بعد عام حافل بالأحداث وطفرات الأسعار في سوق العملات المشفرة في 2017، جاء عام 2018 بمثابة خيبة أمل كبيرة: إذ انهارت قيمة الغالبية العظمى من الأصول المشفرة بما يزيد على 80 بالمائة، بعد أن كانت أسعارها قد وصلت إلى أعلى مستوياتها، وتصدرت الكثير من الأخبار المهمة العناوين الرئيسية عن وضع لوائح جديدة لتنظيم التداول بالعملات المشفرة وتعرُّض منصات التداول لعمليات الاختراق وتأجيل إنشاء صناديق مؤشرات التداول للعملات المشفرة.

تراجع بمئات المليارات من الدولارات الأميركية في قيمة رأس مال سوق العملات المشفرة خلال عام 2018

يمكن القول إنّ عام 2018 كان مخالفاً تماماً لعام 2017 من ناحية تغيرات الأسعار التي شهدها سوق العملات المشفرة على مدار العامين: ففي يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2017، كانت قيمة رأس مال السوق لأهم 10 عملات مشفرة وأسعار كلاً منها مختلفة تماماً عنها في يومنا هذا. إلى جانب أنَّ قيمة أهم 5 عملات مشفرة في مقابل العملات النقدية كانت أكبر بكثير آنذاك؛ إذ كان سعر تداول عملة البتكوين (BTC) يبلغ 13,170 دولار أميركي للعملة الواحدة، في حين كان سعر تداول عملة الريبل (XRP) يقدّر بـ 2.12 دولار أميركي، وسعر عملة الإيثريوم (ETH) هو 721 دولار أميركي، والبتكوين كاش (BCH) بسعر 2,459 دولار أميركي، وأخيراً عملة الكاردانو (ADA) بسعر 0.69 دولار أميركي.

لكن على مدار العام بأكمله، خسرت جميع العملات المشفرة الكبرى حسب تقييم السوق ما يزيد على ثلاثة أرباع قيمتها الصافية منذ ديسمبر/كانون الأول 2017. ليس هذا فحسب، بل وصل تقييم السوق للمنظومة بأكملها آنذاك إلى أعلى مستوياته، بقيمة تجاوزت النصف مليار دولار أميركي. أما الآن، فإنًّ ذلك المقياس بالكاد يتجاوز المائة مليار دولار أميركي.

لوائح تنظيمية جديدة في كوريا الجنوبية

وطوال معظم شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2018، بدأت نبرة الحديث عن وضع لوائح تنظيمية للعملات المشفرة تشتد في جميع بلدان العالم: إذ شهد هذان الشهران بالتحديد الكثير من المناقشات التنظيمية من جانب كوريا الجنوبية. كانت العناوين الرئيسية المستمدة من تصريحات المسؤولين الحكوميين في كوريا الجنوبية كثيرة ومتكررة، وكانت شبيهة للغاية بتصريحات بنك الصين الشعبي (PBOC) السابقة التي لا حصر لها، والتي أعلن فيها “حظر” التداول بالعملات المشفرة. بنهاية شهر يناير/كانون الثاني 2018، وللمرة الأولى على الإطلاق، حكمت محكمة في كوريا الجنوبية بأنًّ عملة البتكوين (BTC) هي عملة ذات قيمة اقتصادية. ليس هذا فحسب، بل استحدثت البلاد نظاماً لأرصدة العملات المشفرة في جميع أنحاء البلاد يحظر التداول المجهول للأصول المشفرة في كوريا الجنوبية.

منصات تداول مُخترقة

بجانب كل هذه الأخبار من كوريا الجنوبية، تعرضت منصة تداول العملات المشفرة اليابانية كوين تشيك Coincheck للاختراق بتاريخ 26 يناير/كانون الأول، واستولى المخترقون ما يعادل 400 – 534 مليون دولار أميركي من عملة النيم (NEM) المشفرة. وفي حين شهد أبرز مؤيدي الأصول الرقمية اختراقاً تاريخياً لمنصة أخرى لتداول العملات المشفرة، لم تتأثر أسواق العملات المشفرة بخسارة تلك المنصة إلى هذا الحد. ثم حدثت عملية اختراق أخرى في شهر أبريل/نيسان الماضي، تعرضت فيها محفظة منصة تداول العملات المشفرة الهندية كوين سكيور Coinsecure إلى الاختراق وخسرت ما يعادل 2.7 مليون دولار أميركي من عملات البتكوين. في ذلك الحين، ألقت الشركة باللوم على كبير موظفي الأمن بها، ويُدعى أميتاب ساكسينا، واتهمته بالضلوع في الحادثة. وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وجهت سلطات إنفاذ القانون الهندية تهماً لعدد من المشتبه بهم، وفسرت الحادثة بأنًّ هناك من سهّل ارتكاب الجريمة من العاملين بالمنصة.

