بأسلوبٍ شبيهٍ بالتقارير الإعلامية الكاذبة عن مدى “صعوبة” العيش على العملات المشفرة، تابعت قناة إيكيي Iqiyi، نظيرة نتفليكس Netflix في الصين، امرأةً تحاول فعل ذلك لـ21 يوماً. ومع أن أصحاب البتكوين يفعلون هذا منذ سنواتٍ من خلال عديدٍ من مزوِّدي الخدمة، ومنصات التداول، وأجل، حتى الخدمات القائمة على معاملات النظير إلى النظير، ما زال الإعلام يُكَرِّر مقولة “صعوبة” هذا الأمر، التي من الواضح أنها غير صحيحةٍ. ولكن لحسن الحظ، جاء الوثائقيُّ الصينيُّ الجديد Bitcoin Girl مختلفاً بعض الشيء؛ فعوضاً عن التركيز على العوائق التقنية وحدها، يُبرِز الفيلم كذلك كيفية صمود البتكوين تحت القمع الشديد الذي يفرضه الحزب الشيوعيُّ.
نظيرة نتفليكس في الصين تُذيعُ تحدِّي البتكوين لـ21 يوماً
إذا تفقَّدت موقع يوتيوب YouTube، فمن السهل أن تجد عدداً لا حصر له من الفيديوهات القصيرة والوثائقيات عن استخدام البتكوين، والعملات المشفرة على العموم، إما كأحد ملامح أسلوب حياة الفرد أو كوسيلة تبادلٍ أساسيةٍ. ويتعلَّق المفهوم الأعمُّ دائماً بالعوائق والصعوبات، وتتطرَّق الفيديوهات عادةً إلى دهاليز الإنترنت العميق أو حكاياتٍ عن عصاباتٍ إجراميةٍ تستغلُّ هذه التكنولوجيا لتحقيق أغراضٍ دنيئةٍ.
لذلك كان من المنعِش معرفة أن سلسلة أفلامٍ وثائقيةٍ تُذاعُ في الصين على نسختها من منصة نتفليكس، تحت اسم “فتاة التكوين وتحدي الصمود الرقمي لمدة 21 يوماً”، وتقدِّم الأفلام نظرةً وراء الستار إلى الدولة الشيوعية وكيف يحاول أنصار العملات المشفَّرة التعامل معها.
وجاءت مقدِّمة السلسلة، مُتَرجَمةً بواسطة غوغل Google، على النحو التالي: “هناك فتاةٌ، وهي مؤمنةٌ بالبلوكتشين. قالت إنها تريد الذهاب إلى مدينةٍ يوماً ما وتُجريَ تجربةً بالعيش على البتكوين وحدها. قواعد التحدي: الأُولى، بـ0.21 بتكوين، يعيش فردٌ واحدٌ في بكين مدَّة 21 يوماً. والثانية، لا يحقُّ له سوى استخدام البتكوين، ولا يقبل بأي مساعداتٍ ماليةٍ”.
ولمن لا يعرفون، السلسلة (التي وصلت الآن إلى 17 حلقةً وقت النشر) مبنيةٌ على تجربة هي يوبينغ، وهو اسمٌ مستعارٌ لشابةً تبدأ رحلة العيش بمبلغٍ من البتكوين يساوي ما يقرب من 1300 دولار، دون أي مساعدةٍ أو إعانةٍ، وإنما مجرُّد تعاملات النظير إلى النظير، والهاتف إلى الهاتف.
مُعدَمةٌ إلا من البتكوين
لم يُسمَح لهي يوبينغ بأن تأخذ معها أي شيءٍ من احتياجاتها الضرورية الأساسية. فعليها أن تخوض التجربة بما لديها في أكثر مدن الصين ازدحاماً، بدءاً من بكين. ويُفتَرَض أن إدارة السلسلة هم من أعطوها الاسم المستعار، الذي يعني امتلاك هوسٍ من نوعٍ ما: في هذه الحالة هو العملات المشفرة.
الاختلاف الرئيسيُّ في هذا الوثائقيِّ هو البيئة. ومع أنه بالتأكيد يمكن اعتباره دعايةً هادفةً إلى جعل العملات المشفرة تبدو عديمة النفع للشخص العاديِّ، فهو كذلك اعترافٌ غريبٌ. لقد تردَّد اسم الصين مؤخراً بالطبع بسبب حظرها للعملات المشفرة. وقبيل منع جهات العملات المشفرة رسمياً من العمل، ضيَّقت الحكومة الخناق بحملات الرقابة ضد التطبيقات الرائجة للهواتف الذكية مثل وي تشات Wechat، وحظرت أيضاً ما يزيد عن 100 منصةٍ أجنبيةٍ لتداول العملات المشفرة. وبلغ الأمر بالحكومة الصينية أن فرضت ضغطاً على موقع أليباي Alipay للدفع الإلكتروني لأجل وقف جميع معاملات العملات المشفرة غير الرسمية على منصتهم.
