لا يمكن لمستثمري بروتوكول الإيوس (EOS) أن يقولوا إن أحداً لم يحذِّرهم.
من المحتَمَل أن يكون ما تنبَّأ به صانع الإيثريوم فيتاليك بوتيرين في منشورٍ على مدوَّنته في مارس/ آذار الماضي قد تحقَّق على خامس أكبر بلوكتشين في العالم، عَقِب نشوب أحداثٍ دراميةٍ عصفت بالبروتوكول البالغة قيمته 5 مليار دولار على مدار العطلة الأسبوعية السابقة.
فحينئذٍ نشر حسابٌ على موقع تويتر Twitter باسم مايبل ليف كابيتال Maple Leaf Capital لقطاتِ شاشةٍ مسرَّبةً من جدولٍ مُصَمَّمٍ باستخدام برنامج إكسل Excel يُفتَرَض أنها تفضح منصة تداول العملات المشفرة الصينية هوبي Huobi، إحدى أقدم منصات التداول وأكبرها في العالم، وهي تتقاضى أموالاً نظير دعمها جهاتٍ معيَّنةً مسؤولةً عن توزيع آليات صنع القرار داخل الشبكة.
وهذا اتِّهامٌ خطيرٌ لأن بروتوكول الإيوس لا يملك سوى 21 “منتِج بلوكات”، وهي جهاتٌ مؤتَمَنةٌ تُنتَخَبُ دورياً مهمَّتُها هي الحفاظ على تاريخ البلوكتشين، وتتلقَّى هذه الجهات مكافآتٍ في صورة عملاتٍ مشفرةٍ لتنفيذ هذه المهمة.
ولا يمكن لأحدٍ التحقُّق من المزاعم المنشورة في سلسلة التغريدات، ولا من مصدر بيانات جدول الإكسل. وقد أسرعت هوبي بإنكار جميع هذه التهم.
لكن لا يعني هذا أنه لا يجري اتِّخاذ إجراءاتٍ لمعالجة الموقف. فقد أصدرت بلوك وان Block One، وهي الشركة التي ابتكرت برمجية إيوس آي أو EOSIO -التي جمعت في مقابلها 4 مليارات دولار عند العرض الأولي للعملة الذي دامَ قرابة عامٍ كاملٍ- بياناً من طرفها يوم الثلاثاء 2 أكتوبر/ تشرين الأول.
وورد في البيان: “نحن على درايةٍ بمزاعمَ غير مؤكَّدةٍ بشأن عمليات تصويتٍ مخالفةٍ للقواعدِ على منتِجي البلوكات، والإنكار التابع لتلك المزاعم. ونؤمن بأهمية الحرص على إرساء عملية انتخابٍ حرةٍ وديمقراطيةٍ بداخل بروتوكول الإيوس، وقد نصوِّتُ -كما ارتأينا- مع مساهمين آخرين على تحصين نزاهة هذه العملية”.
وبغضِّ النظر عن اتِّهامات مخالفة القانون، يُسَلِّطُ هذا الجدل الضوء على قضايا أعمق، تزيد الطين بلةً على من يزعمون أن نهج الإدارة الخاص ببروتوكول الإيوس قد يكون غير مكتملٍ.
وعلى أبسط المستويات، يتمحور النقاش حول صلاحية السماح لمنتِجي البلوكات بشراء أصوات الناس بالأموال. فمن الواضح أن دستور الإيوس المؤقت والوثائق الموضوعة لإرساء قواعد المشاركة في الشبكة تحظر شراء الأصوات، ولكن مستخدمي الإيوس لم يُصَدِّقوا من قبلُ على ذلك الدستور.
إلا أنَّه في الوقت ذاته، يبدو بروتوكول الإيوس مُصَمَّماً لكي يدعم منتِجو البلوكات منتِجي البلوكات الآخرين.
ويكسب منتِجو البلوكات التوكنات، ويهمُّهم أن يحتفظ البروتوكول بسلامته على المدى البعيد، لذلك يرى البعض أن من الطبيعي (بل والمُحَتَّم) أن يستخدموا تلك التوكنات في دعم منتجي البلوكات الآخرين الذين تعاونوا معهم ويؤمنون بأنهم وكلاء صالحون للشبكة.
