتكوين الغامض نفسه.

 

ساتوشي في كل مكان

 

لا شك أنَّ عام 2018 كان مشوقاً للغاية لهواة العملات المشفرة، إذ كَثُرَ فيه غريبو الأطوار الذين زعموا أنَّهم ساتوشي ناكاموتو: فقد خرج علينا عدد من الأشخاص فجأةً هذا العام قائلين إنًًّهم هم من اخترع البتكوين، حتى إنًّ أحدهم نشر الفصل الأول لسيرة ذاتية مزعومة لساتوشي ناكاموتو. بعد ذلك، حدثت بعض المشاهدات الغريبة المرتبطة بساتوشي، مثل هاش البتكوين “21e8″، جعلت بعض الناس يعتقدون أنَّ ساتوشي هو في الواقع مسافر زمني من الفضاء الخارجي يستخدم قدرات حوسبة كمّية فائقة. صحيح أنَّ كلّ قصة عن ساتوشي أو منتحل لشخصيته ظهروا في عام 2018، بلا استثناء، قد فشلت في إقناع مجتمع العملات المشفرة، لكن تظل النقاشات حول هوية مخترع البتكوين ممتعة دائماً.

 

كتاب يحكي فيه ساتوشي كل شيء

 

وصلت إلى مالكي عملة البتكوين الصيف الماضي، صيف عام 2018، أخبار تفيد بأنَّ ساتوشي ناكاموتو يؤلف سيرته الذاتية على ما يبدو: ففي شهر يونيو/ حزيران الماضي، تسبب المحرر التابع لوكالة بلومبرغ Bloomberg، ماثيو ليسنغ، في تضليل بعض السُذج وجعلهم يعتقدون أنَّ ساتوشي ربما يعمل حالياً على كتابة مذكراته لنشرها في كتاب يحكي كل شيء. استشهد ليسنغ على ذلك بموقع يدُعى Nakamotofamilyfoundation.org (لم يعد له وجود الآن)، وكان عبارة عن نسخة إلكترونية مكوّنة من 21 صفحة بصيغة PDF للفصل الأول من الكتاب المزعوم. ليس هذا فحسب، بل إنَّ منشئو الموقع أضافوا عليه أحجية مكتوبة بالشفرة ليحلها القرّاء الذين يشعرون بالفضول لمعرفة المزيد من “الدلائل”.

 

برر موقع Nakamotofamilyfoundation.org ذلك قائلاً: “يسرّني أن أنشر في ما يلي المقتطف الأول من عمل أدبي من جزئين. لقد أوردت هذا المقتطف لأنني أردته أن يكون بمثابة لمحة سريعة على التاريخ. ولهذا السبب، أردت جعله متاحاً للجميع، حتى لمن لا يمكنهم الاطلاع على نص الكتاب كاملاً”.

 

لكن متقصيّ الحقائق النظرية ما لبثوا أن فضحوا أمر ذلك النص المعروض في 21 صفحة في بضع ساعات قليلة: إذ جرى تقييم المستند باستخدام المقاييس الأسلوبية ولم يأتِ مطابقاً لكتابات ساتوشي السابقة. وبطبيعة الحال، نسى الجميع أمر هذه السيرة الذاتية بلمح البصر، وحُذف الموقع الإلكتروني الذي نشرها، ولم ينُشر المقتطف الثاني منها قط.

