على مدار العام الماضي، انصبَّ انتباه صناعة العملات المشفرة على مداولات هيئة الأوراق المالية والبورصات حول كيفية إنفاذ قوانين الأوراق المالية الأميركية. ولكن شهِدَ الشهران الماضيان أهم التطورات على جبهةٍ تنظيميةٍ جديدةٍ: إشراف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة المالية على تطبيق قوانين العقوبات الأميركية.

في الأسبوع الماضي، أقرَّ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوباتٍ على شخصين إيرانيين بتهمة تنفيذ هجماتٍ إلكترونيةٍ على شبكاتٍ أميركيةٍ. وللمرة الأولى على الإطلاق، استهدف المكتب كِلا الفردين اللذين ارتكبا الجنحة ومحفظَتَي البتكوين الخاصتين بهما.

وبهذا يبعث المكتب رسالةً واضحةً إلى العاملين بالصناعة: التزموا بقوانين العقوبات وإلا ستدفعون الثمن.

مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يدخل مجال العملات المشفرة

السبب وراء العقوبات الاقتصادية هو القرارات السياسية للحكومة الأميركية بأن بعض الدول أو الحكومات أو الأفراد أو الشركات لا ينبغي أن يتعاملوا مع “أشخاصٍ أميركيين”. وفئة “الأشخاص الأميركيين” هي فئةٌ واسعةٌ: فهي تشمل المواطنين الأميركيين والمقيمين الدائمين بأي مكانٍ في العالم، وغير المواطنين الأميركيين المتواجدين داخل الولايات المتحدة، والكيانات المندرجة بموجب القانون الأميركي (بالإضافة إلى فروعها الأجنبية).

يملك مكتب مراقبة الأصول الأجنبية سلطةً واسعةً لفرض العقوبات بناءً على التهديدات الملموسة للأمن القومي الأميركي. وفي العادة يفرض المكتب “عقوباتٍ أوليةً” عن طريق منع الأشخاص الأميركيين من التعامل بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ مع طرفٍ مُعاقَبٍ، بالإضافة إلى “عقوباتٍ ثانويةٍ” بناءً على تعاملات الشخص غير الأميركي مع الأطراف الأخرى المعاقَبَة.

تكاد بعض العقوبات تكون مطلقةً، مثل تلك التي تمنع جميع المعاملات تقريباً مع دولٍ مثل إيران، بينما العقوبات الأخرى أدق، مثل تلك التي تمنع نوعاً معيناً من المعاملات مع فنزويلا المرتبطة بمعاملات ديونٍ معيَّنةٍ. ويتعرض منتهِك العقوبات للجزاء لأن الانتهاك قد يعد جنحةً أو جريمةً جنائيةً، ويمكن أن تنتج عنه غراماتٌ باهظةٌ.

تطبيق اللوائح والالتزام بها في مكتب مراقبة الأصول الأجنبية

على عكس كثيرٍ من الجهات التنظيمية، لا يفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التزاماتٍ رسميةً بالامتثال. بل إنه يشرف على نظام “المسؤوليةٍ الصارمة”: بمعنى أن انتهاكات العقوبات غير المقصودة هي عرضةٌ للعقاب بموجب القانون، مهما كان الزمن أو الموارد التي تكرِّسُها الشركة للامتثال إلى القانون. ومع ذلك، فمن يملكون برامج امتثاليةً أقوى لديهم حظوظٌ أكبر في إقناع المكتب بالتساهل معهم بشأن الانتهاكات المحتملة.

ولأجل مساعدة الشركات على وضع برامجها الامتثالية للعقوبات، يُصدِر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية مجموعةً مختلفةً من بيانات السياسة، والأسئلة الأكثر شيوعاً، والكُتَيِّبات، والإنذارات، والنشرات الصحافية. ويقدِّم المكتب كذلك اقتراحاتٍ للامتثال إلى المساهمين في قطاعاتٍ محدَّدةٍ.

على سبيل المثال، ينصح المكتب الشركات المختصَّة بالتجارة عبر الإنترنت بـ”تطوير برنامج امتثالٍ مُعَدٍّ خصيصاً على أساس تقييم المخاطر” بما في ذلك استخدام برمجياتٍ لفحص قائمة العقوبات. وعلى نحوٍ مشابهٍ، يوصي المكتب شركات تحويل الأموال بحظر عناوين بروتوكول الإنترنت IP القادمة من سلطاتٍ قضائيةٍ معاقَبَةٍ، وتحصيل بياناتٍ مفصَّلةٍ للتعرف على العملاء، وتسجيل “الغرض من الدفع” لكل معاملةٍ.

ولسد الفجوات التي تركتها بياناته العامة، يمارس مكتب مراقبة الأصول الأجنبية كذلك “الإرشاد بواسطة الإنفاذ”، أي شرح تفاصيل الانتهاكات المحدَّدة والعوامل المساعدة إما على تخفيف العقوبات أو تغليظها، وهي العوامل التي يضعها المكتب في الاعتبار عند تحديد الغرامات المناسبة.