فشل ذريع لعدة عروض أولية للعملة (ICO)

خلال الربع الأول من عام 2018، بدأت العروض الأولية المهمة للعملة (ICOs) تواجه الكثير من المشكلات مع الهيئات الحكومية الخاصة من قبيل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) ولجنة تداول السلع الآجلة (CFTC). من بين أوائل الإخفاقات التي حدثت العام الماضي إصدار مفوّض إدارة البنوك لدى ولاية تكساس الأميركية أمراً بإيقاف أنشطة جهة تزعم أنَّها “بنك لا مركزي للعملات المشفرة”؛ ألا وهي بنك أرايز Arise Bank التابع لمنصة بت شيرز Bitshares، والذي كان واحداً من أوائل العروض الأولية للعملة التي بدأت تواجه مشكلات قانونية. وبحلول شهر فبراير/ شباط الماضي، كان مجتمع العملات المشفرة قد أدرك أن 46 بالمائة من العروض الأولية للعملة لعام 2017 قد فشلت بالفعل. فضلاً عن أنَّه، طوال عام 2018، كانت هناك إجراءات صارمة بجميع أنحاء العالم تستهدف عمليات العروض الأولية للعملة بصورة خاصة. وفي الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، وجهت الجهات التنظيمية بالولايات المتحدة الأميركية تهماً للمنتج الموسيقي دي جي خالد والملاكم فلويد مايويذر لأنَّهما رفضا الإعلان عن قيمة المدفوعات التي تقاضياها مقابل الترويج للعروض الأولية للعملة.

الرئيس الفنزويلي وعملة البترو المشفرة (PTR)

من بين الأخبار المثيرة للاهتمام لهذا العام خبر بدء تداول أول عملة مشفرة حكومية في العالم في فنزويلا: عملة البترو (PTR).  صحيح أنَّ لا أحد يعلم يقيناً بعد ما إذا كانت التجربة ستنجح أم لا، لكن الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، ظل طوال العام الجاري يروّج لمزايا هذا التوكن “المدعوم بالنفط”. وفي الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، فرضت وزارة الاتصالات والمعلومات الفنزويلية قانوناً جديداً جعل عملة البترو هي العملة الرسمية للمعاملات التجارية داخل البلاد. وعلاوةً على ذلك، رفع الرئيس الفنزويلي مؤخراً سعر البترو إلى 9 آلاف بوليفار بدلاً من 3,600 بوليفار فقط. المفارقة أنَّه بينما كان مادورو وشركاؤه يعبثون بما زعموا أنَّه عملة مشفرة “مدعومة بأصول متعددة” استحدثوها سراً، كان الشعب الفنزويلي يعاني من متاعب اقتصادية جعلته محط أنظار العالم كله.

تأخر صدور منتجات التداول المؤسسي

مع أنَّ الأسواق كافةً شهدت عمليات إغمار طوال عام 2018، حظي سوق العملات المشفرة بالذات بالكثير من الاهتمام المؤسسي هذا العام. ولا شك أنَّ مؤيدي العملات المشفرة يتذكرون انتظارهم بفارغ الصبر قرار الموافقة على إنشاء صندوق مؤشرات تداول أميركي للعملات المشفرة (ETF) ثانيةً في عام 2018، إلى أن تقدّمت بورصة شيكاغو للخيارات (Cboe) في شهر يوليو/ تموز الماضي بطلب إنشاء صندوق مؤشرات تداول بتكوين يُربط بمؤسسة فانيك سوليد إكس الائتمانية للبتكوين Vaneck Solidx Bitcoin Trust. لكن في الشهر نفسه، أجلت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية قرارها بشأن الموافقة على خمسة طلبات بإنشاء صناديق مؤشرات تداول بتكوين تقدمت بها بورصة نيويورك الإلكترونية للأوراق المالية NYSE Arca.