 

غافين أندرسن هو ساتوشي الحقيقي وفقاً لبحث المقاييس الأسلوبية

 

في حالة أخرى تضمنت علم القياس الأسلوبي هذا العام، أجرت منظمة زي كربتو Zy Crypto، وهي منظمة غير هادفة للربح مقرها إنكلترا، دراسة باستخدام هذا العلم. علم القياس الأسلوبي هو طريقة علمية لدراسة الأسلوب اللغوي للنصوص المطبوعة والمكتوبة بخط اليد لمعرفة مدى تشابهها مع الكتابات السابقة للكاتب نفسه. وبحسب الدراسة التي أجرتها منظمة زي كربتو، فإنَّ الهوية الحقيقية لساتوشي ناكاموتو هي على الأرجح مطوّر البتكوين المعروف غافين أندرسن. لكن بعد نشر دراسة زي كربتو، تحدّث أندرسن علناً عبر حسابه على موقع تويتر Twitter وأخبر متابعيه أنَّه قد فقد ثقته كلياً بعلم القياس الأسلوبي؛ إذ صرّح قائلاً: “بعد أن قرأت هذه الدراسة، تراجعت بشدة عن رأيي في دقة علم القياس الأسلوبي”.

 

صاحب العلامة التجارية لعملة البتكوين كاش (BCH)

 

حدثت مشاهدة أخرى لساتوشي في شهر يونيو/ حزيران الماضي، إذ اكتُشف أنَّ أحد المقيمين في هاواي قد قدّم طلبات لتسجيل علامة تجارية باسم البتكوين كاش (BCH) وكان يشغل بصفة غير قانونية عدداً من نطاقات الويب المتعلقة بعملة البتكوين كاش وبساتوشي. كذلك، سُجلت علامتان تجاريتان تحت اسم “بتكوين كاش” لدى مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة (USPTO) في عام 2018، وزعم صاحب العلامتين التجاريتين هو الآخر أنَّه ساتوشي ناكاموتو.

 

ما إنَّ تعمّقنا في البحث أكثر، حتى قادتنا نطاقات الويب والعلامتين التجاريتين إلى شخص يُدعى رونالد كيالا كوا ماريا: وفقاً لتقارير نُشرت في عام 2001، فإنَّ كوا ماريا كان متورطاً في ما يبدو في عمليات تزوير واتهامات بالاحتيال. فضلاً عن أنَّ الموقع الإلكتروني المملوك لكوا ماريا يشرح سبب تسجيله للعلامتين التجاريتين باسم “بتكوين كاش” ويذكر بالتفصيل أيضاً كونه هو من اخترع عملة البتكوين.

 

إذ قال موقع Satoshinakamoto.ws شارحاً: “أنا ساتوشي ناكاموتو الحقيقي والوحيد. أنا مالك جميع المفاتيح الخاصة وسلاسل البلوكتشين والعملات البديلة وعملات البتكوين بموجب قانون حقوق التأليف والنشر. وفي حال وفاتي أو عجزي أو إصابتي بالغيبوبة أو اختطافي أو احتجازي أو سجني (أو كليهما معاً)، يُمنع منعاً باتًا استخدام جميع أعمالي المسجّلة باسمي وأي أعمال مرتبطة بها من جانب أي شخص في أي مكان لأي سبب كان وفي أي وقت كان دون الحصول على إذن بذلك في أي وقت من رونالد كايلا كوا ماريا شخصياً فقط”.

 

توقيع مزعوم على البلوك رقم 9

 

وفي يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني، لفت نظر هواة العملات المشفرة رسالة صادرة عن البلوك رقم 9 من بلوكتشين البتكوين بدت للبعض توقيعاً صحيحاً من مفتاح ساتوشي في البلوك رقم 9؛ لكن سرعان ما انكشف زيف هذا الخبر أيضاً. هذه الخدعة بالتحديد تضمنت حساباً على موقع تويتر يحمل اسم ساتوشي (حُذف بعد ذلك) حاول نشر معلومة خاطئة مضللة تفيد بأنَّه ينبغي التعامل بكل جدية مع هذا التوقيع.