وقد اعترف كيفن روز، مدير العلاقات العامة لإيوس نيويورك EOS New York -وهي من منتِجي بلوكات الإيوس منذ إطلاقه- بهذه النقطة، ولكنه قال إلى موقع كوين ديسك CoinDesk: “تكمن المشكلة في مشاركة الأرباح والمتاجرة في الأصوات اللتين تُخِلَّان بقدرة المنظَّمات على الحفاظ على استقلاليتها”.
ولم تستَجب منصة هوبي حتى الآن لطلب موقع كوين ديسك بالتعليق على الأمر. ورفضت شركة بلوك وان تقديم تعليقاتٍ إضافيةٍ.
إدارة غير مكتملة
ولكن رغم قلَّة الأدلة الحاسمة، فقد رسَّخت الحادثة المزاعم التي تشير إلى أن حالة برمجية الإيوس ربما كانت بدائيةً أكثر مما ينبغي وقت إصدارها، لذا فالأمر جديرٌ بإعادة النظر في هذه المزاعم التي تجددت الآن.
أولاً، يملك بروتوكول الإيوس إدارةً محليةً على البلوكتشين، وإن كان نظاماً لا يمكن فيه لأصحاب توكنات الإيوس سوى اتِّخاذ قرارٍ واحدٍ فحسب. ويتعلَّق هذا القرار بتوزيع مقاعد منتجي البلوكات الـ21، الذين يتحكَّمون بسجلِّ الإيوس، على الشركات.
وتعود جميع القرارات الأخرى إلى منتجي البلوكات الـ21 أولئك. وكما ذكر موقع كوين ديسك سابقاً، يمكنهم كذلك تجميد الحسابات التي يؤمنون بأنها تستخدم برمجياتٍ خبيثةً.
وثانياً، يملك الإيوس دستوراً يحظر شراء الأصوات، لكنه لم يُصَدَّق عليه حتى الآن. (وليس من الواضح حتى ما يعنيه التصديق عليه، لأن البرمجية قد صدرت دون توفير سبيلٍ للاتفاق على القواعد).
وهذه النقطة مرتبطةٌ بمنشورٍ حديثٍ على موقع ميديام Medium كتبه مُطَوِّر الإيثريوم فلاد زامفير، يناقش فيه الحاجة إلى تشريع مخطَّطات الإدارة عن طريق الحصول على قبول المحكومين.
وفي حالة الإيوس، ليس من الواضح إن كان هذا الهدف قد تحقَّق أم لا.
مَن وضع الدستور المؤقَّت كانت لجنةً من منتجي البلوكات الطامحين في الفترة السابقة لصدور الإيوس. وتُقرُّ آخر موادِّه بأنه دستورٌ مؤقَّتٌ حتى يتسنَّى التصديق على دستورٍ جديدٍ، ولكن لا تقتصر المشكلة على أن إجراءات التصديق لم تتمَّ بعدُ: بل لا توجد وسيلةٌ شرعيةٌ من الأساس للتصديق عليه.
فمنذ صدوره، دخل إلى هذا الفضاء منتجو بلوكاتٍ طامحون جددٌ لا يعرفون بأمر العملية التي وُضِع بها الدستور أو لا يكترثون بها من الأصل، وقد تمكَّن بعضهم من الفوز بأحد تلك المناصب العليا.
وثالثاً، لا تتوافق إدارة الإيوس المُقَرَّرة مع منصات التداول، التي تدير كميةً وفيرةً من عملات المستخدمين المشفرة.
تُنَفَّذُ حاكمية الإيوس من خلال المحافظ. وإذا لم يُسَلِّم المستخدمون عهدة توكناتهم إلى منصات التداول، فلا يوجد سبيلٌ يمكِّنهم من التصويت بتوكناتهم. وربما الأهمُّ هو الافتقار إلى سبيلٍ لمنع منصَّات التداول من التصويت بتوكنات مستخدميها الذين لا يرغبون في التصويت.