وتشترك كل هذه العوامل بلا شكٍّ في تصوير الحلقة الأولى لها وهي في حالةٍ من اليأس والإحباط. إذ تمضي معظم يومها في تعريف الباعة بماهية البتكوين، فضلاً عن إقناعهم بقبولها. ومن مدن الملاهي إلى المطاعم، لم تنجح طوال اليوم والليلة. إلا أنها تمكَّنت من العثور على درَّاجةٍ عموميةٍ بلا قفلٍ عليها، ساعدتها على توصيل رسالتها لمزيدٍ من أصحاب الأعمال المُحتَمَلين والأشخاص العاديين، وأنهت ليلتها منهكةً ومنهزمةً، فباتت في أحد فروع ماكدونالدز McDonald’s.
وجاء الغذاء من أي مصدرٍ استطاعت العثور عليه، إذ تناولت المرأة النحيفة بالفعل عبوَّاتٍ توابل مجانيةً أثناء التهامها بقايا شطائر برغر لم تُلقَ في القمامة، وحتى الثمرات المتدلِّية من الأشجار. واستمرَّ الوضع على هذه الحال يومين، وفي كلِّ ثانيةٍ كانت تصاب بالقيء من جرَّاء التجربة. وساعدت الدراما المصطنعة وسائل الإعلام المحلية على جذب مزيدٍ من الانتباه إلى حالتها. فابتاع لها فاعلو الخير طعاماً في مقابل البتكوين، بينما أُجرِيَ فحصٌ عليها في مستشفىً قريبٍ. وتطوَّع معرض فنونٍ باستضافتها لليلة الثالثة.
غياب الدعاية هو دعاية سلبية
ثم حدثت غرائب وعجائب. إذ وجدها سكَّان المدينة الصينية على وي تشات نتيجة التغطية الإعلامية لها، وشرعوا في تبادل الخدمات والسلع معها مقابل البتكوين. في الحقيقة، لم يَبدُ أن كثيراً منهم يمانعون مبادلة العملات النقدية، مما جعل منتجي البرنامج يعدِّلون القواعد لتشمل منع المعاملات عبر الإنترنت: حياةٌ حقيقيةٌ وأشخاصٌ حقيقيون فقط.
ثم تراكمت التغطيات الإعلامية، ووضَّحت التقارير عدد مجموعات وي تشات التي كانت تتبعها، مملوءةً عن آخرها. فالحدُّ الأقصى هو 500 شخصٍ في المجموعة. وظهرت قرابة ستِّ مجموعاتٍ تتألَّف من جميع قطاعات المجتمع الصينيِّ.
من الواضح أن حُمَّى العملات المشفرة ما تزال حية وراء سور الشيوعية العظيم. وإذا كانت للوثائقيِّ أية إيجابياتٍ، فهي أنه يُظهِر قوة العملات المشفرة ومواقع التواصل الاجتماعيِّ. فحتى تحت وطأة القمع الشديد، وصل إليها أقرانها من الشعب الصينيِّ عن طريق الهواتف الذكية والتكنولوجيات المرتبطة بها، بعد أن ذاع صيتها في وسائل الإعلام. وما لبثت أن وجدت خارج بكين مطعماً يقبل البتكوين. واستطاعت التفاوض على شراء ثيابٍ مقابل العملة المشفرة، حتى أنها حجزت غرفةً في أحد الفنادق.
ويبدو أن بقية السلسلة تسير على هذا المنوال، ولسببٍ ما لم تمنعه الحكومة من العرض حتى الآن. فيبدو أن هي يوبينغ إنما تكتسب المزيد والمزيد من التعاطف. وقد صوَّر بالفعل صانعو الوثائقيِّ كيف أن نسبةً كبيرةً من المتعاملين بالبتكوين ما زالوا يعانون من رسوم المعاملات الباهظة والبطء في التأكيد على المعاملات التي اتَّسَمت بها المرحلة الأخيرة من فترة سريان البتكوين حتى أواخر 2017.
وممَّا يُزيد من عدم ثقتهم بالبتكوين أيضاً اقتران اسم العملات المشفرة بعمليات النصب، لذلك تقضي هي يوبينغ وقتها في محاولة إقناع نظرائها المحتملين في التجارة بأنها ليست محتالةً. ودون أي مجهودٍ منها، تصدَّرت سلسلة “فتاة البتكوين” المناظرة بين وسائل التبادل وتخزين القيمة. وإذا كانت الحلقات الـ17 دليلاً يُعتَدُّ به، فمن الجليِّ أن الشعب الصينيَّ على استعدادٍ لشيءٍ أشبه بالبتكوين كاش (BCH) ومزاياها من البتكوين (BTC) التي تبدو ملطَّخة السمعة.
إخلاء المسؤولية: الآراء والتحليلات والأخبار الواردة لا تعكس رأي بت شين. لا ينبغي اعتبار أي من المعلومات التي تقرأها على موقع بت شين بمثابة نصيحة استثمارية، ولا تصادق بت شين على أي مشروع قد يتم ذكره أو ربطه في هذه المقالة. يجب اعتبار شراء وتداول العملات المشفرة نشاطًا عالي المخاطر. ويرجى بذل المجهود الواجب قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالمحتوى المذكور ضمن هذا التقرير. لا تتحمل بت شين أي مسؤولية في حالة خسارة الأموال في تداول العملات المشفرة.