 

زعمت الرسالة ذات الصلة بالبلوك رقم 9 أنَّ بروتوكول سيغريغيتد ويتنس Segregated Witness يعاني من مشكلات خطيرة، لكن منتحل شخصية ساتوشي رفض الكشف عن طبيعة تلك المشكلات حتى عام 2019. ثم ما لبث اثنان من أشهر مطوري البلوكتشين، هما كريستوفر جيفري (رئيس قسم التكنولوجيا بشركة بيرس Purse) وغريغوري ماكسويل، أن أثبتا لمجتمع العملات المشفرة أنَّ هذا التوقيع ليس سوى محاولة سخيفة لتنفيذ مخطط ما: أوضح ماكسويل مدى سهولة تنفيذ هذه الخدعة الرخيصة بأن وقّع رسالة من بلوك البتكوين الأول وتساءل بعدها ساخراً: “هل ستزعمون أنني مخترع البتكوين الآن؟”.

 

منشور مزعوم من كلمة واحدة لساتوشي ناكاموتو على منتدى مؤسسة النظير للنظير P2P Foundation

 

وما لبثت أن جاءت رسالة أخرى مزعومة من ساتوشي ناكاموتو هذا العام، بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني، في صورة منشور من كلمة واحدة كتبه حساب مُسجّل باسم ساتوشي ناكاموتو على منتدى مؤسسة النظير للنظير P2P Foundation. في ذلك اليوم، نشر المستخدم المُسجل بالمنتدى كلمة “nour”، مما أثار حفيظة متقصيّ الحقائق النظرية على شبكة الإنترنت: فهي قد تعني “شخصاً حنوناً وعطوفاً”، أو لعله يقصد معناها باللغة العربية “نور”. وإلى جانب نشر هذه الرسالة المكوّنة من كلمة واحدة، كان آخر نشاط للحساب الذي يحمل اسم ساتوشي على منتدى المؤسسة هو إضافة صديق غامض يُدعى واغنر تاماناها في العام 2016.

 

المثير للاهتمام أن تاماناها ردّ على رسالة ساتوشي التي تحمل الكلمة “nour” بتاريخ 1 ديسمبر/كانون الأول قائلاً باللغة اليابانية: “يسرّني التعرف إليك، وشكراً جزيلاً لك. أنا من البرازيل، وشكراً لك على اختراعك لعملة البتكوين”. ومع أنَّه كان من الصعب ترجمة هذه الرسالة، ما لبثت أن نُسيت هي الأخرى؛ وبدأ العديدون يعتقدون أنَّ بعض بيانات تسجيل الدخول الخاصة بساتوشي قد اُخترقت، مثل عنوان البريد الإلكتروني الخاص به على موقع جي إم إكس GMX: فبحسب منشور للمستخدم ثيموس Theymos على منتدى بتكوين توك BitcoinTalk يعود لعام 2014، تلقى المستخدم رسالة من حساب البريد الإلكتروني الخاص بساتوشي ناكاموتو على موقع جي إم إكس، مما جعله شبه واثق من أنَّ الحساب “مُخترق”.

نظرية المخلوق الفضائي والسفر عبر الزمن

 

حين عدّن تجمع التعدين Btc.top البلوك رقم 528249 من بلوكتشين البتكوين بتاريخ 19 يونيو/حزيران الماضي بمعدل هاش البلوك 00000000000000000021e800، أثار ذلك جنون هواة العملات المشفرة على شبكة الإنترنت. أول من اكتشف الرسالة كان شخصاً يُدعى مارك ويلكوكس. أرسل ويلكوكس معدل الهاش الغريب هذا إلى متابعيه عبر حسابه على موقع تويتر، وسرعان ما انتشرت الرسالة بكثرة عبر شبكة الإنترنت.

