ربما لم تسمَع بالفيرتكوين (VTC)، وهي مشروع عملةٍ مشفرةٍ مُصَمَّمةٍ للحد من التركيز على قوة التعدين لصالح المشاركة واسعة النطاق. ولكن إذا كنت مهتماً بالأمان، واللامركزية، وقابلية الوصول المفتوحة للعملات المشفرة، فسوف تهتم بالتساؤلات المطروحة من خلال الاختراق الواقع حديثاً في البلوكتشين الخاصة بها.
في هجوم 51 بالمئة كما يقول الكتاب، وثَّقه المهندس الأمني لمنصة كوين بيس Coinbase مارك نيزبت في منشورٍ على إحدى المدوَّنات، استولى أحدهم على النسبة العظمى من قوة الهاش الخاصة بشبكة الفيرتكوين، بهدف إجراء عدة عمليات “إعادة تنظيم reorgs” للبلوكتشين. فعلياً، أعاد منفِّذ الهجوم كتابة جزءٍ من تاريخ السجلِّ، ثم باستخدام قوة الهاش الغالبة التي يملكها في إنتاج أطول سلسلةٍ، أقنع سائر المُعَدِّنين بالمصادقة على هذه النسخة الجديدة من البلوكتشين. وبذلك، قد يرتكب -هو أو هي- الجريمة الأشنع في مجال العملات المشفرة: الإنفاق المزدوج للمعاملات السابقة، مما يُبطِل صلاحية العملات المملوكة للمستفيدين السابقين.
كانت ضربةً موجعةً لمجتمع مُحِبِّي الفيرتكوين من المستخدمين. تحت قيادة فريقٍ مُخلِصٍ لامركزيٍّ من المطوِّرين -على النقيض من مُصدري العروض الأولية للعملات الجشعين في العام المنصرم- دافع ذلك المجتمع لمدَّة أربعة أعوامٍ عن الخوارزمية “المضادة لأجهزة التعدين المعدلة” الخاصة بهم، باعتبارها سبيلاً للتخلص من انحصار تركيز القطاع على البتكوين وعملات إثبات العمل المشفرة الأخرى.
الآن، مثَّل لهم هبوط أسعار العملات المشفرة أو ما يُعرَف بسوق الدببة تحدِّياً لهم، طارحاً سؤال: هل كان التزامهم المستمرُّ بالحفاظ على تنافسية مُعِدَّات التعدين الرخيصة العمومية جديراً بالعناء؟ هل كان هدفهم -المحمود في ما عدا ذلك- بإضفاء الديمقراطية على التعدين مجرَّد بوابةٍ نحو خطورةٍ أمنيةٍ لا يمكن التصدي لها؟
على نحوٍ غير مفاجئٍ، يرى المنتقدون، بمن فيهم عديدٌ من أنصار البتكوين المتطرفين، أن هذه الحادثة بمثابة مسمارٍ في نعش الفيرتكوين والمشاريع الأخرى المماثلة. فخوارزميات هذه المشاريع المضادة لأجهزة التعدين المعدلة هي مصمَّمةٌ لكي تضمن ألا تكون هناك أفضليةٌ للحواسب القوية التي تُشَغِّل أجهزة التعدين المعدَّلة (ASIC) الباهظة والمصمَّمة خصيصاً مقابل الحواسب ذات بطاقات الرسوميات (GPU)، وهي وحدات معالجةٌ متاحةٌ على نطاقٍ واسعٍ وأرخص ثمناً، ويمكن أيضاً استعمالها لمنصَّات ألعاب الفيديو وأغراضٍ أخرى.
ولكن يقول المنتقدون إن المشكلة هي أن التعدين إذا كان رخيصاً نسبياً وقابلاً للتنفيذ ببساطةٍ عن طريق أخذ آلةٍ تنفِّذ مهمةً ما في الوقت الحاليِّ وأمرها بتنفيذ مهمةٍ أخرى، فمن السهل على منفِّذي الهجمات أن ينشروا قوة هاش كافيةً للاستيلاء على الشبكة. وكما أعلن أحد العناوين الرئيسية على مجلة بريكر Breaker فإن “الميزة العظمى للفيرتكوين” تبدو الآن “عيباً قاتلاً“.
ما زالت هناك حُجَّة للدفاع عن مقاومة أجهزة التعدين المعدلة
لكن لا توجد حجَّةٌ حاسمةٌ في صالح العملات المشفرة الخاضعة لِهَيمَنَةِ أجهزة التعدين المعدَّلة.
بكل المقاييس، أدَّت قوة التعدين المكثَّفة القائمة على الأجهزة المعدَّلة إلى التمركز حول بضعة لاعبين رئيسيين، الأمر الذي لا يزيد فحسب من خطورة وقوع هجمات الـ51 بالمئة من طرف أيٍّ من أولئك المُشَغِّلين الكبار وحدهم أو بالاشتراك مع أحدٍ آخر، ولكنه كذلك يضعهم في دور حُرَّاس البوابات الفعليين. ويتنافى ذلك مع أهداف العملات المشفرة وتكنولوجيا البلوكتشين برمتها التي تسعى نحو إقصاء الوسطاء.