استمر الحال هكذا طوال عام 2018: إذ تأجل إنشاء صناديق مؤشرات متداول للبتكوين على مدار العام؛ مما دفع الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة إلى طلب معرفة الرأي العام حول طلبات إنشاء صناديق تداول مؤشرات العملات المشفرة، فقط ليصلها كم هائل من الردود. كذلك، أجلّت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية قرارها مرة أخرى في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2018، مبررةً ذلك بأنَّها سوف تقرر مصير صندوق مؤشرات المتداول للبتكوين التابع لمؤسسة فانيك سوليد إكس في فبراير/ شباط 2019. بالإضافة إلى ذلك، كان المتداولون بعملة بتكوين ينتظرون العقود الآجلة اليومية لعملة البتكوين التابعة لمنظومة باكت Bakkt المقدمة من شركة إنتركونتننتال إكستشينج Intercontinental Exchange، والتي كان من المفترض أن تبدأ عمليات التداول بها الشهر الجاري، ديسمبر/ كانون الأول 2018، لكن هذا المنتج أيضاً قد تأجل.

عملة البتكوين كاش (BCH) وقصة عمليتيّ الفورك

أقل ما يُقال عن عام 2018 بالنسبة لشبكة البتكوين كاش هو أنَّه كان عاماً مشوقاً؛ إذ شهدت فيه الشبكة عمليتيّ فورك: عملية الفورك الأولى حدثت في الربيع بنجاح ساحق، ونتج عنها إضافة مجموعة جديدة من الخصائص مثل أكواد التشغيل التي أُعيد تفعيلها وزيادة حجم البلوك إلى 32 ميغابايت. ومنذ هذه الترقية، شهدت عملة بتكوين كاش سيلاً هائلاً من التطورات شملت عدة تطبيقات جديدة مثل ميمو كاش Memo.cash وبلوك برس Blockpress وجوي ستريم Joystream وماركو كوينو Marco Coino وكوين فاندر Coinfundr وأكاري Akari، وتلسكوب Telescope وبروتوكول سيمبل ليدجر Simple Ledger Protocol وورم هول Wormhole، وغيرها كثير. وقد خضعت الشبكة بتكوين كاش في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر/أيلول 2018 إلى “اختبار تحمّل” مدته أسبوع تمكنت فيه من معالجة ملايين المعاملات بصفة يومية.

وفي أول الشهر نفسه، أكّد معدّنو بتكوين كاش إجراء 2,060,041 معاملة (tx) في 24 ساعة، وأثبتت الإحصائيات أنَّ بلوكتشين البتكوين كاش عالجت 85,835 معاملة في الساعة،

و23.8 معاملة في الثانية الواحدة.

بعد انتهاء اختبار التحمّل، بدأت عملية الهارد فورك التي كان من المقرر إجراؤها بتاريخ 15 نوفمبر/تشرين الثاني تصبح مثيرةً للجدل، وأدت عملية الفورك إلى انقسام البلوكتشين. لكن بعد الحصول على معظم إثبات العمل وأغلب دعم البنية التحتية، أٌضيف مؤشر البتكوين كاش

(BCH) إلى جانب عملة بتكوين إيه بي سي من عملية الفورك (ليصبح مؤشر العملة “BCHABC”) بينما أُدرجت الشبكة الأخرى في منصات التداول بجميع أنحاء العالم تحت مؤشر بتكوين إس في (BSV). لا شك أنَّ مجتمع بتكوين كاش يمضي قدماً من عملية الانقسام بخطى ثابتة؛ فقد حققت قيمة العملة المشفرة اللامركزية ارتفاعاً بنسبة 140 بالمائة خلال الأسبوع الماضي، الأسبوع الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2018.

مشهد العملات المشفرة في عام 2019 سيكون مشوّقاً بالتأكيد

لا شك أنَّ أداء أسواق معظم العملات المشفرة قد تحسّن كثيراً في نهاية الشهر الجاري، ديسمبر/كانون الأول 2018. ولهذا السبب، ينتاب العديد من المتحمسين الفضول حول مصير العملات المشفرة في العام القادم، عام 2019: معظم الداعمين للعملات المشفرة يعتقدون بطبيعة الحال أنَّها ستؤتي ثمارها بعيدة المدى في النهاية، حتى وإنَّ ظلت هناك عقبات على طول الطريق. هناك العديد من الأحداث الأخرى المثيرة للاهتمام، والمثيرة للفضول أيضاً،

في العامين 2018 و2019. لكن في أيّ عام كنّا، سيظل هناك شيء واحد مؤكّد: عالم البتكوين مليء بالإثارة دائماً!

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.