 

ظهرت عدة نظريات مهمة مرتبطة بمعدل هاش البلوك السابق؛ إحداها هي أنَّ ساتوشي ربما كان مسافراً زمنياً من الفضاء الخارجي يتمتع بقدرات حوسبة كمّية استثنائية. وناقش عدداً من الشخصيات البارزة على موقع تويتر الصلة المحتملة بين نمط الهاش السابق وبين نظرية كل شيء (“E8”)، المعروفة أيضاً باسم “نظرية المجال الموحّد”. وبعد مناقشة حامية حول ما يعنيه معدل الهاش، صرّحت إحدى تلك الشخصيات البارزة على موقع تويتر بما يلي: “كدت أجنّ: ساتوشي قد يكون ذكاءً اصطناعياً أو يكون مسافراً زمنياً (أو كليهما). وربما يكون للحوسبة الكميّة وجود الآن. لقد اكتسبت العملات المشفرة بطريقةٍ ما معنىً خفياً خارقاً للطبيعة”.

 

مرة أخرى، نُسيت الرسالة “21e800” في البلوك رقم  528249 بنفس سرعة ظهورها، إلا أنَّها ظلت حتى هذه اللحظة واحدة من أغرب النظريات حول ساتوشي ناكاموتو على الإطلاق.

رجل يُدعى “سكرونتي”

زعم فيل واتسون، الشهير بـ”سكرونتي”، أنَّه شارك في النظرية الجماعية حول ساتوشي ناكاموتو مع ديفيد كليمان وكريغ رايت، وأجرى عدة مقابلات لصالح منشورات إخبارية هذا العام، عام 2018، من بينها مناقشة مع موقع news.Bitcoin.com. لكن قصة سكرونتي بها عيباً كبيراً؛ ألا وهو أنَّه لا يمتلك أي دليل يُثبت أنَّه هو مخترع البتكوين حقاً. مع ذلك، لم يمنعه هذا من كتابة قصته التي تحمل عنوان “Bitcoin Origins“، والتي يقدم فيها وصفاً مطولاً للغاية يحكي كيف طوّر هو والآخران هذه التقنية. لم يصدّق هواة العملات المشفرة قصة سكرونتي؛ وقد رجع ذلك في الغالب إلى أنَّه لا يمتلك أي دليل على صحتها. في هذا الصدد، قال مارتتي مالمي، أحد المطورين الأوائل والمالكين القدامى لموقع Bitcoin.org، إنَّ ذلك “لم يحدث قط. وأيضاً: إمّا تعطينا توقيعك أو تعد من حيث جئت!”. المفارقة أنَّ حتى سكرونتي نفسه قد صرّح أثناء مقابلته مع موقع news.bitcoin.com أنَّه لا ينبغي لأحد أن يصدّق من يدعي بأنَّه ساتوشي الحقيقي دون دليل؛ وأكّد على ذلك بقوله: “لا ينبغي لأحد أن يزعم أنَّه ساتوشي دون دليل يمكن التحقق منه”.

 

لعل البحث عن ساتوشي الحقيقي يطغى على العقل والمنطق؟

 

سوف يستمر ظهور مشاهدات ساتوشي والمدّعين بأنَّهم مخترعي البتكوين خلال عام 2019 أيضاً على الأرجح، بل ومن المستبعد أن يتوقف البحث عن ناكاموتو إلى أن يُعثر على المخترع الحقيقي؛ فالبحث مثير للعديدين، وهناك مراسلين صحفيين ومحققين هواة كُثر يبحثون عن ساتوشي منذ سنوات. وبغض النظر عن أنَّ الغالبية العظمى من الدلائل والتوقيعات و”الأدلة المخفية” وادعاءات الأفراد زائفة في نظر مجتمع العملات المشفرة، سيظل هناك من يصدّقون فعلاً أحد منتحلي شخصية ساتوشي بين الحين والآخر. لكن هذا يعود إلى رغبتهم القوية في العثور على ساتوشي التي طغت على قدرتهم على التمييز؛ بعد أن انفضح أمر جميع مشاهدات ساتوشي ومنتحلي شخصيته إلى الآن، وفشلوا في إثبات أي شيء سوى ميل البشر  إلى نشر الأكاذيب الملفقة التي يصعب تصديقها.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.