انظر إلى كيف استغلت شركة بِتماين Bitmain بصورةٍ دوريةٍ مركزها بصفتها المورِّد الرئيسي لمعدَّات تعدين البتكوين لأجل التلاعب بالسوق وإرغام المجتمع الأعمِّ على اتِّباع مصالحها، وإن كانت لم تنجح دوماً في ذلك. صحيحٌ أن خصوم بِتماين قد نجحوا في بعض الأحيان في ردعِها، وأبرزهم المطوِّرون الذين أجروا تحديث سيغويت SegWit على كود البتكوين رغماً عن بِتماين، فيرى البعض أن هذا إنما يضع المستخدمين تحت رحمة نوعٍ مختلفٍ من حرَّاس البوابات: مطوِّري البتكوين.
إن سباق التسلُّحِ الناجم عن المنافسة القائمة على أجهزة التعدين المعدلة لأجل مكافآت البلوكات قد أسفر هو الآخر عن استهلاكٍ هائلٍ للطاقة في عملات إثبات العمل المشفرة. وبينما يؤمن كاتب المقال بأن تهديد البتكوين على الكوكب مبالغٌ فيه للغاية وتُشَجِّعُه الإحصاءات الحديثة من موقع كوينشيرز Coinshares القائلة إن 77.6 بالمئة من تعدين البتكوين يستخدم طاقةً متجدِّدَةً، فلا سبيل لإنكار أن استهلاك الكهرباء لا يزال يمثِّل تحدياً بيئياً لهذا القطاع وكذلك مشكلةً حقيقيةً في صورته العامة.
ناهيك عن أنه ليس من الواضح أن نماذج التعدين بالأجهزة المعدلة هي محصَّنةٌ أمام السبب الأساسيِّ لمشاكل الفيرتكوين. الواقع هو أن هبوط أسعار العملات قد أنقص من مقدار الربح الناتج عن التعدين، وأفضى إلى انخفاض معدَّلات التأجير للمعدَّات المنصَّبة بالفعل على مواقع التعدين السحابية مثل نايس هاش Nicehash. فكانت سعة التأجير تلك، لا الآلات حديثة الإصدار، هي ما أعطى لمنفِّذ الهجوم طريقاً سريعاً رخيصاً نحو تكديس قوة الهاش.
لقد شهدت جميع العملات المشفرة، ومنها المضادة لأجهزة التعدين المعدلة والسامحة باستخدامها أيضاً، انخفاضاً في معدَّلات تأجير التعدين الخاصة بها مع انهيار سوق الأصول المشفرة. وقد أسفر ذلك عن إتاحة نسبةٍ كبيرةٍ من سعة أجهزة التعدين المعدلة المنصَّبة أمام منفِّذ الهجوم، مما يُضعِف الحجة القائلة بأن عملات أجهزة التعدين المعدلة مُحَصَّنةٌ لأن الحصول على حواسِبِها واستخدامها أغلى ثمناً من بطاقات الرسومات العامة.
وصحيحٌ أنه في حال عدم وجود قوة هاش مستأجرة كافية للوصول إلى 51 بالمئة، سيواجه منفِّذ الهجوم حاجزاً أكبر إذا تحتَّم عليه استخدام أجهزة تعدين معدلة حديثة للوصول. ولكن إذا كان منفذ الهجوم بالفعل مُعَدِّناً يستخدم الأجهزة المعدلة الثقيلة، فليست مهمته صعبةً كذلك.
ينظر بعض المطوِّرين إلى تجربة الفيرتكوين كتحذيرٍ لجميع العملات المشفرة، ويعتبرون سوق الدببة هذا، الذي يتلاعب بربحية التعدين، تهديداً هائلاً أمام نماذج الإجماع.
وحتى ما قبل المرحلة الأسوأ من هبوط الأسعار، ظهرت زيادةٌ تدريجيةٌ في هجمات الـ51 بالمئة. واقترح مطور الزد كاش زوكو ويلكوكس أن التهديد بالفعل واسع الانتشار، في التعليقات على موضوعٍ بموقع تويتر Twitter أنشأه يوم 4 ديسمبر/ كانون الأول للحديث عن منشور نيزبت. إذ قال: “لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الهجوم نفسه لن يكون ممكناً ضد الزد كاش والإيثريوم والبتكوين”.
البتكوين عملة خاصة، ولكن ليست بالضرورة مثالية
بالتأكيد، تبدو البتكوين معرضة لخطرٍ أقل بكثيرٍ من العملات الأخرى، لأن قوة الهاش الضخمة الخاصة بها يجعل تأجير كميةٍ كافيةٍ من تلك القوة للاستيلاء على الشبكة باهظاً بشدةٍ، مع أن هذا الإجمالي قد انخفض انخفاضاً حاداً منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ففي حين أن تكلفة هجوم الـ51 بالمئة على الفيرتكوين هي 131 دولار في الساعة منذ يوم الجمعة الموافق 7 ديسمبر/كانون الأول، كان الهجوم على البتكوين ليتكلَّف 226 ألف دولار في الساعة، طبقاً لموقع كريبتو فيفتي وان Crypto51. ولا يضع ذلك في الحسبان حقيقة أن القائمة الحالية من مورِّدي التعدين السحابي لا يطيقون أن يوفِّروا قوة هاش كافية للمستأجر لكي يستولي على النسبة العظمى من التحكم بالشبكة.