ويجري التصويت على مستوى المحفظة، أي لا يمكن لأي شخصٍ التصويت بالفعل إلا إذا كانت بيده إدارة التوكنات. وعلى من يرغب في التعبير عن رأيه حيال اختيار منتجي البلوكات أن يسهم بتوكناته على الإيوس، الذي يُجَمِّدها لمدة ثلاثة أيامٍ على الأقل.
ويمكن لكل محفظةٍ التصويت على ما يتراوح بين 1 و30 منتجاً للبلوكات. وأياً كان عدد من اختاروهم، يحصل كلٌّ منهم على صوتٍ مقابلَ كل توكنٍ أسهم به المستخدم. أي أن المستخدم إذا كان قد أسهم بعشرة توكنات وصوَّت لعشرة منتجي بلوكات، يحصل كلٌّ منهم على عشرة أصوات. وإذا صوَّت لثلاثين، حصل كلٌّ واحد منهم على عشرة أصواتٍ. ولا توجد فروقٌ إضافيةٌ.
والتصويت أيضاً مستمرٌّ. فتُعيد برمجية إيوس آي أو EOSIO تفقُّد عدد الأصوات كل بضع دقائق، وإذا كان مرشَّحٌ جديدٌ قد انضمَّ إلى الـ21 الأوائل، يُطرَد مرشَّحٌ آخر ويحل محلَّه ذلك المرشح الجديد.
وبما أن المستخدمين يضعون توكناتهم في محفظة (أو محفظات) بمنصات التداول بغرض استخدامها هناك، فسيتعيَّن على منصات التداول بذل مجهوداتٍ جبارةٍ لمنح مساهمي الإيوس وسيلةً للتصويت (مثل إنشاء محفظةٍ منفصلةٍ لكل عملية إحلالٍ للأصوات). ووضعت منصة بتفينيكس Bitfinex برمجيةً مفتوحة المصدر لأجل منح مستخدميها حق الاقتراع، ولكنَّ لها حدوداً. ولا نعرف أية منصات تداولٍ أخرى طبَّقت هذه البرمجية أو أي شيءٍ شبيهٍ بها.
وقد حثَّ مجتمع الإيوس النشط المستخدمين على إزالة توكناتهم من منصات التداول منذ ما قبل صدور الإيوس، وطرح أحد المستخدمين هذه النقطة خلال مؤتمرٍ جماعيٍّ بالفيديو استضافه تحالف الإيوس EOS Alliance لمرشَّحي مناصب منتجي البلوكات الصينيين، وعُقِدَ هذا المؤتمر لمناقشة القضية الحالية المثيرة للجدل.
وأخيراً، محفظات الإيوس على العموم مجهولة الهوية. مما يجعل معرفة مَن يعطي ماذا إلى مَن أمراً محالاً. ففي نهاية المطاف، لن يُضطَّر منتجو البلوكات العديدون المتَّهمون بدفع الأموال لمنصة هوبي إلى تسديد نسبةٍ من مكافآت بلوكاتهم إلى محفظات هوبي معلومة الهوية.
لذلك، حتى وإن لم تقبل هوبي بتقاضي هذه الأموال، فإن المحاورات الجارية تعكس بقوةٍ المخاوف المشتركة من احتمال حدوث شيءٍ كهذا.
تنبؤ فيتاليك
ومع ذلك، يزعم البعض أن مؤيِّدي بروتوكول الإيوس كانوا يعرفون بأمر هذه المشكلة، ولكنَّهم تقاصروا عن إبطال مخاوف الناس. وعلى سبيل المثال، أبرز فيتاليك بوتيرين قابلية شراء الأصوات قبل صدور الإيوس.
وكتب في منشوره: “لا يملك المُصَوِّتُ المتوسِّطُ إلا فرصةً ضئيلةً للتأثير في عملية اختيار المندوبين.. ودافِعُهم هو التصويت لصالح من يُقَدِّمُ الرشوة الأعلى والأوثق”.