على سبيل المثال، في عام 2015، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عن تسويةٍ مع موقع باي بال PayPal حول معاملاتٍ بقيمة 44 ألف دولار تقريباً انتهكت عدداً من برامج العقوبات. وذكرت التسوية العديد من أخطاء الامتثال، بما فيها تخلُّف باي بال عن فحص أصحاب الحسابات وفقاً لقائمة العقوبات. ألزم المكتب باي بال بدفع 7 ملايين دولار وشدَّد لشركات معالجة السداد وتحويل الأموال على أهمية الالتزام باللوائح، حتى بالنسبة إلى المعاملات منخفضة القيمة نسبياً.

موقف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية من العملات المشفرة

في حين علَّقت الوكالات الفيدرالية الأميركية الأخرى منذ سنواتٍ على نهضة العملات المشفرة، التزم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الصمت رغم طلبات مساهمي قطاع العملات المشفرة بتوضيح قوانين العقوبات الأميركية. لكن هذا العام، بدأ المكتب الإدلاء برأيه.

في مارس/آذار الماضي، استجاب المكتب لإصدار الحكومة الفنزويلية عملتها المشفرة الخاصة -البترو- عن طريق حظر التعامل بذلك الأصل على الأشخاص الأميركيين. وأصدر المكتب كذلك منشوراً للأسئلة الأكثر شيوعاً، منوِّهاً أن التزامات عقوبات الأشخاص الأميركيين متساويةٌ “بغض النظر عن إجراء المعاملة بعملةٍ مشفرةٍ أو عملةٍ نقديةٍ تقليديةٍ”، ومحذِّراً من أن ذلك قد يضيف محافظ العملات المشفرة إلى قائمة العقوبات مستقبلاً.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، في ضوء قرار الحكومة الأميركية بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض عقوباتٍ معيَّنةٍ ضد إيران، أصدرت وزارة المالية إنذاراً للشركات من الجهود الإيرانية لتمويل أنشطةٍ غير مشروعةٍ خارج الحدود. ووصف الإنذار ممارسات النظام الإيراني بالتحايل على القيود المالية من خلال التعامل بالمعادن النفيسة، وإساءة استخدام مكاتب الصرافة، وتزوير العملة، والتعامل بـ”العملات الافتراضية”.

وتحذيراً من مخاطر العملات المشفرة، أوصى الإنذار شركات العملات المشفرة باتباع خطواتٍ محدَّدةٍ لأجل الامتثال، بما فيها “مراجعة دفاتر البلوكتشين بحثاً عن أية أنشطةٍ قد تنشأ أو تتمُّ في إيران”، باستعمال برمجياتٍ هدفها “مراقبة شبكات البلوكتشين المفتوحة”، وفحص العملاء وفقاً لقائمة العقوبات.

وكانت إدانة الإيرانيَّين اللذين نفَّذا هجمات انتزاع الفدية على الشركات الأميركية الأسبوع الماضي هي أول رد فعلٍ من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية له صلةٍ مباشرةٍ بالعملات المشفرة. وفي منشورٍ صحافيٍّ، أذاع المكتب الإدانةَ على الملأ، مُبرِزاً أنه قد توصَّل إلى محفظَتَي البتكوين الخاصتين بهذين الفردَين “للمرة الأولى” بهدف “مساعدة الممتثلين ومجتمعات العملات المشفرة في التعرف على المعاملات والتمويلات التي يجب حظرها والتحقيق في أية صِلاتٍ مع هذه المحافظ”.

وأصدر المكتب كذلك منشوراتٍ إضافيةً للأسئلة الأكثر شيوعاً لتناول التزامات شركات العملات المشفرة بحظر الأشخاص المعاقَبين، وقالت وكيلة وزارة المالية سيغال ماندلكير إن الوزارة “سوف تلاحق بقوةٍ إيران والأنظمة المارقة الأخرى التي تحاول استغلال العملات المشفرة”.

استعدوا للمزيد

توضِّح الإجراءات الأخيرة الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عودة تركيز الحكومة الأميركية على منع الأنظمة الديكتاتورية -كفنزويلا وإيران وكوريا الشمالية وغيرها- من استخدام العملات المشفرة في التهرُّب من العقوبات الأميركية. وتجد صناعة العملات المشفرة الآن نفسها عالقةً وسط عدَّة صراعاتٍ جيوسياسيةٍ عنيفةٍ.

إذن، ماذا ينبغي لشركات العملات المشفرة أن تفعل؟

أولاً، أن تأخذ الامتثال على محمل الجد. فكما أشار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، جميع التزامات الامتثال متساويةٌ بغض النظر عن إجراء المعاملات إما بالعملات المشفرة وإما بالنقدية.

ثانياً، أن تتفهم المخاطر. فلأن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لا يتطلَّب جهوداً محدَّدةً للامتثال، ليست الشركات مُلزَمةً بفحص العملاء وفقاً لقائمة العقوبات أو تقييد وسائل وصول المستخدمين في بيئاتٍ معيَّنةٍ. لكن حريٌّ بالشركات أن تعلم أن تجاهل هذه المخاطر هو على مسؤوليتها الخاصة.

ثالثاً، أن تتوقع تنفيذ العقوبات. فمكتب مراقبة الأصول الأجنبية، ككثيرٍ من الجهات الحكومية، يوفِّر النصح والإرشاد جزئياً عن طريق إعلان إجراءاته المتخذة لتنفيذ العقوبات. فلن تكون مفاجأةً إذا شرع المكتب في فرض الإجراءات التنفيذية خلال عام 2019 ضد من يتعاملون بالعملات المشفرة دون احترام القوانين الأميركية.

 

إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.