وكذلك إذا نجح “صائدو القاع” (أي المستثمرين في الأصول التي تعرضت لهبوط في قيمتها) في تثبيت سعر البتكوين، الذي هبط الآن بنسبةٍ تتعدى 80 بالمئة على مدار الأشهر الاثني عشر الماضية، سيسمح ذلك لتعديل الصعوبة الداخلي للبروتوكول بمواكبة السَّير والبدء في استعادة ربحية التعدين.
ومع ذلك، فإن وجهة النظر التي تؤمن بِتَفَوُّق البتكوين في الأمان هي نابعةٌ من مركزها الحالي كعملةٍ مُهَيمِنةٍ، لا من وجود أجهزة التعدين المعدَّلة في حد ذاته. وهي تفترض بلا منطق عدم وجود تحسيناتٍ أخرى في النماذج المتعدِّدة بهدف تحقيق إجماعٍ ونماذج إدارة بديلة.
ويرى الكاتب أن المجال ليس في حالة ركودٍ على الإطلاق. إذ أن المطورين، داخل مجتمعات البتكوين والعملات البديلة، مستمرون في استكشاف حلول اللامركزية. ولسببٍ وجيهٍ جداً: لطالما كان الغرض من هذه التكنولوجيا هو الوصول إلى التداول القائم على معاملات النظير إلى النظير، في وجود قابلية وصولٍ واسعةٍ ومتاحةٍ للجميع لا يمكن لأي حارس بوابةٍ أن يتحكم بها.
ولهذا، تجدر الإشادة بنهج مجتمع الفيرتكوين نحو تحقيق ذلك الهدف. فهو يجمع بين خوارزميةٍ مضادةٍ لأجهزة التعدين المعدلة، وتعهُّدٍ مجتمعيٍّ واضحٍ بإجراء عملية فورك للكود، مَتَى صُمِّمَت شريحة أجهزة تعدينٍ معدَّلةٍ بهدف تعدين عملة الفيرتكوين.
ويتضمن هذا النموذج عنصرَين محوريَّين من عناصر التصميم لأجل نجاح هذه التكنولوجيا: الكتابة المشفرة الذكية على البلوكتشين، وبنية إدارة اجتماعيةٍ واضحةٍ خارج البلوكتشين. (ملحوظة: اثنان من المطوِّرين للفيرتكوين، وهما جيمس لافجوي وغيرت جاب غلاسبرغن، هما باحثان في مبادرة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للعملات المشفرة، حيث يعمل كاتب المقال مستشاراً رفيعاً).
القتال بشرف
ومع ذلك، يُعَدُّ هذا الهجوم الأخير تذكيراً بأن لعبة القط والفأر الجارية بين المجتمع والمهاجمين المحتملين يصعب التعامل معها. لقد أظهر التوغُّل الحديث في شبكة الفيرتكوين بواسطة أجهزة تعدين معدلة مصممةٍ خصيصاً للفيرتكوين مدى صعوبة مجاراة التهديدات المتمثِّلة ضدها.
ولكن سعياً إلى التعلم من الفشل، يُجري مطوِّرو الفيرتكوين الآن إصلاحاتٍ من شأنها تحسين الأمان في عملتهم المشفرة. على سبيل المثال، سيجعل أحد تحديثات البروتوكول أجهزة التعدين المعدلة للفيرتكوين غير قادرة على المنافسة.
ليس من الواضح إن كانت هذه التحديثات كافيةً لتعويض فقدان الثقة في أوساط مستثمري الفيرتكوين ومنصات التداول، التي تكبَّدت أعلى نسبةٍ من الخسائر إثر هجوم الإنفاق المزدوج. إلى جانب أن سعر الفيرتكوين قد تعرَّض لضربةٍ قاصمةٍ. إذ وصل إلى 0.24 دولاراً، بعد أن بلغ أعلى قيمةٍ له بـ10 دولاراتٍ في يناير/كانون الثاني الماضي. بالإضافة إلى أنه قد هبط بنسبة 64 بالمئة منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني وحده. ومن المحتمل ألا يتعافى أبداً من ذلك الأثر السلبي في سمعته.
ولكن ما يحاول مطوِّرو الفيرتكوين تحقيقه هو أمرٌ له أهميةٍ. وسيكون من الخطأ أن نستهتر بجهودهم بناءً على هذا التطور الأخير.
سواء صمدت هذه العملة المشفرة بالتحديد أو طُبِّقَت التعاليم الصادرة من تجربتها على مشروعٍ آخر، فإن العمل على النماذج المشجِّعة لقابلية الوصول المفتوحة واللامركزية ينبغي أن يستمر.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.