وفي ذلك الوقت، أشار أيضاً إلى أن التوتُّر المحيط باختيار منتجي البلوكات “قد صار فعلياً واجهةً أخرى للحرب الاقتصادية الجغرافية السياسية بين الولايات المتحدة والصين”.
وما زال هذا حقيقياً. فعند التحقيق في عدَّة قنوات ذات صلةٍ بالإيوس على تطبيق تيليغرام Telegram، رأينا مساهمي الإيوس يعلنون امتناعهم عن التصويت لأي منتج بلوكاتٍ صينيٍّ على الإطلاق. إلا أنه ربما من الأدق أن نقول إن هذا الصدع ناجمٌ عن التوترات بين منتجي البلوكات الذين شاركوا في الإصدار العام ومن لم يشاركوا.
ولكن هذا يعكس مشكلةً أعمق ناتجةً عن الفشل في تحديد القواعد منذ البداية.
ويعامل بعض المستخدمين الدستور المؤقَّت كمجرد أوراق (رقمية) غير ملزمة. وإلى جانب الدستور المؤقت، هناك أيضاً اتفاقية منتجي البلوكات، التي يتعهَّد بموجبها المرشَّحون لمناصب منتجي البلوكات بإفصاح مواقع الويب عن أي طرفٍ يملك حصةً تزيد عن 10 بالمئة من شركاتهم.
ولم يلتزم بعضهم بهذا، وليس بيد المجتمع حيلةٌ سوى إجراء عملية فورك للبروتوكول.
وكما كتب زامفير على مدوَّنته: “إذا كانت آلية التنسيق شرعيةً، سيتصرَّف الناس (على نحوٍ منطقيٍّ) على أساس أن استخدام الناس لهذه الآلية حقيقةٌ لا شكَّ فيها.. وإذا كانت غير شرعيةٍ، سيتصرَّفون كما لو أن عدم استخدام الناس لها أمرٌ محتومٌ”.
ولا يتصرَّف بعض ذوي النفوذ كما لو أن الدستور المؤقت واتفاقية منتجي البلوكات وثيقتان شرعيَّتان. ونحن نعلم ذلك بالفعل، لأنهم لا يلتزمون بجميع الشروط التي تنصُّ عليها الاتفاقية.
إذن، حتى لو لم تكن هوبي تشتري الأصوات الآن، ففي النهاية ستفعل هذا جهةٌ ما، ما لم تُرسَى قواعد يراها المجتمع بأسره شرعيةً.
بوجيز العبارة، إنها مشكلةٌ قد تستغرق بعض الوقت في تسويتها.
وكانت تلك هي وجهة نظر جهة إنتاج بلوكات تُطلِق على نفسها اسم أورورا إيوس Aurora EOS، إذ كتبت على مدوَّنتها: “مع نموِّ الإيوس ودعمه مزيداً من حالات الاستخدام، فإن المهتمِّين بنجاح الشبكة على المدى البعيد هم على استعدادٍ لمكافحة القوى السلبية، مثل التلاعب بالأصوات، التي تُفسِد الأمان بعيد المدى للشبكة”.
معنى هذا أنه إذا كان مجتمعٌ لامركزيٌّ مثل مجتمع الإيوس قد بات مُفَكَّكاً بالفعل، فينبغي للحافز الأساسي على نجاح الشبكة أن يؤدي إلى التوصُّل إلى حلولٍ.
وكما يشير منشور زامفير: لن يكفي أن يجري التصويتُ على شيءٍ ما. بل يجب أن يعتبره عددٌ كافٍ من المشاركين شرعياً بحيث تشعر النسبة العظمى منهم بالميل نحو اتِّباع القواعد.
وعلى المدى القصير، إذا كان أي منتج بلوكات يستغلُّ نفوذه لتحقيق مصالح شخصيةٍ، يمكن لشركة بلوك وان أن تطيحه من على قائمة الـ21 الأوائل باستخدام مخزونها الوفير من التوكنات التي لم تُبَع حتى الآن.
ولكن أن يُقصِي حوتٌ واحدٌ حيتاناً آخرين هي استراتيجيةٌ ربما لا تُفلِح في ترسيخ إدارة شرعيةٍ كذلك.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.